سبحان الله (3) مواطن التسبيح في القرآن

عناصر الخطبة

  1. من نظر في كثرة المخلوقات ودقة صنعها أدرك عظمة الله تعالى
  2. تسبيح الله -تعالى- يتضمن تنزيهه عما لا يليق به
  3. في القرآن الكريم تسبيح كثير لله تعالى ليتعود لسان المسلم على كثرة الذِّكْر
  4. لا شيء أنفع للعبد، وأقل مؤنةً على نفسه من ذِكْر الله -تعالى- واستغفاره
اقتباس

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: إِثْبَاتِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَتَنْزِيهِهِ عَنِ افْتِرَاءَاتِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ زَعْمِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ لَهُ -سُبْحَانَهُ-، وَهُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَ التَّسْبِيحُ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الضَّلَالِ، وَمِنْ أَشْنَعِ مَا وُصِفَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِهِ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، فَاقْتَضَى الْحَالُ تَنْزِيهَهُ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ..

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾ [الْأَحْزَابِ: 70 – 71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ نَظَرَ فِي كَثْرَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمُلَاءَمَتِهَا لِصُوَرِهَا، وَهِدَايَتِهَا لِمَا يُبْقِي حَيَاتَهَا، وَيَدْرَأُ الْخَطَرَ عَنْهَا؛ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ عَظَمَةِ الْخَالِقِ -سُبْحَانَهُ-، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النَّمْلِ: 88]، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الْفُرْقَانِ: 2]، وَأَنَّهُ دَبَّرَ مَا خَلَقَ عَلَى مَا يُرِيدُ، وَهِيَ أَعْظَمُ حُجَّةٍ قَذَفَ بِهَا مُوسَى فِرْعَوْنَ فَأَلْزَمَهُ ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50)﴾ [طه: 49 – 50].

وَتَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- يَتَضَمَّنُ تَنْزِيهَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِمَّا أَلْصَقَهُ بِهِ بَعْضُ خَلْقِهِ، وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَيَقُولُهُ الْإِنْسَانُ فِيمَا يَتَعَجَّبُ مِنْهُ مُنْبَهِرًا بِقُدْرَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى عَجِيبِ صُنْعِهِ وَخَلْقِهِ، أَوْ حُسْنِ تَقْدِيرِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَكَأَنَّ التَّسْبِيحَ يَجْرِي عَلَى لِسَانِ الْعَبْدِ فِي حَالَةِ انْبِهَارِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: وَقَعَ كَذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ، وَلَكِنَّهُ وَقَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَقَدَرِهِ، فَاسْتَوْجَبَ تَسْبِيحَهُ؛ إِذْعَانًا لَهُ، وَإِقْرَارًا بِقُدْرَتِهِ، وَتَسْلِيمًا لِقَدَرِهِ.

وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تَسْبِيحٌ لِلَّهِ -تَعَالَى- كَثِيرٌ؛ لِيَرْتَاضَ لِسَانُ قَارِئِ الْقُرْآنِ عَلَى تَسْبِيحِهِ -تَعَالَى-، مُوَاطِئًا قَلْبُهُ لِسَانَهُ فِي تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ. وَتَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- جَاءَ فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقَاتٍ عَظِيمَةٍ، يَنْبَغِي لِقَارِئِ الْقُرْآنِ أَنْ يَفْطَنَ لَهَا وَيَتَأَمَّلَهَا؛ لِيُنَزِّهَ اللَّهَ -تَعَالَى- وَيُعَظِّمَهُ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ.

فَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: إِثْبَاتِ خَلْقِهِ -سُبْحَانَهُ-، وَأَنَّهُ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ، وَهَذَا يَسْتَوْجِبُ تَسْبِيحَهُ شُكْرًا لَهُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ؛ إِذْ كَلُّ مَا خَلَقَهُ وَسَخَّرَهُ لِلْعِبَادِ فَهُوَ مِنْهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [الْبَقَرَةِ: 29]، فَاسْتَوْجَبَ خَلْقُهُ وَتَسْخِيرُهُ تَسْبِيحَهُ؛ إِقْرَارًا بِفَضْلِهِ، وَثَنَاءً عَلَيْهِ بِنِعَمِهِ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: 36]، ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزُّخْرُفِ: 13]. وَلَمَّا ذَكَرَ -سُبْحَانَهُ- الْحَرْثَ وَالْمَاءَ وَالنَّارَ فِي مَقَامِ إِثْبَاتِ قُدْرَتِهِ، وَمِنَّتِهِ عَلَى عِبَادِهِ خَتَمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الْوَاقِعَةِ: 74].

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: إِثْبَاتِ حِكْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي أَفْعَالِهِ، وَتَنْزِيهِهِ -سُبْحَانَهُ- عَنِ الْعَبَثِ ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 191]، وَأَنَّ أَفْعَالَهُ لَا تَكُونُ عَلَى أَمْزِجَةِ خَلْقِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا) [الْإِسْرَاءِ: 93].

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: إِثْبَاتِ قُدْرَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَنَفْيِ الْعَجْزِ عَنْهُ -سُبْحَانَهُ-، وَأَنَّ قُدْرَتَهُ فَوْقَ كُلِّ قُدْرَةٍ، وَأَنَّ الْعُقُولَ مَهْمَا كَانَتْ لَا تُحِيطُ بِقُدْرَتِهِ وَلَا تُدْرِكُ إِلَّا شَيْئًا قَلِيلًا مِنْهَا (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ –سُبْحَانَهُ- وَتَعَالَى- عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزُّمَرِ: 67]، ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: 83].

وَمِنْ قُدْرَتِهِ -سُبْحَانَهُ- إِسْرَاؤُهُ -سُبْحَانَهُ- بِنَبِيِّهِ، وَعُرُوجُهُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، مِمَّا لَا يُطِيقُ عَقْلٌ تَصَوُّرَهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- أَخْبَرَ بِهِ، وَقَصَّهُ عَلَيْنَا رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وَلِذَا افْتَتَحَ الْحَدِيثَ عَنْ حَادِثَةِ الْإِسْرَاءِ بِالتَّسْبِيحِ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 1].

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: إِثْبَاتِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَتَنْزِيهِهِ عَنِ افْتِرَاءَاتِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ زَعْمِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ لَهُ -سُبْحَانَهُ-، وَهُوَ أَكْثَرُ مَا جَاءَ التَّسْبِيحُ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الضَّلَالِ، وَمِنْ أَشْنَعِ مَا وُصِفَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِهِ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، فَاقْتَضَى الْحَالُ تَنْزِيهَهُ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ﴾ [الْبَقَرَةِ: 116]، ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النِّسَاءِ: 171]، ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 100]؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مُسْتَغْنٍ عَنْ خَلْقِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَرِيكٍ وَلَا صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَهُوَ ذُو الْعِزَّةِ وَالْقُوَّةِ ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [هُودٍ: 66]، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: 180].

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: إِثْبَاتِ عَدْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الظُّلْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُ يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 87]، فَهَذَا اللَّفْظُ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ الرَّبِّ وَتَنْزِيهَهُ، وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي تَنْزِيهَهُ عَنِ الظُّلْمِ وَالْعُقُوبَةِ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، يَقُولُ يُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: “أَنْتَ مُقَدَّسٌ وَمُنَزَّهٌ عَنْ ظُلْمِي وَعُقُوبَتِي بِغَيْرِ ذَنْبٍ؛ بَلْ أَنَا الظَّالِمُ الَّذِي ظَلَمْتُ نَفْسِي“.

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: إِثْبَاتِ صِدْقِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي قَوْلِهِ وَوَعْدِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْكَذِبِ وَالْإِخْلَافِ ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النَّحْلِ: 1]، ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 108].

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: تَنْزِيهِهِ -سُبْحَانَهُ- عَنْ نِسْبَةِ الشَّرِّ إِلَيْهِ، فَالْخَيْرُ بِيَدَيْهِ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النُّورِ: 16]، أَيْ: تَنْزِيهًا لَكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَعَنْ أَنْ تَبْتَلِيَ أَصْفِيَاءَكَ بِالْأُمُورِ الشَّنِيعَةِ.

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: ذِكْرِ ابْتِدَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَاقْتَضَى الْعِلْمُ بِهَا دَوَامَ تَنْزِيهِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ وَأَوَانٍ ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الرُّومِ: 17]. وَالْمَلَائِكَةُ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 20]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فُصِّلَتْ: 38].

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 180 – 182].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ…

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاذْكُرُوهُ وَسَبِّحُوهُ وَعَظِّمُوهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(42)﴾ [الْأَحْزَابِ: 41 – 42].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَا شَيْءَ أَنْفَعُ لِلْعَبْدِ، وَأَقَلُّ مُؤْنَةً عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَاسْتِغْفَارِهِ وَحَمْدِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَتَهْلِيلِهِ؛ وَلِذَا كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لِيَدُومَ قَارِئُهُ عَلَى الذِّكْرِ، وَلِيَتَعَلَّمَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِ -تَعَالَى-.

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ: فِي سِيَاقِ إِرْشَادِ الْمُؤْمِنِينَ لِتَحَمُّلِ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَمُوَاجَهَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الْقُلُوبَ مَعَ شِدَّةِ الْأَذَى يُصِيبُهَا شَيْءٌ مِنَ الْيَأْسِ وَالْإِحْبَاطِ وَالْخَوْفِ وَالْجَزَعِ، فَكَانَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- رَابِطًا عَلَيْهَا، مُثَبِّتًا لَهَا، مُقَوِّيًا لِعَزْمِهَا، مُذْهِبًا لِجَزَعِهَا، مُزِيلًا لِخَوْفِهَا، وَفِيهِ عَزَاءٌ لِأَصْحَابِهَا، وَتَذْكِيرٌ لَهُمْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى الْمُؤْذِينَ، وَأَنَّهُمْ مَهْمَا بَلَغُوا فَهُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَتَحْتَ قَدَرِهِ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَذًى، وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلصَّابِرِينَ الْمُتَّقِينَ ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ(98)﴾ [الْحِجْرِ: 97 – 98]، ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى﴾ [طه: 130]، ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ(49)﴾ [الطُّورِ: 48 – 49]، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ بِعَيْنِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَحِفْظِهِ وَتَسْدِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ كَثُرَ تَسْبِيحُهُ لِلَّهِ -تَعَالَى- وَتَنْزِيهُهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ، فَأَذْهَبَ عَنْهُ خَوْفَهُ وَجَزَعَهُ وَيَأْسَهُ وَقُنُوطَهُ.

وَجَاءَ تَسْبِيحُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ: ذِكْرِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِبَيَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي خَلْقِهِ حِينَ خَلَقَهُمْ، وَلِإِثْبَاتِ عَدْلِهِ فِي الْكُفَّارِ مِنْهُمْ، وَرَحْمَتِهِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَكُلُّ أُولَئِكَ يَسْتَوْجِبُ تَعْظِيمَهُ وَتَسْبِيحَهُ، فَفِي آخِرِ سُورَةِ الزُّمَرِ ذُكِرَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَصِيرُ الْكَافِرِينَ، وَمَصِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَخُتِمَ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزُّمَرِ: 75]. وَفِي آخِرِ الْوَاقِعَةِ ذُكِرَ عَاقِبَةُ الْمُقَرَّبِينَ، وَعَاقِبَةُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَعَاقِبَةُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ، وَخُتِمَ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الْوَاقِعَةِ: 95 – 96].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ…