الطمأنينة في الصلاة

عناصر الخطبة

  1. وجوب الصلاة
  2. الطمأنينة والخشوع في الصلاة
  3. أنواع الطمأنينة
  4. مما يجلب الطمأنينة والخشوع للمصلّي
اقتباس

ومما تقدم يُعلم أنَّ الصلاة -وإن استكملت فيها الأقوال والأفعال ظاهراً- لا تكون صلاة حقيقيّة ولا نافعة؛ إلاَّ إذا وجدت فيها المعاني الروحية التي شرعت من أجلها من التأله والتوجه فيها إلى الله وحده، وإخلاصها له سبحانه، والخضوع والخشوع فيها لعظمته تعالى، ودعائه فيها برغبٍ في ثوابه ورهب من عقابه ..

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ سيدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلّم تسليماً كثيراً.

أمَّا بعد: فإن دين الإسلام الذي أكرم الله به هذه الأمَّة وأتمه لها ورضيه لها ديناً ورتَّب عليه من حسن الجزاء، وعظيم المثوبة ما تتمناه الأنفُس، وتلذ به الأعين؛ قد بُني على أُسس ثابتة وقواعد متينة، لا ينجو من بلغته من أليم العقاب وشدَّة العذاب، ويحظى بما يترتب على الإتيان بها من عزَّة واحترام في الدنيا، وسيادة ولذة في الآخرة؛ حتى يأتي بها موفورة كاملة.

ومن بين هذه الأسس التي بُني عليها الإسلام الصلاة التي هي عموده وأهم أركانه بعد الشهادتين، والتي لا حظّ في الإسلام لمن تركها: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" "بين العبد وبين الكفر أو الشرك: ترك الصلاة" ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة:5]

ثم إنَّ لهذه الصلاة أسساً وأركاناً ركينة لا تتم الصلاة إلاَّ بها. وأهمُّ تلكم الأركان وأقربها صلة بالله وأعظمها أثراً على الإنسان، في دنياه وأخراه الطمأنينة والخشوع فيها، ولا غرابة فقد افتتح الله صفات من وُعدوا الفلاح المحقق، والفوز بالفردوس الأبدي، بالخشوع، واختتمها به في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)﴾ [المؤمنون:1-2]

إلى أن قال بعد ذكر صفاتهم الفاضلة: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ(10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(11)﴾ [المؤمنون:9-11]

والطمأنينة المطلوبة قد شفى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكفى، روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلّى ثم جاء فسلم على رسول الله، فرد عليه السلام، فقال: "ارجع فصلِّ فإنَّك لم تصلّ" ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق لا أُحسن غيرها فعلّمني. فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبِّر ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتَّى تطمئنَّ ساجداً، ثم ارفع حتَّى تعتدل جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها".

والطمأنينة والخشوع نوعان: طمأنينة وخشوع بالجوارح، وطمأنينة وخشوع بالقلب، وطمأنينة الجوارح الحقيقية مصدرها طمأنينة القلب. عن عمر أنه رأى رجلاً يعبث في صلاته، فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه"، ويروى هذا الأثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ومما تقدم يُعلم أنَّ الصلاة -وإن استكملت فيها الأقوال والأفعال ظاهراً- لا تكون صلاة حقيقيّة ولا نافعة؛ إلاَّ إذا وجدت فيها المعاني الروحية التي شرعت من أجلها من التأله والتوجه فيها إلى الله وحده، وإخلاصها له سبحانه، والخضوع والخشوع فيها لعظمته تعالى، ودعائه فيها برغبٍ في ثوابه ورهب من عقابه.

فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون-، وأدوا صلاتكم كما كان يؤديها رسول الله بخشوع وطمأنينة تفوزوا بأجرها وتسعدوا بما أُعدَّ لأهلها: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ(35)﴾ [المعارج:34-35]

ومما يجلب الطمأنينة ويحقق الخشوع للمصلّي إخلاص النيَّة فيها لله وحده ابتداءً وانتهاءً بمحاربة ما يطرأ عليها فيها من رياء أو همّ فيها بسوء، وأن يتجه المصلِّي فيها بجميع حواسه إلى الله سبحانه، ويستحضر عظمته تعالى واطلاعه عليه الذي نص عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس:61] ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ(219)﴾ [الشعراء:217-219]

وقول رسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنَّهُ يناجي ربَّه" وفي لفظ: "فإن الله قبل وجهه" وأن يتعقل المصلِّي ويتأمَّل في معاني ما يلفظ به من الأقوال كـ"الله أكبر"، وما تقتضيه، و"سبحانك اللهم وبحمدك" إلخ، و(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة:2-4]

و"سبحان ربِّي العظيم" و"سبحان ربِّي الأعلى". وأن يدعو فيما شُرع فيه الدّعاء كالسجود، وبين السجدتين وقبل السلام بقلب فارغ متَّجه إلى الله سبحانه، موقن بالإجابة، مؤمن بأن الله على كل شيءٍ قدير، وأن يتدبر ما يتلوه، أو يسمعه فيها من كتاب الله تعالى تدبُّر طالب الهداية والرحمة منه والشفاء.

هذا -أيُّها المسلمون- ما ينبغي أن يتحلّى به المؤمن في صلاته، وهذا ما يرجى أن تتحقق معه الصلاة الحقيقية النافعة المقبولة عند الله، والتي ستكون لأهلها نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة.

وإنَّ أي صلاة فقدت تلكم المعاني الروحيَّة والطمأنينة التي هي روح الصلاة؛ ليست صلاة حقيقية، وليست مقبولة ولا نافعة عند الله تعالى، وستُقفل أمامها أبواب السماء، وتلفّ كما يلفُّ الثوب الخَلِق، ويضرب بها وجه صاحبها، ويلحق بمن قال الله فيهم: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ(6)﴾ [الماعون:4-6]

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين مِنْ كل ذنْبٍ؛ فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.