بدء الوحي وعظمة النبي ودينه

عناصر الخطبة

  1. بدء نزول الوحي على النبي -عليه الصلاة والسلام-
  2. تهيئة الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام- لحمل الرسالة
  3. بقاء دينه وظهوره على سائر الأديان
  4. هرقل يعترف بنبوة محمد -عليه الصلاة والسلام-.
اقتباس

إن الرسول الخاتم لم يكن قارئًا، فقرأ أعظم كتاب أنزل على وجه الأرض، وهدى الله به العالمين، فما الخطوات التي ألهمه الله إياها ليكون مهديًا، ومؤهلاً لحمل الكتاب؟. أولها: النقاء من الشرك، ومن التوسل بغير الله -تعالى- إليه، وثانيها: التعبد في الخلوات، بعيدًا عن الأعين والأسماع، وثالثها: المربي الذي غطه ثلاث غطات، بحب وحنان وحزم، فأين من يغط شباب الأمة ليعيدهم إلى كتاب الله ليقرؤوه، وإلى العبادة فيتلذذوا بها…

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد بن عبد الله رسولُ الله ومصطفاه، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

عباد الله: أوصيكم ونفسي المقصرة بطاعة الله وتقواه, ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

من هناك من مكة المكرمة، من جبل النور، من غار حراء، بدأت رحلة الأرض من ظلم الوثنية إلى عدل الإسلام، وبدأ الإنسان يستعيد إنسانيته بعد قرون من عبوديته للإنسان، وعبوديته للشهوات وعبوديته للرغبات الجامحة.

هلَّ الربيعُ فَزَانَ الكونَ مولدُه *** وعطّر الكونَ بالبشرى محمدُه

أطل كالصبح إشراقًا فهشَّ له *** ثغرُ الوجود فقد وافاه سيده

محمد رحمة للناس مرسلة ***  كوابل الغيث مدت بالهدى يده

قد جاء والأرض قفر لا يرف بها *** غصن ولا صادح يشدو مغرده

وفي الجزيرة أصنام مبجلة *** لكل رب فريق راح يعبده

وشعَّ في الأرض نور الله فارتعشت *** جوانح الكون وانقادت توحده

فأومضت من وراء الغيب بارقة *** من رحمة الله بالقرآن ترشده

اقرأ فكل الدنا إشراقة عمرت *** تكشف الليل عن صبح يبدده

وها هي عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- تروي لنا الحدث كما حدث فتقول: “أَوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْوَحْيِ الرؤيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارٍ حِرَاءٍ؛ فَجَاءَهُ الْمَلِكُ فَقَالَ اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنَّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ(3)﴾ [العلق: 1-3].

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ، وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ وَاللهِ، مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِين عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرءًا تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ.

فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي! مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَبَرِ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمكَ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟! قَالَ نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرُكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحي” (رواه البخاري ومسلم).

وأما جابر بن عبد الله الأنصاري فيحدث عن فترة الوحي، فيقول في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ فَتْرَةً، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنْذِرْ(2)﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾” (رواه البخاري).

إن الرسول الخاتم لم يكن قارئًا، فقرأ أعظم كتاب أنزل على وجه الأرض، وهدى الله به العالمين، فما الخطوات التي ألهمه الله إياها ليكون مهديًا، ومؤهلاً لحمل الكتاب؟. أولها: النقاء من الشرك، ومن التوسل بغير الله -تعالى- إليه، وثانيها: التعبد في الخلوات، بعيدًا عن الأعين والأسماع، وثالثها: المربي الذي غطه ثلاث غطات، بحب وحنان وحزم، فأين من يغط شباب الأمة ليعيدهم إلى كتاب الله ليقرؤوه، وإلى العبادة فيتلذذوا بها، وإلى صفاء التوحيد فينقذهم من التعبد للمال والجاه والفن المنحرف والشهوات والموضات والتفاهات التي غدت تملأ حياتهم؟!.

أو ليس الله قادرًا -عز وجل- أن يعلّم نبيه -صلى الله عليه وسلم-، دون أن يعرضه إلى هذه الغطات التي أجهدته، وغسلت روحه، وأنار الله بها بصيرته فقرأ؟.

بلى -والله والله- ولكنها لمسة التربية، التي فقدها الشاب فَتَاه، وفقدتها الفتاة فانحرفت، وفقدها المربي ففقد أدواته التربوية كلها، وظن أنها لطمة، وليست غطةً واحتضانًا.

﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآي والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ملء السماوات والأرض، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا بأن النور الذي أُرسل إليكم، سيبقى رغم أنف أقزام الظلمة، الذين يقفزون كالبراغيث؛ ليسدوا بوابة السماء, ليمنعوا أضواء الشمس المبهرة، فالله -سبحانه-: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 33].

وإذا كان أحفاد الروم قد تقاصرت عقولهم عن وعي الإنسان الكامل -صلى الله عليه وسلم-، فقد وعى أجدادهم من هو، وكيف سيؤول أمره، وهو لا يزال طريدًا في قريش؟، فعن عبد الله بن عباس أن أبا سفيان بن حرب أخبره: “لَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا، هَلْ هَهُنَا مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ لِنَسْأَلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ.

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدْنَا رَسُولَ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ, قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا، فَقَالُوا: مَا قَرَابَةُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي، قَالَ: وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي، قَالَ: فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ مِنِّي، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفَيَّ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانُ: وَاللَّهِ لَوْلا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ عَنْهُ حِينَ سَأَلَنِي، وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ فَصَدَقْتُهُ عَنْهُ.

ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ: قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: أَفَيَزَيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا, وَنَحْنُ مِنْهُ الآنَ فِي مُدَّةٍ وَنَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ، قَالَ: وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أَدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ لا أَخَافُ أَنْ يُؤْثَرَ عَنِّي غَيْرَهَا، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَهَلْ قَاتِلَكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ حَرْبُكُمْ وَحَرْبُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلا وَسِجَالا يُدَالُ عَلَيْنَا مَرَّةً وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى, قَالَ: فَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ.

قَالَ: فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ: قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قُلْتَ: لا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قَالَ: فَزَعَمْتَ أَنْ لا فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مَلَكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَنْقُصُونَ أَمْ يَزِيدُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ يتِمُّ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقَلْبَ، لا يُبْغِضُهُ أَحَدٌ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لا يَغْدِرُونَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلا يُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ.

وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا أَمَرَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَاللهِ لَوْ أَرْجُو أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لَقْيَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ” (رواه البخاري وغيره).

هذا رسول الله عند عظماء الروم قديمًا.

اللهم إنا نجعلك في نحور الذين يؤذوننا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم إنا نكل إليك عقوبتهم، يا جبار السماوات والأرض، فاجعلهم عبرة للمعتبرين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وعبادك الصالحين، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا وارزقه البطانة الصالحة، واجمع به كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين.

اللهم رد عنا كيد الكائدين، وعداء المعتدين، واقطع دابر الفساد والمفسدين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وارض الله عنهم وعنا وعن جميع المسلمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.