الزهد في الدنيا

عناصر الخطبة

  1. من هو أعقل الناس؟ ومن هم العقلاء؟
  2. معنى الزهد في الدنيا
  3. ينقسم الزهد إلى أربعة أقسام
  4. الأشياء التي يُزهد فيها
  5. معاني الزهد فيما عند الآخرين
  6. لابد للعبد من ثلاث قناعات
  7. آيتان من كتاب الله تدمع عيون العقلاء والخاشعين والمحبين لله رب العالمين
  8. أول بدعة خرجت في الإسلام: الشبع.
اقتباس

أتحدث عن مقام من مقامات الدين، مقام يحبه رب العالمين، وكان قدوتنا فيه خير المرسلين -عليه الصلاة والسلام-، مقام قل فقه عند كثير من المسلمين؛ إما بعدم التفقه فيه والغوص في معانيه ومعرفة أسراره ودقائق مسائله أو بسبب التطبيق الخاطئ الذي قد يفعله من يدّعي أنه قد حقق هذا المقام. إنه مقام العقلاء، مقام الحكماء، سئل أحد الحكماء من هو أعقل الناس؟ فقال: “الزاهدون” أعقل الناس الذين حققوا مسألة الزهد، إذا قيل الزهد عند بعض الناس تذكروا الثياب المرقعة والعيش المنغص والتعب وهذا خطأ بينما من حق هذا المقام عاش سعيدا ومات سعيدا وحشر سعيدا -بإذن الله جل وعلا-. فأسأل الله أن يعلمنا ديننا وأن يرفعنا عنده جل في علاه…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الأحزاب:70-71].

اللهم اجعلنا من الفائزين يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم علمنا ما ينفعنا وعلمنا بما ينفعنا واجعله حجة لنا لا علينا يا رب العالمين، اللهم آمين.

إخواني في الله: في هذه الخطبة -بإذن الله جل جلاله- أتحدث عن مقام من مقامات الدين، مقام يحبه رب العالمين، وكان قدوتنا فيه خير المرسلين عليه الصلاة والسلام مقام قل فقه عند كثير من المسلمين؛ إما بعدم التفقه فيه والغوص في معانيه ومعرفة أسراره ودقائق مسائله أو بسبب التطبيق الخاطئ الذي قد يفعله من يدّعي أنه قد حقق هذا المقام.

إنه مقام العقلاء، مقام الحكماء، سئل أحد الحكماء من هو أعقل الناس؟ فقال: “الزاهدون” أعقل الناس الذين حققوا مسألة الزهد، إذا قيل الزهد عند بعض الناس تذكروا الثياب المرقعة والعيش المنغص والتعب وهذا خطأ بينما من حق هذا المقام عاش سعيدا ومات سعيدا وحشر سعيدا -بإذن الله جل وعلا-. فأسأل الله أن يعلمنا ديننا وأن يرفعنا عنده جل في علاه.

الزهد القلة من كل شيء وعدم الرغبة في الشيء ولذلك قال الله -جل وعلا- في سورة يوسف: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف:20]، من الزاهدين فيه من المقلين في ثمنه وعدم الراغبين فيه.

وقال العلماء في تعريف الزهد: “هو عدم الرغبة في الشيء؛ لأني أرغب في شيء أعظم منه“، أنا لا أريد هذه السيارة لأني أريد سيارة أفضل منها إذا أنا زاهد في هذه السيارة.

ولنتوسع قليلاً في معنى الزهد في الدنيا، في معنى الديني والاصطلاح الشرعي، قالوا: “هو أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك” بمعنى إذا غلا شيء عليَّ تركته، شيء لا أملكه لا أشغل قلبي به، شيء ليس في يدي لا أفكر فيه كثيرًا، أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك؟

وقيل: “ترك راحة الدنيا لطلب راحة الآخرة“، هذا هو الزهد أن تترك راحة الفراش في أجمل أوقات النوم لتقوم تصلي ركعتين، هذا الزهد، أن تترك الشبع لكي تصوم، هذا الزهد، أن تترك كثير من التنعم الذي تستطيع عليه تقدر عليه ولكنك تتركه لتعيش مثل الناس، وتلبس مثل الناس فلا تتميز عن الناس، هذا الزهد.

ولذلك ينقسم الزهد إلى أربعة أقسام: منه واجب، ومنه متردد بين الواجب والمستحب، ومنه مستحب ومنه مندوب، وهو أفضل الدرجات على الإطلاق.

إذاً  الزهد في الدنيا في حكم الدين لا يخلو إما أن يكون واجبًا وإما أن يكون مستحبًا، ولا يكون الزهد محرما ولا مكروها أبداً إلا إذا طُبق خطأ، فإذا طبق تطبيقا خاطئا كان التطبيق هو الذي حُرم ليس مسألة الزهد، الزهد في المحرمات هذا واجب أن تزهد في كل ما حرم الله -جل وعلا- كل ما حرم الله بيني وبينه جدار من رصاص، وليس معنى ذلك أننا لم نخطئ ولم نقع في معصية، لا، فالخطأ وارد ولكن مربط الفرس هو أن تتعمد المعصية تعمدا، أن تسعى إليها سعيا، أن تبذل لها جهدا، أن تعرف أن الذي تصنعه الآن حرام وتصر.

إذًا يجب عليك أن تزهد في الحرام كل الحرام كبائر صغائر، لأن تتذكر أن الله قد ابتدئ بالصغيرة قبل الكبيرة قال تعالى ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾ [القمر:53].

الزهد في الشبهات: شبهة مترددة شبهات، شبهة مترددة حرام حلال مكروه من مقامات الأولياء والمقربين أنهم يزهدون في الشبهات.

زهد في الفضول: أي ما فضل عن حاجتك؛ أن تزهد في الطعام الزائد عن حاجتك، أن تزهد في الملبس الزائد عن حاجتك، أن تزهد في المركب الزائد عن حاجتك؛ لأن هناك من إخوانك من لا يملكون أصول حاجاتهم أصلاً فضلا عن الزوائد هذه، فتزهد في هذه لنفسك وتعطي إخوانك.

المسألة الرابعة وهذه منزل الأولياء الصالحين – اللهم اجعلنا منهم- أن تزهد في كل ما يشغلك عن الله -جل وعلا-، كل شيء يشغلك عن الله لا أريده، هذا حلال ولكنه سيشغلني عن الله سيشغلني عن ذكر الله لا أريده.

طيب هذه الأمور حرام، شبهة، فضول ما يشغلني عن الله، الزهد هذا يتعلق بماذا؟ أزهد في ماذا بالضبط؟ قال العلماء الزهد متعلق بأربعة أمور يعني الأشياء التي تزهد فيها ما هي؟

أربعة أمور: الأول: الزهد في المال، وليس معنى أن نزهد في المال أننا لا نحبه، كلنا نحب المال ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ هذه غريزة، الذي يقول: أنا لا أحب المال في قوله نظر، ولكن معنى الزهد في المال معناه الحقيقي أن لا يطغيك، ألا يشغلك عن الله، أنت خصيم نفسك، أنت أعلم واحد بنفسك تستطيع أن تضحك عليَّ أو تضحك على الذي بجانبك أو تضحك حتى على أولادك في البيت، لكنك لا تستطيع أن تضحك على نفسك أبداً، أنت أعلم الناس بنفسك فسل نفسك هل المال يغيّرك أم لا؟ هل يغيرك للأحسن؟ “نِعم المال الصالح للعبد الصالح“، فاطلبه، أن يكون المال في يدك وليس في قلبك، أن تتحكم أنت في المال لا يتحكم فيك المال، هذا هو الزهد.

ألا ترى أن أبا بكر وعبدالرحمن بن عوف وقبله عثمان بن عفان كانوا أغنياء ولكنهم تحكموا في الأموال، “ماذا تركت يا أبا بكر لأهلك؟” قال: “تركت لهم الله ورسوله“، ولذلك كان يعطيه الله، يفتح عليه الله، يرزقه الرزاق جل  وعلا، هكذا..

وأما إن كنت كما وصف الله هل بعض الناس في سورة العلق ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى(7)﴾ [العلق:- 7]، متى يطغى؟ إذا استغنى، إذا كنت من هؤلاء فاستغنى، تصرفه كلية، صلاح قلبك أولى، يكفيك لقمة عيشك، لا خير في مال يُطغي وتحاسَب عليه وإذا كنت تعلم من نفسك أنك تتحكم في المال فهذا هو الزهد.

الزبد في هذه المسألة أنك إذا كنت تتحكم في المال فهذا هو الزهد، أما إذا كان يتحكم فيك المال فـ”تعس عبد الدرهم وتعس عبد الدينار“.

النوع الثاني: الزهد في المنصب والرئاسة، أن تزهد في منصب أو رئاسة أو وزارة أو مُلك؛ لأن هذه الأماكن تغير النفوس، مهما كنت جميل الطبع الكرسي يغير ولكن يغير من؟ يغير اللذين لا يفقهون الزهد، أما الذين هم فقهاء في الزهد لا يغيرهم؛ لأنهم يعلمون أنه كما وصل إليهم سيصل إلى غيرهم وأنه لا ينفعهم ولا يضرهم وأنه قد يضر أكثر ما ينفع.

أن تزهد في هذا، وأما إن كنت تعلم أن هذه المناصب تعينك على الطاعة وتعينك على نشر الخير وأنك كلما ارتفعت تواضعت لأن الناس كما قال أحد الحكماء واحد من اثنين لا ثالث لهما: كريم ولئيم، أما الكريم إذا ارتفع تواضع وأما اللئيم إذا ارتفع تجبر، فأنت أي الصنفين؟ أنت أعلم بنفسك، الزهد في الرئاسة والزهد في المنصب هو أن تستعين به على ما يرضي الله.

ألا ترون أن يوسف -عليه السلام- طلب المنصب ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ﴾ لأنه يعلم من نفسه ماذا سيصنع وصنع، وسليمان سأل الله أن يؤتيه ملكًا لا يؤتى لأحد وكان أزهد الناس عليه السلام.

ولكن أن تطلب الرئاسة أو تلصق على الكرسي لصقة غراء لا تنفك منه فتقتل الناس، وتضرب الناس، وتعذب الأطفال، فيكون مصيرك إما هاربا وإما محاكما وإما قتيلا. هذا مصير كل ظالم، نسأل الله -جل وعلا- العافية والسلام ونسأله أن يجعلنا ممن يعتبر بما نرى بأعيننا في هذا الزمن.

الثالث: الزهد في النفس، ما معنى أن تزهد في نفسك؟ معناها ألا تعجب بنفسك، إياك أن تعجب بنفسك فإن العُجب بالنفس يحرق الحسنات ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾ [الإسراء:37]، ولكن طبق الآية التي في سورة الحجر ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

ازهد في نفسك إذا رأيت من هو أكبر منك اعلم أنه قد سبقك إلى الحسنات وإذا رأيت من هو أصغر منك فاعلم أنك قد سبقته في التقصير والسيئات، هذا النوع الثالث من أنواع الزهد.

أسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا وإياكم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد: النوع الرابع المتعلق به الزهد: الزهد فيما أيدي الناس، ومعناه عدم الطمع وعدم الجشع والحسد الذي يهلك صاحبه قبل أن يهلك الناس، “ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس“.

ما معنى أن تزهد في الذي في أيدي الناس؟ إياك أن ترى عند أخ لك شيئًا ليس عندك وتحرق نفسك أنه ليس عندك، أليس الله أعلم بالشاكرين، لعله أشكر لله منك فأعطاه الله، ازهد في الذي في أيدي الناس ولكي تستعين على هذه المتعلقات فلابد لك من ثلاث قناعات إن لم تكن عندك الثلاث قناعات هذه لم تصل إلى مرتبة العقلاء هذه ستكون في الدنيا تعبان.

القناعة الأولى: قناعة بمعنى اليقين إيمان تام بهذه المسألة أن تعلم أن هذه الدنيا ظل زائل وخيال زائر وأن الدنيا ما تستاهل أصلا أن تتعلق بها والله ما تستاهل يا إخوان هذه الدنيا بما فيها قد صورها لنا ربنا -جل وعلا- علمنا منها وبما نراه بأعيننا أين أصحاب القصور؟ ألم يخرجوا إلى الحفر؟! أين الذي كان يأمر وينهى ويقول ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾؟!

هذه الدنيا إذا كست أوكست، وإذا حلت أوحلت، وإذا اخضرت ضرت، وإذا أضحكت أبكت وإذا جمعت فرّقت، هذه هي الدنيا ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد:20]، هذه الدنيا.

القناعة الثانية: أن تتيقن أن هناك ما هو خير من الدنيا وما فيها، آيتان من كتاب الله تدمع عيون العقلاء والخاشعين والمحبين لله رب العالمين، وكل القرآن كذلك نسأل الله أن يحفظنا إياه وأن يعلمنا إياه، في سورة آل عمران يقول الله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران:14]، آخر الآية يقول الله -جل وعلا- ﴿وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾، والآية التي بعدها ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ﴾.

لا يستطيع أحد أن يقول: لا أتمنى هذه الشهوات بالحلال، كلنا نتمنى هذه الشهوات بالحلال، ولكن الله يربينا ويعلمنا فيقول لنا: قل يا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ﴾ جنات ليست جنة واحدة، اللهم اجعلنا من المتقين يا رب العالمين.

القناعة الثالثة والأخيرة: أن تعلم أن حرصك على الدنيا لن يزيد في رزقك شيئًا، وأن زهدك في الدنيا يزيدك من رزق الله أشياء، “من أصبح وهمه الآخرة جمع الله عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة“.

إذاً أتحب الرزق، أتريد السعة، أتريد متاع الدنيا، ازهد في الدنيا تأتيك، احرص عليها لا يأتيك إلا ما كتب لك، ها هو رسولكم -عليه الصلاة والسلام- يُخَيَّر خيارين وهو قدوتنا يُخَيَّر بين أن يبقى في الدنيا وأن يخلد فيها، وأن يُعطى منها ما يشاء ويدخل الجنة، وبين أن يلاقي ربه، فيختار أن يلاقي ربه.

انظروا إلى دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرزق ودعائنا، دعائي ودعاؤكم إلا من شاء الله “يا رب إن كان رزقنا في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان قريبا فعجّله وإن كان بعيدا فقربه”، هذا دعاء أكثر الناس، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا” انظروا إلى القناعة!!

يدخل عليه عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- عليه وقد نام على حصير قد أثّر في جنبه فيقول يا رسول الله ألا نجعل لك وطاءً، فراشًا، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مالي وللدنيا؟! إنما أنا كراكب استظل تحت ظل شجرة وراح وتركها“.

يا إخوة: المشكلة عندنا أن الدنيا بدأت تدخل في قلوبنا حتى امتزجت بالقلوب من منا عنده فراش يؤثر في جنبه من؟ أتعلمون أول بدعة خرجت في الإسلام تقول عائشة: “أول بدعة خرجت في الإسلام بعد موت رسول الله الشبع“، أن تكون شبعان، اللهم لك الحمد على النعم، اللهم ارزقنا شكرها.

فعلينا أن نقلل قليل من الدنيا، نعبد الله كما يحب الله، العبادة الوفاء بالعهود واجتناب الحدود والرضا بالموجود والصبر على المفقود، أين هذا منا؟ أن نرضى بالموجود وأن نصبر على المفقود.

تقول عائشة “إنا كنا آل محمد عليه الصلاة والسلام نمكث بالشهر لا يوقد في بيتنا نار إنما هو الماء والتمر“.

لو أننا رجعنا إلى بيوتنا اليوم ووجدنا زوجاتنا قد حضرت تمرًا وماء، وتقول: تفضل هذا الغداء، إن لم نطلق نصفنا، فهذا حسن!

هذه كانت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، تقول عائشة -رضي الله عنها-: “مات رسول الله وما شبع في يوم من زيت وخبز“، خبز وزيت ما شبع منه مرتين في اليوم.

هذا رسولكم الذي لو شاء أن يملك الدنيا بما فيها لملك، ولو شاء أن تغير له بطحاء مكة ذهبًا لكان، ولكنه عرف قدر الدنيا وعدم التعلق بها عليه الصلاة والسلام.

اللهم علمنا في الدين وارزقنا اليقين واجعلنا من الزاهدين..