الزنا

عناصر الخطبة

  1. بعض آثار الزنا
  2. قصص لعواقب الزنا في الدنيا قبل الآخرة
  3. الحواجز السبعة المانعة من الوقوع في الزنا
  4. تنقية الإسلام للمجتمع من بواعث الزنا
اقتباس

فالحديث اليوم عن جريمة شنيعة، وفاحشة كبيرة، وموبقة خطيرة، جمعت خلالَ الشِّرْكِ كُلَّها: غضب الرب، وقسوة القلب، وقلة الديانة، والغدر والخيانة؛ تجلب النِّقَم، وتُزيل النِّعَم؛ جُرْمٌ فظيع، وعمَلٌ شنيع، وذنبٌ عظيم، وانحرافٌ ذميم، كبيرةٌ من كبائر الذنوب، تُوجِعُ القلوب، تجرِّعُ ..

الحمد لله رب العالمين، حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأمر بتقواه في السر والعلن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الهه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

عباد الله: فالحديث اليوم عن جريمة شنيعة، وفاحشة كبيرة، وموبقة خطيرة، جمعت خلالَ الشِّرْكِ كُلَّها: غضب الرب، وقسوة القلب، وقلة الديانة، والغدر والخيانة؛ تجلب النِّقَم، وتُزيل النِّعَم؛ جُرْمٌ فظيع، وعمَلٌ شنيع، وذنبٌ عظيم، وانحرافٌ ذميم، كبيرةٌ من كبائر الذنوب، تُوجِعُ القلوب، تجرِّعُ أصحابها الغُصَص، وكثُرَتْ فيها الأخبارُ والقَصَص؛ إنَّه الزنا!.

إنه الزنا! فضائح وخنا، وقبح منتن، وعار وشنار، وخزي ونار. إنه الزنا! انتكاسة حيوانية، وارتكاسة بهيمية، محطم للمجتمعات، وهادم للبيوتات، ومشتت للأسر والقرابات. إنه الزنا! مفزع في فساد الأعراض، ومرعب في فشو الأمراض؛ كالزهري والسيلان، والهربس والإيدز، وأمراض نفسية، ومصائب اجتماعية.

إنه الزنا! يغلق أبواب الحلال، ويبدد الأموال، ويفرق العيال. إنه الزنا! ينزع البركات ويمنع الدعوات، ويوقع البليات، ويفسد الغافلات، وتكثر الزانيات، فيكثر اللقطاء ويكبرون فيتأثرون ويحقدون، ويفسدون. إنه الزنا! يسوِّد الوجوه البيضاء، ويخرس ألسنة البلغاء، ويطأطئ الرءوس، ويذل النفوس، إنه العار الذي يطول تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل.

عباد الله: كل هذه آثار للزنا، فهل يعتبر العادون؟ وهل يتعظ لصوص الأعراض المتساهلون؟ إنه الزنا! قرين لأعظم كبيرتين: الشرك بالله، وقتل النفس؛ ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(70)﴾ [الفرقان:68-70]. يقول الإمام أحمد: لا أعلم بعد قتل النفس شيئا أعظم من الزنا.

بل لقد اقترن حال الزاني بحال المشرك؛ ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور:3]. فيا من ابتلي بجريمة الزنا! اتق الله فإن الله يراك، ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام:3]، ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر:19].

إياك أن تكون عبدا للشهوة ووساوس النفوس الأمارة بالسوء! عليك بحصن الإيمان، وإنه الحصن الحصين، تذكر دائما: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله"، صبَر فظفر، فكان من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، اقرأ سير الرجال الأفذاذ الذين يعيشون لأهداف وغايات، وليس لأقذار وشهوات.

تأمل حديث الثلاثة الذين دخلوا إلى غار، فانحدرت من الجبل صخرة فسدت عليهم الغار، فقالوا: "لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم".

فقال رجل منهم: "اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلى فأردتها عن نفسها، فامتنعت مني حتى ألمــَّت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تقض الخاتم إلا بحقه، فتحرجتُ من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ابتغاء وجهك فافرج عن ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة ".

سبحان الله! رجل أوشك على مقاربة الفاحشة، ولم يبق بينه وبينها شيء، ولكن الإيمان في قلبه تيقظ بكلمة: "اتق الله"، فانتبه إلى قبح ما هو مقدم عليه، وتذكرَ أن الله فوقه، ينظر إليه، فانتصر الإيمان على الشهوة، وقام عنها وهي أحب الناس إليه، فيا لله ما للإيمان من سمو ورفعة وعزيمة وصلابة، ترفع الإنسان من حضيض الشهوة إلى علو العفاف والطاعة والطهارة! ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الملك:12].

إذاً؛ فاعلم أن الله يراك، وأنه معك في كل حال ومكان، إنه قريب، وعليك رقيب، فأين عظمة الله في نفسك؟ أنسيت أنه العليم فيعلم كل شيء؟ وأنه السميع فيسمع كل شيء؟ نعم تستطيع أن تختفي عن أعين الناس، ولكنك لا تستطيع أن تختفي عن عين الله.  

وإذا خلوتَ بريبةٍ في ظلمةٍ *** والنفسُ داعيةٌ إلى الطغيانِ فاستحْيِ مِن نظر الإله وقل لها *** إنَّ الذي خلق الظلام يراني

أخي: فإن لم يمنعك الخوف من الله، فاسمع لعلك تشتاق إلى الجنة، اسمع لعلك تصبر وتجاهد نفسك، ففي صحيح البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا، وَلَنَصيفها -يعنى الخمار- خير من الدنيا وما فيها".

وفيه -أيضا- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا".

وفي البخاري –أيضا– أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمنون".

إنها الجنة! أفلا تشتاق إلى الجنة؟ فإن أبيت إلا أن تبيع النفيس بالخسيس، ولم تخف من الله، ولم ترغب بما في الجنة، فأين معاني الرجولة والشهامة؟ فإن قيمة المرء في إبائه وعزيمته وشهامته ورجولته، وإن ميزانه في نزاهته وسمعته، وشرفه طهارة عرضه وبياض صفحته، فهل من الرجولة أن تفخر أمام أقرانك بالتغرير ببنات المسلمين والإيقاع بهن؟!.

هل هي شجاعة أن تُدَغْدِغَ عواطف الغافلات القاصرات بمعسول الكلام، وقصص الحب والغرام؟! وهل التلصص والتسلل لبيوت المسلمين في الليل، أو إخراج الضعيفات من خدورهن بطولة؟ حتى وإن عرضت هي أو بدأت، وأقبلت بزينتها كما يقول البعض، فهي امرأة وضعيفة وقاصرة وأنت رجل، ومن العرب الذين يتصفون بالغيرة والشهامة، والشجاعة والكرامة.

أليست الحيوانية أن تشبع نهمتك، وتقضي شهوتك وإن كان الثمن العار والدمار لحياة ومستقبل فتاة مسلمة؟ كان الأولى أن تخاف على عرضها، وأن تدفع عن شرفها، بدل تهديدها بالأشرطة المسجلة والصور التي تؤخذ في حالة ضعف واستسلام للهوى.

إحدى الأخوات ظلت ترفض كل من يتقدم لخطبتها خوفا من ذلك الخبيث أن يفضحها بعد أن هددها بذلك، وعنست وهو يتفرج عليها، وصرخات موجعة تمزق القلب وتقطع الأحشاء من فتاة أخرى سلبت أُثمن ما تملك، فأين الغيرة عند هؤلاء؟.

سبحان الله! كيف يتبلد الإحساس، ويرتكس القلب يوم يعرض على الله؟ أين النخوة لحماية أعراض فتيات المسلمين؟ أين الغيرة على الأعراض؟ يا لصوص الأعراض، أترضون هذا لأخواتكم؟ أترضونه لأزواجكم؟!.

فيا أخي، كن رجلا عالي الهمة، وارتق مراقي القمة، ولن يبلغ ذلك إلا الرجال والأبطال، وأصحاب الهمم؛ إن الحياة الطاهرة تحتاج إلى عزائم الأخيار، وأما عيشة الدعارة فطريقها سهل الانحدار والانهيار، "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".

وشتان أن يعيش الرجل لأمته وهمته، وبين أن يعيش لشهوته ولذته، فإن أبت النفس إلا النزول، وطريق الرذيلة والسفول، ولم تستجب لله والرسول، ولم تتحرك إلى الجنة، فخف على نفسك وحياتك، فإنما اللذات لحظات، أسكرتك خمرة تلك الشهوات، فأعقبت حسرات، وأورثت شقوات، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا(125)﴾ [طه:124-125].

ثم انظر للرجال من حولك صبروا وعفوا، وجاهدوا أنفسهم وشهواتهم، يغضون أبصارهم، ويحفظون فروجهم، فكانوا أسعد الناس في بيوتهم، ومع أزواجهم، يتمتعون بالحلال، ببركة ذي الإكرام والجلال، فالقناعة والرضا، وطمأنينة القلب، وراحة النفس، وصلاح الأولاد، وبركة المال، والارتباط الأسري، وغيرها من ثمار الإيمان وطاعة الرحمن، فتنبه! فأجراس الخطر تقرع الآذان بشدة، أفق فإن ما أنت فيه من ضنك وشقاء، إنما هو نتيجة حتمية لابتعادك عن منهج رب الأرض والسماء، فإن لم تخف على نفسك، ولم تخف من ربك، ولم تحرك الجنة قلبك، أفلا تخاف أن ينتقم منك الله؟!.

فلا أنسى ذلك الشاب المهموم وقد احمرت عيناه من كثرة البكاء وهو يقول: أعيش في عذاب وجحيم منذ شهرين، منذ أن تزوجت. فسألته عن السبب! فقال: تبين لي أن الزوجة ليست بكرا، وأنها تعلل ذلك بأسباب صحية، ولا أدري ماذا أفعل؟ فأنا أعيش في شك واضطراب. وكنت أعرف أنه صاحب مغامرات ومعاكسات، فقلت في نفسي: سبحان الله! الجزاء من جنس العمل!.

ويقول شاب: أسمع أن الزنا دَين، كما تدين تدان، وأذكر بيت الشعر الذي يقول: إن الزنا دَيْنٌ إن استقرضتَهُ *** كان الوفاءُ مِنَ اهْلِ بيتك فاعلمِ فأنظر لمن حولي بعين الشك والارتياب، أفكر في الزواج ولكن من الذي ضمن لي سلامتها وعفتها؟ هكذا أنا في دوامة وحيرة وتردد .

فإن عزم وتزوج فمن أول أيامه شك وريبة، وتخوّن وتجسس، وملاحقة للمسكينة بالكليات ليطمئن على ماضيها، فإن اطمأنت إليه، واعترفت ولو بنظرة أم ميل، انقلب يزبد ويرعد، ينظر بعينه التي كان يعيش فيها، لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال.

فإن لم يكن هذا فالأمراض الفتاكة والتي توعد الله بها المصرِّين على الهلاك، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا".

يقول شاب ممن أدمن السفر من أجل المتعة الحرام: شعرت فجأة بوعكة صحية، فذهبت إلى المركز الصحي بحثا عن العلاج، وبعد تحليل عينة من مدمي أخبروني بأني حامل لفيروس الإيدز، يا للهول! يا للمصيبة! لقد ذهَبَت تلك اللذات، وبقيت الحسرات، وكل ما أذكره الآن أنني مصاب بهذا المرض، وأني أسير إلى الموت سريعا، وها قد أفقت من غفوتي، وليتعظ كل عاقل من قصتي.

فقد كنت أنصح وأسمع، ولكن لا أتبع، وإنما اتبعت نفسي الأمارة بالسوء، وأقول للشباب: احذروا الفواحش، فإنها الهلاك الماحق، واحذروا رفقاء السوء؛ فإنهم جند إبليس اللعين، وأستودعكم الله، فلعلكم تقرؤون كلماتي هذه وأنا رهين التراب، فاللهم يا من وسعت رحمته كل شيء ارحم عبدك الضعيف المسكين…

وهذا شاب آخر يقول: لا أعرف من أين أبدأ تفاصيل محنتي، إنها مأساة متعددة الجوانب، أودت بسعادتي، وأورثتني الشفاء والتعاسة، وجعلت دموع الندم لا تفارقني، ويكفي أنني أشعر الآن بأن ربي غير راض عني، لقد تزوجت زوجة عاقلة، وعشت معها بسعادة وهناء، وكنت أسافر كثيرا مع والدي التاجر لأساعده، وكنت أرتكب بعض الخطايا هناك على غفلة من والدي.

وفي يوم فوجئت ببقع غريبة تظهر على جسدي، واستشرت أحد الأطباء فأبلغني بإصابتي بمرض الهربس، ووصف عدة أدوية للعلاج، لكنه أبلغني أن أعراض المرض ستستمر لعدة أشهر.

لجأت إلى طبيب ثان وثالث حتى لا يفتضح أمري بين أفراد الأسرة لكن دون جدوى، وأمام تلك المحنة لم أجد مفرا سوى العودة إلى بلدي لأكذب على الجميع وأقول: إن إصابتي من مرض جلدي نتيجة حساسيتي من طعام قدم لي في تلك الدولة الأوروبية، وصدقتني زوجتي لثقتها بي، ولكنها لاحظت حرصي على تجنبها، فاستشارت طبيبة قريبة لها فأبلغتها بالحقيقة المؤلمة.

فاعترفتُ بالخطأ، فانهارت زوجتي، وأصرت على ترك منزلي، ولم تستجب لرجائي وتوسلاتي، وزاد من عمق المأساة أنني ظللت حبيس جدران شقتي طوال خمسة أشهر حتى لا يشاهدني أحد بهذه البثور التي انتشرت لى كل أجزاء جسدي، ثم تركَت آثارها بعد ذلك على جلدي.

وبعد أن شفاني الله طالبني والدي بتطليق زوجتي لرفضها المطلَق العودة، رغم إنجابها طفلا مني، كما سحب والدي توكيلي بالشركة، وأبلغني بعزمه مقاطعتي، وعدم الإنفاق علي، وها أنا أعيش الآن وحيدا كئيبا حبيس أربعة جدران، وكلما تذكرت طفلي الذي لم أره تفيض عيناي بالدمع ندما وأسفا على ما أجرمت في حق نفسي وأهلي… وكل ما أرجوه أن يغفر الله لي خطاياي…

فماذا بعد هذا يا شباب! نسأل الله السلامة والعافية، إنه العذاب في الدنيا قبل الآخرة، ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان:70].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن لم تخف أخي من ربك، ولا على نفسك، ولم ترغب في الجنة دار القرار، ولم تخف من انتقام العزيز الجبار، فإن الحد سيوقفك عند حدك؛ كما قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2].

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".

الله أكبر يا مسلمون! هل رأيتم أكبر من هذه الجرائم الثلاث؟ أليس السر الذي يلفت نظر العقلاء أن دين الإسلام، وهو دين الرحمة والرأفة حتى مع الحيوان، وقف هذا الموقف الشديد مع هؤلاء الزناة والزواني؟!.

أليس هذا الدين الذي يحب الستر ويدعو إليه يقيم هذا الحد على مشهد من المؤمنين؟ لماذا كل هذا؟ لأن الرأفة بالزناة ممن ثبت زناهم وتحققت جنايتهم إنما هو قسوة على المجتمع، وقسوة على الآداب الإنسانية، وقسوة على الضمير البشري، بل قسوة على حقوق الإنسان.

إن القسوة في الحد أرأف ثم أرأف بالمجتمع مما ينتظره من شيوع الفواحش لتفسد الفطرة، وترتكس في حمأة الرذيلة، ويعيش في بيئة الأدواء والأمراض.

نعم! إن الحدود جلد وقتل وقطع؛ فلْتشمئز نفوس الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولتغظ صدور الذين لا يرضون بحكم الله، تبا لهم! لقد قالوا: إن إقامة الحدود غلظة وقسوة ووحشية لا تليق بحضارة اليوم، ويحهم! ماذا فعلوا بالأبرياء؟ وما مصير الضعفاء؟ ألم ينسفوا بمخترعاتهم الجهنمية مدنا آمنة؟ ألم يدكُّوا عواصم عامرة تعج بالألوف والملايين لا ذنب لهم ولا خطيئة سوى الظلم والهمجية؟! فيا لَوَحشية هذا المتحضر؟ ويا لخراب هذا المتنور؟ أهذه هي علومهم ومعارفهم؟.

لقد قل نسلهم؛ لأنهم قضوا شهواتهم بغير الطريق المشروع، وتهربوا من المسؤولية، وتبرؤوا من سياج الأسرة، الحلال عندهم لا يفترق عن الحرام، لا يغارون على محارم، ولا يشمئزون من فواحش، وهم يزعمون أنهم أرباب العلوم والمعارف.

بل إنهم عبيد لفنون الإثارات والتذوق التي يروجها الإباحيون البهيميون، يدفعون إليها الذكور والإناث دفعا خبيثا في اختلاط مهلك… فاضح في رواياته ومسلسلاته مما ينضح فحشا وخلاعة وتهتكا ليس وراءه إلا لقاء البهائم. إن أهل الإسلام يرفضون بحسم وحزم كل هذه المظاهر والنتائج.

ولذا كان حد الزنا الجلد والتغريب للبكر، والقتل للثيب بالرجم، فإن سلمت -أخي- من الحدود، ولم تخَف من الله، ولا من انتقامه، ولم تخف على نفسك، ولم ترغب بالجنة، فاعلم أن الله يمهل ولا يهمل، فاحذر من الاستدراج، ولا يغرك حلم الله، ولا ينتهي تفكيرك عند حدود الحياة الدنيا، ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج:47].

فإن سلمتَ من فضيحة الدنيا، فتذكر عظم الفضيحة على رؤوس الأشهاد، هناك تبلى السرائر، ويكشف المخبوء، وما للإنسان حينها من قوة ولا ناصر، بل ستشهد عليك جوارحك؛ ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس:65].

وفي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني… قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور… فإذا فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهما ما هؤلاء؟ قالا: وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني".

ويقول الله -تعالى- في الجزاء والعقوبة: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69)﴾ [الفرقان:68-69].

إنه الزنا أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، إذا فيا من ابتليت الزنا! تذكر هذه الحواجز السبعة قبل أن تقع بالزنا: خوف الله ومراقبته، والجنة والعوض فيها لمن صبر، والرجولة والشهامة والترفع وعلو الهمة، وكسب الراحة والسعادة واللذة بالحلال، والخوف من انتقام الجبار، أو الحد، أو النار؛ فكن عاقلا، فطنا شاكرا، وتفكر في عواقب الأمور، ولا تدع الشهوة بك تمور.

يقول ابن القيم -رحمه الله- عن جريمة الزنا: فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وبعدها، وهي أجلب لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه، وأعيا الأطباء دواؤه، فأسيرها لا يفدى، وقتيلها لا يودَى، وقد وكلها الله بزوال النعيم، فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله؛ فإنها ضيف سريع الانتقال، وشيك الزوال؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال:53].

وأما عذاب الآخرة فأشد وأبقى، عذاب تذهل له النفوس، وتتقطع له الأفئدة، وتشيب من هوله الرؤوس؛ عذاب شديد وموجع وأليم ومهين. اهـ.

ونحن نحذرك من النظرة الحرام، ونذكرك بخطورة الابتسامة والكلام والموعد واللقاء؛ لأنها مقدمات للزنا، الفاحشة والمنكرة عقلا وشرعا، الطريق الموصل إلى النار، وإلى العار والدمار، "فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق".

فكن عاقلا ولا تقترب، فإن من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، فالله -تعالى- يقول: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32]، وكم من شاب اقترب من الحرام، بكلمات الحب والغرام، ولقاءات الليل ومعاكسات النهار! وكم من فتاة اقتربت من الحرام بكثرة خروجها وتبرجها وتكسرها في مشيتها، وخضوعا في القول، حتى يطمع الذي في قلبه مرض!.

وقد نهى الله نساء المؤمنين عن ذلك كله، حماية لأعراضهن وصونا لغيرهن من مواطن الريب، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب:33]، ويقول -تعالى- مخاطبا نساء النبي صلي الله عليه وسلم -غيرهن من باب أولى-: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب:32].

وإن مما يؤسف له أن تملأ نساء المسلمين الأسواق العامة، وأن تظهر المرأة بكامل زينتها، وأن ينزع الحياء منها، فتخاطب الأجانب وكأنما هم من محارمها.

وربما ساءت الأحوال فكانت الممازحة والمداعبة، وتلك -وربي!- من قواصم الظهر، ومن أسباب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، فإذا كان هذا منطق الإسلام، وهدي سيد الأنام، فما بال أقوام يتعللون بالثقة أحيانا، ويتذرعون بالحاجة أحيانا أخرى؟! والثقة شيء وسد الذرائع الموصلة إلى الحرام شيء آخر، وكم من وليّ تعلل بمثل هذه العلل، تهاون وتساهل وكسل، فلم يصح إلا على الأمر الجلل، نسألك اللهم أن تحفظ نساءنا، وأن تطهر قلوبنا، وتحصن فروجنا، وأن تجعل بيننا وبين الحرام برزخا وحجرا محجورا!.

عباد الله: إن غريزة الشهوة فطرة في النفوس، هذبها الإسلام ونظمها؛ لتقوم على أساس متين تحفظ فيه الحقوق، وتتقاسم المسئوليات، لم يجعل المرأة لمجرد قضاء الوطر، بل كرمها ورفع شأنها، فلا تنال إلا بأحكام وآداب، يتحملها الرجال، أما أولئك الذكور الذين لا همَّ لهم إلا شهواتهم وليكن بعدها ما يكون فهم شواذ ليس لهم في الإسلام إلا الحدود.

ألا ما أعظم هذا الدين بآدابه وأحكامه، وتقديره للجميع واحترامه، وها هي عظمة الدين تتجلى بتنقية المجتمع من بواعث الفتن والزنا، ومواطن الريب والخنا؛ بدءا بالحجاب والحشمة والستر باللباس، ثم غض البصر وكف العيون الجائعة من البحث عن العورات، ثم بتحريم الخلوة بين الرجل والمرأة غير ذات المحرم ن ثم منع الاختلاط المحرم في التعليم والعمل، وكل مجال يقود إلى الفتنة؛ فإذا كان قد ورد المباعدة بينهم في المساجد؛ دور العبادة، فغيرها من باب أولى.

ثم الأمر بتيسير سبل الزواج، ثم التزام الاستئذان حتى لا تقع على عورات، ولا تلتقي بمفاتن، ثم الكف عن إشاعة الفاحشة في المؤمنين، سواء بالكلام أو الأقلام.

فاتقوا الله يا أمة الإسلام! وقفوا عند مسؤولياتكم، وخذوا على أيدي السفهاء تنجوا وتنج سفينتكم.

اللهم تب على التائبين، وانصر المستضعفين من المسلمين، اللهم رد نساءنا إليك ردا جميلا، اللهم خذ بأيديهن إلى الحق، اللهم من كان منهن في صلاح واستقامة فزدها ثباتا وهداية، ومن كان منهن غافلة ضالة، فخذ بناصيتها لطريق الحق والاستقامة، اللهم من أرادهن بسوء فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه، يا قوي يا عزيز.

اللهم احفظ الإسلام والمسلمين، وعليك بأعداء الدين، وانصر عباده الصالحين، ووفق ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

اللهم احفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين بالأمن والإيمان، واجمع كلمتهم على التوحيد والقرآن.

ثم صلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة والهدى، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأزواجه وأصحابه، والحمد لله رب العالمين.