شأن الدعاء في شهر الصيام

عناصر الخطبة

  1. أهمية الدعاء
  2. مكانة الدعاء في شهر الصيام وفضله
  3. استحضار آداب الدعاء وشروطه
  4. التخصيص والتعميم في الدعاء
اقتباس

أيها المؤمنون -عباد الله-: وللدعاء في شهر الصيام شهر رمضان المبارك خصوصيةٌ عظيمة، ومكانةٌ أعلى وأرفع؛ وذلك لما يختص به شهر الصيام من خيراتٍ عظام، وبركاتٍ جسام، ففيه أبواب الجنة تفتَّح، وأبواب النار تغلق، ولله فيه عتقاء من النار، وذلك كل ليلة، وفيه ليلة مباركة هي خير من ألف شهر، العبادة فيها أعظم من العبادة في ألف شهرٍ، ليس فيها ليلة القدر، والدعاء في…

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعدُ:

أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه -سبحانه- مراقبة من يعلم أنَّ ربَّه يسمعُه ويراه.

وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

أيها المؤمنون: إن الدعاء أعظم العبادة وأجلُّها، وأرفعها شأنا، وأعلاها مقاما، فهو أكرم العبادات وأحبُّها إلى رب العالمين، وهو عبادة عظيمٌ شأنها رفيعٌ قدرها؛ لما فيه من كمال التذلل وعظيم الخضوع لله -جل وعلا-، والافتقار بين يديه، والطمع فيما عنده سبحانه.

ولقد تكاثرت النصوص والدلائل في تعظيم شأن الدعاء، وبيان رفيع مكانته، وأنه أعظم العبادة، وأرفعها شأنا؛ روى أهل السنن عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثم تلا قول الله -سبحانه-: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر: 60].

وروى الحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ هُوَ الدُّعَاءُ" ثم تلا قول الله -تبارك وتعالى-: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر: 60].

وروى الترمذي وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ -تعالى- مِنَ الدُّعَاءِ".

والنصوص في هذا المعنى كثيرة.

أيها المؤمنون -عباد الله-: وللدعاء في شهر الصيام شهر رمضان المبارك خصوصيةٌ عظيمة، ومكانةٌ أعلى وأرفع؛ وذلك لما يختص به شهر الصيام من خيراتٍ عظام، وبركاتٍ جسام، ففيه أبواب الجنة تفتَّح، وأبواب النار تغلق، ولله فيه عتقاء من النار، وذلك كل ليلة، وفيه ليلة مباركة هي خير من ألف شهر، العبادة فيها أعظم من العبادة في ألف شهرٍ، ليس فيها ليلة القدر، والدعاء في تلك الليلة أعظم من الدعاء في ألف شهرٍ ليس فيها ليلة القدر.

أيها المؤمنون: ومما يبين لنا مكانة الدعاء في شهر الصيام شهر رمضان المبارك: أن من أعظم الآيات في القرآن حثًا على الدعاء، وترغيبًا فيه، وبيانًا لعظيم شأنه، وهي قول الله -سبحانه-: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة: 186].

جاءت متخللةً بين آيات الصيام وأحكام الصيام في سورة البقرة؛ فقبلها قول الله -جل وعلا-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وبعدها قول الله -جل وعلا-: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾.

فجاءت هذه الآية العظيمة متخللة بين أحكام الصيام في سورة البقرة؛ مما يدل على عظيم مكانة الدعاء في شهر الصيام.

وقد جاء في السنة عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث ما يقرر هذا المعنى ويشهد له؛ فقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ" [رواه الطبراني في الدعاء].

وروى البيهقي في السنن عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ".

ولئن كان هذا الفضل يتناول كل صيامٍ فإنه في صيام شهر رمضان أولى وأحرى؛ لأنه ما تقرب متقربٌ إلى الله بشيء أحبَّ إليه سبحانه مما افترضه على عباده، وصيام رمضان صيام فريضة والعبد فيه في حال فاضلةٍ رفيعة؛ ولهذا ينبغي على الصائم أن ينتهز هذا الموسم المبارك وصيامه في هذا الشهر الفضيل فيقبِل على الله -جل وعلا- إقبالًا عظيما، داعيًا راجيًا، طامعًا فيما عند الله -جل وعلا-.

أيها المؤمنون: وفي قوله جل وعلا في الآية المتقدمة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة: 186].

فيها أعظم حثٍ وحضٍ على الدعاء.

كيف لا -أيها المؤمنون- ورب العالمين جل في علاه يخبر عباده في هذه الآية الكريمة بقربه -جل وعلا- ممن دعاه؛ يجيب دعاءه ويحقق رجاءه ويعطيه سؤله، ولا يرد عبدًا دعاه، ولا يخيِّب مؤمنًا رجاه؛ وهذا فيه من الحث على الدعاء ما لا يخفى.

وفي قوله جل وعلا: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ في ذلك أعظم بيانٍ لسبب قبول الدعاء وإجابته ألا وهو: الإيمان بالله والاستجابة لأمره جل وعلا؛ أي صلاح الاعتقاد وحُسن الطاعة والامتثال لأوامر الله -جل وعلا-.

فكلما كان العبد أعظم عناية بمقام الإيمان، والمحافظة على طاعة الرحمن -جل وعلا-، كان بذلك أحرى بأن يجاب دعاؤه، وأن يُحقق رجاؤه، وأن لا يرد سؤلُه.

أيها المؤمنون -عباد الله-: وينبغي على العبد الصائم الداعي أن يتذكر ما ينبغي أن يكون عليه في دعائه من آداب عظيمة وشروط جاء تبيانها في كتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فيحرص على توافرها والإتيان بها في دعائه، وإقباله على الله؛ راجيًا من ربه -سبحانه- أن يجيب دعاءه وأن يحقق رجاءه، والله -عز وجل- أمر عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة، وهو جل وعلا لا يخلف الميعاد.

اللهم إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا عليه بالإجابة، اللهم فأعطنا سؤلنا ووفقنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى- فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

أيها المؤمنون: وإذا أقبل المسلم على هذه العبادة العظيمة: "عبادة الدعاء" سواءً في شهر رمضان، أو في غيره من الأوقات، فليخُصَّ في دعائه وليعُمّ؛ ليخص نفسه بسؤال الله خيرات الدنيا والآخرة: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".

ويخص قرابته من أهلٍ وولدٍ ووالدٍ وقرابة بدعوات خاصات، وليعمِّم في دعائه، فيدعو للمسلمين أينما كانوا بالسلامة من الفتن، والنجاة من المحن، وصلاح الأحوال، وتفريج الكربات، وتيسير الأمور؛ فيكون داعيًا لنفسه، وادعيًا لإخوانه المؤمنين، ودعوة المؤمن لأخيه المؤمن لا تُرد، والمؤمنون كالجسد الواحد، آلامهم واحدة، وآمالهم واحدة، وهذا شأنهم كما قال الله -جل وعلا-: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات: 10].

نسأل الله -جل في علاه- أن يصلح أحوالنا أجمعين، وأن يجيب دعواتنا، وأن يحقق رجاءنا، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يجنِّبنا والمسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب: 56].

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.

وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا وحافظًا ومؤيِّدا.

اللهم جنِّب إخواننا المسلمين في مصر وفي كل مكان الفتن ما ظهر منها وما بطن، يا رب العالمين.

اللهم احقن دماء المسلمين أينما كانوا، اللهم أصلح أحوالهم أجمعين.

اللهم ردَّنا وإياهم إليك ردًا جميلا يا رب العالمين.

اللهم واجعل شهرنا المبارك شهر عزٍ لأمة الإسلام أينما كانوا، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا رب العالمين، واجعلهم رحمةً على رعاياهم، اللهم وولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.

اللهم أعنَّا ولا تُعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.

اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، إليك أواهين منيبين، لك مخبتين لك مطيعين.

اللهم تقبّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبِّت قلوبنا، وسدِّد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.