فضل الدعاء

عناصر الخطبة

  1. من أبواب الخير في رمضان
  2. فضائل الدعاء
  3. الدعاء في حياة الأنبياء
  4. الدعاء من أسباب رفع البلاء ودفع الشقاء
  5. آداب الدعاء
  6. شدة حاجة الأفراد والأمة إلى الدعاء
  7. أخطر داء يصيب الأمة.
اقتباس

كم صلُحَت بالدعاء أحوالٌ لم يخطُر ببالٍ أن تصلُح! وكم نامَ ظالِمٌ فأتاه سهمُ الإجابة قبل أن يُصبِح! الدعاءُ – أيها المسلمون – هو لهَجُ الأنبياء، وسِيماءُ المُرسلين، وهو ديدَنُ الصالحين، وإلحاحُ المُتعبِّدين، يتحرَّون به الفاضلَ من الأمكِنة، ويتقصَّدون إيقاعَه في خير الأمكِنة. شهِدَت تضرُّعَهم بيوتُ الله وعرفات، وخالطَت مُناجاتُهم ظُلمةَ الليل وحريَّ الساعات. فلا غرْوَ؛ فالدعاءُ تاجُ العبادات، وهو مُلازِمٌ لجميع أركان الإسلام، ومحلُّه منها محلُّ الذروَة من السَّنام، فأقربُ ما يكونًُ المُصلِّي من ربِّه وهو ساجِد، والسجودُ محلُّ الدعاء من الصلاة، وأعظمُ أركان الحجِّ هو الوقوفُ بعرفات، وهو المحلُّ الأعظم للدعاء، ولا تكادُ تجِد عبادةً مفروضة إلا والدعاء مُقترِنٌ بها…

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله الذي وسعَ سمعُه الأصوات، وعلِم دعوات عباده مع اختلاف اللُّغات، بيدِه قضاءُ الحاجات ونيلُ الأُمنيات، ودفعُ البلايا وكشفُ الكُرُبات، سبحانه وبحمدِه سميعٌ قريبٌ، رحيمٌ مُجيب، ولُطفُه موصولٌ بعبدِه في جميع الأحوال والأوقات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، تقوَى الله حِرزٌ وجُنَّة، ووسيلةٌ إلى مرضاته والجنَّة. إن الدنيا تفنَى، والآخرة تبقَى، وإن المصيرَ إلى الله.

أيها المسلمون الصائِمون:

هنيئًا لكم ما أنتم فيه من شرف الزمان والمكان، وما تفيَّأتم من ظِلال شهر الصيام والغُفران، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].

شهرٌ فيه تُضاعَف الحسنات، وتُكفَّر السيئات، وتُستجابُ الدعوات. فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من صامَه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، ومن قامَه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، ومن قامَ ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه.

فيا باغِي الخير! أقبِل .. ويا باغِي الشرِّ! أقصِر.

أيها المسلمون:

وعطايا الربِّ الكريم في الشهر الكريم تتوالَى وتتحبَّبُ لأهل الطاعة؛ استِنهاضًا لهِمَمهم، حتى تسمُو أرواحُهم، وتطهُر قلوبُهم، فتصفُو دُنياهم وأُخراهم. بدعوتهم إلى عطاياه السنيَّة، ومن أجلِّها إجابةُ الدعاء، وفي ثنايا آيات الصيام قال الحقُّ – سبحانه -: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

فالرُّوح في رمضان تسمُو وتُقبِل، والقلبُ يرِقُّ ويخشع، والعينُ تبكِي وتدمَع، وتفتُرُ وتنكسِرُ سَورةُ النفس والهوى والشيطان.

الصائمُ تستقيمُ حالُه ويُخبِت، وتكتسِي جوارِحُه بالعمل الصالح، فينقادُ لربِّه ويُقبِلُ على الدعاء، بيقينٍ وذُلٍّ وإلحاحٍ بين يدَي ربِّه، فتُسمَع دعوتُه، وتتحقَّقُ إجابتُه.

أيها الصائِمون:

الدعاءُ عبادةٌ عظيمةٌ تدلُّ على صفات المدعُو – سبحانه وتعالى -، فالدعاءُ يدلُّ على الله، وعلى قُربه من عبدِه، ويدلُّ على قُدرته وقوَّته وغِناه، وسمعِه وبصرِه وعلمِه وإحاطتِه، وجُودِه وكرمِه. لذلك فهو دأبُ الأنبياء: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].

فهذا نوحٌ – عليه السلام – قال عنه ربُّه: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنبياء: 76].

وقال – سبحانه -: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ(84)﴾ [الأنبياء: 83، 84].

ودُعاءُ الكرب من يُونس – عليه السلام -: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)﴾ [الأنبياء: 87، 88].

﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ(90)﴾ [الأنبياء: 89، 90].

ونبيُّنا محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – دعا الله تعالى كثيرًا، وتضرَّع بين يدَيه في الرَّغَب والرَّهَب، فدعا لنفسِه، ولأصحابِه، ولآل بيتِه، ولأمَّته – صلى الله عليه وسلم -.

وكما أن الدعاء هو العبادة، فهو يُظهِرُ عبوديَّة الإنسان لربِّه، ويُعرِّفُه بأنه مخلوقٌ فقيرٌ لخالقٍ غنيٍّ، وأنه مُحتاجٌ يطلبُ كفايتَه من سيِّده الكريم القادِر، وذلك حينما يرفعُ يدَيه إليه في ذُلٍّ وانكِسارٍ، وخُشوعٍ ورجاءٍ، ويقولُ: "يا رب، يا رب"، عندها يشعُرُ بعزَّة عبوديَّته لله، ولذَّة مُناجاته والإلحاح عليه، ويجِدُ أُنسَ النفس بالاقترابِ من ربِّه الرحيم، وانشِراحَ الصدر ببثِّ ما فيه إلى سيِّده العظيم.

فما أحسنَ تلك اللحظات، وأنت تُناجِي مولاك، وتبُثُّه شكواك، وتطلبُه حاجاتِك، وتُنزِلُ به وحدَه طلبَاتِك. لم تسأَلها من البشر؛ بل وحَّدتَ ربَّك بطلبِها، فهو القديرُ الغنيُّ الذي يكفِي ويقضِي حاجاتِ عبادِه المُنكسِرين بين يدَيه، ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62].

أيها المسلمون:

إن ربَّنا – تبارك وتعالى – يندُبُنا إلى دعائِه، وعرضِ حاجاتِنا بين يدَيه، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]. فأين الداعُون المُستجيبُون لربِّهم، وهو يُنادِيهم إلى الدعاء، ويتفضَّلُ عليهم بالإجابة؟!

قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء" (رواه الترمذي وابن ماجه).

وقال – صلى الله عليه وسلم -: "أفضلُ العبادة الدعاء"(رواه الحاكم، وصحَّحه).

مُلازمةُ الدعاء أخذٌ بأسبابِ رفع البلاء ودفع الشقاء، كما قال خليلُ الرحمن: ﴿وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ [مريم: 48]، وقال زكريا – عليه السلام -: ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ [مريم: 4].

كم صلُحَت بالدعاء أحوالٌ لم يخطُر ببالٍ أن تصلُح! وكم نامَ ظالِمٌ فأتاه سهمُ الإجابة قبل أن يُصبِح!

الدعاءُ – أيها المسلمون – هو لهَجُ الأنبياء، وسِيماءُ المُرسلين، وهو ديدَنُ الصالحين، وإلحاحُ المُتعبِّدين، يتحرَّون به الفاضلَ من الأمكِنة، ويتقصَّدون إيقاعَه في خير الأمكِنة.

شهِدَت تضرُّعَهم بيوتُ الله وعرفات، وخالطَت مُناجاتُهم ظُلمةَ الليل وحريَّ الساعات. فلا غرْوَ؛ فالدعاءُ تاجُ العبادات، وهو مُلازِمٌ لجميع أركان الإسلام، ومحلُّه منها محلُّ الذروَة من السَّنام، فأقربُ ما يكونًُ المُصلِّي من ربِّه وهو ساجِد، والسجودُ محلُّ الدعاء من الصلاة، وأعظمُ أركان الحجِّ هو الوقوفُ بعرفات، وهو المحلُّ الأعظم للدعاء، ولا تكادُ تجِد عبادةً مفروضة إلا والدعاء مُقترِنٌ بها.

ومن الأدبِ: أن يختارَ المُسلم جوامِع الدعاء، وهي الأدعية التي تتضمَّنُ خيرَي الدنيا والآخرة، ومنها ما دعا به رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النار"، وكذلك: "اللهم أصلِح لي ديني الذي هو عصمةُ أمري، وأصلِح لي دُنيايَ التي فيها معاشِي، وأصلِح لي آخرتِي التي فيها معادِي، واجعَل الحياةَ زيادةً لي في كل خير، واجعَل الموتَ راحةً لي من كل شرٍّ"؛ (رواه مسلم).

وأن يختارَ الأوقاتَ الحرِيَّة بإجابة الدعاء، ومنها: نهارُ الصيام، وعند فِطره، وعند السَّحَر، وفي السجود، وفي الثُّلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، ويتحرَّى ساعةَ الإجابة يوم الجُمعة.

قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثُ دعواتٍ لا تُردُّ: دعوةُ الوالِد، ودعوةُ الصائِم، ودعوةُ المُسافِر" (أخرجه البيهقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ).

ويلتزِمُ آدابَ الدعاء؛ من الطهارة، واستِقبال القبلة، ورفع اليدين، والإلحاح بإخباتٍ وخُشوعٍ، وذُلٍّ وانكِسارٍ وخفضِ صوتٍ، والله تعالى يقول: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].

عن سلمان – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن ربَّكم حيِيٌّ كريم، يستحيِي من عبدِه أن يرفع إليه يدَيه، فيرُدَّهما صِفرًا"، أو قال: "خائبتَين" (رواه ابن ماجه والبيهقي).

وقال – صلى الله عليه وسلم -: "لا يزالُ يُستجابُ للعبدِ ما لم يدعُو بإثمٍ أو قطيعةِ رحِم"(رواه مسلم).

وعلى قدرِ يقينِ العبدِ بربِّه تكونُ إجابتُه، وبقدرِ إخباتِه وحُضورِ قلبِه يكونُ أقربَ لمطلوبِه، قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "القلوبُ أوعِية، وبعضُها أوعَى من بعضٍ، فإذا سألتُم الله – عز وجل- يا أيها الناس فاسألوه وأنتُم مُوقِنون بالإجابة؛ فإن الله لا يستجيبُ لعبدٍ دعاه عن ظهرِ قلبٍ غافلٍ" (رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمروٍ – رضي الله عنه -).

أيها الصائِمون:

الخَلوةُ بالله لها أسرارٌ وفُيوضاتٌ روحانيَّة، تجلُو صدأَ القلوب، وتُلينُها وتُزكِّيها، فليتخيَّر العبدُ أوقاتًا تُناسِبُه في ليله أو نهاره، يخلُو فيها بربِّه، ويبتعِدُ عن صخَب الحياة وضَجيجِها، يُناجِي ربَّه، يبُثُّ له شَكواه، وينقُلُ إليه نجوَاه، ويتوسَّلُ ويتملَّقُ إلى سيِّده ومولاه.

فلله؛ كم لهذه الخلَوات من أثرٍ على النفوسِ والجوارِح، وتجلِّياتٍ على القلوب؟! حتى إذا وكَفَت العيونُ دمعًا سخينًا هاطِلاً على الخُدود، في حالِ رُكوعٍ أو سُجود، هنالِك تُفتَحُ أبوابُ الرحمات، وتُقبلُ الدعوات، وتُقضَى الحاجات، وتُغفرُ الزلاَّت، ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 18]، ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: 16].

قال بعضُ السلَف: "إني لأفرحُ بالليل حين يُقبِل، لما يلتذُّ به عيشي، وتقرُّ به عيني من مُناجاة الله والخَلوَة به، والتذلُّل بين يدَيه".

إن السُّرور والفرَح الذي يجِده المُؤمنُ في تلك المُداناة، لهو سُرورُ القلب مع الله، وفرحُه به وقُرَّة العين به، وإنه ليبعَثُ على مُداومَة السَّير إلى الله، والتقرُّب إليه، والازدِلاف بين يدَيه، وابتِغاء مرضاته في كل حركةٍ وسكَنةٍ.

ومن لم يجِد هذا السُّرور ولا شيئًا منه، فليتَّهِم إيمانَه وأعمالَه؛ فإن للإيمان حلاوةً من لم يذُقها فليرجِع وليلتمِس نورًا يجِدُ به حلاوةَ الإيمان.

الدعاءُ سبيلُ الراغبين، ووسيلةُ الطالبين، وهو الشفيعُ الذي لا يُردُّ، والسهمُ الذي لا يَطيشُ، فمتى فُتِح لك منه بابٌ فقد أرادَ الله بك خيرًا.

ارفَع يدَيك لمولاك .. واضرَع إلى الله بقلبٍ خاشِع .. وطرفٍ دامِع، مع صدقٍ وتوجُّهٍ وإخلاصٍ وإخباتٍ، وتعلَّق بالذي لا يخيبُ آمِله، ولا يُردُّ سائلُه، ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55]، وأبشِروا وأمِّلوا؛ فإن الربَّ كريم، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب﴾ [الزمر: 9].

بارَك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله تلطَّف بإحسانِه وهو الغنيُّ، وأنزلَ رحمتَه وهو العليُّ، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس لنا من دونه شفيعٌ ولا وليٌّ، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

ففي رمضان يلهَجُ الناسُ بالدعاء جماعاتٍ وفُرادَى، في تضرُّعٍ وابتِهالٍ، وخُشوعٍ وإقبال، يرجُون المولَى العظيم، ويسألُونه خيرَ ما عندَه وهو الواسِعُ الكريم، ويكونُ الدعاءُ أحرَى بالإجابة وأعظمُ أثرًا إذا تفهَّم الإنسانُ ألفاظَه، وعرفَ معانيه.

فأخطرُ داءٍ يُصيبُ الأمة: أن تكون عباداتُها رسومًا وأشكالاً، فيدُبُّ الوهنُ ويسرِي الضعف، وتغدُو الأمةُ جسدًا بلا روح، فتجِد من يقوم ويقعُد بالصلاة، ثم لا تنهاهُ صلاتُه عن المُنكر، ولا تجِدُ لها في حياتِه أثرًا يُذكَر، وآخرون يصُومون بالإمساك عن الطعام والشراب فحسب.

وفي الحديث: "من لم يدَع قولَ الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه".

فأحضِروا قلوبَكم، وتدبَّروا دعواتِكم، وأنزِلوا بالربِّ الكريم العظيم حاجاتِكم.

ألِحُّوا على الله، وألِظُّوا بـ "يا ذا الجلال والإكرام"، وفي أحوال الأمة المُتقلِّبة، وواقِعها المُؤلِم، ومع كل حُزنٍ أو مُصابٍ على فردٍ أو جماعةٍ، فقد جُعِلَت تلك النَّفَحاتُ الربانيَّةُ في دهر الناس لتحويلها من همٍّ إلى فرَج، ومن ضيقٍ إلى سعَة، ومن مِحنةٍ إلى مِنحةٍ.

والواجبُ أن يتعرَّض لها المكرُوبون والمهمُومون، والمقهُورون والمُستضعَفُون في الأرض؛ فإن الربَّ العظيمَ قادرٌ مُقتدِر، ظاهِرٌ عزيزٌ قهَّار، بيدِه المُلك وهو على كل شيءٍ قدير، لا يُعجِزُه مكرُ الماكرين، ولا كيدُ الكائِدين؛ بل هو فعَّالٌ لما يُريد، أمرُه بين الكافِ والنون – سبحانه وبحمدِه -.

وإن صوتَ عبدٍ مؤمنٍ تقيٍّ نقيٍّ، يدعُو ربَّه في ذلَّةٍ وخشوع، ورجاءٍ وخوف، لهو أحبُّ إلى الباري مما سِواه. فإذا كان المنَّانُ يقبلُ العاصِين المُفرِّطين فرحًا بتوبتهم. فما تظنُّ أنه فاعلٌ مع العبدِ الأوَّاه المُنيب؟!

فما أحوجَنا في كل وقتٍ، وفي هذا الوقت خاصَّةً إلى الدعاء! كثُرت الفتن، واشتدَّت عُقَد الحياة، وضاقَت معايِشُ الناس، وتواتَرَت المصائِبُ الخاصةُ والعامَّة، ولا يُنجِي الإنسانَ إلا رُجوعُه إلى ربِّه، ودُعاؤُه وابتِهالُه، واليقينُ بأن الفرَجَ من عندِه.

يا أيها الصائِمون:

الدعاءَ الدعاءَ، فأنتم في زمنٍ يتفضَّلُ الله تعالى فيه على عبادِه الصالِحين، ويُكرِمُ فيه الصائِمين المُخلِصين، هذا هو شهرُ الدعاء، ووقتُ إنزال الحاجاتِ بالكريم الرحيم.

فادعُوا الله لأنفسكم، ادعُوا لوالِدِيكم ولذريَّاتكم، ادعُوا لوُلاة أمركم، ولمن يُدافِعون عنكم على ثُغور بلادِكم. حقٌّ عليكم أن تدعُوا لهم، وأن تضُجَّ المساجِدُ بالدعاء لهم.

اللهم إنا نسألُك الخيرَ كلَّه، عاجِلَه وآجِلَه، ما علِمنا منه وما لم نعلَم، ونعوذُ بك من الشرِّ كلِّه، عاجِله وآجِله، ما علِمنا منه وما لم نعلَم، ونسألُك من خيرِ ما سألَك منه عبدُك ورسولُك محمدٌ – صلى الله عليه وسلم -، ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذَ منه عبدُك ورسولُك محمدٌ – صلى الله عليه وسلم -، ونسألُك صلاحَ الدين والدنيا والآخرة.

هذا، وصلُّوا وسلِّموا على خير البريَّة، وأزكى البشريَّة: محمدِ بن عبد الله الهاشميِّ القُرشيِّ.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين.

اللهم ارضَ عن الأئمة المهديِّين، والخلفاء المرضيِّين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن سارَ على نهجِهم، واتَّبع سُنَّتهم يا رب العالمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، وسائرَ بلاد المُسلمين.

اللهم من أرادَنا وأرادَ بلادَنا بسُوءٍ أو فُرقةٍ، فرُدَّ كيدَه في نحرِه، واجعَل تدبيرَه دمارًا عليه.

اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدود بلادِنا، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، وجازِهم بالحسنات والأجور، وأعِنهم على حمايةِ الثُّغور، ووفِّق جميعَ رجال أمنِنا في كل مكان، اللهم وفِّق جميعَ رجال أمنِنا في كل مكان.

اللهم آمِنَّا في دُورِنا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، اللهم آمِنَّا في أوطانِنا وفي دُورِنا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه الخيرُ للعباد والبلاد، واسلُك بهم سبيلَ الرشاد.

اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن.

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحقِّ والهُدى، اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، واحفَظ دينَهم وأعراضَهم وديارَهم وأموالَهم، اللهم كُن للمظلومين والمُضطَهدين والمنكُوبين، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين، اللهم انصُرهم في فلسطين، اللهم انصُر المُرابِطين في أكنافِ بيت المقدِس، واجمَعهم على الحقِّ يا رب العالمين.

اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين.

اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].

اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ والمُعافاةَ الدائِمة في الدين والدنيا والآخرة.

اللهم ما سألناك في هذا الشهر الكريم من مسألةٍ صالحةٍ، فاجعَل أوفرَ الحظِّ والنصيبِ منها لنا ولوالدِينا ووالدِيهم، وذرِّيَّاتنا وأزواجِنا، وأحبابِنا والمُسلمين.

اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا.

اللهم تقبَّل صلاتَنا، وصيامَنا، ودُعاءَنا، وصالحَ أعمالنا، إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.