الإيمان بالغيب وأثره في النفوس

عناصر الخطبة

  1. الإيمان بالغيب من أبرز صفات المؤمنين
  2. تفاوت الناس في الإيمان بالغيب
  3. آثار ترك الإيمان بالغيب
  4. حال المكذبين يوم لقاء رب العالمين.
اقتباس

النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ في الإِيمَانِ بِالغَيبِ وَمَا لا تَرَاهُ أَعيُنُهُم وَلا يُحِسُّونَ بِهِ، فَثَمَّةَ أُنَاسٌ يُؤمِنُونَ بِهِ إِيمَانًا نَظرِيًّا عَقلِيًّا مُجَرَّدًا، فَيُصَدِّقُونَ أَنَّ هُنَالِكَ رَبًّا وَرَسُولًا، وَمَلائِكَةً وَيَومًا آخِرَ وَبَعثًا وَنُشُورًا، وَصِرَاطًا يُعبَرُ عَلَيهِ وَمِيزَانًا تُوزَنُ فِيهِ الأَعمَالُ، وَسُؤَالاً وَحِسَابًا وَثَوَابًا…

الخطبة الأولى:

أَمَّا بَعدُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: أَعظَمُ فَارِقٍ بَينَ المُؤمِنِ وَالكَافِرِ هُوَ الإِيمَانُ بِالغَيبِ، قَالَ-سُبحَانَه- وَاصِفًا عِبَادَهُ المُتَّقِينَ: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)[البقرة: 1- 3]؛ أَيْ بِكُلِّ مَا أَخبَرَ اللهُ -تَعَالى- بِهِ في كِتَابِهِ، أَو أَخبَرَ بِهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا لا يُعلَمُ إِلاَّ مِن طَرِيقِ الوَحيِ.

أَجَل-أَيُّهَا الإِخوَةُ- إِنَّ الإِيمَانَ بِالغَيبِ مُفتَرَقُ طُرُقٍ بَينَ المُؤمِنِينَ المُوَحِّدِينَ وَالكَافِرِينَ الجَاحِدِينَ، وَبَينَ المُتَّقِينَ المُصَدِّقِينَ المُوقِنِينَ، وَالفَاسِقِينَ المُكَذِّبِينَ المُشَكِّكِينَ، وَبَينَ المُستَقِيمِينَ عَلَى هُدًى مِن رَبِّهِم، وَالمُنحَرِفِينَ عَنِ الجَادَّةِ المُتَّبِعِينَ لأَهوَائِهِم وَشَيَاطِينِهِم، وَبِقَدرِ تَفَاوُتِ النَّاسِ في الإِيمَانِ بِالغَيبِ وَقُوَّةِ تَصدِيقِهِم، يَكُونُ تَفَاوُتُهُم في أَعمَالِهِم، وَمِن ثَمَّ تَكُونُ مَنَازِلُهُم عِندَ اللهِ وَدَرَجَاتُهُم، وَلا وَاللهِ لا يَقَعُ النَّاسُ في انحِرَافٍ أَو ضَلالٍ إِلاَّ بِقَدرِ ضَعفِ إِيمَانِهِم بِالغَيبِ.

أَجَل-أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ في الإِيمَانِ بِالغَيبِ وَمَا لا تَرَاهُ أَعيُنُهُم وَلا يُحِسُّونَ بِهِ، فَثَمَّةَ أُنَاسٌ يُؤمِنُونَ بِهِ إِيمَانًا نَظرِيًّا عَقلِيًّا مُجَرَّدًا، فَيُصَدِّقُونَ أَنَّ هُنَالِكَ رَبًّا وَرَسُولًا، وَمَلائِكَةً وَيَومًا آخِرَ وَبَعثًا وَنُشُورًا، وَصِرَاطًا يُعبَرُ عَلَيهِ وَمِيزَانًا تُوزَنُ فِيهِ الأَعمَالُ، وَسُؤَالاً وَحِسَابًا وَثَوَابًا وَعِقَابًا، وَجَنَّةً عَالِيَةً وَنَارًا حَامِيَةً، لَكِنَّهُم عَن حَقِيقَةِ الإِيمَانِ بِالغَيبِ بَعِيدُونَ؛ إِذْ لم يُسلِمُوا بِقُلُوبِهِم إِلى اللهِ -تَعَالى- وَيُنِيبُوا إِلَيهِ؛ فَيُصَدِّقُوا بِكُلِّ مَا جَاءَ مِن عِندِهِ تَصدِيقًا جَازِمًا، وَيُقِرُّوا بِهِ إِقرَارًا تَامًّا، تَصدِيقًا يَستَقِرُّ في القُلُوبِ، وَإِقرَارًا يَظهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الأَلسِنَةِ وَالجَوَارِحِ، وَيُخشَى اللهُ -تَعَالى- فِيهِ حَقَّ خَشيَتِهِ، وَلِذَا قَالَ-سُبحَانَهُ-: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر: 28]؛ فَحَصَرَ الخَشيَةَ الحَقِيقَيَّةَ مِنهُ- سُبحَانَهُ- في العُلَمَاءِ، وَالمَقصُودُ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَيَعلَمُونَ مَن هُوَ اللهُ-تَعَالى- وَمَا صِفَاتُهُ؟!

وَأَمَّا مُجَرَّدُ الإِقرَارِ الذِّهنِيِّ والإيمَانِ بِشَيءٍ يَسِيرٍ مِنَ الغَيبِ؛ فَقَد كَانَ مَوجُودًا عِندَ العَرَبِ في الجَاهِلِيَّةِ، إِذْ كَانُوا يُؤمِنُونَ بِوُجُودِ اللهِ، وَمِنهُم مَن يُؤمِنُ بِمَجِيءِ يَومِ الحِسَابِ، لَكِنَّهُ إِيمَانٌ لم يَنفَعْهُم، لأَنَّهُم لم يُسلِمُوا التَّسلِيمَ المُطلَقَ للهِ وَلم يُنِيبُوا إِلَيهِ، وَلم تُخبِتْ قُلُوبُهُم لَهُ وَيَخشَوهُ حَقَّ خَشيَتِهِ، بَل لم يَزَلْ بِهِمُ اللِّجَاجُ وَالخِصَامُ وَالعِنَادُ، حَتَّى جَحَدُوا بِالحَقِّ مَعَ مَعرِفَتِهِم بِهِ، قَالَ جَلَّ وَعَلا عَن بَعضِ الكَافِرِينَ: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾[النمل: 14].

وَطَمَأَنَ-تَعَالى- نَبِيَّهُ بِكَونِ الكُفَّارِ لا يُكَذِّبُونَ بِالحَقِّ وَإِن جَحَدُوهُ ظَاهِرًا؛ فَقَال: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾[الأنعام: 33]؛ فَهُم في قَرَارَةِ أَنفُسِهِم لا يَعتَقِدُونَ كَذِبَ الرُّسُلِ، بَل يَعلَمُونَ أَنَّهُم صَادِقُونَ، لَكِنَّهُ الجُحُودُ وَالاستِكبَارُ، وَمِن ثَمَّ لم يَنفَعْهُم إِقرَارُهُمُ القَلبيُّ المُجَرَّدُ، وَلم تَصِلْ بِهِم إِلى حَقِيقَةِ الإِيمَانِ تِلكَ المَشَاعِرُ الذِّهنِيَّةُ العَامَّةُ الَّتي كَانُوا يَحمِلُونَهَا، مُعتَقِدِينَ أَنَّ هُنَالِكَ عَالَمًا آخَرَ هُوَ عَالَمُ الغَيبِ المُقَابِلُ لِعَالَمِ الشَّهَادَةِ.

نَعَم، لَقَد تَلَجلَجُوا وَشَكُّوا وَلم يُوقِنُوا، فَعَانَدُوا وَأَنكَرُوا وَتَكَبَّرُوا، قَالَ تَعَالى في ذَلِكَ: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾[يونس: 39].

أَجَل-أَيُّهَا الإِخوَةُ- إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُرِيدُونَ أَن يَرَوُا المَلائِكَةَ، وَأَن يَرَوُا اللهَ، وَأَن يَرَوُا الجَنَّةَ وَالنَّارَ لِيُؤمِنُوا؛ فَهُم لا يُصَدِّقُونَ إِلاَّ بِالمُشَاهَدِ المَحسُوسِ، وَلا يُؤمِنُونَ إِلاَّ بِمَا تَرَاهُ أَعيُنُهُمُ البَاصِرَةُ، أَو تَصِلُ إِلَيهِ عُقُولُهُمُ القَاصِرَةُ، وَلا يَكَادُونَ يُصَدِّقُونَ باِلغَيبِ المَكتُومِ، غَافِلِينَ عَن كَونِ عَالَمِ الغَيبِ لا يُمكِنُ أَن تُحِيطَ بِهِ عَقُولُ البَشَرِ عِلمًا، وَلا أَن يُوصلَ إِلَيهِ إِلاَّ عَن طَرِيقِ الوَحيِ عَنِ اللهِ، وَلِهَذَا فَإِنَّ أُولَئِكَ المُتَكَبِّرِينَ عَلَى عِظَمِ جُحُودِهِم وَقُوَّةِ إِنكَارِهِم، إِذَا وَقَعَ بِهِمُ المَوتُ وَعَايَنُوا عَالَمَ الشَّهَادَةِ وَرَأَوهُ رَأيَ العَينِ، آمَنُوا وَأَقَرُّوا، وَلَكِنَّهُ إِيمَانٌ لا قِيمَةَ لَهُ في ذَلِكَ المُوقِفِ، وَلا يَنفَعُ صَاحِبَهُ في تِلكَ اللَّحَظَاتِ؛ لأَنَّهُ انتَقَلَ مِن عَالَمِ الغَيبِ، وَأَصبَحَ مُؤمِنًا بِعَالَمٍ الشَّهَادَةِ الذي لا يُمكِنُ إِنكَارُهُ، وَلِهَذَا السَّبَبِ نَفسِهِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾[الأنعام: 158]؛ أَيْ؛ يَومَ يُشَاهِدُ العَالَمُ كُلُّهُ النِّهَايَةَ الحَتمِيَّةَ لِهَذِهِ الدُّنيَا وَمَا عَلَيهَا، وَتَطلُعُ الشَّمسُ مِن مَغرِبِهَا مُؤذِنَةً بِانقِضَاءِ هَذَا العَالَمِ، وَتَجِيءُ العَلامَاتُ الَّتي جَعَلَهَا اللهُ حَدًّا فَاصِلاً بَينَ هَذِهِ الدُّنيَا وَبَينَ الدَّارِ الآخِرَةِ، هُنَالِكَ لا يَنفَعُ الإِيمَانُ لأَنَّهُ لَيسَ إِيمَانًا بِالغَيبِ، وَلَكِنَّهُ أَصبَحَ إِيمَانًا بِالمَحسُوسِ المُشَاهَدِ.

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ-أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلْنُؤمِنْ بِالغَيبِ إِيمَانَ المُوقِنِينَ المُصَدِّقِينَ، قَبلَ أَن يَنتَقِلَ أَحَدُنَا إِلى عَالَمِ الشَّهَادَةِ الَّذِي لا بُدَّ أَن يَنتَقِلَ إِلَيهِ في يَومٍ مَا، ﴿فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾[المنافقون: 10].

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ الإِنسَانَ بِغَيرِ الإِيمَانِ بِاللهِ-عَزَّ وَجَلَّ- وَبِغَيرِ الإِيمَانِ بِالغَيبِ لا يَستَطِيعُ أَن يُؤمِنَ بِأَيِّ شَيءٍ، وَلا أن يَعِيشَ في رَاحَةٍ وَاطمِئنَانٍ، وَلا أَن يَجِدَ سَعَادَةً وَاستِقرَارًا؛ فَإِذَا آمَنَ بِاللهِ وَبِالغَيبِ، ارتَاحَ فِكرُهُ، وَاطمَأَنَّ قَلبُهُ، وَتَحَرَّرَ مِن قُيُودِ الشَّكِّ وَالحَيرَةِ، وَسَلِمَ مِن عِيشَةِ الضَّنكِ وَالضِّيقِ؛ وَمَا هَذَا الشَّقَاءُ وَالنَّكَدُ الَّذِي يَزدَادُ في العَالَمِ اليَومَ، وَلا ذَاكَ الصِّرَاعُ المُحتَدِمُ فِيِهِ عَلَى صُعُدٍ كَثِيرَةٍ وَمَستَوَيَاتٍ مُختَلِفَةٍ، إِلاَّ نَتِيجَةَ التَّعَلُّقِ بِالمَادَّةِ وَالمَحسُوسِ؛ فَدُوَلٌ تُصَارِعُ دُوَلًا، وَشَرِكَاتٌ تُجَابِهُ أُخرَى، وَأَفرَادٌ يُصَارِعُونَ أَفرَادًا، وَأُسَرٌ وَقَبَائِلُ تَحتَقِرُ قَبَائِلَ وَأُسَرًا، وَالمَرأَةُ تَتَمَرَّدُ عَلَى الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ يَتَعَصَّبُ ضِدَّ المَرأَةِ، وَالطَّبَقَةُ الغَنِيَّةُ تَتَحَزَّبُ ضِدَّ الفُقَرَاءِ، وَالفُقَرَاءُ يَتَّحِدُّونَ ضِدَّ الأَغنِيَاءِ، وَرَئِيسٌ يَتَقَّوَى عَلَى مَرؤُوسٍ، وَمَرؤُوسٌ يَتَمَرَّدُ وَيُعَانِدُ، في صِرَاعَاتٍ وَانقِسَامَاتٍ، وَفَوضَى لا يَقِرُّ فِيهَا لأَحَدٍ قَرَارٌ وَلا يَهدَأُ لإِنسَانٍ بَالٌ، لِمَاذَا ؟ إِنَّهُ عَدَمُ الإِيمَانِ بِالغَيبِ أَو ضَعفُهُ.

وَأَمَّا المُؤمِنُونَ؛ فَهُم أَكثَرُ النَّاسِ رِضًا وَاطمِئنَانًا، إِن أَصَابَتهُم سَرَّاءُ شَكَرُوا،، وَإِن أَصَابَتهُم ضَرَّاءُ صَبَرُوا، وَحَتَّى وَإِن ظُلِمَ أَحَدُهُم أَو أُكِلَ حَقُّهُ أَو بُخِسَ، فَهُوَ مُطمَئِنٌّ وَمُستَقِرٌّ، يُطَمْئِنُهُ إِيمَانُهُ بِاللهِ، وَيُصَبِّرُهُ يَقِينُهُ بِاليَومِ الآخِرِ، وَيُثَبِّتُهُ عِلمُهُ أَنَّ اللهَ-تَعَالَى- حَكَمٌ عَدلٌ، وَأَنَّ ثَمَّةَ يَومًا تُوَفَّى فِيهِ كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت، وَعَالَمُ الدُّنيَا مَهمَا كَبُرَ في أَعيُنِ أَهلِ الشَّكِّ وَالرَّيبِ؛ فَهُوَ صَغِيرٌ عِندَ مَن يُؤمِنُ بِعَالَمِ الغَيبِ، وَمَا قِيمَةُ الدُّنيَا عِندَ مَن يُؤمِنُ بِأَنَّ مَوضِعَ سَوطٍ في الجَنَّةِ خَيرٌ مِمَّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ؛ فَلِمَاذَا التَّصَارُعُ عَلَى هَذِهِ الدُّنيَا الَّتي لا تُسَاوِي عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ؟ لِمَاذَا التَّطَاحُنُ وَالتَّشَاحُنُ؟ لِمَاذَا البَغضَاءُ وَالعِدَاءُ ؟ لِمَاذَا الشَّكَاوَى وَالدَّعَاوَى؟ لِمَاذَا الاشتِغَالُ بِالمَتَاعِ الزَّائِلِ الفَاني عَنِ النَّعِيمِ البَاقي الدَّائِمِ؟

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلْنُؤمِنْ بِالغَيبِ الإِيمَانَ الحَقِيقِيَّ، إِيمَانَ مَن يَعلَمُ وَيَعمَلُ، وَيَقُولُ وَيَفعَلُ، لا إِيمَانَ مَن تُنَاقِضُ تَصَرُّفَاتُهُ عِلمَهُ، وَتُخَالِفُ أَفعَالُهُ أَقوَالَهُ، نُرِيدُ أَن يَنتَقِلَ هَذَا الإِيمَانُ في قُلُوبِنَا إِلى تَقَوى لِرَبِّنَا، وَخَوفٍ مِنهُ وَخَشيَةٍ لَهُ، وَإِشفَاقٍ مِن عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَإِيثَارٍ لِلآخِرَةِ وَرَغبَةٍ فِيهَا، وَعُزُوفٍ عَنِ الدُّنيَا وَزُهدٍ فِيهَا، إِلى استِقَامَةٍ حَقِيقِيَّةٍ عَلَى دِينِ اللهِ، وَعَمَلٍ بِمَا جَاءَ في كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، قَالَ تَعَالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾[الأنبياء: 45].

وَالوَحيُ غَيبٌ مِن عِندِ اللهِ، وَمَن لم يُؤمِنْ بِهِ فَوَيلٌ لَهُ ثم وَيلٌ لَهُ، يَومَ يَنتَقِلُ الجَمِيعُ مِن عَالَمِ الغَيبِ إِلى عَالَمِ الشَّهَادَةِ، وَيَقِفُ المُكَذِّبُ عَلَى النَّارِ وَيَتَمَنَّى الرُّجُوعَ لِلدُّنيَا لِيُؤمِنَ، وَلَكِنْ هَيهَاتَ هَيهَاتَ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(28)﴾[الأنعام: 27-28].