خطر الخوارج، وأوصافهم وأخلاقهم، وذكر التعريف الصحيح لهم

عناصر الخطبة

  1. تعريف الخوارج
  2. حقيقتهم وصفاتهم كما وردت في السنة
  3. من أخلاقهم وطبائعهم وعقائدهم الفاسدة
اقتباس

فالخوارج لا يتورّعون عن إطلاق اتهاماتهم على أيِّ أحدٍ، ولو كان في حقِّ مَنْ أجمعتِ الأمةُ على إمامتِه وفضلِه. ولا يمنعهم عن ذلك شيءٌ على الإطلاق؛ لأنهم يعدُّون ذلك من العدل والإنصاف والصدعِ بالحق، وعدمِ الميلِ والخنوعِ والخيانة، كما أنهم يرون أنفسهم أوصياءَ على الدِّين وحدهم.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾.

أمة الإسلام: سيكون حديثنا هذا اليوم، عن فرقةٍ مارقة، وطائفةٍ ضالة، سفكوا الدماء، ووقعوا في أعراض الصالحين والعلماء، إنهم الخوارج، وهم كلُّ مَن خرج على الإمام المسلم، وعلى الجماعة المسلمة بالسيف، للدعاء إلى معتقده، وكان خروجه نابعًا مِن مُخالفة الأصولِ الشرعيَّة، فمن خرج على الحاكم لأغراضٍ دُنيويَّة، فيُسمَّى قاطعَ طريق، ومن خرج يدعو إلى مُعتقده، ولم يكن خروجُه نابعًا من مخالفةِ الأصولِ الشرعيَّة، فيُسمَّى باغيًا، كالذين خرجوا على عليٍّ -رضي الله عنه-، ومنهم صحابةٌ وخيارُ التابعين.

وعلى هذا، فالذين خرجوا على وليّ أمرنا، وقاموا بقتاله وقتال العساكر، هم خوارج؛ لأنهم يدعون إلى مُعتقدهم، وخروجُهم نابعٌ مِن مُخَالفةِ الأصولِ الشرعيَّة، حيث ينتهجون نهجَ التكفير، ويستحلُّون دماء المسلمين، ويتأولون النصوصَ حسب أهوائهم وما يقولُه علماؤهم، فهذا من أعظم الْمُخالفات في الأصول.

وسنأخذ حقيقتهم وصفاتِهم، من خلال هذا الحديث الصحيح، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقطعةٍ من ذهَب، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ يُقال له: ذا الخُوَيْصِرَةِ فَقَال: اتَّقِ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتعجِّبًا من هذه الجُرأةِ والوقاحة: "مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ، أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَا تَأْمَنُونِي؟!". فلما وَلَّى وأدبر نَظَرَ إِلَيْهِ فقَالَ: إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا -أيْ مِنْ نسْله وَعَقِبه- قَوْمًا أَحْدَاث الأَسْنَانِ، سُفَهَاء الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ -أيْ يَخْرُجُونَ مِنْهُ كخُرُوج السَّهْم، إِذَا دخل في الصَّيْد وخرج مِنْ الجِهَة الأُخْرَى-، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ. متفق عليه.

لقد جاء وصفُ الخوارج في هذا الحديث وصفًا دقيقاً، في أخلاقهم وأوصافِهم وأفعالهم، فلْنتعرَّفْ عليها لنحذرَها، ونُحذِّر مَنِ اتَّصفَ بها؛ أما أخلاقُهم وطبائعهم، فمن ذلك: جُرأتُهم واحْتقارُهم لمن يُخالفهم، واتهامُهم وطعنُهم للأئمة والعلماء والصالحين، فرئيسُهمْ ذُو الخُوَيْصِرَةِ هذا، اتهم أعدل وأصدق من وطئتْ قدمُه الأرض، واجْترأ وتطاول عليه، فكيف بغيره من العلماء والصالحين، فهم عليهم أجرأ وأشدُّ وقاحةً وتطاولاً.

فالخوارج لا يتورّعون عن إطلاق اتهاماتهم على أيِّ أحدٍ، ولو كان في حقِّ مَنْ أجمعتِ الأمةُ على إمامتِه وفضلِه.

ولا يمنعهم عن ذلك شيءٌ على الإطلاق؛ لأنهم يعدُّون ذلك من العدل والإنصاف والصدعِ بالحق، وعدمِ الميلِ والخنوعِ والخيانة، كما أنهم يرون أنفسهم أوصياءَ على الدِّين وحدهم.

ومن أخلاقِهم وطبائِعهم أيضًا: الخشونةُ وشدَّةُ الغضب والجفاء، فهم لا يتعاملون مع الناس والْمُخالفين لهم إلا بالحدَّة والقسوة، ويستبيحون دماء المسلمين على أتفه الأسباب.

ومن أخلاقِهم وطبائِعهم أيضًا: أنهم يفتقدون للحكمة والرَّوية، فهم لا ينظرون إلى العواقب، ولا يهتمون بالمصالح العامّة، ومحبتُهم للفرقة تغلبُ محبتَهم للوحدة، واستماتتُهم في تقديم آرائهم والدفاعِ عنها، والقتالِ في سبيلها أمرٌ ظاهرٌ لكلِّ من عرف حالهم؛ لأنهم يرون ذلك هو ما أمر الله به، ويَعُدُّونَهُ مِنَ الولاء للمؤمنين، والبراءةِ من المشركين والكافرين.

فقد خرجوا على خيار الصحابة -رضي الله عنهم-، وقتلوا أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه-.

ومن صفات الخوارج أيضًا: أنهم أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، أي أنهم صغار السنّ، ليسوا كالكبار في رجاحة العقل، ومعرفةِ الأمور، بل هم أقرب إلى الطيش والعجلة، والحماس المذموم.

سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، عقولهم رديئةٌ ضعيفة، لا يملكون رجاحةً في الفهم والعقل، قد جانبوا الرشد والصواب والطريقة المرضية، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، أيْ أنهم يتلون القرآن والسنَّة، ويحتجون بما جاء فيهما ممَّا يُوافق أهواءهم، لكنهم كما قال عبد الله بنُ عمر -رضي الله عنه-: "إنهم -أي الخوارج- انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين". ولهذا كان -رضي الله عنه- يراهم شرارَ خلق الله، فقلوبهم لم تعِ القرآن ولم تفقهه بعد، بل يستدلُّون بالآيات والأحاديث، وهم أجهل الناس بالْمُراد منها.

فالخوارج لا يفقهون السنة ولا يحتجون بها إلا لموافقة أهوائهم، ولهذا يشطحون كثيراً، ويضلون عن فقه كلام الله، ويلتمسون المعنى الذي يطلبونه ولو كان بعيداً، ويرغبون عن المعنى الصحيح ولو كان قريباً.

ولذلك هم من أجهل الناس في مقاصدِ الشريعةِ، يأخذون بظواهر النصوص، ولا يلتفتون إلى مَن خالفهم ولو كان أعلمَ الناسِ.

ومن صفاتهم أيضًا: كثرةُ وشدَّةُ عبادتهم، بل إنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- على ما هم عليه من العبادة العظيمة، والطاعةِ الْمُستديمة، يَحْقِرُ أَحَدُهم صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، أي يُدْمِنُون قراءته وتلاوته، ولكن لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، أي أَنَّ الْإِيمَان لَمْ يَرْسَخ فِي قُلُوبهمْ؛ لِأَنَّ مَا وَقَفَ عِنْد الْحُلْقُوم فَلَمْ يَتَجَاوَزهُ، لَا يَصِل إِلَى الْقَلْب.

وهذا يدلُّ على أنهم يقرؤونه دون فهم، ويتلونه دون تدبُّرٍ وتأمُّل، وصدق الله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.

فيُؤخذ من هذا أنَّه يجبُ الْحَذَرُ من الانخداع بمظاهر الصلاح، والدين والعبادة، وعدمِ جعلِ ذلك دليلاً على الإخلاص وصحةِ الطريقةِ والمنهج، فالعبرة بالأخلاقِ وحُسْنِ السيرة، والاستقامةِ على ما أمر الله به ورسولُه، فالدين المعاملة.

يقول ابن عبد البرِّ -رحمه الله-: "وفي هذا الحديث نصٌّ على أن القرآن قد يقرؤه من لا دين له، ولا خير فيه، ولا يجاوز لسانه". انتهى كلامه.

وأما عن أفعالِهم: فإنهم يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، وهذا ما نراه واقعًا من أتباعهم في هذا الزمان، انظروا ماذا عملوا مع أهلنا في الفلوجة والأنبار، انظروا كيف تسلَّطوا على المجاهدين في بلاد الشام، وأعلنوها حربًا لكلِّ المجاهدين هناك، بل إنَّ الكثيرَ من المصائبِ، التي أُصيب بها أهلُ الإسلام هم سببُها، وهم وقودُها ومُحرِّكُها، فكم أُغلقت مُؤسَّساتٌ خيريَّةٌ بسببهم، وكمِ احْتُلَّتْ دُولٌ إسلاميَّةٌ جرَّاء حماقتهم.

ومن أبرز عقائدهمُ الباطلة: أنهم يتساهلون بالتكفير، ويُكفرون بالعموم، فقد كفَّروا خيار الناس وصالحيهم، كمعاويةَ وعثمانَ وعليٍّ -رضي الله عنهم-، وأذنابُهم وأتباعُهم هذا اليوم، يُكفرون جميع الحكام، ويُفسقون علماء الإسلام، ثم تَسَلْسَلُوا بالتكفير، فكفروا جميع العساكر والجيش، نسأل الله السلامة والعافية، "وأَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ". كما في الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فما أشدَّ خطر الخوارج على المسلمين، ولذلك حذّر منهمُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أشدّ التحذير.

وتأملوا كيف عزم -صلى الله عليه وسلم- على قتالِهم واسْتئصالِهم، ورتَّب الأجر الجزيل على من قاتلهم، وذلك لما يعلمه من خطرهم على الإسلام والمسلمين.

نسأل الله تعالى أنْ يكفَّ شرَّهم، وأنْ يُجنِّب المسلمين فتنتهم، إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: ما أشبه الليلة بالبارحة!! ولكلِّ قومٍ وارث، لقد سلك مسلك الخوارج في وقتنا الحاضر، أناسٌ من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، غلو في التكفير، واستباحوا دماء المعصومين، وزعزعوا الأمن وروعوا الآمنين، وشوهوا صورة الإسلام لدى العالمين.

فسبحان الله!! أيُّ مُصيبةٍ أُصيب الْمُسلمون بهؤلاء، الذين طعنوا في العلماء والْمُصلحين، وعقوا الآباء والأمهات، ويتموا البنين والبنات، وأزهقوا الأرواح البريئة، وأتلفوا الأموال المعصومة، باعوا أنفسهم للشيطان وأعوانِه، فأظهر لهم أنَّ سفكَ الدماءِ جهاد، والإفسادَ إصلاح.

فالواجب علينا أنْ نَحذر منهم ومِن منهجهم، وأنْ نُبعد شبابنا عن مُخالطتهم ومُجالستهم.

ولذا وجب التنبيه والتحذيرُ، على خُطورةِ الذهاب إلى أماكن الفِتَنِ، وساحات القتال هنا وهناك؛ لما في ذلك من خطورةٍ بالغةٍ على عقول شبابنا، فكم همُ الذين ذهبوا هناك وهم سليمو العقيدة والفكر، فرجعوا فأفكارٍ ضالة، وعقائدَ فاسدة، قد مُلِئوا حِقْدًا وكراهيةً لعلمائهم وأوطانِهِم.

ولا يعني هذا -يا عباد الله- أنَّ المجاهدين في الثغور على هذا المنهج، بل أكثرُهم على الوسط والاعتدال، ومُجانبةِ التَّكفيرِ والغلوِّ والظلال.

نسأل الله تعالى أنْ يُمكّن للمسلمين والمجاهدين، وأنْ يُوفقهم لسلوك صراطه المستقيم، إنه على كل شيءٍ قدير.