فضل يوم عرفة وبعض أحكام الأضحية

عناصر الخطبة

  1. فضل يوم عرفة
  2. مزايا اجتماع يومي عرفة والجمعة
  3. بعض أحكام الأضحية
  4. سنة التكبير
اقتباس

لقد جاءت عدة أحاديث في فضل يوم عرفة، فهيا بنا نتجول فيها؛ لعلنا نفوز في هذا اليوم بالفضائل والبركات.

الخطبة الأولى:

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن على آثارهم سار واهتدى.

أما بعد: معاشر المسلمين، اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن الأقدام على النار لا تقوى.

عباد الله: أتدرون ما هو اليوم؟ اليوم -معاشر المسلمين- هو يوم عرفة، وهو اليوم المشهود، كما جاء في الحديث الذي حسنه الألباني رحمه الله.

وهو اليوم الذي يباهي الله بأهل عرفات، ويقول: ماذا أراد هؤلاء؟ وهو اليوم الذي يستحب صومه لغير الحاج, وله من الأجر أنه يكفر ذنوب سنتين.

عباد الله: لقد جاءت عدة أحاديث في فضل يوم عرفة، فهيا بنا نتجول فيها؛ لعلنا نفوز في هذا اليوم بالفضائل والبركات.

من فضل يوم عرفة أنه يوم العيد لأهل الموقف، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى، عيدنا أهل الإسلام" رواه أبو داود وصححه الألباني.

ومن فضل يوم عرفة شرفُ الدعاء؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة" صححه الألباني.

ومن فضل يوم عرفةَ كثرةُ العتق من النار؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة" رواه مسلم.

ومن فضل يوم عرفة مباهاةُ الله بأهل عرفة أهل السماء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء" رواه أحمد وصحح إسناده الألباني.

وهذا اليوم، يوم عرفة، من مزاياه أنه اجتمع مع يوم الجمعة، وفي اجتماعهما عدة مزايا ذكرها الإمام ابن القيم -رحمه الله-.

من تلك المزايا أن في ذلك اجتماع اليومين اللذين هما أفضلُ الأيام، وأنه اليومُ الذي فيه ساعة محققة الإِجابة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر، وأهل الموقف كلُّهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع، وموافقتُه ليوم وقفة رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-.

ومن فضل اجتماع عرفة مع يوم الجمعة أن فيه اجتماعَ الخلائق مِن أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، ويُوافق ذلك اجتماعَ أهل عرفة يومَ عرفة، فيحصُل مِن اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصُل في يوم سواه. ويوم الجمعة يومُ عيد، ويوم عرفة يومُ عيد لأهل عرفة.

ومن فضل اجتماع عرفة مع يوم الجمعة أنه موافق ليوم إكمال اللّه -تعالى- دينَه لعباده المؤمنين، وإتمامِ نعمته عليهم، كما ثبت في "صحيح البخاري" عن طارق بن شهاب قال: جاء يهوديٌ إلى عمرَ بنِ الخطاب فقال: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِين، آيَةٌ تَقْرَؤونَهَا في كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ وَنَعْلَمُ ذَلِكَ اليَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، لاتَّخَذْنَاهُ عِيداً، قَالَ: أيُّ آَيَةٍ؟ قَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً﴾ [المائدة:3]، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: "إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيه، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَنَحْنُ وَاقِفُونَ مَعَهُ بِعَرَفَةَ".

ومن فضل اجتماع عرفة مع يوم الجمعة  أنه موافق ليوم المزيد في الجنة، وهو اليومُ الذي يُجمَعُ فيه أهلُ الجنة في وادٍ أَفْيحَ، ويُنْصَبُ لهم مَنَابِرُ مِن لؤلؤ، ومنابِرُ من ذهب، ومنابرُ من زَبَرْجَدٍ وياقوت على كُثبَانِ المِسك، فينظرون إلى ربِّهم -تبارك وتعالى-، ويتجلى لهم، فيرونه عِياناً.

وإنه يدنو الرّبُّ -تبارك وتعالى- عشيةَ يومِ عرفة مِن أهل الموقف، ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: "مَا أَرَادَ هؤُلاءِ؟ أُشْهِدُكُم أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُم"، وتحصلُ مع دنوه منهم -تبارك وتعالى- ساعةُ الإِجابة التي لاَ يَرُدُّ فيها سائل يسأل خيراً، فيقربُون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة.

ويقرُب منهم -تعالى- نوعين من القُرب، أحدهما: "قربُ الإِجابة المحققة في تلك الساعة، والثاني: قربه الخاص من أهل عرفة، ومباهاتُه بهم ملائكته".

فاللهم اجعلنا في هذا اليوم من الفائزين بغفرانك ورضوانك يا رب العالمين.

معاشر المسلمين: وغداً هو يوم عيد الأضحى الذي جعله الله ثاني أعياد المسلمين، ولعل أشهر ما يكون فيه هو التقرب إلى الله بالأضحية، وحول الأضحية تدور أحكام كثيرة.

ومن أحكام الأضحية أنها سنة مؤكدة على كل مسلم، حاجاً أو غير حاج، ذكراً أو أنثى، ينبغي لكل قادر موسر ألا يدعها؛ لأنها شعيرة عظيمة من شعائر الدين الإسلامي الحنيف قال الله -تعالى-: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج:37]،  وقال -تعالى- : ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر:2].

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما" رواه مسلم.

 وذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها؛ لأنها سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعمل المسلمين بعده. وقد قرر ذلك النووي وابن القيم وغيرهم، وقال بن الملقن: لا خلاف أنها من شعائر الدين.

ويبدأ وقت ذبحها بعد صلاة العيد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن كان قد ذبح قبل الصلاة فليعد" متفق عليه.    

وينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق، أي أن وقت الأضحية يوم العيد وثلاثة أيام بعده على الراجح من أقوال العلماء.

والمجزئ من الأضاحي ما كان من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والضأن والمعز، ذكراً كانت أم أنثى.

والسن المعتبرة في ذلك بالنسبة للإبل ما بلغ خمس سنين ودخل في السادسة، وفي البقر ما بلغ سنتين ودخل في الثالثة، وفي المعز ما بلغ سنة ودخل في الثانية، وفي الضأن ما بلغ ستة أشهر فما فوق، ولا يجزئ ما كان أقل من ذلك.

أما العيوب التي تمنع الإجزاء فهي المذكورة في حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله    -صلى الله عليه وسلم-: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي" رواه الخمسة. والعجفاء هي الهزيلة التي لا مخ فيها.

وهناك عيوب أشد من التي ذكرت في الحديث، وهي أولى بعدم الإجزاء: كالعمياء، ومقطوعة اللسان، ومقطوعة الأنف، والجرباء، والكسيرة، ومقطوعة الإلية أو أكثرها.

 وتجزئ الشاه عن الواحد وعن أهل بيته؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذبح كبشين فقرب أحدهما وقال: "بسم الله، اللهم هذا عن محمد وأهل بيته", ولحديث أبي أيوب: كان الرجل في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة، عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون. رواه الترمذي وهو حديث صحيح.

ولا يجوز أن يشترك في ثمن الأضحية من الغنم. ويجوز الاشتراك في ثمن الإبل والبقر.

 ويجوز ذبح الأضحية ليلاً أو نهاراً؛ لعدم الدليل على المنع, والنهار أفضل.

 وتوزع الأضحية ثلاثة أثلاث: ثلث يأكله المضحي، وثلث يهديه، وثلث يتصدق به على الفقراء والمساكين.

ولا بأس بأن تذبح المرأة، وكذا الصبي إن قدر على ذلك وأحسنه.

 وأفضل الأضحية: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم. والتضحية بالأسمن أحسن من غيرها بالإجماع.

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وجعلنا الله وإياكم من المتقين الصادقين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله.

وبعد: عباد الله، واعلموا أن من أحكام الأضحية أن من كان يسكن مع والديه فإن كان كل واحد له شقة لوحده فعلى كل واحد أضحية، أما إن كانوا في منزل واحد وأكلهم واحد فتكفي أضحية واحدة لهم.

ومن كان عنده أكثر من زوجة فتكفيه أضحية واحدة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يضح إلا بكبشين، وقال عند أحدهما: اللهم هذا عن محمد وأهل بيته. مع أن عنده عدة نساء.

والتسمية عند الذبح واجبة على الذاكر، ومن نسي فلا حرج عليه، وهو مذهب جماهير أهل العلم.

والأولى أن يتولى الذبح بنفسه؛ لأنها عبادة، ويجوز أن يستنيب غيره من المسلمين؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذبح بيده، واستناب علياً في ذبح بقية الأضاحي. ولا يجوز أن يستنيب كافرا في الذبح؛ لأنها عبادة، والعبادة لا تصح من الكافر.

ولا يجوز بيع لحم الأضحية، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك، واختلفوا في بيع جلدها وشعرها، فقال الجمهور: لا يجوز.

والأضحية مشروعة عن الأحياء، إذ لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه أنهم ضحوا عن الأموات استقلالاً. ولكن؛ يجوز أن يشرك الأموات في الأجر وتكون تبعاً للأحياء، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم هذا عن محمد، وآل محمد". وفيهم من مات. أما إذا كان الميت أوصى أن يُضحى عنه فتنفذ كما أوصى. 

ومن أحكام الأضحية: إذا خرج وقت الأضحية؛ أي: بعد ثالث أيام التشريق، فقد فات الوقت، ولو ذبح فهي صدقة لا أضحية.

ويستحب للذابح أن يراعي آداب الذبح؛ ومنها: تحديد السكين؛ لحديث: "وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" رواه مسلم.

ومن آداب الذبح إمرار السكين بقوة؛ ليكون أسرع في الذبح، واستقبال القبلة مستحب، لفعله -صلى الله عليه وسلم-, وجاء عن ابن عمر أنه كان يكره أن يأكل ذبيحته إذا ذبحت لغير القبلة. رواه عبد الرزاق.

ويستحب أن يقول عند الذبح: اللهم هذا عني وعن آل بيتي. كما في صحيح مسلم، واختاره الجمهور.

ومن أراد أن يوكل بأضحيته لتذبح في بلاد المسلمين الأخرى الأشد حاجة فيجوز له ذلك، بل قد تكون الحاجة هناك أعظم وأعظم.

عباد الله: واعلموا أن سنة التكبير بعد الصلوات يبدأ وقتها من فجر يوم عرفة حتى نهاية اليوم الثالث عشر، فتقربوا إلى الله -تعالى- بالتكبير والذكر والتهليل.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

معاشر المسلمين: اعمروا أوقاتكم هذا اليوم بالاستغفار، والتوبة، وكثرة الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء، والإلحاح على الله -تعالى-، وخاصة قبل غروب الشمس؛ لعلكم تصادفون باباً من أبواب الرحمة من الرحمن الرحيم.

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأقوال والأعمال.

اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك. اللهم اجعلنا في هذا اليوم من عتقائك من النار. اللهم أنت الرحمن فارحمنا، أنت الغفور فاغفر لنا وتجاوز عنا.

اللهم جنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان. اللهم اكشف عنهم ما نزل بهم يا رب العالمين.

اللهم يسر للحجاج حجهم، وتقبل منهم يا رب العالمين.

بطاقة المادة

المؤلف سلطان بن عبد الله العمري
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية