ولقد آتينا لقمان الحكمة

عناصر الخطبة

  1. الحكمة واختلاف الناس فيها
  2. وصية لقمان لابنه بالتوحيد وترك الشرك
  3. وصية لقمان لابنة ببر الوالدين
  4. وصية لقمان لابنة بمراقبة الله
  5. وصية لقمان لابنه بالصلاة والزكاة والحسبة والصبر
  6. وصية لقمان لابنه بالتحلي بالآداب الإسلامية
اقتباس

عبادَ اللهِ: ذكرَ اللهُ -تعالى- لنا من خبرِ لقمانَ وصيةً جليلةً لفلذَةِ كبدِه، وثمرةِ فؤادِه: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ﴾[لقمان: 13]. بدأها بموعظةٍ قصيرةٍ تتهيأُ معها النفسُ، ويُستحضرُ بها القلبُ، ويُجذبِ إليها السمعُ لاستقبالِ ما سيأتي من الوصايا العظيمةِ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾[ق: 37]. والنفوسُ تحتاجُ إلى ….

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ، ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه.

وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران : 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعدُ:

فالحكمةُ نعمةٌ من اللهِ -تعالى- وخيرٌ عظيمٌ؛ كما قالَ تعالى: ﴿يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269].

والحكمةُ هِيَ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ، أو كما قالَ ابنُ القيمِ -رحمه الله-: "فِعْلُ مَا يَنْبَغِي، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي".

ولا يزالُ الناسُ يبحثونَ عن الحكمةِ أينما كانتْ، ويتناقلونَ أقوالَ الحكماءِ، وذلك للنورِ والبركةِ والخيرِ الذي جعلَه اللهُ – تعالى- في كلامِهم.

وقد يختلفُ الناسُ في وصفِ البعضِ بالحكمةِ؛ فمنهم من يراهُ حكيماً، ومنهم من لا يراهُ كذلك، ولكن كيفَ برجلٍ قالَ عنه خالقُ الحكمةِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾[لقمان: 12].

ولما كانتْ خيراً كثيراً أمرَه اللهُ -تعالى– بالشكرِ: ﴿أنِ اشْكٌر لِلّه وَمنَ يشْكَر فَإَّنمَا يَشْكٌر لِنَفْسِه﴾[لقمان: 12].

فبالشكرِ تثبتْ النعمُ وتزدادُ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾[إبراهيم: 7].

وبالكفرِ تُمحقُ النعمُ وتزولُ ولا يضرُ اللهَ شيئاً: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [لقمان: 12].

وما وصفَ اللهُ -تعالى- لقمانَ في كتابِه بهذا الوصفَ، وسُميتْ سورةٌ من القرآنِ باسمِه؛ إلا لنغوصَ في أعماقِ كلماتِه؛ فنستخرجَ الدرَّ والياقوتَ والمرجانَ، ولنتدبرَ حكمتَه التي أعطاها إياه الذي عَلَّمَ الْقُرْآنَ.

عبادَ اللهِ: ذكرَ اللهُ -تعالى- لنا من خبرِ لقمانَ وصيةً جليلةً لفلذَةِ كبدِه، وثمرةِ فؤادِه: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ﴾ [لقمان: 13].

بدأها بموعظةٍ قصيرةٍ تتهيأُ معها النفسُ، ويُستحضرُ بها القلبُ، ويُجذبِ إليها السمعُ لاستقبالِ ما سيأتي من الوصايا العظيمةِ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].

والنفوسُ تحتاجُ إلى الموعظةِ من حينٍ إلى حينٍ؛ كما كان النبيُ -صلى الله عليه وسلم- يَتَخَوَّلُ أصحابَه بالموعظةِ؛ فعَنْ العِرْباضِ بنِ سَاريةَ – رضي الله عنه – قالَ: "وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ".

ثم ناداهُ بنداءِ العطفِ والشفقةِ والحبِ: ﴿يَا بُنَيَّ﴾.

ولكم أن تتخيلوا أثرَ ذلك النداءِ الرحيمِ على ذلك الابنِ الصغيرِ؛ فحريٌ بك -أيها الناصحُ- انتقاءَ ألطفِ العباراتِ، وأرقِّ الكلماتِ؛ لفتحِ القلوبِ المُغلقاتِ.

ثم أوصاهُ بأعظمِ الوصايا، وأولِ الوصايا: ﴿لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾[لقمان: 13].

فلا فلاحَ مع الشركِ، فيه فسادُ الدينِ والدنيا، وفيه هلاكُ الآخرةِ والأولى: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة: 72].

كلُ الأعمالِ قد يغفرُها اللهُ -تعالى- إلا الشركَ: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ [النساء: 116].

ومن حكمةِ لقمانَ: أنه إذا نهى عن شيءٍ أن يُبيّنَ الحكمةَ من ذلك النهيِ ليقتنعَ السامعُ؛ فقالَ: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].

فاللهُ -تعالى- خلقَك ورزقَك وأسبغَ عليك النعمَ لأجلِ غايةٍ عظيمةٍ، وهي عبادتُه وحدَه لا شريكَ له: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].

فأيُ ظلمٍ أعظمَ من أن تستمتعَ بجميعِ النعمِ، ثم تصرفَ العبادةَ لغيرِه، وتخالفَ الغايةَ التي من أجلِها وُجدتَ على ظهرِ الأرضِ.

ذكرَ اللهُ -تعالى- بعدَ ذلك وصيَتَه بالوالدينِ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ [لقمان: 14].

فكأن لقمانَ تجاوزَ الوصيةَ بالوالدينِ مع علمِه بِعِظَمِ حقِهما؛ لأن فيها حظٌ لنفسِه، وكذلكَ الحكيمُ إذا وصّى فإنه لا يجعلُ في وصيتِه حظاً لنفسِه، فأرادَ اللهُ -تعالى-أن يُكملَ جمالَ هذه الوصيةِ بذكرِ حقِ الوالدينِ بعدَ حقِه، وكأنها رسالةٌ إلى الوالدينِ بأنه من أوصى أولادَه باللهِ -تعالى- فقد أوصى اللهُ أولادَه به، ثم قالَ تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14].

فحقُ الأمِ أكثرُ، والوصيةُ بها أكبرُ، وذلك لقَوْلِه صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَنْ أَبِرُّ؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أَبُوكَ".

فالأمُ ضعيفةُ الخِلقةِ، ثم يُضْعِفُهَا الْحَمْلُ يوماً بعدَ يومٍ، ثم الطلقُ ثم الوَضعُ، ثم الرَضاعةُ والسهرُ والتربيةُ، وصدقَ اللهُ -تعالى-: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾[لقمان: 14]..

فغفرَ اللهُ – تعالى – لأمهاتِنا وأعاننا على برِهنَّ أحياءً وأمواتاً.

ومع حقِ الوالدينِ الكبيرِ إلا أنه إذا عارضَ حقَ اللهِ -تعالى-، فلا سمعَ ولا طاعةَ: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ [لقمان : 15].

ويبقى لهما البرُ والطاعةُ في أمورِ الدنيا: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[لقمان : 15].

لنرجعَ إلى وصيةِ لقمانَ لابنِه، فما أجملَ أن يُذكّرَ الوالدُ ولدَه بمراقبةِ اللهِ- تعالى-: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 16].

إن هذا الزمنَ قد كَثُرت فيه الفتنُ والشهواتُ والمُغرياتُ، وتوَفرتْ فيه سُبلُ المعصيةِ، حتى أصبحتِ الدنيا بخيرِها وشرِها في متناولِ يدِ الولدِ يُقلبُها في صفحاتِ جوالِه، فلا ينفعُ إلا مراقبةَ اللهِ -تعالى- وأنه سميعٌ لكلامِنا بصيرٌ بأعمالِنا.

وَإِذَا خلوْتَ بِرِيبةٍ في ظُلْمَةٍ *** والنَّفْسُ داعيةٌ إلى الطغيانِ

فاسْتَحْيِ مِن نَظَرِ الإلهِ وَقُلْ لَهَا *** إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظلامَ يَرَانِي

ثم أمرَه بأعظمِ الأعمالِ بعدَ التوحيدِ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ [لقمان: 17].

تعليمُ الأجيالِ لحبلِ الوصلِ بينهم وبينَ الكبيرِ المتعالِ، حتى لا يصدقُ علينا قولَه تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59].

هي وصيةُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قبلَ موتِه، وهي عمودُ الإسلامِ؛ وكما قالَ الفاروقُ -رضي الله عنه-: "لا حظَّ في الإسلامِ لمن تركَ الصلاةَ".

وحتى يكونَ الولدُ نافعاً لمجتمعِه، حريصاً على حبِ الخيرِ لغيرِه، قالَ له: ﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[لقمان: 17].

فالأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ، فيه شفقةٌ على الآخرينَ، ووقايةٌ لهم من عقوبةِ اللهِ -تعالى-، وحمايةٌ للمجتمعِ من الفسادِ، واحترازاً من العذابِ، وحيث أن هذه العبادةَ لا بُدَّ فيها من الأذى أمرَه أبوه بالصبرِ: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾[لقمان: 17].

فهذه من عظائمِ الأمورِ التي لا يستطيعُها إلا أهلُ العزائمِ.

اللهم اجعل القرانَ العظيمَ ربيعَ قلوبِنا، ونورَ صدورِنا، وجلاءَ أحزانِنا، وذهابَ همومِنا وغمومِنا.

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ نشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ نسْتَغْفِرُكَ وَنتْوبُ إِلَيْكَ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.

الْلَّهُم صَلِّ وَبَارِك وَسَلِم عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد وَعَلَى الِه وَصَحْبِه وَسَلِّم.

أما بعد:

لم ينسَ لقمانُ الآدابَ وأهميتَها في وصيتِه لولدِه، فقالَ له: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [لقمان: 18].

لا تتكبرُ على الناسِ وتميلُ بوجهِك عنهم، وشبَهه بأقبحِ صورةٍ تنفيراً للناسِ عنه، بالصَّعَرِ وهو ذلك الدَاءُ الذي يصيبُ الْإِبِلَ حَتَّى تلتويَ أَعْنَاقهُا عَنْ رُؤُوسهَا.

واعلم أيها المتكبرُ: أنك تنازعُ اللهَ -تعالى- في صفاتِه التي لا يستحقُها إلا هو: "يَقُولُ اللَّهُ –سبحانه- الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، مَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْقَيْتُهُ فِي جَهَنَّمَ".

وكما قالَ عليه الصلاة والسلام: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ أي النملِ الصغيرِ- فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ".

فنعوذُ باللهِ -تعالى- من هذا الخُلُقِ الذميمِ.

﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: 18].

لا تمشِ مختالاً فخوراً؛ لأن اللهَ -تعالى- لا يحبُ ذلك، وقد نهى عبادَه عن ذلك في قولِه: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾ [الإسراء: 37].

وطريقةُ المشيِ لها دلالةٌ على ما في قلبِ صاحبِها؛ فمنهم المتكبرُ المختالُ، ومنهم المتواضعُ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: 63].

ومنهم المستحيي: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء﴾ [القصص: 25].

وهكذا غيرُها من الصفاتِ كالمرضِ والخوفِ والعجلةِ، فأوصاهُ بالاقتصادِ في المشي: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾ [لقمان: 19].

وهو الوسط بينَ الدبيبِ والإسراعِ مع السكينةِ والوقارِ، فعجباً للقمانَ أن أوصى ولدَه بهذا الأمرِ الدقيقِ الذي قد لا يلتفتُ له الآباء، أو يتساهلونَ في أمرِه.

ثم علمَه أدباً آخرَ: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾[لقمان: 19].

اخفض من صوتِك وأنت تتكلمُ، ولا تتكلفُ رفعَه فتؤذي السامعَ: ﴿إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: 19].

أيها المؤمنُ: الإسلامُ الذي ضبطَ صوتَك: ﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾ [لقمان: 19].

وضبطَ مشيتَك: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: 18].

وضبطَ نظرتَك: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النــور: 30].

وضبطَ سمعَك: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12].

وضبطَ طعامَك: ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ [الأعراف: 31].

كفيلٌ أن يضبطَ حياتَك، ويحققُ لك حياةَ السعداءِ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا أَزْوَاجَنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَاخْتِمْ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ أَعْمَالَنَا.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَارْفَعْ رَايَةَ الْحَقِّ وَالدِّينِ، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةَ لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاَةَ أُمُورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً، بِالْعَدْلِ وَالإِيمَانِ، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.