بين الأعياد الشرعية والأعياد البدعية-خطبة عيد الفطر لعام 1431

عناصر الخطبة

  1. الفطر والأضحى من فضل الله على الأمة
  2. الأعياد من الدين
  3. من فلسفة الأعياد في الإسلام
  4. حب الأوطان والأعياد
  5. الديموقراطية والدولة المدنية
  6. التوسع في المنكرات يوم العيد
  7. الانتهاكات الغربية لمقدسات المسلمين
  8. وإخوانهم المنافقون يمدونهم في الغي
  9. دور المرأة في التصدي للمنافقين
اقتباس

من رحمة الله تعالى بعباده، وتفضله على هذه الأمة الفاضلة المباركة أن شرع لها العيدين الكبيرين: عيد الفطر وعيد الأضحى، وجعل عيدها الأسبوعي الجمعة، وهداها لهذه الأعياد المباركة بعد أن ضلت عنها الأمم الضالة، وجعل العيدين الحوليين عوضًا وبدلاً عن أيام الجاهلية وأعيادها …

  أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- وأطيعوه، وخذوا حظكم من الأعمال الصالحة قبل أن يحال بينكم وبينها، واعلموا أن كل عيد جديد يبعدكم عن دنياكم ويقربكم من أخراكم، فتزودوا من دار فنائكم ما يكون سببًا لفوزكم في دار بقائكم: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ [غافر: 39].

أيها الناس: مضى رمضان بما أودع العباد فيه من أعمالهم؛ فمحسن ومسيء، ومشمر ومفرط، ومستكثر ومقل، ومقبول ومردود، فيا لله العظيم كم من آية في رمضان تليت، وكم من جباه لله تعالى سجدت، وكم من عين من خشيته دمعت، وكم من دعوات إليه رفعت.

مضى رمضان وملايين المسلمين في كل الأقطار، ومن كل الأجناس، وبمختلف اللغات واللهجات، قد عبدوا الله تعالى فيه، يمسكون عن المفطرات بطلوع الفجر، ويفطرون وقت غروب الشمس، فمن فرض عليهم ذلك؟! ومن راقبهم فيه؟! ولماذا أذعنوا له وامتثلوا أمره؟! فسبحان الذي عبَّدهم له، وهداهم إليه!!

مضى رمضان ومساجد المسلمين قد أضاءت في الليل بالقرآن والدعاء، والتهجد والوتر، فكم مِنْ حَمْدٍ لله تعالى وثناء عليه قد رفع من الأرض إلى السماء؟! ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10].

وكم من حاجة طلبها المصلون من الله تعالى وأمَّن عليها المسلمون؟! وكم من مسائل وأسرار أفضى بها العباد إلى ربهم في خلوتهم وسجودهم يسألونها ربهم، ويخافتون بها أصواتهم، يخفونها عمن يسجدون بجوارهم؟! فسبحان من وسع سمعه أصواتهم حتى علم تخافتهم وتمتماتهم! وسبحان من أحاط علمه بلغاتهم ولهجاتهم! وسبحان من أحصى مسائلهم! وسبحان من وسعت خزائنه حاجاتهم!!

ختم العباد شهرهم، واليوم يحضرون عيدهم، فمنهم المرحوم ومنهم المحروم، والعيد الحقيقي إنما هم عيد من قبل الله تعالى منه، ورضي عمله، وشكر سعيه؛ فاللهم اجعلنا برحمتك من المقبولين، ولا تجعلنا من المحرومين.

أيها المسلمون: من رحمة الله تعالى بعباده، وتفضله على هذه الأمة الفاضلة المباركة أن شرع لها العيدين الكبيرين: عيد الفطر وعيد الأضحى، وجعل عيدها الأسبوعي الجمعة، وهداها لهذه الأعياد المباركة بعد أن ضلت عنها الأمم الضالة، وجعل العيدين الحوليين عوضًا وبدلاً عن أيام الجاهلية وأعيادها.

روى أنس -رضي الله عنه- فقال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟!"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى ويوم الفطر". رواه أبو داود.

وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا". رواه مسلم.

وفي حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام". رواه أبو داود.

وهذه الأحاديث تفيد أن الأعياد ليست من العوائد التي يتواطأ الناس عليها فحسب، حتى يشرع الناس فيها ما يشرعون، ويخترعون منها ما يخترعون، ويتبعون غيرهم فيها، ولكن الأعياد من الدين والشرائع، فوجب الوقوف فيها وفي شعائرها عند النصوص، وكل عيد يخترع، أو يوم يعظم لم يرد في الشرع أنه عيد فهو من أمر الجاهلية، ولو ساغ للناس أن يخترعوا أعيادًا من عند أنفسهم لأقرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل المدينة على اليومين الجاهليين اللذين كانا عيدًا لهم، ولو كان كذلك لما أخبرهم أن الله تعالى قد أبدلهم بهما العيدين الشرعيين؛ والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه.

وهكذا عمل أهل الصدر الأول من المسلمين حتى ماتت في مجتمعاتهم كل الأعياد والأيام التي اعتادوها في جاهليتهم؛ امتثالاً لأمر الله تعالى، واكتفاءً بما شرعه لهم من أعياد عما أحدثه الناس وابتدعوه.

إن كل عيد يصاحبه -ولا بد- جملة من الاحتفالات والشعائر والمراسم، وهذا عند كل الأمم السابقة والحاضرة، ويتضمن ذلك تعظيم اليوم الذي يتخذ عيدًا، لميزة تميز بها حسب شريعة، أو عادة من اتخذوه عيدًا، وأعياد أهل الإسلام قد توجت بأعظم الشعائر الربانية التي فيها صلاح البشرية، فعيد الأسبوع تضمن خطبة الجمعة وصلاتها، وما في التبكير إليها وحضورها من الفضل العظيم، وفضائل الجمعة في الشريعة كثيرة، وخصائصه من بين أيام الأسبوع عديدة، فاستحق أن يكون عيدًا لأن الله تعالى قد رضيه للمسلمين عيدًا.

وعيد الفطر قد توج بشهر الصوم رابع أركان الإسلام، وأحد مبانيه العظام، فاستحق أن يكون عيدًا لأن الله تعالى شرعه للمسلمين عيدًا، يفرحون فيه بطاعة ربهم، وإتمام صيامهم، ويشكرون فيه المنعم عليهم.

وعيد الأضحى قد توج بالنسك الأعظم، والحج الأكبر، خامس أركان الإسلام، وكان خاتمة أيام هي أفضل أيام السنة على الإطلاق، فاستحق أن يكون عيدًا لأن الله تعالى جعله للمسلمين عيدًا.

وأي أعياد غيرها، أو أيام من السنة تعظم وتتخذ عيدًا، وترسم لها المراسم، ويحتفل الناس فيها، فهي من أمر الجاهلية، ولا يحبها الله تعالى لعباده، ولا يرضاها لهم أعيادًا، سواء أتعلقت بذكريات أشخاص عظماء، أم معارك خالدة، أم أوطان عزيزة، أم غير ذلك، ولو جاز أن يتخذ للأشخاص عيد لكان أحق الناس بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي ما وطئ الثرى خير منه، ولا لأحد من الناس علينا من الفضل كفضله، ومع ذلك ما أمر أن يُتَّخَذَ له عيد، ولا فعله الصحابة -رضي الله عنهم- مع عظيم محبتهم وتوقيرهم له.

ولو جاز أن يتخذ للمعارك عيد لكانت غزوة بدر أولى المعارك بذلك؛ إذ هي أعظم معركة في التاريخ البشري كله، وأول فرقان بين الحق والباطل في هذه الأمة.

ولو جاز أن يتخذ للأوطان أعياد لكان قيام دولة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة أولى بذلك من غيرها، بعد أن هاجر المهاجرون، وتآخى المسلمون، وصار لهم شوكة وقوة.

وما منع من اتخاذ تلك الأيام الخالدة في الإسلام أعيادًا إلا لأن الله تعالى لم يرتضها للمسلمين أعيادًا، فتركها المسلمون مع عظيم محبتهم لها، وشغفهم بها؛ طاعة لله تعالى، ورضًا بما شرعه لهم من الأعياد العظيمة المباركة، واكتفاءً بها عن أي أعياد أخرى مهما كانت، فلهم الأجر الكبير على الطاعة والاتباع، كما أن لغيرهم الوزر والإثم على المخالفة والابتداع.

إن حب الأوطان، والإخلاص لها، وصدق الانتماء إليها، لن يكون بابتداع ما لم يأذن به الله تعالى، ومخالفة أمره، وإنما يكون ذلك باتباع شرعه سبحانه، وإقامة دينه، ومجانبة معصيته، وطاعة الولاة في المعروف، والصدق في النصح لهم، وعدم مجاملتهم أو مداهنتهم في الحق، ودلالتهم على البر، ونهيهم عن الإثم.

إن حب الأوطان، وصدق الانتماء إليها يكون في التناصح بين الراعي والرعية، والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، ولا خير في رعية لا يبذلون النصح لولاتهم، ولا خير في ولاة لا يقبلون نصح الناصحين من رعاياهم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن؟! قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". رواه مسلم.

إن حب الأوطان لا يكون إلا بالسعي فيما يصلحها، ولا إصلاح إلا في دين الله تعالى، ووفق شريعته، وكل ما عارض الشريعة فليس بإصلاح، ولكنه الفساد والإفساد.

إن العلاقة بين الحاكم والمحكوم أكبر أمرًا، وأعلى شأنًا من مجرد التعلق بتراب أو حصى، أو رسم أيام لذلك.

إنها عقد وثيق، وميثاق غليظ، على التعاضد والتعاون، والنصح والنصرة، والسمع والطاعة، ولزوم الجماعة.

إنها دين يدين به العبد لربه في سره وعلانيته، وفي عسره ويسره، وفي منشطه ومكرهه، وفي حال الأثرة عليه، وفيما أحب وما كره، وليست مجرد تجارة يطلب بها العبد جاهًا أو مالاً، أو يبتغي بها ثناءً بمقالة يتزلف بها، ويظهر فيها التباكي على الوطن، والله تعالى وحده أعلم بما في قلبه من كراهية لهذا الوطن وأهله، بسبب انحرافاته الفكرية، وانتمائه ثقافيًا ومذهبيًا لأعداء وطنه.

ومن أراد حصر العلاقة بين الحاكم والمحكوم في تراب وحصى، واختزالها في أيام يحتفى بها فيها، فهو يضعفها ويصدعها، ويفرغها من مضامينها الشرعية.

إن كثيرًا ممن يلحون وبقوة من بني يعرب على مسألة الوطنية إنما يريدون أن يحل الانتماء إلى التراب محل الانتماء للدين، تمهيدًا لنقل الناس من الإيمان إلى الإلحاد، ومن عبادة الله تعالى إلى عبادة الدنيا، فيما يسمى بالديموقراطية والدولة المدنية التي يتم بموجبها الاتفاق على تقاسم الدنيا، وبناء العلاقات على أساسها، وترك النظر في الأمور الدينية المتعلقة بالآخرة، وإقصائها عن واقع الناس، على غرار ما حصل في الغرب إبان نشوء ما يسمى بحركات التحرر الوطنية التي جعلت الأوطان فيها بدائل للكنائس، وثار دعاتها على ملوك أوروبا ورهبانها، وأعلنوا أن الدين لله وأن الوطن للجميع، وهذا الشعار الجاهلي يقذف بها كثير ممن يسمون بالمفكرين والمثقفين والصحفيين في أحاديثهم عن الوطنية، ثم رأينا كثيرًا ممن يستميتون في إحلال الوطنية محل الدين، ويتباكون في قنواتهم وصحفهم على ضعف الانتماء الوطني لدى الناس!!

رأيناهم يتصلون بالأعداء من وراء حكوماتهم، ويفشون أسرار دولهم، ويدلون على عورات مجتمعاتهم، ويحرضون الأعداء على بني أوطانهم، ولا يطرحون مما يزعمونه مشاريع إصلاح إلا ما رضيه لهم ملاحدة الغرب، عبر إملاءات يملونها عليهم، بأجور يدفعونها لهم!! فيا لها من وطنية خانوا فيها أوطانهم، وجعلتهم مجندين لأعداء أمتهم.

ثم رأينا إخوانهم الوطنيين في البلاد القريبة كانوا في مقدمة جيش العدو لاحتلال وطنهم، ولما مكن لهم العدو في وطنهم الذي خانوه نهبوا ثرواته، وأحلوا الفوضى فيه، ولن يعدو فعل هؤلاء فعل أولئك لو قدروا وتمكنوا.

ثم رأينا في البلاد القريبة من يتهمهم هؤلاء بأنهم أعداء الوطنية هم من حملوا لواء الدفاع عن الوطن لما احتله العدو الصائل الغاشم، فأي الفريقين أصدق؟! وأيهما كان أكثر انتماءً لوطنه؟!

ومن خان الله تعالى فطرح دينه، ورام تبديل شريعته، فخيانته لغير الله تعالى أهون، وبيعه لوطنيته التي يصيح بها أجدر وأحرى، ولا مبدأ لديه وإنما هو مع من يدفع أكثر.

حمى الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من شرور أصحاب هذه التوجهات المشبوهة، والأفكار المنحرفة، ورد كيدهم عليهم.

أيها الإخوة: ويوم العيد يوم من أيام الله تعالى، ونعمة اختص الله تعالى بها عباده المؤمنين، فوجب عليهم أن يشكروا الله تعالى عليها وعلى نعمة إدراك رمضان، وتمام الصيام، وليس من الشكر في شيء أن يكون يوم العيد يوم المنكرات، وكأن الناس قد أطلقوا من سجن رمضان، وكأنهم لم يستفيدوا من شهرهم شيئًا.

إن الناس قد توسعوا في العيد توسعًا تجاوز المباحات إلى كثير من المحرمات، كإقامة الحفلات الغنائية، والمسرحيات النسائية، والفعاليات المختلطة بين الرجال والنساء، وما يصاحب ذلك من تبرج النساء وسفورهن، وما ينتج عنه من الفتنة والفساد الكبير، وكل هذا الإثم العظيم، والمنكر الكبير، يسوغ بفرحة العيد، والتوسعة على الناس!! فهل الفرح بما شرع الله تعالى للناس من الأعياد المباركة يكون بمبارزته سبحانه فيها بالعصيان؟! ليست هذه أخلاق المؤمنين، ولا ما تعلموه من الشهر الكريم، أين ما تعلمه الصائم من إرادة قوية في كبح جماح الشهوات، ومجانبة المنكرات، أتراه يهدر ذلك بفرحة زائلة في العيد؟! ليس هذا الظن بأهل الصيام والقيام، فاجتنبوا -رحمكم الله- المنكرات في العيد؛ صيانة لدينكم، وشكرًا لربكم: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].

أيها المسلمون، أيها الصائمون القائمون: ما أحوج المسلمين إلى الطاعة بدل المعصية، والاتباع بدل الابتداع، والاستقلال بدل التبعية، والخضوع لله تعالى بدل الخضوع لغيره، والتسليم لأمره سبحانه في كل الأمور، ففي المسلمين من العلل والأوصاب والهموم والغموم ما لا كاشف له إلا الله تعالى.

لقد عانى المسلمون -وما زالوا- من أدواء التفرق والاختلاف، ولن يلم شعثهم، ويقضي على تفرقهم إلا التزام الكتاب والسنة.

ويعاني المسلمون من تسلط أعدائهم من الكفار والمنافقين عليهم، باحتلال ديارهم، ونهب ثرواتهم، ومحاولة تقسيم بلدانهم فيما يعرف بالشرق أوسطية، ثم الشرق الأوسط الكبير، ثم الشرق الأوسط الجديد، في مشاريع وخطط يتآمرون بها على المسلمين، يبدونها ولا يخفونها، والمارينز العرب في صحفهم وفضائياتهم يسوِّقون لها، ويبشرون الناس بها، دون حياء ولا خوف.

لقد اعتدى أئمة الكفر والضلال في هذا العصر على قرآن المسلمين فدنسوه ومزقوه وأهانوه، واعتدوا على نبيهم فصوروه بأقبح الصور، ووصفوه بأبشع الأوصاف، واعتدوا على شريعتهم فاتهموها بالدموية والفاشية، وانبرى إخوانهم المنافقون للطعن في رجالات الإسلام وقادته وعظمائه بدءًا بالصحابة -رضي الله عنهم-، ومرورًا بقادة المسلمين عبر العصور، وانتهاءً بعلماء هذا العصر ودعاته، والتشكيك في تاريخ المسلمين كله، ووصفه بالظلام والاستبداد، وكانوا من قبل يستثنون عهد الخلافة الراشدة، وأما الآن ومع ظهور الإلحاد، واستعلان النفاق فإنهم لا يستثنون أي شيء من طعنهم وتشكيكهم، مع استهزائهم بشعائر الإسلام، وأحكامه التي أنزلها الله تعالى وفرضها على عباده المؤمنين، وسخريتهم بعادات الناس ولهجاتهم في مسلسلات هازلة، ومقالات ساخرة، وروايات فاجرة.

وقنواتهم الإعلامية من صحف ومجلات وإذاعات وفضائيات تقوم بمهمة مسخ العقول وتدميرها، وإفساد الفطر وتخريبها، مع تكريس كل أنواع الذل والتبعية، وتسويق ألوان الفساد والانحلال، وقد كانوا من قبل يستنسخون برامج غربية لأجل ذلك، يبثونها بين حين وآخر، أما الآن فهم يستنسخون قنوات فضائية غربية كاملة، وينقلون شبكات إعلامية بكافة برامجها، ليس لها من عربيتها إلا أن ملاكها عرب، وإلا فهي إفرنجية التأسيس والمشرب، والتوجه والدعاية، والفكر والثقافة.

إنه تنسيق بين قوى الشر والضلال والظلام في هذا العصر لضرب كل ما له صلة بالإسلام، وتشويهه وتجريحه، وتخويف الناس منه، مع السعي الحثيث من قبل أرباب الطوائف الضالة، وأصحاب المذاهب الباطنية لاستغلال هذه الفرصة بتسويق باطلهم، ونشر مذاهبهم عند عامة الناس، وقد رأينا كيف أن القوى العالمية المستكبرة، والمروجين لمشاريعها من المارينز العرب لا يتعرضون في هجومهم لمبادئ هذه الفرق الضالة، وأفعالها الشاذة، بل يدافعون عنها، ويجعلونها المثل المحتذى الذي يجب أن يسلكه المسلمون، لعلمهم أنها من أكبر أسباب هدم الإسلام وتشويهه، وليقينهم أن أرباب هذه الطوائف من أكبر حلفائهم ضد أهل الحق من المسلمين، ويكفي دليلاً على ذلك تمكينهم لها في البلاد التي يحتلونها، لذبح أهل الحق وإبادتهم.

إنه لا خوف على الإسلام من تلك الحملات الصليبية والنفاقية المعاصرة؛ فدين الله تعالى منصور، وشريعته ظاهره، وأمره سبحانه نافذ، ولكن الخوف كل الخوف على كثير من المسلمين أن يتركوا دينهم، ويطرحوا شريعة ربهم، ويتبعوا ما رضيه لهم الكفار والمنافقون من مناهج منحرفة، وأفكار ضالة، وإزاء ذلك لا بد أن تتضافر جهود الغيورين للدرء عن الإسلام، وحماية بيضته، والدفاع عن شريعته، ورد تشكيك المشككين، ودحض شبهات الكافرين والمنافقين، وحفظ عوام المسلمين وناشئتهم وشبابهم وفتياتهم من هذه الحملات المفسدة المضللة، وكل واحد من المسلمين مسؤول في مجاله، ومطالب بالعمل على قدر طاقته ووسعه.

فأصحاب القرار والسياسة هم رؤوس الناس، وبأيديهم من الحلول وأوراق الضغط ما ليس بأيدي غيرهم، ويستطيعون تحجيم الفساد، وتقليل خطر المفسدين، كما يقدرون على الإصلاح، والتمكين للمصلحين.

وأهل العلم والدعوة، والفكر والثقافة، يجب عليهم بيان الحق الذي يدينون الله تعالى به، وفضح أصحاب التوجهات المنحرفة الذين يريدون إخراج الناس من دينهم إلى مناهج الكفر والضلال، وتحذير الناس من أساليبهم ووسائلهم، والأخذ على أيدي المحرفين والمبدلين ممن يتلبسون بلباس العلم ويحرفون النصوص لتوافق الأهواء، وتساير الواقع، مع إبداء الرأي والنصيحة للولاة والأمراء.

وأهل المال والثروة عليهم أن ينفقوا في مجالات الخير والدعوة، ويكفوا عن دعم الفضائيات المفسدة، والصحف والمجلات المضللة.

والأستاذ في جامعته، والمدرس في مدرسته، والمعلمة مع طالباتها، عليهم أن يربوا ويعلموا، وينشئوا جيلاً ينفع نفسه ومجتمعه، ويعي التحديات التي تواجه أمته.

والرجل في بيته مسئول عن أسرته وولده بأن يحجزهم عن وسائل الشر والإفساد، ويوجد لهم البدائل النافعة، مع غرس الإيمان بالله تعالى، والتفاني للإسلام في قلوبهم؛ حتى يكونوا أصحاب همٍّ، وحملة رسالة، لا مجرد همل يأكلون ويشربون ولا يعقلون.

والمرأة -وما أدراك ما المرأة- عليها مسؤولية كبيرة جدًّا، فقد شرفها الله -عز وجل- بأن وجهت إليها في هدا العصر أكثر سهام الكفار والمنافقين، فهي المجال الخصب عندهم، وهي الحديث المكرور لديهم، يريدون نزع حيائها مع حجابها، وسلخ دينها مع عفافها.

وهذا ابتلاء عظيم لها يكون به عظم أجرها، وعلو منزلتها عند الله تعالى إذا ما ثبتت على دينها، وأطاعت ربها، وحافظت على حجابها، وجاهدت الكفار والمنافقين بلسانها وقلمها فأعلنت رفضها لمشاريعهم، وقدمت رضا ربها على شهواتهم، وآثرت آخرتها على دنياهم.

إنها المرأة الصالحة التي تغرس في قلوب أولادها محبة الله تعالى، ومحبة دينه، وكراهية ما يعارضه أيًّا كان مصدره، ومهما كان زخرفه.

إنها المرأة الصائمة القائمة التي تفشل مخططات الأعداء، وتغيظ الكفار والمنافقين برفض مشاريعهم، ورد طروحاتهم؛ طاعة لله تعالى، وطمعًا في ثوابه، وخوفًا من عقابه.

إنها المرأة القانتة المخبتة التي لا تقدم على أمرٍ -مهما دعتها نفسها إليه، ولو كثر الواقعات فيه- حتى تعلم حكم الشريعة فيه، وتربي بناتها على ذلك؛ لأنها تراقب الله تعالى في كل تصرفاتها.

ولو قام كل واحد بواجبه، وأدى ما عليه، وثبت على دينه، فلن يستطيع الكفار والمنافقون أن ينالوا من المسلمين شيئًا: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: 120].

أيها المسلمون: حق لكم أن تفرحوا بعيدكم بعد أن منَّ الله تعالى عليكم بتمام شهركم، وأداء ما أوجب عليكم، فالعيد عيد المسلمين الصائمين.

بروا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وأزيلوا الشحناء من قلوبكم، وأصلحوا بين المتخاصمين فيكم، وكونوا كما أمركم الله تعالى إخوانًا متآلفين متعاونين على البر والتقوى، ولا تنسوا إخوانكم المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، أدوا لهم شيئًا من أموالكم، وخصوهم بصالح دعائكم، فإنهم إخوانكم، ابتلاهم الله تعالى وعافاكم، فاعرفوا لهم حقهم، واشكروا الله تعالى على عافيته.

واعبدوا الله في رمضان وبعد رمضان، وراقبوه سبحانه في كل الأحوال والأحيان، فما أشد حاجتكم إليه، وهو الغني سبحانه عنكم.

وأتبعوا رمضان بصيام ستة أيام من شوال، تكونوا كمن صام الدهر كله، ومن عليه قضاء من رمضان قدم القضاء على ست شوال.

أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم ومن المسلمين صالح الأعمال.

إن الله وملائكته يصلون على النبي…