الصحافة وتمجيد الزنادقة

عناصر الخطبة

  1. نبوة النبيِّ بعذاب الأفَّاقين يبلغُ كذِبُهُم الآفاق
  2. أسباب ارتباط الصحافة بالكذب والتدليس
  3. بعض مظاهر فساد الصحافة
  4. تمجيد الصحافة للملحد الزنديق محمود درويش
  5. نماذج من شعره تبين إلحاده وزندقته
  6. جواز ذكر مفاسد الملحدين والمنافقين الهالكين
اقتباس

ومن كثرة الكذب والدجل المسَوَّدِ فيها صار عامة الناس يضربون بها المثل في الأخبار التي لا يُرْكَنُ إليها، ولا يُوثَقُ في مصدرها، ولا يُطْمَأَنُ لمبلِّغِها، فيقولون: (كلام جرائد)، ولا يمكن أن يسري هذا التصور عن الصحف عند العامة في مختلف شعوب الأرض لولا ما تزخرُ به الصحف من الكَذَبَة المرتزقة الأفاكين الذين تخصصوا في الكذب والافتراء، وأتقنوا الدجل والتزوير؛ لنيل عيشهم، وكسب رزقهم ..

الحمد لله رب العالمين؛ أمر بالصدق ومدَح الصادقين، ونهى عن الكذب وذَمَّ الكذَّابين، ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ [غافر:28]، نحمده على هدايته، ونشكره على إمداده ورعايته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظم حلمه على عباده فأمهلهم ولم يهلكهم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم!" رواه الشيخان.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله الله تعالى بالهدى والحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:281].

أيها المسلمون: حين بعث الله تعالى رسله -عليهم السلام- إلى الناس هداة معلمين، ودعاة منقذين؛ أيدهم بالآيات، وأجرى لهم المعجزات؛ لتقوم لهم الحجة على الناس، ولئلا يطمع في النبوة الأدعياء والكذابون، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ﴾ [الحديد:25].

وكانت آيات النبي -صلى الله عليه وسلم- متنوعة، منها ما وقع في حياته، ومنها ما أخبر أنه سيقع في المستقبل فوقع كما أخبر -عليه الصلاة والسلام- بعد سنوات من موته أو عقود أو قرون؛ ذلك أن دعوته -عليه الصلاة والسلام- عامة للناس في كل مكان من الأرض وإلى آخر الزمان.

ومن الآيات العظيمة التي أوحيت إليه في رؤيا رآها، وأخبر بها، فوقعت في الناس كما رآها: إخباره -عليه الصلاة والسلام- عن عذابِ كذَبَةٍ أفَّاكين، يفترون الكذب فيبلغ كذبُهم الآفاق، وينتشر في الناس، وكان إخباره قبل وجود وسائل الإعلام الحديثة بقرون كثيرة.

ومن خبر تلك الرؤيا قوله -عليه الصلاة والسلام-: "فأتينا على رجلٍ مُسْتَلْقٍ لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلُّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه".

قال: "ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يَصِّحَ ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى"، قال: "قلتُ: سبحان الله! ما هذان؟".

وفي آخر الحديث قال: "وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق" رواه البخاري.

ومَن طالَعَ الصحف التي تصدر في أرجاء الأرض، وتنتشر بين الناس في بيوتهم وأسواقهم وأعمالهم، وفيها من الكذب والافتراء ما فيها؛ علم أنها مجال من مجالات نشر الكذب في الآفاق، وأن هذا الحديث العظيم يتناول الكذَبَةَ من الصُحفيين والإخباريين، وما أكثرهم في هذا الزمان!.

إن الصحافة منذ نشأتها كانت -ولا تزال- أداةً لتوجيه الرأي العام، وصياغة عقول الناس، وتمرير الأفكار والمفاهيم التي يرتضيها المتنفذون فيها وفي الإعلام والأحزاب والدول، فهي مؤدْلَجَة على أفكار معينة قد خُطَّت لها؛ لتحقيق أهدافٍ لحزب أو طائفة أو أقلية من الناس على حساب الأكثرية.

ولأجل ذلك كانت الصحف من أكبر ميادين الكذب الذي يبلغ الآفاق، ويروج الشائعات، ويتهم الأبرياء، ويبريء المجرمين، ويشوه صورة المصلحين، ويزكي المفسدين؛ لأن هدفَها تحقيقُ مآربِ القائمين عليها، ولم يكن من غايتها إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ونصر المظلوم، والأخذ على يد الظالم، والسعي بما يصلح الناس في المعاش والمعاد.

ومن كثرة الكذب والدجل المسَوَّدِ فيها صار عامة الناس يضربون بها المثل في الأخبار التي لا يُرْكَنُ إليها، ولا يُوثَقُ في مصدرها، ولا يُطْمَأَنُ لمبلِّغِها، فيقولون: (كلام جرائد)، ولا يمكن أن يسري هذا التصور عن الصحف عند العامة في مختلف شعوب الأرض لولا ما تزخرُ به الصحف من الكَذَبَة المرتزقة الأفاكين الذين تخصصوا في الكذب والافتراء، وأتقنوا الدجل والتزوير؛ لنيل عيشهم، وكسب رزقهم.

لقد رأينا الصحف لا تحفل بالمنتجين والنافعين من أبناء الأمة، ولا تلقي لهم بالا، ولا ترفع بهم رأسا، فكبار الأطباء والمهندسين والاقتصاديين والمختصين في شتى العلوم لا تُورِدُ أخبارَهم، ولا تنشرُ أبحاثهم، ولا تُلقي الضوء على تجاربهم ومنجزاتهم إلا لمما، وفي زوايا لا تكاد تقرأ أو ترى.

وأما أهل العلم والدعوة والحسبة فأعداء دائمون لهم؛ يتتبعون عثراتهم، ويناكفونهم في تخصصاتهم، ويؤلبون الناس ضدهم، ويفترون الكذب عليهم، وكم من خبر عن أهل العلم أو الدعوة أو الحسبة نشروه تبين أنه محض افتراء، وكذبة من كذبهم الكثير!.

وأما أهل اللهو والعبث والهوى من الرياضيين والمغنين والراقصات فتذكر الصحف تفاصيل حياتهم، وأدق التوافه عنهم، وماذا يأكلون ويشربون ويلبسون، وما يحبون وما يكرهون، ويستبق المحررون إلى تلقي أخبار حلهم وترحالهم، وقططهم وكلابهم، ولا يغفلون عن توافه أمورهم، وصغائر مشكلاتهم، ولا يملون من تكرار ذلك وإيذاء الناس به، ويخصصون ملاحق لذلك، ويسودون صفحات كاملة فيهم.

وأما تدليسهم على الأمة بتمجيد الزنادقة والمارقين، أعداء الله تعالى وأعداء شريعته من فلول الماركسيين، وشذاذ الحداثيين والليبراليين وسائر العلمانيين، فجريمة بشعة من جرائمهم الكثيرة، وخلال الأيام القليلة الماضية كانت الصحف في العالم العربي من محيطه إلى خليجه تتوشح السواد، وتنوح وتلطم على هلاك من سمَّوه شاعر الأرض المحتلة (محمود درويش)، وهو زنديق من زنادقة العصر، أراح الله تعالى من إلحاده ومجونه البشر والشجر والحجر.

لقد قالوا فيه قولا عظيما لم يقولوا نصفه في الملوك والأمراء والزعماء، ولا في كبار الأطباء والمهندسين والمنتجين من أبناء الأمة، أما موت العلماء والدعاة والمصلحين فما نؤمل في الصحافة المختطفة الفاسدة المفسدة أن تذكر خيرا عنهم، أو تنسبه إليهم.

ولا حاجة لأن أنقل على مسامعكم بعض ما قالوا في شاعرهم الملحد؛ لأنه قد فُرض عليكم خلال هذا الأسبوع، ومن طالَعوا الصحف، أو شاهدوا الفضائيات وهم لا يعرفون حقيقة شاعرهم اتهموا أنفسهم بالجهل وقلة المعرفة؛ إذ كيف لا يعرفون هذا الشاعر وهو يحظى بهذه الأوصاف التي وصفوه بها، والألقاب التي خلعوها عليه؟!.

ولكن من حقكم -يا عباد الله- أن تعرفوا حقيقة هذا الشاعر الهالك، وما أخفاه أهل الإعلام والصحافة عنكم؛ حتى تدركوا حجم التزوير والكذب والإضلال الذي يمارسه الصحفيون والإعلاميون، ويكذبون كذبا يبلغ الآفاق.

لقد كان شاعرهم ماركسيا مغاليا في ماركسيته، والماركسية مذهب مادي إلحادي يحارب الأديان، ويقرر أنْ لا إله، وأن الحياة مادة، تعالى الله عن إفكهم علوا كبيرا.

يتحدث شاعرهم عن نفسه في مقابلة أجريت معه فيقول -أخزاه الله تعالى-: صرنا نقرأ مبادئ الماركسية التي أشعلتنا حماسا وأملا، وتعمق شعورنا بضرورة الانتماء إلى الحزب الشيوعي … وحين شعرت أني أملك القدرة على أن أكون عضوا في الحزب دخلت إليه … فتحددت معالم طريقي، وازدادت رؤيتي وضوحا، وصرت أنظر إلى المستقبل بثقة وإيمان، وتَرَكَ هذا الانتماءُ آثارا حاسمة على سلوكي وعلى شِعري. انتهى كلامه عليه من الله تعالى ما يستحق.

لقد حصل شاعرهم على عدد من الجوائز الكبرى من دول شيوعية ملحدة نظير إخلاصه للمذهب الإلحادي المادي، وكان عضوا في الحزب الشيوعي الإسرائيلي(ركاح)، وأشاد به جملةٌ من الساسة والكتاب الصهاينة، ووصفوه بالاعتدال، والمعتدل عند اليهود هو الخانع المنبطح لهم.

لقد اعتدى هذا الزنديق على جلال الله تعالى وقدسيته فسخر به، واستخف بشريعته وعبادته، وعادى ملائكته ورسله، واستهزأ بكتبه، وأعلى من شأن الصليب فاستعاره في أشعاره، وقال بقول أهل وحدة الوجود، وأشعاره ومقالاته طافحة بالزندقة والإلحاد والفساد، وفي إحدى قصائده خاطب عشيقته فقال: نامي فعين الله نائمة عنا.

وقال -أخزاه الله تعالى-: إنا خلقنا غلطة في غفلة من الزمان!. وكتب قصيدة كلها إلحاد واعتداء على ربنا -جل جلاله- عَنْوَنَها بقوله -أخزاه الله تعالى-: "إلهي لماذا تخلَّيت عني"، وفي قصيدة أخرى قال -أخزاه الله تعالى-: "فخذوا وقتكم لكي تقتلوا الله".

ويعلن في كثير من أشعاره عبوديته لغير الله تعالى، ويسبِّح غيرَه -سبحانه وتعالى-، وفي دواوينه يستعير كثيرا من الشعائر الوثنية والنصرانية، ويستخدم عقائدهم، وذلك كزعمهم بنوة المسيح لله سبحانه، تعالى عن إفكه وإفكهم علوا كبيرا.

ومن سخريته بالقرآن الكريم وبالأنبياء -عليهم السلام- قوله أخزاه الله تعالى: رأيتُ الأنبياء يُؤجِّرون صليبهم واستأجرتني آية الكرسي دهرًا.

وسخر في قصيدة له بنبي الله تعالى نوح -عليه السلام-، واتهمه بالجبن لما ركب السفينة ولم يغرق مع المشركين، وفي دواوينه اعتراض على أقدار الله تعالى، واستهزاء بأركان الإسلام وشعائره.

نعوذ بالله تعالى من هذا الزنديق وأفكاره، ونبرأ إليه سبحانه من شعره وأقواله، وممن أشاد به وامتدحه وهو يعلم حاله، اللهم عامله بما يسحق، واحشر من ارتضوا إلحاده معه، واكفنا شر الزنادقة والمرتدين والمنافقين. ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ﴾ [آل عمران:8] . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة:48].

أيها المسلمون: من آذى الله تعالى، وطعن في دينه، واستخف بشريعته، واستهزأ برسله وكتبه فهو ملعون في الدنيا والآخرة بنص القرآن، ومتوعد بأشد العذاب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب:57].

والواجب على المسلم أن يبرأ إلى الله تعالى من كل مرتد وزنديق وملحد، وأن يحذر من امتداحه أو الثناء المطلق عليه دون التحذير من زندقته وإلحاده؛ فإن مدح الزنادقة من صفات المنافقين الذين كانوا يزكون المشركين، ويطعنون في المؤمنين، ومن مقتضيات إيمان العبد بالله تعالى أن يحب لله تعالى ويبغض لله تعالى، ويوالي في الله تعالى، ويعادي في الله تعالى، ولا يغرنكم كثرة المادحين في الصحافة والإعلام للزنادقة والملاحدة؛ فإن ذلك من أوضح الأدلة على فساد الصحافة والإعلام، وأنه لا يمثل الإسلام والمسلمين.

وبعض الناس يتساهل في هذه القضايا العقدية الكبرى، فيهرف بما لا يعرف، ويدافع عن الزنادقة والملحدين من باب التقليد الأعمى، ولسان حاله يقول: سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. وهو مؤاخذ بما يقول، ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18]

وإن كان المنحرفون يدافعون عن هذا الزنديق الهالك فقد أفضى إلى حكم عدل عليم خبير، لن ينفع عنده جدال المجادلين عنه، ولا تدليسهم على الناس، ولا تزويرهم في صحفهم: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾ [النساء:109].

وذِكرُ أهل الإلحاد والنفاق بما فيهم بعد موتهم سنةٌ فعلها الصحابة -رضي الله عنهم-، وأقرهم عليها رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، فقد مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقال: "وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ"، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقال: "وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ"، فلما سئل -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك قال:‏ "‏مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ" رواه الشيخان.

ولما بشر الإمام النخعي رحمه الله تعالى بموت الحجاج سجد شكرا لله تعالى وبكى من الفرح، والحجاج مسلم ظالم سفاك للدماء، فأين منه هذا الشاعر الزنديق الملحد؟.

فالحمد لله الذي أراح منه، ونسأله سبحانه أن يُلْحِقَ أقرانه ومريديه به، وأن يكفي المسلمين شرهم، آمين آمين آمين.