الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
حديث القلب . وقيل الخطرةُ الرّديئة تحدث في القلب . ومن شواهده قولهم : " وَقَالَ عِزُّ الدِّينِ : الْوَسْوَسَةُ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، وإِنَّمَا هِيَ صَادِرَةٌ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ، ولَا إثْمَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ، وصُنْعِهِ ." ومن شواهده جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ - فقال : يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه، يعرض بالشيء، لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال : "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ." قال ابن قدامة : "رد أمره " مكان "رد كيده ." أبو داوود :5112
الوَسْوَسَةُ: مَصْدَرُ وَسْوَسَ، وهي الصَّوتُ والكَلامُ الخَفِيُّ، ومِنْهُ قِيلَ لِصَوْتِ الحُلِيِّ وصَوْتِ الرِّيحِ: وَسْواساً، وذلك لِخَفائِها، وتأتي بمعنى: الاِخْتِلاط، يُقال: وسْوَسَ الرَّجُلُ: إذا اختَلَط كلامُه ولم يَتَبَيَّنْ، والوَسْواسُ: اسمٌ للشَّيطانِ، والـمُوَسْوَسُ: الشَّخْصُ تَغْلِبُهُ الوَساوِسُ، ومِن معانيها: حديثُ النَّفْسِ بما لا نَفْعَ فيهِ، والشُّرورُ والخَطَراتُ الرَّديئَةُ، والجَمْعُ: وَساوِسُ.
يَرِدُ مصطلح (وَسْوَسة) في عِدَّةِ أبوابٍ مِن كتبِ الفقهِ، منها: كتاب الطَّهارة، باب: إزالة النَّجاسة، وباب: الوضوء، وباب: الغُسْل، وفي كتاب الصلاة، باب: شُروط الصَّلاةِ، وباب: صِفَة الصَّلاة، عند الكلامِ عن النِّيَّةِ وعدَدِ الرَّكعاتِ، وفي كتاب النِّكاحِ، باب: طَلاق الـمُوَسْوَس، وفي باب: الرِّدَّة، عند بيان حكم إطلاق الرِّدَّة على المُوَسْوَسِ إذا تلَفَّظَ بما يقتضي الكُفْرَ. ويُطلَقُ في علم العقِيدَةِ، ويُرادُ به: الشُّبُهاتُ الفاسِدَةُ والاعْتِقاداتُ الباطِلَةُ الوارِدَةُ على القَلْبِ.
وسوس
حديث القلب. وقيل الخطرةُ الرّديئة تحدث في القلب.
* العين : (7/335)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/539)
* إحياء علوم الدين : (3/29)
* تهذيب اللغة : (13/92)
* المفردات في غريب القرآن : (ص 522)
* لسان العرب : (6/254)
* تاج العروس : (17/12)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 337)
* المغرب في ترتيب المعرب : (ص 484)
* بدائع الفوائد : (1/250)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 503) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْوَسْوَسَةُ وَالْوَسْوَاسُ لُغَةً: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ مِنْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ.
وَالْوَسْوَسَةُ وَالْوِسْوَاسُ - بِالْكَسْرِ - حَدِيثُ النَّفْسِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (1) } . وَحَدِيثُ الرَّجُل صَاحِبَهُ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ، وَقَال الْفَرَّاءُ: وَسْوَسَ الرَّجُل إِذَا اخْتَلَطَ كَلاَمُهُ وَدُهِشَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ ﵁ أَنَّهُ قَال: " أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ حَزِنُوا عَلَيْهِ، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوَسُ، قَال عُثْمَانُ: وَكُنْتُ مِنْهُمْ " (2) يُرِيدُ أَنَّهُ اخْتَلَطَ كَلاَمُهُ وَدُهِشَ لِمَوْتِهِ ﷺ. وَرَجُلٌ مُوَسْوَسٌ إِذَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ. وَالْوَسْوَاسُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ - الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ بِصَدْرِ الرَّجُل، وَيُوَسْوِسُ إِلَيْهِ (3) . وَالْوَسْوَسَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ يَسْتَعْمِلُهَا الْفُقَهَاءُ بِمَعَانٍ:
الأَْوَّل: الْوَسْوَسَةُ: بِمَعْنَى حَدِيثِ النَّفْسِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ التَّرَدُّدِ هَل يَفْعَل أَوْ لاَ يَفْعَل (4) .
الثَّانِي: الْوَسْوَسَةُ بِمَعْنَى مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي رُوعِ الإِْنْسَانِ.
الثَّالِثُ: الْوَسْوَسَةُ وَهِيَ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِمَّا يَنْشَأُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الاِحْتِيَاطِ وَالتَّوَرُّعِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَفْعَل الشَّيْءَ، ثُمَّ تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَيُعِيدُهُ مِرَارًا وَتِكْرَارًا، وَقَدْ يَصِل إِلَى حَدِّ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ (5) .
الرَّابِعُ: الْمُوَسْوَسُ هُوَ الْمُصَابُ فِي عَقْلِهِ إِذَا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ نِظَامٍ (6) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِحْتِيَاطُ:
2 - الاِحْتِيَاطُ لُغَةً: هُوَ طَلَبُ الأَْحَظِّ وَالأَْخْذُ بِأَوْثَقِ الْوُجُوهِ (7) .
وَالاِحْتِيَاطُ فِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ الأَْخْذُ بِالثِّقَةِ فِيمَا يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ (8) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَالاِحْتِيَاطِ التَّبَايُنُ؛ لأَِنَّ الاِحْتِيَاطَ مَبْنَاهُ عَلَى الثِّقَةِ، وَالْوَسْوَسَةُ نَاشِئَةٌ عَنِ التَّرَدُّدِ.
ب - الْوَرَعُ:
3 - الْوَرَعُ فِي اللُّغَةِ: الْكَفُّ، مِنْ وَرَعَ يَرِعُ وَرَعًا: تَحَرَّجَ وَتَوَقَّى عَنِ الْمَحَارِمِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْكَفِّ عَنِ الْحَلاَل الْمُبَاحِ (9) .
وَالْوَرَعُ فِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ (10) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَرَعِ وَالْوَسْوَسَةِ أَنَّ الْوَرَعَ مَحْمُودٌ شَرْعًا، وَالْوَسْوَسَةُ مَذْمُومَةٌ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْوَسْوَسَةِ:
أَوَّلاً: الْوَسْوَسَةُ بِمَعْنَى حَدِيثِ النَّفْسِ:
4 - حَدِيثُ النَّفْسِ أَقْوَى مِنَ الْهَاجِسِ وَالْخَاطِرِ، وَأَقْوَى مِنْهُ الْهَمُّ وَالْعَزْمُ. وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ وَمَا كَانَ أَضْعَفَ مِنْهُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَنْ هَذِهِ الأُْمَّةِ، فَلاَ إِثْمَ فِيهِ إِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عَمَلٌ أَوْ قَوْلٌ، كَمَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنْ يَسْرِقَ أَوْ يَخُونَ (11) .
وَلَوْ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنَّهُ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ، أَوْ يُنْذِرُ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْئًا، وَلَمْ يَنْطِقْ بِذَلِكَ، لَمْ يَقَعْ طَلاَقُهُ، وَلَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ (12) ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ - أَوْ حَدَّثَتْ - بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَل بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ (13) .
وَقَال قَتَادَةُ بَعْدَ أَنْ رَوَى الْحَدِيثَ: إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ الْمُوَسْوَسِ.
وَعَلَّقَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى هَذَا الْقَوْل شَارِحًا لَهُ: أَيْ لاَ يَقَعُ طَلاَقُهُ؛ لأَِنَّ الْوَسْوَسَةَ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَلاَ مُؤَاخَذَةَ بِمَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ (14) . الْوَسْوَسَةُ فِي الصَّلاَةِ:
5 - مُدَافَعَةُ حَدِيثِ النَّفْسِ فِي الصَّلاَةِ مَشْرُوعَةٌ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يَسْهُو فِيهِمَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (15) ، وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ ﵁ بِلَفْظِ: ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (16) .
قَال ابْنُ حَجَرٍ: قَوْلُهُ: " لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ " الْمُرَادُ بِهِ مَا تَسْتَرْسِل النَّفْسُ مَعَهُ، وَيُمْكِنُ الْمَرْءَ قَطْعُهُ، فَأَمَّا مَا يَهْجُمُ مِنَ الْخَطَرَاتِ وَالْوَ سَاوِسِ وَيَتَعَذَّرُ دَفْعُهُ فَذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَنَقَل الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَمْ يَحْصُل لَهُ حَدِيثُ النَّفْسِ أَصْلاً وَرَأْسًا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِلَفْظِ: " لَمْ يَسِرْ فِيهِمَا " (17) . قَال النَّوَوِيُّ: هَذِهِ الْفَضِيلَةُ تَحْصُل مَعَ طَرَيَانِ الْخَوَاطِرِ الْعَارِضَةِ غَيْرِ الْمُسْتَقِرَّةِ.
وَمَنِ اتَّفَقَ أَنْ يَحْصُل لَهُ عَدَمُ حَدِيثِ النَّفْسِ أَصْلاً أَعْلَى دَرَجَةً بِلاَ رَيْبٍ (18) .
6 - وَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَابِلَةِ فِي بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِغَلَبَةِ الْوَسْوَاسِ.
فَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِذَا غَلَبَ الْوَسْوَاسُ عَلَى أَكْثَرِ الصَّلاَةِ لاَ يُبْطِلُهَا؛ لأَِنَّ الْخُشُوعَ سُنَّةٌ، وَالصَّلاَةُ لاَ تَبْطُل بِتَرْكِ سُنَّةٍ.
وَقَال ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: تَبْطُل صَلاَةُ مَنْ غَلَبَ الْوَسْوَاسُ عَلَى أَكْثَرِ صَلاَتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْل الشَّيْخِ وَجِيهِ الدِّينِ حَيْثُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْخُشُوعَ وَاجِبٌ، وَعَلَيْهِ فَتَبْطُل صَلاَةُ مَنْ غَلَبَ الْوَسْوَاسُ عَلَى أَكْثَرِ صِلاَتِهِ. لَكِنْ قَال فِي الْفُرُوعِ: مُرَادُ الشَّيْخِ وَجِيهِ الدِّينِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وُجُوبُ الْخُشُوعِ فِي بَعْضِ الصَّلاَةِ وَإِنْ أَرَادَ فِي كُلِّهَا، فَإِنْ لَمْ تَبْطُل بِتَرْكِهِ فَخِلاَفُ قَاعِدَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ بَطَل بِهِ فَخِلاَفُ الإِْجْمَاعِ، وَكِلاَهُمَا خِلاَفُ الأَْخْبَارِ. وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ ﷺ الْعَابِثَ بِلِحْيَتِهِ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ (19) مَعَ قَوْلِهِ: لَوْ خَشَعَ قَلَبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ (20) .
وَالتَّفْصِيل فِي حُكْمِ الْخُشُوعِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (خُشُوعٌ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا) .
ثَانِيًا: وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ لِلإِْنْسَانِ
7 - الْوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِيَّةُ هِيَ الْخَوَاطِرُ الْمُحَرِّكَةُ لِلرَّغْبَةِ فِي الشَّرِّ، وَالأَْمْرِ بِالْفَحْشَاءِ، وَالتَّخْوِيفِ عِنْدَ الْهَمِّ بِالْخَيْرِ (21) .
وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُْخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. ثُمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} " (22) . دَفْعُ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ
8 - يَكُونُ دَفْعُ الْوَسْوَسَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَال تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (23) } .
قَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَذَكَّرُوا} أَيْ عِقَابَ اللَّهِ وَجَزِيل ثَوَابِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ فَتَابُوا وَأَنَابُوا وَاسْتَعَاذُوا بِاللَّهِ وَرَجَعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ (24) .
قَال الْغَزَالِيُّ: الْوَسْوَاسُ أَصْنَافٌ:
الأَْوَّل: يَكُونُ مِنْ جِهَةِ التَّلْبِيسِ بِالْحَقِّ، كَأَنْ يَقُول: أَتَتْرُكُ التَّنَعُّمَ بِاللَّذَّاتِ؟ فَإِنَّ الْعُمُرَ طَوِيلٌ، وَالصَّبْرُ عَنْهَا طُول الْعُمُرِ أَلَمُهُ عَظِيمٌ. فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ عَظِيمَ حَقِّ اللَّهِ، وَعَظِيمَ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَقَال لِنَفْسِهِ: الصَّبْرُ عَنِ الشَّهَوَاتِ شَدِيدٌ لَكِنَّ الصَّبْرَ عَلَى النَّارِ أَشَدُّ مِنْهُ وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ وَعْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدَهُ، وَجَدَّدَ إِيمَانَهُ وَيَقِينَهُ، خَنَسَ الشَّيْطَانُ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ، وَدَفْعُهَا بِالْعِلْمِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى. الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْوَسْوَسَةُ بِمُجَرَّدِ الْخَوَاطِرِ وَالْفِكْرِ فِي أَمْرٍ غَيْرِ الصَّلاَةِ. فَإِنْ أَقْبَل الإِْنْسَانُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ انْدَفَعَتْ، ثُمَّ تَعُودُ. وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْوَسْوَسَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَعَ الذِّكْرِ، كَأَنَّهُمَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْقَلْبِ (25) .
مُدَافَعَةُ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِي شَأْنِ الإِْيمَانِ:
9 - يَتَعَرَّضُ الشَّيْطَانُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْل الإِْيمَانِ، وَخَاصَّةً أَهْل الْعِلْمِ مِنْهُمْ بِوَسَاوِسَ الْكُفْرِ الَّتِي يُلْقِيهَا إِلَيْهِمْ مِنْ أَجْل فِتْنَتِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ. قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْمُؤْمِنُ يُبْتَلَى بِوَسَاوِسَ الْكُفْرِ الَّتِي يَضِيقُ بِهَا صَدْرُهُ، كَمَا وَرَدَ أَنَّ " الصَّحَابَةَ قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنَا لَيَجِدُ فِي نَفْسِهِ مَا لأََنْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَْرْضِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَال ﷺ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ (26) . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: سُئِل النَّبِيُّ ﷺ فِي الْوَسْوَسَةِ: قَال: تِلْكَ مَحْضُ الإِْيمَانِ (27) . يَعْنِي أَنَّ حُصُول هَذَا الْوَسْوَاسِ مَعَ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ الْعَظِيمَةِ لَهُ وَدَفْعِهِ عَنِ الْقَلْبِ - هُوَ مِنْ صَرِيحِ الإِْيمَانِ، كَالْمُجَاهِدِ الَّذِي جَاءَهُ الْعَدُوُّ فَدَافَعَهُ حَتَّى غَلَبَهُ. وَإِنَّمَا صَارَ صَرِيحًا لَمَّا كَرِهُوا تِلْكَ الْوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِيَّةَ فَدَفَعُوهَا، فَخَلُصَ الإِْيمَانُ فَصَارَ صَرِيحًا، قَال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجِيبُ تِلْكَ الْوَسَاوِسَ فَيَصِيرُ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا، قَال: وَالشَّيْطَانُ يَكْثُرُ تَعَرُّضُهُ لِلْعَبْدِ إِذَا أَرَادَ الإِْنَابَةَ إِلَى رَبِّهِ، وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ، وَالاِتِّصَال بِهِ، فَلِهَذَا يَعْرِضُ لِلْمُصَلِّينَ مَا لاَ يَعْرِضُ لِغَيْرِهِمْ، وَيَعْرِضُ لِلْخَاصَّةِ أَهْل الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْعَامَّةِ، قَال: وَلِهَذَا يُوجَدُ عِنْدَ طُلاَّبِ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ مِنَ الْوَسَاوِسِ وَالشُّبَهَاتِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ (28) .
وَمِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا نَبَّهَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ، فَيَقُول: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُول: مَنْ خَلَقَ رَبُّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ (29) . ثَالِثًا: الْوَسْوَسَةُ النَّاشِئَةُ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الاِحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ:
10 - الْوَسْوَسَةُ نَوْعٌ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَرَعِ وَالاِحْتِيَاطِ، حَتَّى يَخْرُجَ الْمُوَسْوَسُ مِنْ حَدِّ الْوَرَعِ إِلَى مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ التَّشَدُّدُ فِي الدِّينِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ سَمَاحَتِهِ وَيُسْرِهِ، وَعَنْ مَسْلَكِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ (30) .
قَال الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ الْحَلاَل بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ (31) : إِنَّ الشَّيْءَ إِذَا لَمْ يَتَنَازَعْهُ دَلِيلاَنِ فَهُوَ حَلاَلٌ بَيِّنٌ أَوْ حَرَامٌ بَيِّنٌ، وَإِنْ تَنَازَعَهُ سَبَبَاهُمَا، فَإِنْ كَانَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ مُجَرَّدَ تَوَهُّمٍ وَتَقْدِيرٍ لاَ مُسْتَنَدَ لَهُ، كَتَرْكِ التَّزَوُّجِ مِنْ نِسَاءِ بَلَدٍ كَبِيرٍ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا مُحَرَّمٌ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، وَتَرْكِ اسْتِعْمَال مَاءٍ لِمُجَرَّدِ احْتِمَال وُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِيهِ، أُلْغِيَ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ بِكُل حَالٍ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ التَّجْوِيزَ هَوَسٌ، فَالْوَرَعُ فِيهِ وَسْوَسَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشُّبْهَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَوْعُ قُوَّةٍ فَالْوَرَعُ مُرَاعَاتُهُ (32) .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ (33) : قَوْلُهُ ﷺ - لِمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا -: " وَكَيْفَ وَقَدْ قِيل؟ دَعْهَا عَنْكَ " (34) وَقَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَمَّا اخْتَصَمَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ أَبِيهَا زَمْعَةَ، فَأَلْحَقَهُ ﷺ بِأَبِيهَا بِحُكْمِ الْفِرَاشِ، وَلَكِنَّهُ رَأَى فِيهِ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ أَخِي سَعْدٍ -: " احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ (35) .
وَصْفُ حَال بَعْضِ أَهْل الْوَسْوَسَةِ:
11 - قَال أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ الشَّافِعِيُّ: مِنَ الَّذِينَ يَعْتَرِيهِمُ الْوَسْوَاسُ مَنْ يَرْكَبُ رَأْسَهُ، وَيُجَاوِزُ حُدُودَ الأُْصُول، وَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُمْ مَنْ يُكَرِّرُ تَحْرِيمَتَهُ لِلْمَكْتُوبَةِ حَتَّى يُشْرِفَ وَقْتُهَا عَلَى الاِنْقِضَاءِ، أَوْ تَفُوتَهُ الْجُمُعَةُ مَعَ الإِْمَامِ، أَوْ رَكْعَةٌ مِنْهَا. وَإِذَا تَعَاطَى الْمَاءَ لِلطَّهَارَةِ أَسْرَفَ مِنْهُ قُلَّةً أَوْ قِلاَلاً (36) .
وَقَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَبَعْضُ الْمُوَسْوَسِينَ يَغْسِل الثَّوْبَ الطَّاهِرَ مِرَارًا، وَرُبَّمَا لَمَسَهُ مُسْلِمٌ فَيَغْسِلُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْسِل ثِيَابَهُ فِي دِجْلَةَ، لاَ يَرَى غَسْلَهَا فِي الْبَيْتِ يُجْزِئُ.
قَال: وَمَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ تَعْمَل هَذَا، بَل قَدْ صَلَّوْا فِي ثِيَابِ فَارِسَ لَمَّا فَتَحُوهَا، وَاسْتَعْمَلُوا أَكْسِيَتَهُمْ، وَالشَّرِيعَةُ سَمْحَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ هَذِهِ الآْفَاتِ (37) .
الشُّبْهَةُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْوَسْوَسَةِ وَكَشْفُهَا:
12 - تَنْشَأُ الشُّبْهَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ مِنَ التَّصَوُّرِ الْخَاطِئِ لِمَعْنَى الاِحْتِيَاطِ وَاتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ الْمَفْهُومِ مِنْ ظَاهِرِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ (38) . وَقَوْلِهِ: مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ (39) .
وَقَدْ جَرَتْ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِل الْفِقْهِ عَلَى قَاعِدَةِ الاِحْتِيَاطِ، فَظَنَّ الْمُوَسْوَسُونَ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْوَسْوَسَةِ دَاخِلٌ فِي قَاعِدَةِ الاِحْتِيَاطِ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ التَّفْرِيطِ، كَمَنْ لاَ يُبَالِي كَيْفَ يَتَوَضَّأُ، وَلاَ بِأَيِّ مَاءٍ تَوَضَّأَ، وَلاَ بِأَيِّ مَكَانٍ صَلَّى، وَلاَ يُبَالِي مَا أَصَابَ ثَوْبَهُ، فَيَحْمِل الأُْمُورَ كُلَّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ، وَرَأَوْا أَنَّ الاِسْتِقْصَاءَ وَالتَّشْدِيدَ وَالاِجْتِهَادَ فِي الاِحْتِيَاطِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ (40) .
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ فِي مَعْرِضِ كَشْفِ شُبُهَاتِ أَهْل الْوَسْوَسَةِ: إِنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِ هُوَ قَصْدُ السَّبِيل، وَمَا خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ مِنَ السُّبُل الْجَائِرَةِ، فَالْمِيزَانُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الاِسْتِقَامَةُ وَالْجَوْرُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ قَال ﷺ: إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ (41) ، وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ (42) .
وَأَهْل الْوَسْوَاسِ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ حَتَّى اسْتَحْكَمَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَصَارَ صِفَةً لاَزِمَةً لَهُمْ.
فَمَنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ فَلْيَسْتَشْعِرْ أَنَّ الْحَقَّ فِي اتِّبَاعِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَلْيَعْزِمْ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقَتِهِ عَزِيمَةَ مَنْ لاَ يَشُكُّ أَنَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ فَهُوَ مِنْ تَسْوِيل إِبْلِيسَ وَوَسْوَسَتِهِ، وَلْيَنْظُرْ فِي أَحْوَال السَّلَفِ فَلْيَقْتَدِ بِهِمْ (43) .
فَفِي مَسْأَلَةِ الإِْسْرَافِ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْل قَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِل بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ (44) .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُْمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ (45) وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ الْوُضُوءَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَال: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ (46) .
الأَْحْكَامُ الْخَاصَّةُ بِأَهْل الْوَسْوَاسِ:
أ - تَقْدِيرُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِثَلاَثِ غَسَلاَتٍ فِي حَقِّ الْمُوَسْوَسِ:
13 - الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا قَال الْحَصْكَفِيُّ وَغَيْرُهُ، أَنَّ طَهَارَةَ مَحَل النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ بِقَلْعِهَا، وَلاَ يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرٍ لاَزِمٍ، وَطَهَارَةُ مَحَل نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ تَحْصُل بِغَلَبَةِ ظَنِّ غَاسِلِهَا طَهَارَةُ مَحَلِّهَا. وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُوَسْوَسِ بِغَسْلٍ وَعَصْرٍ ثَلاَثًا فِيمَا يَنْعَصِرُ (47) .
ب - اجْتِنَابُ الْبَوْل فِي مَكَانِ الاِسْتِحْمَامِ خَشْيَةَ الْوَسْوَاسِ:
14 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْبَوْل فِي مَكَانِ الاِسْتِحْمَامِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِل فِيهِ " وَفِي رِوَايَةٍ: " ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ (48) . وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَكٌ يَذْهَبُ فِيهِ الْبَوْل، أَوْ كَانَ الْمَكَانُ صُلْبًا فَيُوهَمُ الْمُغْتَسِل أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَحْصُل بِهِ الْوَسْوَاسُ (49) .
ج ـ - الاِنْتِضَاحُ بَعْدَ الاِسْتِنْجَاءِ مِنْ أَجْل قَطْعِ الْوَسْوَاسِ:
15 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ وَسَرَاوِيلَهُ قَطْعًا لِلْوَسْوَاسِ (50) ، وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: " جَاءَنِي جِبْرِيل فَقَال: يَا مُحَمَّدُ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْضَحْ (51) . وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ يَعْرِضُ لَهُ الشَّيْطَانُ كَثِيرًا لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، بَل يَنْضَحُ فَرْجَهُ أَوْ سَرَاوِيلَهُ بِمَاءٍ حَتَّى إِذَا شَكَّ حَمَل الْبَلَل عَلَى ذَلِكَ النَّضْحِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلاَفَهُ (52) . وَعَنْ أَحْمَدَ: لاَ يَنْضَحُ (53) .
قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ ظَنَّ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنَ الْبَوْل بَعْدَ الاِسْتِنْجَاءِ: لاَ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، حَتَّى تَتَيَقَّنَ، وَالْهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (54) .
د - أَثَرُ بُلُوغِ الشَّكِّ فِي نِيَّةِ الطَّهَارَةِ إِلَى دَرَجَةِ الْوَسْوَاسِ:
16 - يُصَرِّحُ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إِنْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ طَهَارَتِهِ أَنَّهُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ؛ لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ شَكَّ فِي شَرْطِهَا وَهُوَ فِيهَا، فَلَمْ تَصِحَّ كَالصَّلاَةِ، وَلاَ يَصِحُّ مَا فَعَلَهُ مِنْهُ. لَكِنْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّكُّ مِنْ قَبِيل الْوَهْمِ كَالْوَسْوَاسِ فَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ (55) يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ فِي وُضُوئِهِ وَلاَ يَسْتَأْنِفُ.
هـ - التَّلَفُّظُ بِنِيَّةِ الصَّلاَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ:
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُخْتَارِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلاَةِ سُنَّةٌ لِيُوَافِقَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ؛ وَلأَِنَّهُ أَبْعَدُ عَنِ الْوَسْوَاسِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ مَكْرُوهٌ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلاَةِ وَالأَْوْلَى تَرَكُهُ إِلاَّ الْمُوَسْوَسُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّلَفُّظُ لِيَذْهَبَ اللَّبْسُ وَالشَّكُّ.
(ر: نِيَّةٌ ف 11) .
و الْوَسْوَسَةُ بِإِتْيَانِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ:
18 - صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ شَكَّ الْمُوَسْوَسِ كَالْعَدَمِ، فَإِنَّهُ يَعْمِدُ بِمَا شَكَّ فِيهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلاَمِ، فَإِذَا شَكَّ هَل صَلَّى ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الأَْرْبَعِ وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلاَمِ.
وَالْمُوَسْوَسُ - كَمَا قَال الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ - هُوَ الَّذِي يَطْرَأُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي كُل صَلاَةٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَطْرَأْ لَهُ ذَلِكَإِلاَّ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بِمُوَسْوَسٍ (56) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ مِثْل ذَلِكَ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: " إِذَا رَفَعَ الْمُصَلِّي رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، ثُمَّ شَكَّ هَل رَكَعَ أَمْ لاَ؟ أَوْ هَل أَتَى بِالْقَدْرِ الْمُجْزِئِ أَمْ لاَ؟ لَمْ يُعْتَدَّ بِرُكُوعِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَرْكَعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّكُّ وِسْوَاسًا، فَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، يَعْنِي يَسْتَمِرُّ فِي صَلاَتِهِ وَلاَ يَأْتِي بِرُكُوعٍ آخَرَ غَيْرَ الَّذِي شَكَّ فِيهِ، وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الأَْرْكَانِ (57) .
(ر: شَكٌّ ف 10)
ز - تَخَلُّفُ الْمَأْمُومُ عَنْ إِمَامِهِ فِي أَرْكَانِ الصَّلاَةِ بِسَبَبِ الْوَسْوَسَةِ:
19 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَةُ الإِْمَامِ فِي أَفْعَال الصَّلاَةِ.
فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ، وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ بَطَلَتْ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ، وَالْعُذْرُ كَأَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمُقْتَدِي بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ لِعَجْزٍ خِلْقِيٍّ لاَ لِوَسْوَسَةٍ ظَاهِرَةٍ، أَمَّا الْوَسْوَسَةُ الْخَفِيفَةُ فَهِيَ عُذْرٌ، وَأَمَّا الْوَسْوَسَةُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى التَّخَلُّفِ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ فَلاَ يَسْقُطُ بِهَا عَنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ، كَمُتَعَمِّدِ تَرْكِهَا، فَلَهُ التَّخَلُّفُ لإِِتْمَامِهَا إِلَى أَنْ يَقْرُبَ إِمَامُهُ مِنْ فَرَاغِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ إِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا لإِِتْمَامِهِ لِبُطْلاَنِ صَلاَتِهِ بِشُرُوعِ إِمَامِهِ فِيمَا بَعْدَهُ.
وَالأَْوْجَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ اسْتِمْرَارِيَّةِ الْوَسْوَسَةِ بَعْدَ رُكُوعِ الإِْمَامِ أَوْ تَرْكِهِ لَهَا بَعْدَهُ إِذْ تَفْوِيتُ إِكْمَالِهَا قَبْل رُكُوعِ إِمَامِهِ نَشَأَ مِنْ تَقْصِيرِهِ بِتَرْدِيدِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ غَيْرِ بُطْءٍ خِلْقِيٍّ فِي لِسَانِهِ، سَوَاءٌ أَنَشَأَ ذَلِكَ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ، أَمْ مِنْ شَكِّهِ فِي إِتْمَامِ الْحُرُوفِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا (58) .
رَابِعًا الْمُوَسْوَسُ بِمَعْنَى الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ:
أ - طَلاَقُ الْمُوَسْوَسِ:
20 - نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ اللَّيْثِ: فِي مَسْأَلَةِ طَلاَقِ الْمُوَسْوَسِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ الْمُوَسْوَسِ، قَال: يَعْنِي الْمَغْلُوبَ فِي عَقْلِهِ (59) . وَنَقَل ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ الْمُطْلِّقَ إِنْ كَانَ زَائِل الْعَقْل بِجُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ أَوْ وَسْوَسَةٍ لاَ يَقَعُ طَلاَقُهُ، قَال: وَهَذَا الْمَخْلَصُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَ ـ اءِ الأُْمَّةِ (60) .
ب - رِدَّةُ الْمُوَسْوَسِ:
21 - إِنْ تَكَلَّمَ الْمُوَسْوَسُ بِكَلاَمٍ يَقْتَضِي الرِّدَّةَ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّهِ رِدَّةٌ. صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، يَعْنُونَ الْمَغْلُوبَ فِي عَقْلِهِ (61) .
__________
(1) سُورَة ق: 16.
(2) أَثَر عُثْمَان: أَنْ رجالا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ. . . أَخْرَجَهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ (1 / 6 - ط الميمنية) ، وَفِي إِسْنَادِهِ جَهَالَة.
(3) لِسَان الْعَرَبِ، وَالْقَامُوس الْمُحِيط.
(4) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 3 / 285، وَالأَْشْبَاه لاِبْنِ نَجِيمِ 49، وَتَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 7 / 177، وَالأَْشْبَاه لِلسُّيُوطِيَ 33، وَجَمْع الْجَوَامِعِ مَعَ حَاشِيَة الْبُنَانِيّ 2 / 451 - 452.
(5) إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 3 / 29.
(6) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 3 / 285.
(7) الْمِصْبَاح الْمُنِير.
(8) الْفُصُول فِي الأُْصُول لِلْجَصَّاصِ 2 / 98.
(9) الْمُعْجَم الْوَسِيط.
(10) فَتْح الْقَدِير 1 / 349، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 2 / 176.
(11) كِتَاب الرُّوح لاِبْن الْقَيِّمِ 408 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ النِّظَامِيَّة، وَإِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 3 / 27 - 28.
(12) الأَْشْبَاه لِلسُّيُوطِيَ ص 33 - 34، وَالأَْشْبَاه لاِبْنِ نَجِيم ص 49، وَجَمْع الْجَوَامِع مَعَ الْبُنَانِيّ 2 / 451.
(13) حَدِيث: " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي. . . . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 12 / 549) وَمُسْلِم (1 / 116) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ.
(14) فَتْح الْبَارِي 9 / 392.
(15) حَدِيث: " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ. . . " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (1 / 557 - ط حِمْص) مِنْ حَدِيثِ زَيْد بْن خَالِد الْجُهَنِيّ.
(16) حَدِيث عُثْمَان: " ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسه " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 1 / 259) وَمُسْلِم (1 / 205) .
(17) رِوَايَة: " لَمْ يَسُرْ فِيهِمَا " عَزَاهَا ابْن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ (1 / 260) إِلَى الزُّهْدِ لاِبْن الْمُبَارَك، وَلَمْ نَرَهَا فِي النُّسْخَةِ الْمَطْبُوعَةِ مِنْهُ.
(18) فَتْح الْبَارِي 1 / 260، وَانْظُرْ إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 8 / 1418.
(19) كَشَّاف الْقِنَاع 1 / 392 - 393.
(20) حَدِيث: " لَوْ خَشَعَ قَلْبٌ هَذَا. . . " عَزَّاهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (بِشَرْحِهِ الْفَيْض 5 / 319) إِلَى الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِرَ الأُْصُول، وَنَقْل المناوي عَنِ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ راويا مُتَّفَق عَلَى ضَعْفِهِ.
(21) إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 8 / 1388.
(22) سُورَة الْبَقَرَة: 268. وَحَدِيث: " إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (5 / 219 - 220 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وَنُقِل ابْن أَبِي حَاتِم فِي عِلَل الْحَدِيثِ (2 / 244 - ط السَّلَفِيَّة) عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زَرْعَةٍ أَنَّهُمَا يُرَجِّحَانِ وَقْفَهُ عَلَى ابْن مَسْعُود.
(23) سُورَة الأَْعْرَاف: 201.
(24) تَفْسِير ابْن كَثِير 2 / 279.
(25) إِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ 8 / 1416 - 1418.
(26) حَدِيث: " الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ ". أَخْرَجَهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ (1 / 235 - ط الميمنية) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ.
(27) حَدِيث: " تِلْكَ مَحْض الإِْيمَانِ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (1 / 119) مِنْ حَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود.
(28) الإِْيمَان لاِبْن تَيْمِيَّةَ ص 241، 242 الْقَاهِرَة، دَار نَهْر النِّيل.
(29) حَدِيث: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ. . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 6 / 336) وَمُسْلِم (1 / 120) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(30) الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ 1 / 259، وإغاثة اللَّهْفَان ص 134، وَالرُّوح لاِبْن الْقَيِّمِ 2 / 750 مَنْشُورَات دَار ابْن تَيْمِيَّةَ.
(31) حَدِيث: " الْحَلاَل بَيْن وَالْحَرَام بَيْن. . . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 1 / 126) ، وَمُسْلِم (3 / 1219 - 1220) مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَان بْن بَشِير وَاللَّفْظ لِمُسْلِم.
(32) الْفَتْح الْمُبِين فِي شَرْحٍ الأَْرْبَعِينَ النَّوَوِيَّة للهيتمي ص 117، 118.
(33) الْفَتْح الْمُبِين فِي شَرْحٍ الأَْرْبَعِينَ ص 116.
(34) حَدِيث: " وَكَيْفَ وَقَدْ قِيل " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 5 / 268) مِنْ حَدِيثِ عُقْبَة بْن الْحَارِث.
(35) حَدِيث: " احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَة " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 4 / 292) .
(36) التَّبْصِرَة فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الاِحْتِيَاطِ وَالْوَسْوَسَةِ للجويني ص 178، الْقَاهِرَة، مُؤَسَّسَة قُرْطُبَة، 1993، وَنُقِل النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوعِ (1 / 260 وَمَا بَعْدَهَا) صورا مِمَّا أَوْرَدَهُ الْجُوَيْنِيّ فِي التَّبْصِرَةِ مِنْ أَفْعَال بَعْض الْمُوَسْوَسِينَ.
(37) تَلْبِيس إِبْلِيس لاِبْنِ الْجَوْزِيِّ ص 137، 138، 140 بَيْرُوت، دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ.
(38) حَدِيث: " دَعْ مَا يُرِيبُك إِلَى مَا لاَ يُرِيبُك ". أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (4 / 668 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ الْحَسَن بْن عَلِيّ وَقَال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(39) حَدِيث: " مَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعَرَضِهِ ". تَقَدَّمَ تَخْرِيجه (ف 10) .
(40) إِغَاثَة اللَّهْفَان 1 / 148.
(41) حَدِيث: " إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ (5 / 268 - ط الْمَكْتَبَة التِّجَارِيَّة) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيّ فِي الْمَجْمُوعِ (7 / 171) .
(42) وَرَدَ ذَلِكَ فِي قَوْله ﷺ: " هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (4 / 2055) مِنْ حَدِيثِ ابْن مَسْعُود.
(43) إِغَاثَة اللَّهْفَان 1 / 150، 155.
(44) حَدِيث: " كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَوَضَّأُ بِالْمَدِّ. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (الْفَتْح 1 / 304) وَمُسْلِم (1 / 258) مِنْ حَدِيثِ أَنَس، وَاللَّفْظِ لِمُسْلِم.
(45) حَدِيث: " سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُْمَّةِ قَوْم يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاء " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (1 / 73 - ط حِمْص) وَالْحَاكِم (1 / 540 - ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ الْعُثْمَانِيَّة) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ.
(46) حَدِيث: " هَكَذَا الْوُضُوء. . " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ (1 / 88 - ط الْمَكْتَبَة التِّجَارِيَّة) وُجُود إِسْنَادِهِ ابْن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ (1 / 233) .
(47) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 1 / 221.
(48) حَدِيث: " لاَ يَبُولُنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ. . . " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (1 / 29 - ط حِمْصَ) ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (1 / 33 - ط الْحَلَبِيّ) مختصرا بِمَعْنَاهُ وَقَال: هَذَا حَدِيث غَرِيب.
(49) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 1 / 230، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 42، وَكَشَّاف الْقِنَاع 1 / 62، 63، وَمَعَالِم السُّنَنِ 1 / 22 بَيْرُوت الْمَكْتَبَة الْعِلْمِيَّة.
(50) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 46، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 1 / 137، وَكَشَّاف الْقِنَاع 1 / 68.
(51) حَدِيث: " جَاءَنِي جِبْرِيل فَقَال: يَا مُحَمَّد إِذَا تَوَضَّأَتْ فَانْضَحْ " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (1 / 71 - ط الْحَلَبِيّ) وَقَال: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، ثُمَّ نَقَل عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَال عَنْ أَحَدِ رُوَاته: مُنْكِرُ الْحَدِيثِ.
(52) الْبَحْر الرَّائِق 1 / 252، وَابْن عَابِدِينَ 1 / 231.
(53) الْفُرُوع 1 / 122.
(54) كَشَّاف الْقِنَاع 1 / 68.
(55) الْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 1 / 94، 95، ط الْمَنَار، وَكَشَّاف الْقِنَاع 1 / 68.
(56) شَرْح مَيَّارَة صُغْرَى 2 / 36، وَالدَّرّ الثَّمِين 2 / 38 - 39.
(57) الْمُغْنِي 1 / 545.
(58) نِهَايَة الْمُحْتَاجِ بِشَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ 2 / 223، 224، بَيْرُوت، دَار الْفِكْرِ، وَشَرْح الْمِنْهَاجِ لِلْمَحَلِّيِّ مَعَ حَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيّ 1 / 248، الْقَاهِرَة، عِيسَى الْحَلَبِيّ.
(59) ابْن عَابِدِينَ 3 / 285.
(60) إِعْلاَم الْمُوَقِّعِينَ 4 / 47، 49، بَيْرُوت، دَار الْجِيل.
(61) ابْن عَابِدِينَ 3 / 285، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 2 / 253.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 146/ 43
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".