سليمان عليه السلام

أهداف المحتوى:


  • التعرف على سليمان عليه السلام .
  • الإيمان به، وأنه رسول من عند الله، يدعو إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه .
  • معرفة فضله عليه السلام، وأن الله آتاه ملكًا لم يؤته أحدًا من العالمين .

الأحاديث:


أحاديث نبوية عن سليمان عليه السلام
  • عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ : «إنَّ عفريتًا من الجِنِّ تفلَّت البارحةَ لِيقطعَ عليَّ صلاتي، فأمكنَني اللهُ منه فأخذتْه، فأردتُ أن أربِطَه على ساريةٍ من سواري المسجدِ حتى تنظروا إليه كلُّكم، فذكرتُ دعوةَ أخي سليمانَ (ربِّ هبْ لي ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدي ) فرددتُه خاسئًا ».

عناصر محتوى المفردة:


المقدمة
  • المقدمة
المادة الأساسية
  • (سليمان عليه السلام ): هو سليمان بن داود بن إيشا بن عويد بن عابر حتى ينتهي نسبه إلى يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وهو أحد أنبياء بني إسرائيل، وقد رزقه الله النبوة والملك وأعطاه ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فكان ملكه واسعًا وسلطانه عظيمًا .
    (وراثة سليمان داود في النبوة والملك ): يقول الله تبارك وتعالى :﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل : 16].
    ومعنى قوله تعالى :﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾ أي ورثه في المُلك والنبوة وليس المراد أنه ورثه في المال لأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه قال : «نحن معاشرَ الأنبياءِ لا نورَثُ ما تركناه صدقةٌ » [متفق عليه ] أي أن الأنبياء لا تورَث أموالهم عنهم كما يورث غيرهم بل تكون أموالهم صدقة من بعدهم .
    (صفته وذكاؤه وجودة رأيه في الحكم والقضاء ): كان نبي الله سليمان عليه السلام أبيض جسيمًا، كثير الشعر، يلبس من الثياب البياض ورث الملك عليه السلام وكان عمره حينئذ اثنتي عشرة سنة وقد كان مع حداثة سنِّه من ذوي الفطانة والذكاء وحسن التدبير والسياسة، وقد منحه الله تبارك وتعالى منذ صباه الذكاء والحكمة وحسن القضاء، فقد كان أبوه في أيام ملكه يشاوره في أموره مع حداثة سنه لحكمته وفطانته .
    وقد ذكر القرآن الكريم طرفًا من ذلك النبوغ والذكاء الذي كان عند سليمان عليه السلام وذلك في قصة الحرث والزرع الذي نفشت فيه الغنم أي رعت فيه ليلًا، فاستفتى داود عليه السلام فأفتى فيها بوجه وأفتى فيها ابنه سليمان بوجه آخر، ووُفِّق سليمان عليه السلام إلى الحكم الأقوم عليهما الصلاة والسلام .
    قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ  *فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ سورة الأنبياء .
    (سياسة سليمان عليه السلام وبناؤه لبيت المقدس ): قام سليمان عليه السلام بعمارة بيت المقدس تنفيذًا لوصية أبيه داود عليه السلام بعد أربع سنين من توليه الملك وأنفق في ذلك أموالًا كثيرة وانتهى من بنائه بعد سبع سنين، وأقام السور حول مدينة القدس . وقد كان آدم عليه السلام أول من بنى المسجد الأقصى بناه بعد أربعين سنة من بنائه المسجد الحرام كما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام .
    فعن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله ﷺ : «أنَّ سليمان لما بنى بيت المقدس سألَ ربَّه عز وجل خِلالًا ثلاثًا فأعطاه اثنين، ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة : سأله حُكمًا يُصادِف حُكمَه فأعطاه إيَّاه، وسأله مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِه فأعطاه إيَّاه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطاه إياه ». كان لسيلمان عليه السلام اهتمام عظيم بالإصلاح والعمران وكان له أسطول بحري كبير له عناية كبيرة بالخيل يُروّضها ويُعدها للجهاد في سبيل الله في الحروب .
    (نعم الله تعالى على سليمان عليه السلام ):قال الله عز وجل : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ *وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل : 14-16].
    أكرم الله عز وجل عبده ونبيه سليمان عليه السلام بنعم كثيرة وخصه بمزايا رائعة :فقد فضّله الله تعالى بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن والإنس، وأعطاه الله عزَّ وجل علمًا بالقضاء وتسبيح الجبال .
    وقد علمه الله تبارك وتعالى منطق الطير ولغته وسائر لغات الحيوانات فكان يفهم عنها ما لا يفهمه سائر الناس، وكان يتحدَّث معها أحيانًا كما كان الأمر مع الهدهد والنمل، قال الله عز وجل : ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل : 16]، أي من كل شيء يجوز أن يؤتاه الأنبياء والناس، وقيل إن نبي الله سليمان عليه السلام أعطي ملك مشارق الارض ومغاربها .
    وقد سخَّر الله تبارك وتعالى لنبيه سليمان عليه السلام الريح فكانت تنقله إلى أي أطراف الدنيا شاء، قال الله عزَّ وجل : ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ﴾ [ص : 36]، وقال تعالى : ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء : 81].
    ومن نِعم الله تبارك وتعالى على سليمان عليه السلام أن سخَّر له الجن ومَردة الشياطين يغُوصون له في البحار لاستخراج الجواهر واللآلئ ويعملون له الأعمال الصعبة التي يعجز عنها البشر، كبناء الصروح الضخمة والقصور العالية والقدور الضخمة العالية الثابتة والجفان التي تشبه الأحواض الكبيرة، يقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله : ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ أي وسخّر الله عز وجل له من الجن عُمالًا يعملون له ما يشاء لا يخرجون عن طاعته ومن خرج منهم عن أمره وطاعته عذَّبه ونكَّل به .
    ثم بيّن الله تعالى ما كانت تصنع الجن لنبيه سليمان عليه السلام فقال عزَّ وجل : ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ : 13].
    وقد جعل الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام سُلطة عالية على جميع الشياطين من الجن يسخر من يشاء منهم في الأعمال الشاقة، ويقيد من يشاء في الأغلال ليكفَّ شرهم عن الناس، يقول الله عز وجل : ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاص (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ(38)﴾ [ص : 37]، أي الأغلال .
    ومن نعم الله تعالى على سليمان عليه السلام أن أسأل له عين القِطر وهو النحاس المُذاب، فكان النُحاسُ يتدفّق رقراقًا مُذابًا لسليمان عليه السلام كتدفُّق الماء العذب، فيصنع منه سليمان عليه السلام ما يشاء من غير نار وكانت تلك العين في بلاد اليمن، يقول الله تبارك وتعالى : ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ [سبأ : 12].
    (سليمان عليه السلام والنملة ):يقول الله تبارك وتعالى :﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ  *حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل : 18-19].
    (قصة سليمان عليه الصلاة والسلام مع بلقيس ملكة سبأ ):اتخذ نبي الله سليمان عليه السلام المُلك وسيلة للدعوة إلى دين الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يترك ملكًا كافرًا ظالمًا إلا دعاه إلى الدخول في دين الله الإسلام وعبادة الله تعالى وحده، فمن لم يستجب لدعوته كان السيف هو الحكم الفصل، وهكذا انتشر دين الله في أقطار المعمورة وعمَّ أرجاء الدنيا .
    تفقّد سليمان عليه السلام الطير فلم يرَ الهدهد بينهم ولم يجدْه، فأخذ يتهدده بالذبح أو التعذيب إلا إذا أتاه بعذر مقبول عن سبب تخلفه، يقول الله تبارك وتعالى : ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ  (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ(21)﴾ [النمل : 20-21].
    ثم أقبل الهدهد إلى سليمان عليه السلام، فلما سأله عن غيبته أخبره بأنه اطَّلع على ما لم يطلع عليه، وأخبره بخبر يقين صادق وهو أنه كان في اليمن في بلدة سبأ، وأنَّ هناك ملكة على هذه البلاد تُدعى “بلقيس” قد ملكت على تلك الأمة في اليمن وأوتيت من كل شيء يُعطاه الملوك ويؤتاه الناس، ولها عرش عظيم .
    ثم ذُكر لسليمان عليه السلام كفرهم بالله تعالى وعبادتهم الشمس والسجود لها من دون الله وإضلال الشيطان لهم وصدُّهم عن عبادة الله تعالى، الذي يُخرج الخَبْء والمُستتر في السموات والأرض ويعلم ما يخفون وما يعلنون وهو رب العرش العظيم، قال الله تعالى :﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ  (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ  (23)وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ  (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ  (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾ [النمل : 22-26].
    فعند ذلك بعث سليمان عليه السلام كتابًا ليوصله إلى هذه الملكة مختبرًا صدق الهدهد، وكان هذا الكتاب يتضمَّن دعوته لهم إلى طاعة الله ورسوله والخضوع لملكه وسلطانه قال تعالى : ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ(28)﴾ [النمل : 27-28].
    وحمل الهدهد كتاب سليمان عليه السلام وجاء إلى قصر بلقيس فألقاه إليها وهي على سرير عرشها ثم وقف ناحية ينتظر ما يكون من جوابها عن كتاب سليمان عليه السلام، وأخذت الملكة "بلقيس " الكتاب فقرأته ثم جمعت أمراءها ووزراءها وأكابر دولتها إلى مشورتها ثم قالت : ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ ما أخبر الله به في هذه الآية ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ﴾ سورة النمل، أي إن الكتاب من عنده ﴿وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(31)﴾ [النمل : 30].
    ثم شاورتهم في أمرها وما قد حلّ بها وخاطبتهم بمضمون هذه الآية ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل : 30]، تعني ما كنت لأبتَّ أمرًا إلا وأنتم حاضرون، فأخذت رجال دولتها العزة بالإثم وثارت فيهم الحماسة للقتال و﴿قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ أي لنا قوة على القتال ثم قالوا لها بعد أن عرَّضوا لها بالقتال ﴿وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ [النمل : 33]، ففكرت بلقيس بالأمر مليَّا وبروية ولم تتحمَّس كتحمسهم واندفاعهم وكان رأيها أتمَّ وأسد من رأيهم، وعلمت أن صاحب هذا الكتاب قوي السلطان يغلب أعداءه ولا يخالف ولا يُخادع و﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل : 34]، تعني أن هذا الملك لو غلب على هذه المملكة لم يخلص الأمر من بينكم إلا إليَّ ولم تكن الشدة والسطوة البليغة إلا عليَّ .
    ثم عرضت بلقيس على رجال دولتها أن ترسل إلى سليمان عليه السلام هدية تصانعه بها وتستنزل مودَّته بسببها وتُحمل هذه الهدية لرجال دهاة من رجالها حتى ينظروا مدى قوة سليمان عليه السلام، ثم بعد ذلك تقرِّر ما ستفعله في أمر سليمان على ضوء ما يأتيها من أخبار عن سليمان عليه السلام وقوته، يقول الله تعالى إخبارًا عن بلقيس : ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل : 35].
    وأرسلت “بلقيس” رجالها بهدية تحتوي على الحليّ والجواهر غالية الثمن، فلما جاؤوا سليمان عليه السلام ووضعوا بين يديه هدية بلقيس لم يقبلها، وأظهر لهم أنه ليس بحاجة إلى هديتهم وأن الله سبحانه وتعالى أنعم عليه بنعم كثيرة تفوق بكثير ما أنعم عليهم، ثم توعدهم وملكتهم بأن يرسل إلى بلادهم بجنود لا قدرة لهم على قتالهم ويخرجهم من بلادهم أذلة صاغرين يقول الله تعالى :﴿فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ  (36)ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ(37)﴾ [النمل : 37].
    رجعت رُسل بلقيس إليها أخبروا ملكتهم بخبر سليمان عليه السلام، ووصفوا لها ما شاهدوه من عظمة مُلك سليمان عليه السلام وكثرة جنده وقوة بأسه، وأخبروها بأنه ردَّ الهدايا إليها ولم يرضَ المصانعة، وأنه مصمم على غزو بلادهم بجيش كبير عرمرم لا قدرة لهم عليه، ولما سمعت الملكة "بلقيس " أخبار رسلها عن سليمان عليه السلام وعظيم ملكه أيقنت بعظم سلطانه ومهابته وعدم طاقتها على مقاومته، فبعثت إليه : إني قادمة إليك لأنظر ما تدعو إليه، ثم أمرت بعرشها فجعل وراء سبعة أبواب، ووكلت به حرسًا يحفظونه وسارت إلى سليمان عليه السلام بجيش كبير مع رجالها وجماعتها .
    وأراد سليمان عليه السلام أن يظهر لبلقيس من دلائل عظمته وسلطانه ما يُبهرها وأن ترى بعينها ما لم ترَه من قبل قط، وهو أن يأتي بعرشها إلى قصره ليكون جلوسها عليه في ذلك الصرح العظيم دليلًا باهرًا على نبوته لأنها خلفته في قصرها واحتاطت عليه، فأمر عليه السلام جنوده وخواصه أن يخبروه عن مخلوق قوي ليأتيَه بعرش بلقيس، فتطوَّع عِفريت قوي من الجن وأخبره أنه قادر على إحضار عرش بلقيس في مدة قصيرة لا تتجاوز نصف نهار، يقول الله تبارك وتعالى إخبارًا عن سليمان عليه السلام :﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ(39)﴾ [النمل : 39] أي مجلسك، وكان سليمان عليه السلام يجلس للقضاء بين الناس من وقت الفجر إلى نصف النهار، ثم قال له : ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ أي وإني لذو قدرة على إحضاره إليك وذو أمانة على ما فيه من الجواهر النفيسة .
    وكان هناك عند سليمان عليه السلام رجل من أهل الإيمان مشهور بالتقوى والولاية أعطاه الله معرفة اسمه الأعظم فقال لسليمان عليه السلام ما أخبر الله تعالى بقوله : ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل : 40]، أي قبل أن يرجع إليك بصرك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته، وكان الأمر كما قال، وإذا بعرش بلقيس بعظمته وحليه قائمٌ وحاضر في القصر أمام نبي الله سليمان عليه السلام، فلما رأى سليمان عليه السلام عرش بلقيس عنده في هذه المدة القريبة قال ما أخبر الله به عنه في هذه الآية في قوله : ﴿قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل : 40] أي هذا من فضل الله علي وفضله على عبيده ليختبرهم على الشكر أو خلافه ﴿وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ أي يعود نفع ذلك عليه ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ أي ترك الشكر .
    ثم أمر نبي الله سليمان عليه السلام أن يغير بعض معالم العرش ليمتحن بها قوة ملاحظتها وانتباهها وليختبر فهمها وعقلها، قال الله تعالى : ﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ  (41)فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ(42)﴾ [النمل : 42]، وهذا من فطانتها وغزارة فهمها لأنها استبعدت أن يكون عرشها لأنها خلفته وراءها بأرض اليمن تحت حراسة شديدة، ولم تكن تعلم أن أحدًا يقدر على هذا الصنع العجيب الغريب، قال الله تعالى إخبارًا عن سليمان عليه السلام : ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ(43)﴾ [النمل : 43]، ولمعنى صدها عن عبادة الله تعالى وحده عبادتها للشمس والقمر اتباعًا لدين آبائها لأنها نشأت ولم تعرف إلا قومًا كافرين يعبدون الشمس من دون الله تعالى .
    وكان سليمان عليه السلام قد أمرها بدخول القصر وكان جالسًا على سرير عرشه، قال الله تعالى : ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ﴾ [النمل : 44].
    فلما رأت الدلائل الباهرة والخوارق العجيبة أعلنت إسلامها وتبرأت مما كانت عليه من كفر وضلال، يقول الله تعالى حكاية عن بلقيس :﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل : 44].
    (وفاة نبي الله سليمان عليه السلام وكم كانت مدة ملكه وحياته ):يقول الله تبارك وتعالى في كيفية موت سليمان عليه السلام : ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [سبأ : 14].
    يذكر الله تبارك وتعالى كيفية موت نبيه سليمان عليه السلام وكيف أخفى الله تعالى موته على الجان المسخرين له في الاعمال الشاقة لأن الجن كانوا يقولون للناس : إننا نعلم الغيب فأراد إظهار كذبهم فقُبض سليمان وهو متوكئ على عصاه وظل ميتًا على عصاه سنة كاملة، فلما أكلت دابة الأرض وهي الأرضة – وهي دُوَيبة صغيرة تأكل الخشب - عصاه خرَّ وسقط إلى الأرض وعُلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة، وتبيّنت الجن والإنس أيضًا أن الجن لا يعلمون الغيب كما كانوا يتوهَّمون ويُوهمون الناس .
ماذا نفعل بعد ذلك
  • أن نعرف أنه نبي كريم من أنبياء الله، صاحب عبادة وذكر لله جلَّ في علاه .
  • أن نتعلَّم شكر المنعم سبحانه على عظيم عطاياه .
  • نتعلم حسن التدبير والقيام على شؤون الرعية؛ ومن ذلك : تفقد الرعية، والضرب على أيدي المارقين .
  • نتعلم علو الهمة في الثبات على المبدأ، وعدم الالتفات إلى المغريات الصغيرة .

المحتوى الدعوي:


تنبيهات:


  • الحذر من الإسرائيليات التي لا تراعي مكانة الأنبياء، وجليل قدرهم .