يوسف عليه السلام

أهداف المحتوى:


  • التعرف على يوسف عليه السلام .
  • الإيمان به، وأنه رسول من عند الله، يدعو إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه .
  • معرفة فضله عليه السلام، وأنه من السلسلة التي قال عنها النبي ﷺ : «الكريم بن الكريم بن الكريم ».
  • معرفة قصته التي قصها الله في القرآن، واستلهام العبر والعظات منها .

الأحاديث:


أحاديث نبوية عن يوسف عليه السلام
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قِيلَ: يا رسُول الله، مَن أَكرم النَّاس، قال: اتقاهم، فقالوا: لَيس عن هذا نَسأُلُك، قال: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ الله ابنُ نَبِيِّ الله ابنِ نَبِيِّ الله ابنِ خَلِيلِ اللهِ» قالوا: لَيس عَن هذا نَسأَلُك، قال: «فعَن مَعَادِن العَرَب تسأَلُوني؟ خِيَارُهُم في الجاهِليَّة خِيَارُهُم في الإِسلام إذا فَقُهُوا». شرح وترجمة الحديث
  • عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : "الكريمُ بن الكريمِ بنِ الكريمِ بنِ الكريمِ : يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ »
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله ﷺ : «لو لبِثتُ في السجنِ ما لبِثَ يوسفُ، ثم أتاني الداعي لأجبتُه ».

عناصر محتوى المفردة:


المقدمة
  • المقدمة
المادة الأساسية
  • (يوسف عليه السلام ): هو نبي الله يوسف بن نبي الله يعقوب بن نبي الله إسحاق بن نبي الله إبراهيم عليهم الصلاة والسلام . قصة يوسف في القرآن الكريم نموذجًا من قصص المرسلين . فيها عبرة لمن يعقل، وفيها تصديق ما جاءت به الكتب المنزلة من قبل . وقد وردت القصة في القرآن الكريم في سورة كاملة، وذُكر اسم يوسف عليه السلام في القرآن الكريم ستًا وعشرين مرة، منها أربعًا وعشرين في سورة يوسف .
    تفاصيل القصة :كان يوسف يحظى بحب كبير من أبيه يعقوب، وقد لاحظ إخوته مكانة يوسف عند أبيه، فجعلت الغيرة تعتصر قلوبهم، والحسد يكشر عن أنيابه ! تبدأ القصة بإخبار يوسف والده أنه رأى في المنام أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له، فطلب يعقوب من ولده ألا يقص رؤياه على إخوته؛ إذ إن ذلك سيجعلهم يزدادون حسدًا له، وحقدًا عليه، وغيرة منه، بيد أن خبر الرؤيا وصل إلى هؤلاء الأخوة الحساد، فخلا بعضهم، وتناقشوا فيما بينهم فيما هم فاعلون، وأجمعوا أمرهم على أن يأخذوا يوسف ويلقوه في بئر عميق؛ ليطفئوا نار الغيرة التي تشتعل في صدروهم . وبعد حوار مع والدهم، وافق الوالد الحنون على إرسال يوسف مع إخوته لقضاء بعض الوقت في اللعب واللهو .
    وبالفعل خرج الإخوة بـ يوسف إلى مكان بعيد، وقد عقدوا العزم على تنفيذ خطتهم، ثم وصلوا إلى مكان فيه بئر عميق، فألقوا فيه أخاهم من غير شفقة ولا رحمة، ثم عادوا أدراجهم، وقد حملوا قميص يوسف معهم، ولوثوه ببعض الدماء؛ ليخفوا حقيقة ما جرى، ويدعوا أن ذئبًا ضاريًا شاردًا هاجم أخاهم على حين غفلة منهم، فأكله ! وما أن سمع يعقوب بالقصة حتى شعر أن ثمة أمرًا قد دُبِّر، ولكن ماذا عساه أن يفعل، والأدلة بين يديه لا تقوى على إدانة مرتكب الجريمة . فسلَّم أمره إلى الله، طالبًا منه الصبر على هذا المصاب الجلل .
     ثم ينتقل المشهد القرآني ليخبرنا عن يوسف وقد أصبح في أسفل البئر، وبينما هو على هذه الحالة، إذ بقافلة من قوافل التجار تمر من هنا، ثم تنزل قرب البئر قاصدة الاستراحة والتزود بالماء والطعام، وما إن يلقي بعض رجال القافلة حبل السقاية في البئر طلبًا للماء، حتى يتبين لهم أن ثمة غلامًا في البئر، فيفرح بذلك فرحًا شديدًا، ويخبر رفاقه بهذا البضاعة التي كسبها من غير تقدير ولا تدبير .
    ثم إن تجار القافلة يستقر رأيهم على بيع ما وجدوه، ومن ثم يعرضونه للبيع لبعض المارة، فيشتريه بثمن زهيد ! ويبدو أن الذي اشتراه كان صاحب جاه ومنصب ومكانة، وكان قبل ذلك صاحب توفيق؛ إذ أن شراءه لهذا الغلام سوف يجلب له الخير في قابل الأيام .
    (يوسف عليه السلام وامرأة العزيز ):واستقر المُقَام بـ يوسف في بيت عزيز مصر، وفي هذا البيت الرفيع كانت لـ يوسف قصة، ذلك : إن زوجة العزيز قد فُتنت بجمال يوسف، فطلبت منه -بعد مقدمات وممهدات - فعل الفاحشة معها !كان رد يوسف على طلبها بالرفض القاطع، وطلب الإعانة من الله للخلاص من هذه الفتنة التي حلت به من غير سابق إنذار .
    بيد أن المرأة المفتونة -وقد انسلخت من حيائها تمامًا، وانساقت وراء شهوتها - أصرت على ذلك، وفي تلك الأثناء -والحال بين شد وجذب، وطلب ورفض - إذا بالباب يُفتح، وخلفه العزيز، وإذا بالثلاثة وجهًا لوجه : يوسف يسعى ويركض نحو الباب للتخلص من براثن الفتنة، والزوجة لاهثة وراء قضاء شهوتها، والزوج يريد أن يعرف ماذا يجري داخل قصره !؟ ورغم هذا الموقف الحرج، فقد بادرت الزوجة بتوجيه التهمة إلى النزيل الجديد في القصر، وطلبت من زوجها أن يودع هذا النـزيل السجن، أو ينزل به أشد العقاب؛ جراء محاولته تدنيس عرض سيد القصر، وعزيز مصر - بزعمها ! وأمام هذا الاتهام الصريح من المرأة لـيوسف، مع أنها رأس هذه الفتنة، لم يجد يوسف بدًا من الدفاع عن نفسه بالحق، وقد دافعت هي عن نفسها بالباطل .
    ومن أجل أن يعرف العزيز حقيقة ما جرى، طلب من بعض أعوانه، أن يتبين من أي جهة تمزق قميص يوسف، وبعد النظر تبين أن قميص يوسف قد تمزق من الخلف، ما يعني أنه كان بصدد الفرار من الفتنة، إلا أن الفتنة لاحقته، وأمسكت بقميصه ما أدى إلى تمزيقه، فكان هذا دليلًا كافيًا على براءة يوسف من هذه الفتنة التي كيدت له . ثم إن امرأة العزيز تصبح هي وفعلتها حديث الطبقة العليا من نساء مجتمعها . وتسمع المرأة بما يدور على ألسنة النساء من هنا وهناك ...إنه حديث يدور هامسًا خافتًا ...
    وإذن، فلتتدبر الأمر قبل أن يستفحل، ولتعمل بكل ما تملك من حول وطول لإطفاء نيران هذه الفتنة التي أخذ شررها يتطاير في كل مكان، وهي زوجة سيد مصر ! كان من تدبيرها وحيلتها، أن دعت النساء إلى حفلة ذات طعام وشراب، وقدمت لهن ما لذَّ وطاب، وكان من جملة ما قدمت لهن فاكهة تسر الناظرين، وقدمت مع كل طبق فاكهة سكينًا لقطعها على عادة كبراء القوم، وفي أثناء انشغال النسوة بتقطيع ما بين أيديهن من فاكهة، طلبت المرأة من يوسف الدخول على تلك النسوة، فما أن رأين يوسف حتى بهرن بجماله، ولم يشعرن إلا وهن يقطعن أصابعهن بالسكاكين ...
    وإذا بامرأة العزيز تبوح بمكنون صدرها ولواعج قلبها، وتهدد يوسف وتتوعده، بأنه إذا لم يفعل الفاحشة معها، فإن مصيره إلى السجن؛ ليذوق وبال صده، وينال عاقبة امتناعه، وليكون ذليلًا صاغرًا .
     ولا يجد يوسف أمام هذا السلطان القاهر المتحدي إلا أن يفزع إلى ربه، متضرعًا إليه؛ أن يصرف عنه السوء الذي أحاط به، ويبعد عنه شبح الفتنة التي تحاصره من كل جانب . وقد استجاب الله دعاء يوسف، فصرف عنه كيد تلك المرأة ومن ناصرها من بنات قومها . ثم آل به إلى الأمر أن يدخل السجن، وليكون له فيه أيضًا قصة أخرى .
      (يوسف عليه السلام في السجن ):دخل يوسف السجن -على ما فيه - مُؤْثِرًا إياه على فعل ما لا يرضي الله سبحانه، وكان السجن هو الحصن الذي احتمى فيه يوسف من الفتنة ودواعيها، ثم كان فيه ما كان .
    كان هذا السجن -وكل محنة تحمل في طياتها منحة - هو الطريق الذي سلكه يوسف إلى المُلك، الذي أراد الله سبحانه أن يضعه بين يديه، وأن يجعله خاتمة لهذه الرحلة الشاقة على أشواك الابتلاء . يقيم يوسف في السجن مع رفاق سجنه، وسرعان ما يكسب حب رفقائه له، وينال ثقتهم؛ بما تجلى لهم من سمو أخلاقه، وعلو نفسه، وسداد رأيه، ونفاذ بصيرته . ثم ها هو ذا يصبح المرجع في تفسير الأحلام التي يراها أهل السجن وذات يوم يسأله شابان من رفاق السجن عن رؤيا رأياها ...كان أحدهما قد رأى في المنام أنه يعصر عنبًا، ليصنع منه خمرًا، وأما الآخر فكان قد رأى أنه يحمل خبزًا فوق رأسه، والطير تأكل منه . فوجد يوسف من حسن ظنهما فيه مُنْطَلَقًا إلى أمر هو أعظم وأنفع لهما من تأويل رؤياهما، وهو دعوتهما إلى الله الواحد القهار . فبدأ يبين لهما وحدانية الله، وأنه سبحانه هو الإله الذي يستحق العبادة دون سواه من الآلهة، التي لا تملك من أمرها شيئًا .
    وبعد أن أوصل يوسف رسالته الدعوية لهذين الشابين، أخذ في تأويل رؤيا كل واحد منهما، فأخبر الأول أنه سوف يسقي الخمر لسيده، وأخبر الثاني أنه سوف يصلب، والطير تأكل من رأسه . وأنهى تأويله لهما بقوله : إن كلا الأمرين قضاء من الله حاصل، لا مرد له ولا دافع . ثم أقبل يوسف على الشاب الذي توقع له النجاة، وطلب منه أن يلتمس له من سيده (عزيز مصر ) فك أسره، وإطلاق سراحه . ثم يخرج الشاب من سجنه، وينشغل بأمور حياته، ويقابل سيده، ويقدم له الخمر، إلا أنه ينسى أن يبلغه رسالة يوسف التي حمَّله إياه إليه . وكان من أمر ملك مصر أن رأى رؤيا شغلت باله، وأقضت عليه مضجعه، ولم يجد بين صفوف حاشيته من يؤولها له .
     وبينما الحال كذلك، إذا بصاحب يوسف الذي نجا من السجن يتذكر يوسف، فينطلق إليه مسرعًا، ويسأل يوسف عن تأويل رؤيا الملك، ثم يعود إلى الملك كالسهم، ويلقي بين يديه تأويل ما رآه، ويقع ذلك التأويل من الملك موقعًا حسنًا، وعندها يهتف الملك بمن حوله طالبًا منهم إحضار يوسف؛ ليكون إلى جانبه مستشارًا، ومعاونًا له في إدارة شؤون مصر . بَيْد أن يوسف يأبى أن يستجيب لدعوة الملك، ولم تشغله فرحة الخروج من هذا القبر، الذي أطبق عليه تلك السنين الطويلة ...عن أن يطلب التحقيق في أمر سجنه . ومن ثم يطلب من الملك أن يحقق في هذا الأمر؛ ليعيد له الاعتبار، ويُعْرَفُ صاحب الحق من الباطل .وها هنَّ النسوة يمثلن في مجلس الملك؛ لكشف النقاب عن ملابسات اعتقال يوسف، ويسألهن الملك عن هذا الحدث الذي كان بينهن وبين زوجته ...
    ولا يسع الزوجة إزاء هذا الموقف إلا الاعتراف بحقيقة ما جرى، ومن ثم تخبر زوجها أنها هي التي طلبت من يوسف فعل الفاحشة معها ! وقابل طلبها بالرفض والامتناع .
     (يوسف عليه السلام على خزائن مصر ):وتشتد رغبة الملك -وقد قامت الأدلة على براءة يوسف وعفته ومروءته - في لقاء يوسف، ويقع من نفسه موقعًا متمكنًا؛ إذ رأى فيه الرجل الذي يجد عنده سداد الرأي، وصدق النصح، وحسن التدبير ما يقيم ملكه على دعائم قوية . وهكذا كان يوسف إلى جانب الملك يشرف له على موارد الدولة الاقتصادية، ويدبر له صادرها وواردها . مضى الزمان يطوي الليالي والأيام، و يوسف يدير اقتصاد مصر ويدبره، ووقعت مجاعة في أرض كنعان التي كان يعيش فيها يعقوب وأبناؤه .
    وكانت مصر بفضل تدبير يوسف قد أعدت لهذا الأمر عدته؛ فادخرت كثيرًا مما زرعت وحصدت، وبهذا أصبحت مصر في تلك الأيام المجدبة محط رحال الوافدين إليها، يطلبون الزاد والغذاء . وقصد إخوة يوسف مصر طلبًا للتزود بالطعام، وقضى الله أن يجتمعوا بأخيهم يوسف من غير أن يعرفوه، بيد أنهم أخبروه أنهم أولاد يعقوب . ومنذ اللحظة التي رأى فيها يوسف إخوته، أخذ يدبر أمرًا بينه وبينهم .
    وها هم أولاء يطلبون منه التزود بالطعام، وها هو ذا يرفض تزويدهم بالطعام إلا بعد أن يأتوا بأخ لهم من أبيهم؛ ليكون ذلك دليلًا على صدقهم فيما قالوه من أنهم أبناء يعقوب . ويعود الأبناء إلى أبيهم، وما يكادون يلتقون به حتى يخبروه بأنهم منعوا من التزود بالطعام إلى أن يأتوا بأخ لهم ..
    ولم يجد يعقوب بدًا من التسليم بالأمر الواقع، فسمح لهم باصطحاب أخيهم معهم، وأخذ عليهم عهدًا بأن يأتوه به، ولا يضيعوه كما ضيعوا أخاهم من قبل ! وقبل أن تتجه القافلة تلقاء مصر ثانية، نصحهم أبوهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، بل يدخلوها من عدة أبواب؛ مخافة أن يحسدهم الناس؛ إذ كانوا على درجة من الجمال . ويصل الركب ثانية إلى مصر، ويلتقي يوسف بأخيه، ويخلو به، ويضمه إليه، ويخبره أنه أخوه .
    وكان يوسف قد دبَّر حيلة لإبقاء أخيه إلى جانبه، فأمر بعض أعوانه أن يضع مكيال الطعام ضمن أمتعة أخيهم من غير أن يشعر أحد منهم بذلك، وسار الأمر وفق ما خُطط له، وقبل أن تنطلق القافلة برحلة العودة، إذا بمنادي الملك يخبر القافلة بأن مكيالًا قد سُرِق، وأنه لن يُسمح بالمغادرة للقافلة إلا بعد أن يتم تفتيش متاع القافلة، ومعرفة السارق .
     وبدأت عملية تفتيش الأمتعة، ثم استخراج المكيال المسروق من متاع الأخ، وما أن رأى إخوة يوسف استخراج المكيال من متاعه حتى أُسقط في أيديهم، ورجوا يوسف أن يأخذ أي واحد منهم، ويطلق سراح أخيهم؛ لأن أباه لا يتحمل فقده . وجاء الجواب بالرفض القاطع .
     وعاد الركب بالطعام وتركوا خلفهم أخاهم، وهم حائرون في أمرهم، كيف سيكون موقفهم من أبيهم؟ وماذا سيقولون له؟ وهل سيصدقهم هذه المرة؟ علم يعقوب بما حدث، ولم يجد أمامه إلا الصبر على هذا المكروه، والاستسلام لأمر الله، والرجاء في رحمته وإحسانه . لقد نكأ هذا الجرح الجديد جرحًا قديمًا، كان غائرًا في أعماق نفسه بسبب فَقْدِه لـيوسف، وها هو اليوم يفيد ابنه الثاني .
     ويمضي يعقوب في موقفه هذا مع ربه، وشكاته إليه، والوقوف بباب فضله، غير يائس أبدًا من فضله سبحانه، ثم يتوجه إلى بنيه طالبًا منهم البحث عن يوسف وأخيه، وحاثًا إياهم على عدم اليأس من فضل الله ورحمته، فلم يسعِ الأبناء إلا الاستجابة لطلب أبيهم، فأعدوا العدة، ويمموا وجههم ثالثة إلى مصر للبحث عن يوسف وأخيه . وها هم الإخوة بين يدي يوسف، يرجونه ثانية أن يطلق سراح أخيهم ...
    فيرى يوسف ما أصاب أهله من ضرٍّ، وما حلَّ بهم من ضيق، فيرق لحالهم، ثم يسألهم سؤال المعاتب : هل علمتم ما فعلتم بـ يوسف عندما كان صغيرًا؟ فيتعجب الإخوة من هذا السؤال، ويستفسرون منه إن كان هو نفسه يوسف، فيأتي الجواب بالإيجاب . وهنا يشعر الإخوة بالندم على ما كان منهم، وأنهم كانوا على طريق ضال في الكيد الذي كادوه له . ويطوي يوسف سريعًا صفحة الماضي، ويغطي على كل آثارها بالصفح الجميل، وطلب المغفرة على ما كان منهم . ثم يطلب يوسف من إخوته أن يحملوا قميصه، ويلقوه على وجه أبيهم؛ كي يرتدَّ إليه بصره . وينطلق الركب فرحين بما يحملونه من أخبار سارة يبثُّونها إلى أبيهم . وما أن يشارفوا على الوصول حتى يخبر يعقوب أنه يجد ريح يوسف، ويدخل الأبناء على أبيهم، ويلقوا القميص على وجهه، فيعود إليه بصره بإذن الله . ثم يخبروه بما جرى بينهم وبين أخيهم يوسف، ويطلبون منهم المسير معهم إليه ليلتئم شمل الأسرة .
     ويصل يعقوب وأبناؤه إلى مصر، ويدخلون على يوسف، وما أن يرى يوسف أباه بعد هذا الفراق الطويل حتى يقبِّله، ويرفعه على المكان المخصص لجلوسه احتفاء به، ثم يتوجه مناجيًا ربه، بالشكر والحمد له على ما أنعم عليه من نِعَم، وما أفاض عليه من عطاء، طالبًا منه أن يتوفاه على دين الإسلام، وأن يلحقه بعباد الله الصالحين .
ماذا نفعل بعد ذلك
  • أن نعرف أنه نبي من أنبياء الله الصالحين، ونؤمن به .
  • أن نستفيد من العبر والدروس في هذه القصة العجيبة، ومنها :
  • أن نعرف أن هذه القصة من أحسن القصص وأوضحها .
  • أن نعرف ما فيها من الأدلة والبراهين على نبوة نبينا محمد عليه هذهِ القصة الكاملة الواقعة وهو لم يقرأ كُتبُ الأولين، بَلْ هُو أُميٌّ لا يقرأ ولا يكتب، وصدق الله : ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ [يوسف :102].
  • ينبغي للعبدِ البعدُ عن أسبابِ الشرِّ وكِتمان ما يخشى مضرته، وقد وجه يعقوبُ فلذة كبدهِ بذلك قائلًا : ﴿ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾ [يوسف : 5]
  • العدلُ مطلوبٌ في جميعِ الأمور الصغار والكبار ومن ذلكَ مُعاملةَ الوالدينِ للأولادِ فلابدَ من التَّسوية بينهم، وعدم إيثار بعضهم على بعض، ومتى حصل ذلك اختلَّ نظامُ الأسرة ووقع ما يكدر الصفو ويعكر طعم الحياة، وهذا ما حصل ليعقوب عليه السلام .
  • إذا ابتُلي العبدُ بمواطنِ الريبةِ وأماكن الفتنة فينبغي له أن يهرب لئلا تُدركه أسبابَ المعصيةِ فيقع ثمَّ يندم، وكان هذا حالُ يوسف عليه السلام فرَّ هاربًا وهي تُمسك بثوبهِ من خلفهِ .
  • العبدُ الصادقُ مع ربهِ ينبغي أن يلتجأ إليه ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حَولهِ وقوتهِ لأنه عبدٌ ضعيفٌ، وقد كانَ ذلكَ من يوسف عليه السلام ﴿ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف : 33].
  • لا بأسَ أن يُخبرَ الإنسانُ عمَّا في نفسهِ من الصفاتِ الحسنةِ من العِلمِ وغيره إذا كان في ذلكَ مصلحةً وسَلمَ من الكذبِ لقوله : ﴿ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف : 55].
  • فضيلةُ الصبرِ وأن عواقبهُ حميدة، وهكذا كان حال يعقوب ويوسف عليهما السلام .
  • الإلحاحُ على الله بالدعاءِ وسُؤاله التثبيت لأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .

المحتوى الدعوي:


تنبيهات:


  • الحذر من الإسرائيليات التي لا تراعي مكانة الأنبياء، وجليل قدرهم .