كلمات (بمناسبة الحملة التوعوية الأمنية المرورية)

عناصر الخطبة

  1. مأساة الحادث الذي أفقد الأب أسرته كلها
  2. ظاهرة ارتفاع عدد الحوادث المرورية وآثارها الخطيرة
  3. الحملة التوعوية الأمنية المرورية لمعالجة تلك الآثار
  4. أهم أسباب الحوادث المرورية
  5. التوجيهات الإسلامية بكف الأذى وإعطاء الطريق حقه
  6. شكر للقائمين على الحملة التوعوية المرورية
اقتباس

حادثة بددت فرحة الصغيرات، وخنقت الضحكات والابتسامات، صغيرات كن قد استعددن لعام دراسي جديد، وفرحن بالملابس والحقائب والدفاتر الجديدة، كانت أحلامهن تملأ الدنيا فرحا وبهجة وحبورا، فهن يحلمن باللعب من زميلاتهن في المدارس والرياض؛ لكن ..

الحمد لله على ما منح من الإنعام وأسدى، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره من خطايا وذنوب لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد، نبينا محمدا عبده ورسوله، أعظم به رسولا وأكرم به عبدا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه كانوا أمثل طريقة وأقوم وأهدى، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: ففي ليلة ارتدَت البقاع ثياب الحزن والحداد، ليلة اتشحت مناطقها وشوارعها بالسواد، وتحللت بالأحزان، وأمطرت دموعا، وتخضبت بالدماء، ليلة ظلماء غاب عنها القمر، مأساة وفاجعة روعت القلوب، راح ضحيتها أم وأربع بنات في عمر الورود.

حادثة بددت فرحة الصغيرات، وخنقت الضحكات والابتسامات، صغيرات كن قد استعددن لعام دراسي جديد، وفرحن بالملابس والحقائب والدفاتر الجديدة، كانت أحلامهن تملأ الدنيا فرحا وبهجة وحبورا، فهن يحلمن باللعب من زميلاتهن في المدارس والرياض؛ لكن كلمة الله هي العليا.

ففي تلك الليلة، وبينما الظلام الدامس يعانق شارع الموت، ذلك الشارع الذي كان حتى ذلك الوقت شارعا مجهولا بلا عنوان، شارعا معتما مظلما. ما بين طَرْفَةِ عينٍ وانتباهَتِها *** يُبدِّلُ الله من حالٍ إلى حالِ

فقد سكتت أهازيج الصغيرات، وكتمت الضحكات، وتطايرت الأجسام الصغيرة في الهواء، تمزقت وغرقت الأحلام والآمال، لتتحطم بتلك السيارة التي تركها قائدها بلا علامات انتظار، ولا إشارات تحذير! تركها في منتصف الطريق، لينفجر شلالات من الدموع والأحزان، ويضع نهاية أليمة وحزينة لقصة أسرة سعيدة، ليبقى الأب المكلوم وحيدا! بعد أن عاش نحو عشرين سنة في أمان بين زوجة وأولاده، يخطط ويرسم لوحة المستقبل بأحلام طوال، لتنتهي به الأيام وحيدا كما بدأ.

أعطوه المهدئات أكثر من مرة، ولكن الحزن أكبر من قدرته على الاحتمال، جلبوا له المشايخ ليقرؤوا عليه، ويهدئوا من روعه، ولكن دون جدوى، ضاع كل شيء في لحظات كما كان يردد دون وعي أو تفكير، نسأل الله أن يرزقه الصبر والسلوان، وأن يعوضه خيرا في الدنيا والآخرة.

هكذا عباد الله! هي الأيام والأحلام والآلام تمتزج ببعضها، وتتبعثر الأوراق بسبب تصرف أرعن، أو نفس ضعيفة أو جهل مركب، هكذا تقول لغة الأحزان والآلام عن حوادث السيارات، فكم من حبيب فقدناه! وكم من مصاب بكيناه! وكم من معاق على السرير نسيناه! بل كم من زوجة ترملت، وطفلة تيتمت، وأسرة تشتتت، وطاقة تعطلت! وكم من سائق في السجون، وفاقد للوعي ومجنون، أموات ومصابون ومعاقون، خسائر مالية ونفسية واجتماعية! إنها الحرب الباردة، حرب الآلة التي صنعت لخدمتنا، فصارت آلة لقتلنا وإماتتنا!.  

هل تصدقون! نسبة الخسائر البشرية والاجتماعية والاقتصادية للسيارات عندنا، قد تضاهي الخسائر التي تخسرها بعض الدول في حروبها! حيث بلغت عدد وفيات حوادث السيارات في العام الماضي (1420) فقط: (4,848) ميتاً، (32,361)؛ وليس منبر الجمعة مجال التفصيل والإسهاب، ولكنها ظاهرة خطيرة؛ فالمشكلة تتأزم وتزداد رغم أننا ندعي التقدم والتحضر، ونزعم التعلم والتربية والتطور.

فقد أثبتت إدارة الدراسات والإحصاءات بالأمن العام أن الحوادث المرورية ارتفعت جدا مقارنة بالأعوام السابقة، فمثلا عدد إجمالي الحوادث المثبتة في العام العشرين بعد الأربع مائة والألف، مائتان وستون ألفا وسبعمائة واثنان وسبعون حادثا (267772)، وقد كانت في العام التاسع عشر بعد الأربع مائة والألف: مائين وستة وأربعين ألفا وثلاث مائة وستة وعشرين حادثا (246326)، هكذا تقول لغة الأرقام، فلماذا؟ وما الأسباب؟.

وهذا لا يقدح في إيماننا بقضاء الله وقدره، وصبرنا على المصائب والآلام، بل هو من تمام التوكل، وترك البحث عن الأسباب المادية ومحاولة علاجها تواكل، وعقيدتنا تقول:"اعقلها وتوكل".

وما هذه الحملة التوعوية والتي تشرف عليها الأجهزة الأمنية إلا محاولة لعقل الأسباب المادية للحوادث وتخفيف آثارها، فشَكَر الله تلك العيون الساهرة، وهنيئا لهم بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله".

فما أجمل إخلاص النية في كل شيء! فأنتم في عبادة يكتب لكم فيها الحسنات، فقط أخلصوا، وراقبوا الله في عملكم، فليست العين التي تحرس في سبيل الله بمنأى عن تلك العين التي بكت من خشية الله، فاتقوا الله وأحسنوا أعمالكم، واصبروا وأبشروا، وجزاكم الله عنا وعن جميع المسلمين خير الجزاء؛ فكم سهرتم لننام، وكم تعبتم لنرتاح، ولكن حسبكم أن الله قال: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف:30].

عباد الله: كم كنا نتمنى أن تكون هذه الحملة منذ سنين، وأن يؤخذ الناس بالنظام والتنظيم، ومع ذلك فإنه من الخطأ أن نحمل المسؤولية الأجهزة الأمنية وحدها، وأن نلقي باللائمة على النظام دائما، وربما نحن أول من يتساهل ويتجاهل تطبيق الأنظمة والسير عليها، فقد بلغ عدد المخالفات المرورية في العام الماضي (1420) فقط: مليونين وسبعمائة واثنين وثمانين ألفا وخمسمائة وستا وخمسين مخالفة!.

فلماذا كل هذا التساهل؟ رغم أننا نحن الضحايا أو أحبابنا أو فلذات أكبادنا، فهل ترانا نتدارك الأمر، ونتعاهد أن نتعاون ونتكاتف لإيجاد حل سريع قبل أن يكون الضحية القادمة أنا أو أنت أو أقرب الناس إلى قلوبنا؟.

ولكن تعالوا أولا نتعرف على أهم أسباب هذه الحرب الطاحنة ولو على سبيل الإيجاز: أولا: يأتي في مقدمتها السرعة الزائدة، والتجاوز الخاطئ، وتجاوز الإشارة الحمراء، وغيرها من المخالفات المرورية التي تدل على عدم احترام الأنظمة والتعليمات المرورية، فكلنا مستعجل، وكلنا يحب أن يصل أولا.

ثانيا: انتشار ظاهرة قيادة صغار السن للسيارات؛ ممن تقل أعمارهم عن السن القانونية عالميا (18) سنة، حيث ثبت من خلال الدراسة الميدانية في مدينتي الرياض وجدة أن أكثر من اثنين وخمسين بالمائة من عينة البحث من قائدي السيارات بدؤوا قيادة السيارات قبل بلوغ سن السابعة عشرة، وأن أكثر من سبع وعشرين بالمائة بدؤوا قيادة السيارة قبل بلوغهم الثامنة عشرة.

وهذا يعني أن ثمانين بالمائة من عينة البحث بدؤوا قيادة السيارة قبل السن النظامية المقررة عالميا، مما يدل على أنهم غير مؤهلين لصغر سنهم وقلة خبرتهم بأصول القيادة السليمة، وعدم وجود الثقة الكافية، مما يساعد على تعرضهم للحوادث المرورية.

ويشير التقرير الإحصائي السنوي للعام التاسع عشر بعد الأربع مائة والألف إلى أن أربعة وخمسين ألفا وستمائة وثمانية وثمانين سائقا تعرضوا للحوادث وأعمارهم تقل عن ثماني عشرة سنة.

وكم من والد أو والدة قتل ابنه باسم هدية النجاح، أو باسم الحاجة الشديدة، فسارع بشراء أداة الجريمة! وكم هي القصص المحزنة تلك التي مات فيها الأبناء بأول يوم ركبوا فيها السيارة! ألا فليتق الله أولئك الآباء الذين لم يجدوا علاجا لقطع أنس جلساتهم وسهراتهم إلا بتسليم مفتاح السيارة للمراهقين الصغار ليتفرغ هو للسهرات والسفرات.

إن كل عاقل ليعجب أن تعطى قيادة السيارات لهؤلاء الصغار الذين لا يستطيعون التخلص في ساعة الخطر!.

ثالثا: كم يتساهل الكثير من أصحاب المؤسسات، أو ممن يأتون بالسائقين للبيوتات بالسماح للعاملين بقيادة السيارة دون إدراكهم بأصول القيادة السليمة، وخصوصا الوافدين من بعض الدول الفقيرة والمتخلفة مروريا، وقد نتج عن ذلك ما ورد في التقرير الإحصائي السنوي للعام التاسع عشر بعد الأربع مائة والألف من أن مائة وسبعة وخمسين ألفا وست مائة وثمانية وسبعين سائقا غير سعودي تعرضوا للحوادث المرورية، أي أن نسبة غير السعوديين تصل إلى 40 %.

رابعا: ضعف مدارس تعليم القيادة وقلة عددها، حيث توجد مدرسة واحدة فقط في كل مدينة، علما أن الدراسة الميدانية أثبتت أن أكثر من ثلاثة وسبعين بالمائة من عين البحث لم يدخلوا مدارس تعليم القيادة، وإنما تعلموا عن طريق أقاربهم وأصدقائهم، وهذا يدل على أن هؤلاء ليس لديهم المعرفة الصحيحة في أصول قيادة السيارات، وإنما تعلموا من خلال المحاكاة والتقليد بأشخاص آخرين ليس لديهم المعرفة بالأصول السليمة بالقيادة.

علما بأن هناك عيوبا كثيرة في مدارس تعليم القيادة، سواء في تعليم المواد النظرية أو العملية، بالإضافة إلى أن مدارس تعليم القيادة تنفذ هذه البرامج داخل مباني مدارس القيادة دون القيادة داخل وخارج المدن.

خامسا: التساهل في أًول تعامل بعض منسوبي الدوريات الأمنية (المرور) مع مرتكبي المخالفات والحوادث المرورية، وربما قبول الشفاعات، وعدم تطبيق العقوبات على مرتكبي المخالفات المرورية بالحزم المطلوب؛ مما تسبب في ضعف العلاقات القائمة بين بعض رجال الدوريات الأمنية والجمهور، أو في التسخط وعدم المبالاة نظرا لعدم التسوية في المعاملة.

سادسا: الجهل لدي الكثير من الآباء بحقيقة النظام، وأنه من أجل الصالح العام، فتجد بعضهم يغضب بمجرد تطبيق النظام على لده، ويسارع بالبحث عن الشفاعات، وربما الدعاء بالثبور والويلات على المسؤول المباشر لقضية ابنه أو اتهامه بالتربص لابنه.

وربما كان الوالد يعلم سفاهة وطيش ابنه، بل ربما علم أنه من الفارغين (المفحطين) المؤذين للناس، ومع ذلك كله تأخذه العزة بالإثم فيصول ويجول، ويزيد ويرعد، فمتى نكون على مستوى كبير من الوعي في احترام النظام، وتقدير المسؤولين الجادين، ولو كان خصمهم أقرب الناس إلينا، فكل عاقل يعجب من هؤلاء الذين لا يراعون أهمية النظام، ولا حرمة النفوس، رغم أنهم يعلمون أن فيه نجاة للمجتمع بأسره.

فاتقوا الله عباد الله! وعليكم ببذل النفع لمجتمعكم، فهي السفينة التي نركب فيها كلنا، فلا تكن أنت سببا في إغراقها، فنحذر الضرر بالآخرين ؛ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه بالدين والهدى، وكلمة التقوى، صلى عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا في الآخرة والأولى.

أما بعد: أيها الناس! اتقوا الله تعالى، وكونوا -عباد الله- إخوانا كما سماكم الله، ويحب أحدكم لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه، يبذل خيره لأخيه ويكف عنه شره ولا يؤذيه، وعظموا أمر الله، واشكروا نعمه، وأعظم هذه النعم وأجلها الهداية لهذا الدين: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات:17].

عظمة هذا الدين في شرائعه التي استوعبت شتى جوانب الحياة وشؤونها، وانتظمت كل ما يعرض للمرء من مهده إلى لحده، وهذا هو إسلامنا يبني أمة ذات رسالة؛ لتبقى رائدة، صالحة لكل زمان ومكان، فلم يدع الإسلام مجالا في السلوك العام، أو السلوك الخاص، إلا وجاء فيه بأمر السداد.

ومن هنا فلا غرو أن تدخل توجيهات الإسلام وأحكام الشريعة في تنظيم المجتمع، في دقيقه وجليله، في أفراده وجموعه، وفي شأنه كله، يظهر هذا في حق الطريق وآدابه ليا واضحا، كما جاء في مجكم التنزيل: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان:63]، ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِين﴾ [القصص:55].

وفي السنة المطهرة من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غضُّ البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وفي حديث آخر قال -صلى الله عليه وسلم-: "وإماطة الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة"؛ بل قال عيه الصلاة والسلام: "لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس"، وفي خبر آخر: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له"، وحينما طلب أبو برزة -رضي الله عنه- من رسول الله أن يعلمه شيئا ينتفع به قال: "اعزل الأذى عن طريق المسلمين".

عباد الله! تأملوا إذا كان هذا الثواب العظيم لمن يكف الأذى، فكيف تكون العقوبة لمن يتعمد إضرار الناس وإيذاءهم في طرقاتهم؟ أخرج الطبراني من حديث حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن آذي المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم".

والقاعدة النبوية تقول: "لا ضرر ولا ضرار"، وقد دل هذه على تحريم إيصال الضرر إلى الناس بغير حق في أبدانهم وأعراضهم وأولادهم وأموالهم، وفي الحديث الآخر: "مَن ضارّ أضر الله به، ومن شاق شق الله عليه".

ومن الإضرار الممنوع، بل المتكرر المسموع، مضارة الناس في طرقاتهم بمخالفة أنظمة السير بما يعرض الناس للخطر، فنعمة هذه المركوبات من سيارات ودراجات نعمة عظيمة لا تقدر بثمن، ولكن ما من شيء يجهل حسن استعماله، أو يساء استخدامه إلا وتنقلب النعمة فيه نقمة، والمنحة محنة، وهذا حالنا مع السيارات، فالأرقام والإحصاءات، وعدد الأموات، والمصابين والمعاقين في المستشفيات، والأرامل والأيتام في البيوتات خير شاهد ودليل.

أيها المسلمون: إذا كنا نتطلع اليوم إلى نهضة حضارية، ويقظة فكرية، فما أجدرنا بأن نهتم بتربية الأجيال، وتوعيتهم، والسعي الجاد بكل الوسائل الممكنة من بث روح التعاون والتكاتف؛ لتنهض بمجتمعنا لمراتب السيادة والريادة.

فلْيكن شعارنا التعاون والتناصح من أجل تعايش أفضل، وبفضل الله تعالى، وبفضل عظمة هذا الدين وآدابه وشموليته؛ فإن إمكانات النجاح متوافرة اليوم، وربما لا تكون كذلك غدا، والعاقل من يغتنم الفرصة قبل فواتها.

ولذا؛ فالجميع مطالبون للقيام، كل بواجبه، وأن يكون منا تصميم صادق لجعل هذا المجتمع متحضرا بأخلاقه وتصرفاته، ليس فقط بلباسه وشهواته؛ وذلك باختيار أحسن السبل والوسائل في توجيه الناس لأهمية التنظيم، ودعوتهم للالتزام بالنظام الذي هو خير للجميع، بل هو قربة لله، متى حسن القصد، وخلصت النية.

ويبدو أن السبق الحضاري والوعي المروري والدراسات والبحوث العلمية التي أجريت للحد من هذه المشكلة حققت نجاحا ملموسا، وأصبحت الدول المتقدمة على مستوى كبير من الوعي في التعامل مع هذه الآلة الخطرة مقارنة بدول العالم الثالث.

وكمثال فقط تشير الإحصاءات إلى أن عدد الوفيات بسبب الحوادث المرورية بالمملكة يفوق عدد الوفيات بسبب الحوادث في بريطانيا لعام تسعة عشر بعد الأربعمائة والألف بالرغم من الفرق في عدد السكان؛ إذ لم يصل عدد الوفيات في بريطانيا أربعة آلاف حالة، علما بأن عدد السيارات في بريطانيا حوالي خمسة وعشرين مليون سيارة، بينما عدد السيارات في المملكة حوالي ثلاثة ملايين سيارة فقط!.

كما اتضح من خلال الدارسة أن عدد الحوادث وما ينتج عنها من وفيات وإصابات في تصاعد مستمر لدينا.

فيا أيها المسلون؛ نحن أولى بالنظام من الكافرين، فديننا دين التنظيم والدقة والعدل، فمتى يتنبه المسلمون إلى موطن الخطر في حياتهم وإلى نقاط الضعف، ومتى يذكر الغافل، وينصح العاصي، ويكافأ المحسن.

هل من المعقول أن نرى السيارات تغتال أبناءنا أمام أعيننا، ثم لا نحس بمسؤولياتنا، ولا نشعر بدورنا؟ فمتى نتواصى بربط حزام الأمان؟ ومتى إذا رأيت مسلما يرتكب مخالفة مرورية نبهته إلى هذه المخالفة بالأسلوب الحسن؟ متى يكون لوسائل الإعلام -وخاصة المرئية- دور يتواكب وحجم المشكلة؟ إننا لو فعلنا ذلك باعدنا بين مجتمعنا وبين الكثير من المصائب والمنكرات.

وإذا أصبح التناهي عن المنكرات بجميع أنواعها سجية لأفراد الأمة، كان ذلك ضغطا اجتماعيا على المخالفين، إذ سيواجه المخالف بالإنكار من كل إنسان يلقاه، فهو عندئذ سيتراجع ليتخلص من انتقاد المنتقدين وسؤال السائلين.

وهل يمكن أن يكون ذلك إلا في مجتمع المؤمنين المتناصحين المتحابين؟ فإن تحقيق الأمن والأمان بتحقيق حقيقة الإيمان، حيث قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام:82]، فلنتواصل -معاشر المؤمنين والمؤمنات- بالحق، ولنتواص بالصبر؛ فإنها علامة تصحيح الأخطاء، ومن ثم الرقي والتقدم.

وختاما نتوجه بالشكر الجزيل على هذه الحملة الإعلامية للتوعية الأمنية للمرور، وجزى الله خيرا كل من سعى في هذا المجهود للتوعية والتوجيه، ولنضع أيدينا بأيدي بعض، مسؤولين ومواطنين ومقيمين، ولنتناصح ونتغافر، وليعذر بعضنا بعضا من أجل الصالح العام.

اللهم ألف بين قلوبنا، واجعلنا إخوة متحابين، اللهم فقهنا في أمر ديننا ودنيانا، وخذ بأيدينا لما فيه سلامة ديننا وأنفسنا وأوطاننا.

اللهم وفق رجال الأمن الصادقين، واحفظهم بحفظك يا رب العالمين، واكفهم شر الأشرار، وكيد الفجار، وبارك لهم في أولادهم وأزواجهم وأموالهم، واجعلهم هداة مهتدين.