أسباب رفع البلايا والمصائب

عناصر الخطبة

  1. حلول البلايا والمصائب بالإنسان
  2. أسباب رفع البلايا والمصائب
  3. فضل شهر محرم
  4. فضل صيام عاشوراء
اقتباس

عباد الله: إن مما سن الله في هذه الحياة: أن حصول البلايا والمصائب على الإنسان في نفسه، أو ماله، أو ولده، ونادرا من الناس من يصمد على تلك البلايا والأقدار، والحياة المغنصة، إلا إذا تعاطى الأسباب النافعة، ومن أقوى الأسباب في ذلك: الرجوع إلى الله: فإن الله -جل وعلا- يبتلي العبد بالمصائب والحسنات لـ…

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد:

فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.

عباد الله: إن مما سن الله في هذه الحياة: أن حصول البلايا والمصائب على الإنسان في نفسه، أو ماله، أو ولده، ونادرا من الناس من يصمد على تلك البلايا والأقدار، والحياة المغنصة، إلا إذا تعاطى الأسباب النافعة؛ قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].

وقال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].

وهناك أسباب نافعة ترفع البلاء إذا نزل، والمصائب إذا حلت؛ فمن أقوى الأسباب:

الرجوع إلى الله: فإن الله -جل وعلا- يبتلي العبد بالمصائب والحسنات ليرجع إليه، وينيب إليه، قال تعالى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168].

وقال: ﴿وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: 48].

وقال: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [السجدة: 21].

فتلك المصائب والبلايا ترجع العبد إلى ربه، ليعلم ضعفه وعجزه، وحاجته لربه، وأنه فقير إلى الله بذاته، والله الغني الحميد: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15].

ومن تلكم الأسباب التي ترفع البلايا والمصائب: معرفة العبد لربه في رخائه، وصحته وسلامته، وعافيته، فالنعم لا تبعده عن ربه، ولا تقصيه عن ربه؛ بل هو في نعم الله: مطيعا لله، خاضعا له، منفذا لأوامره، مجتنبا لنواهيه، يعرف الله في رخائه فيعرفه الله في شدائده، فيعينه على الصبر والشكر، ويعينه على تحمل المصائب، ويمنحه الثواب العظيم؛ يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس: "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ".

تعرف إلى الله في رخائك وصحة بدنك، وسلامة جميع أعضائك، كن مطيعا لله، منيبا إليه، ففي الشداد والمضايق والأحوال والكربات؛ تجد فرجا من الله -جل جلاله-.

ومن أسباب ذلك أيضا: التضرع إلى الله، والإنابة إليه، فإن العبد في النعم قد يقسو قلبه، ويعرض عن ربه، وبالابتلاء والامتحان يعود إلى رشده، ويرجع إلى ربه، قال جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام: 42].

وقال: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: 76].

فالتضرع إلى الله نتيجة تلك البلايا والمصائب، تكسب العبد التضرع إلى الله، والخضوع له، والخوف منه جل جلاله.

ومن تلكم الأسباب النافعة: التوكل على الله، وتفويض الأمور إليه، مع الأخذ بالأسباب النافعة، والاعتقاد الجازم أن الله على كل شيء قدير: ﴿إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يــس: 82].

فكلما فوض العبد أمره إلى ربه، وتوكل عليه، وأخذ بالأسباب النافعة؛ كلما ارتفعت بلاياه ومصائبه، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَرَجَ العبد مِنْ منزله، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ" يُقَالُ له: "هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، ويتنحى عنه الشَّيَاطِينُ، ويَقُولُ: كَيْفَ لي بِعبد قَدْ كُفِىَ وَوُقِىَ وهُدِىَ؟!".

ومن الأسباب التي ترفع البلايا والمصائب: تقوى الله في السر والعلانية؛ فمن اتقى الله في سره وعلانيته نفعه ذلك في كل أحواله: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً(3)﴾ [الطلاق: 2- 3].

ومن الأسباب النافعة: صنائع المعروف، فإنها تقي مصارع السوء، وصلة الرحم تزيد في العمر، والصدقة تطفئ غضب الرب.

وصنائع المعروف: قرض حسن، بر وصدقة، إعانة المكروبين، تيسير أمر المعسرين، تفريج هم المهمومين، قضاء دين المدينين، الإعانة على كل خير.

فمن يسر على مسلم في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

فصنائع المعروف لها آثار عظيمة، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾[الرحمن: 60].

و﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].

ومن الأسباب النافعة في رفع البلايا والمصائب: كثرة الاستغفار، فعلى المسلم أن يستغفر الله دائما وأبدا، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ".

وقال هود -عليه السلام- أنه قال لقومه: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: 52].

فتقوى الله سبب للسلامة والعافية، وقوة القلب، واليقين والإيمان: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ".

ومن الأسباب النافعة: التوبة إلى الله -جل وعلا-، فإن العبد مهما كان حاله، فلابد من زلات في الأقوال والأفعال، وكلنا خطاء وخير الخطاءين التوابون.

فالتوبة إلى الله مفزع المسلمين، يتوبون إلى الله من زلات ألسنتهم وأفعالهم، قال الله -جل وعلا-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النــور: 31].

وأخبرنا جل وعلا عن محبته لمن تاب إليه: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222].

وأخبرنا ربنا عن قبول توبة عباده: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾[الشورى: 25].

وأثنى على المؤمنين بقوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ﴾ [آل عمران: 135].

فعلى المسلم أن يتوب إلى الله في ليله ونهاره، وربك -جل وعلا- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.

وينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فينادي: "هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟".

والله -جل وعلا- أمر بالتوبة إليه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ [التحريم: 8].

ونبينا -صلى الله عليه وسلم- المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول: "إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً".

يعدون له في المجلس مائة مرة: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ الغفور الرَّحِيمُ".

فإذا رجعنا إلى أنفسنا، وفكرنا في عيوبنا وتقصيرنا ونقصنا، وفي نِعم الله العظيمة علينا؛ دعانا ذلك إلى الاستحياء من ربنا، والتوبة والإنابة إليه، والرجوع إليه، فإن التوبة تهدم ما قبلها: "التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ".

ومن أقوى الأسباب بعد ذلك: التضرع بين يدي الله، والإلحاح عليه في الدعاء والمسألة، فإن الله -جل وعلا- أمرنا بدعائه، ووعدنا بالإجابة، وتوعد المستكبرين عن دعائه بالعذاب الأليم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].

وأخبرنا عن قربه ممن دعاه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

قال بعض السلف: "عجبت من أربع: ممن مسه الضر يغفل عن قول الله: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83].

قال الله: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾[الأنبياء: 84].

وعجبت لمن أصابه الهموم والغموم كيف يغفل عن قول الله -جل وعلا-: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87].

وعجبت ممن مكر به كيف يغفل عن قول الله: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا(45)﴾[غافر: 44- 45].

وعجبت ممن المخاوف كيف يغفل عن قول الله: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173].

ولهذا كان الدعاء من أخص العبادة، يقول صلى الله عليه وسلم: "الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ".

وفي لفظ: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ".

فالدعاء عبادة لله، يدعو العبد ربه موقنا بكمال قدرته، وكمال غناه، وكمال فضله وإحسانه، وأنه يسأل كريما قريبا، جوادا رحيما، برا محسنا، يسأل ما في هذه الدنيا والآخرة، ولهذا الدعاء صرفه لغير الله شرك أكبر، قال جل وعلا: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾[الأحقاف: 5].

وقال: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف: 197].

وأخبر أنه لا يملكون من دعائه دفعا ولا ضرا؛ لأن الدعاء لله وحده لا شريك له، يدعو ربهم رغبة ورهبة، وخوفا وطمعا: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90].

فتعلق القلب برب العالمين، محبة وخوفا ورجاءً، ودعاء الله وسؤاله: من أعظم وسائل الخير، ورفع البلايا والمصائب.

فكلما ضاقت بك الهموم، وحلت بك الكروب، وتوالت عليك المصائب، فاقصد ربك -جل وعلا-، وارفع أكف الضراعة إليه؛ فمن كرمه أنه يستحي أن يرد يدي عبده صفرا؛ إذا رفع يديه، وتحرى أسباب الإجابة: عند دخول الإمام يوم الجمعة، حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وجوف الليل الآخر، وفي أدبار الصلوات، وفي أثناء السجود، وبين الأذان والإقامة.

فتحرَّ هذه الأوقات، وادع ربك بما أهمك من كل الأمور، فإنه أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وأرحم الراحمين، نسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقولٌ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ:

فيا أيُّها المسلمون: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.

عباد الله، شهر الله محرم أحد الأشهر الحُرُم التي قال الله فيها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾[التوبة: 36].

أفضل الشهور بعد رمضان، يقول صلى الله عليه وسلم  لما سئل: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: "شهر الله محرم".

وهو الشهر الأول الذي به تأريخ أمة الإسلام الهجرية، هجرة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ففي عهد عمر -رضي الله عنه- اتفق المسلمون على أن محرم أول شهور العام الهجري، ومضى ذلك المسلمون.

أيها المسلمون: إن صيام اليوم التاسع والعاشر من هذا الشهر له فضل عظيم، وشرف كبير، يقول صلى الله عليه وسلم: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الماضية".

ويقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم يوما يحتسب فضل هذه الأيام إلا هذا اليوم" يعني: يوم عاشوراء.

إذا، فصيامه سنة مستحبة، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- كان يصومه في الجاهلية؛ لأنهم كانوا يصومونه، ولما قدم المدينة ورأى اليهود يصومونه سألهم، فقالوا: يوما أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه فنحن نصومه شكرا لله، فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى وأحق بموسى منكم"؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 68].

فأمرهم بصيامه، ولما فرض رمضان جعل صيامه سنة، وليس واجبا؛ لكن رغب فيه، فصام صلى الله عليه وسلم اليوم العاشر في بقاءه بالمدينة، وفي آخر عامه، قال: "إن عشت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر" إلا أنه توفي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصوم هذا اليوم.

وشرع لنا أن نصوم قبله يوما، أو بعده يوما، فقال صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوما قبله أو بعده خالفوا اليهود".

فنحن -إن شاء الله- صائمون يوم الأربعاء؛ لأن يوم الأربعاء يوافق التاسع من محرم، وصيام يوم الخميس؛ لأن الخميس هو اليوم العاشر من محرم، وهو المقصود، فنصوم يوم الأربعاء قبله، أو نصوم الجمعة بعده، هذه سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذكرنا بنصر أوليائه، وانتقامه من أعدائه، والله على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد؛ كما أمركم بذلك ربكم، فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بنَ عبدِ العزيزِ لما يرضيك، اللَّهمّ بارك له في عمره وعمله، وألبسه ثوب الصحة والسلامة والعافية.

اللَّهمّ وفق ولي عهده سلمان بن عبد العزيز لكل خير، والنائب الثاني وأعنهم جميعا على كل خير، وجعلهم دعاة خير وقادة خير وصلاح إنك على كل شيء قدير.

﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[الحشر: 10].

﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23].

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].

عبادَ الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90] فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].