البحث

عبارات مقترحة:

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ كثيرُ الإحسان لخَلْقِه، والتفضُّل عليهم بالنِّعَم، وهو اسم ثابت له عز وجل في الكتاب، والسُّنة، وأجمعت الأمَّةُ عليه، ودل عليه العقلُ.

ولم يَرِدِ اسمُ الله (البَرُّ) في كتاب الله إلا في موضعٍ واحد؛ في قوله تعالى - مُخبِرًا عن عباده المتقين في جنَّات النعيم -: ﴿إِنَّا ‌كُنَّا ‌مِن ‌قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡبَرُّ ٱلرَّحِيمُ﴾ [الطور: ٢٨].

التعريف

التعريف لغة

(البِرُّ) له معانٍ عدةٌ في لغة العرب، وفي الوَحْيَينِ:

* فهو الصِّدق والطاعة؛ ومنه قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ ‌اْلْبِرَّ ‌أَن ‌تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ اْلْمَشْرِقِ وَاْلْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ اْلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاْللَّهِ﴾ [البقرة: 177].

* وهو البِرُّ الذي بخلافِ العقوق؛ تقول: بَرِرْتُ والدي أَبَرُّه بِرًّا، فأنا: بَرٌّ وبارٌّ، وجمعُ البَرِّ: أبرار، وجمع البارِّ: بَرَرة.

وقال القُرْطُبي رحمه الله: «البِرُّ: هو الاتساعُ في الإحسان والزيادة؛ ومنه يقال: أبَرَّ على صاحبه في كذا؛ أي: زاد عليه، وسُمِّيت البَرِيَّةُ: بَرِيَّةً؛ لاتساعِها». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /333).

وهذا هو المقصودُ بإطلاقِ (البَرِّ) اسمًا لله سبحانه وتعالى.

التعريف اصطلاحًا

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى؛ معناه: أن اللهَ هو العَطُوف على عباده، المُحسِن إليهم، عَمَّ ببِرِّه جميعَ خَلْقِه، فلم يَبخَلْ عليهم برزقه. وهو (البَرُّ) بالمحسِن في مضاعفتِه الثوابَ له، و(البَرُّ) بالمسيءِ في الصَّفح والتجاوز عنه. انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص90).

وهذا الاسمُ يدل على صفةٍ فعلية ثابتة لله عز وجل؛ إذ له متعلِّقٌ، وهو جميعُ خَلْقِ الله في الدنيا، والخاصةُ منهم في الآخرة، فسَّر ذلك القُرْطبيُّ، فقال: «وذلك أنه ما مِن شخصٍ في الدنيا إلا وَسِعَه بِرُّ اللهِ تعالى، وفاضَ عليه إحسانُه؛ ولذلك عَمَّ في قوله: ﴿وَأَسْبَغَ ‌عَلَيْكُمْ ‌نِعَمَهُۥ ‌ظَٰهِرَةٗ ‌وَبَاطِنَةٗۗ﴾ [لقمان: 20]، وأما في الآخرة: فلا يختصُّ ببِرِّ الله تعالى إلا مَن أنعَم عليه بجواره، وأسكَنه بُحْبُوحةَ أنوارِه، لا مَن أحَلَّه في نارِه». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /333).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

ما دلَّت عليه اللغةُ يدل على ما اصطُلِح عليه في اسم الله (البَرِّ) من معنى البِرِّ والإحسان.

الصفة التي يدل عليها الاسم

يدل على إثباتِ صفة (البِرِّ) - وهو الإحسانُ - لله سبحانه وتعالى.

الأدلة

القرآن الكريم

البر في القرآن الكريم

جاء اسمُه سبحانه (البَرُّ) مرةً واحدة في القرآن الكريم؛ في قوله تعالى - مُخبِرًا عن عباده المتقين في جنَّات النعيم -: ﴿إِنَّا ‌كُنَّا ‌مِن ‌قَبْلُ ‌نَدْعُوهُۖ ‌إِنَّهُۥ هُوَ اْلْبَرُّ اْلرَّحِيمُ﴾ [الطور: 28].

قال ابنُ عاشور في تفسير الآية: «و(البَرُّ): المُحسِن في رِفْقٍ.

و(الرحيم): الشديدُ الرَّحمةِ، وتقدَّم في تفسير سورة الفاتحة.

وضميرُ الفصل لإفادة الحصر، وهو لقَصْرِ صفتَيِ (البَرِّ) و(الرحيم) على الله تعالى، وهو قصرٌ ادِّعائي للمبالغة؛ لعدم الاعتداد ببُرورِ غيره ورحمةِ غيره بالنسبة إلى برورِ الله ورحمتِه باعتبار القوة؛ فإنَّ غيرَ الله لا يبلُغُ بالمَبرَّةِ والرحمة مَبلَغَ ما لله، وباعتبار عمومِ المتعلِّق، وباعتبار الدوام؛ لأنَّ اللهَ بَرٌّ في الدنيا والآخرة، وغيرُ الله بَرٌّ في بعضِ أوقات الدنيا، ولا يَملِك في الآخرة شيئًا». "التحرير والتنوير" (27 /58).

السنة النبوية

البر في السنة النبوية
عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ : «إنَّ مِن عبادِ اللهِ مَن لو أقسَمَ على اللهِ لَأبَرَّهُ». البخاري (2703)، ومسلم (1675).

الإجماع

قال القُرْطُبيُّ: «وأجمعت عليه الأمَّةُ». "الأسنى في شرح أسماء الحسنى" (1 /333).

العقل

اسمُ الله (البَرُّ) ثابتٌ لله جل وعلا بقياس الأَوْلى؛ فـ(الإحسانُ) الذي يدل عليه اسم (البَرِّ) صفةُ كمالٍ، وخلافُه صفةُ نقصٍ، ومن المعلوم أن كلَّ كمالٍ لا نقصَ فيه يكون لبعضِ الموجودات المخلوقة المُحدَثة: فالربُّ الخالق هو أَوْلى به، وكلُّ نقصٍ أو عيب يجب أن يُنزَّهَ عنه بعضُ المخلوقات المُحدَثة: فالربُّ الخالق هو أَوْلى أن يُنزَّهَ عنه. انظر: "شرح الأصفهانية" لابن تيمية (ص74).

الآثار والمظاهر

الآثار السلوكية

* حُبُّ الله عز وجل محبةً تقتضي شُكْرَه وحَمْدَه على الوجه الذي يُرضيه، وهو ما رتَّب اللهُ عليه مزيدًا من النِّعَم؛ كما قال سبحانه: ﴿لَئِن ‌شَكَرْتُمْ ‌لَأَزِيدَنَّكُمْۖ﴾ [إبراهيم: 7].

ومَن آمَن باسم الله (البَرِّ)، وأدرَك مدلوله من إحسانِ الله عليه وإنعامِه وتفضُّلِه عليه: حضَر في قلبه وجوبُ مقابلة هذا الإحسانِ بالإحسان؛ كما قال سبحانه: ﴿هَلْ ‌جَزَآءُ ‌اْلْإِحْسَٰنِ إِلَّا اْلْإِحْسَٰنُ﴾ [الرحمن: 60].

ومِن أجمَعِ ما يساعِدُ العبدَ على أن يَتمثَّلَ هذا الأثرَ: قولُه تعالى: ﴿لَّيْسَ ‌اْلْبِرَّ ‌أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ اْلْمَشْرِقِ وَاْلْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ اْلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَاْلْيَوْمِ اْلْأٓخِرِ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةِ وَاْلْكِتَٰبِ وَاْلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى اْلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي اْلْقُرْبَىٰ وَاْلْيَتَٰمَىٰ وَاْلْمَسَٰكِينَ وَاْبْنَ اْلسَّبِيلِ وَاْلسَّآئِلِينَ وَفِي اْلرِّقَابِ وَأَقَامَ اْلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى اْلزَّكَوٰةَ وَاْلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَاْلصَّٰبِرِينَ فِي اْلْبَأْسَآءِ وَاْلضَّرَّآءِ وَحِينَ اْلْبَأْسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177].

المظاهر في الكون والحياة

مظاهرُ اسم الله (البَرِّ) كثيرةٌ عظيمة، تستعصي على التغطيةِ والإنكار، ولو أراد الإنسان أن يتأمَّلَ إحسانَ الله عليه، لَمَا وَسِعَه ذلك عُمُرَه كلَّه؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِن ‌تَعُدُّواْ ‌نِعْمَةَ اْللَّهِ لَا تُحْصُوهَآۗ إِنَّ اْللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [النحل: 18].

فاللهُ مَنَّ على الإنسان بالخَلْقِ والإيجاد من عَدَمٍ، وبالرزقِ والإمداد من عُدْمٍ، وبالإبانةِ والهداية بالقِيَم؛ قسَمَ له من الصحةِ والمال والجاه والأولاد والأنصار ما يمتنِعُ أن يُحصَرَ، ويشترِكُ في ذلك: المؤمنُ والكافر، والبَرُّ والفاجر، ويَزيد على ذلك خصوصُ إحسانه وبِرِّه سبحانه بأوليائه المقرَّبين.

ومِن بِرِّه جل وعلا: أنه سبحانه يُمهِل المُذنِبَ ولا يُهمِله، ويُنظِر العاصيَ أن يتوب مع أنه قادرٌ أن يأخذَه بعصيانه في اللحظة؛ كما قال تعالى: ﴿لَوْ ‌يُؤَاخِذُهُم ‌بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ اْلْعَذَابَۚ﴾ [الكهف: 58]؛ يقول ابنُ القيِّم في كلامه عن أسرارِ التوبة: «ومنها: أن يَعرِفَ بِرَّه سبحانه في سَتْرِه عليه حالَ ارتكاب المعصية، مع كمال رؤيته له، ولو شاء لفضَحه بين خَلْقِه فحَذِرُوه؛ وهذا مِن كمال بِرِّه، ومِن أسمائه (البَرُّ)، وهذا البِرُّ مِن سيده كان به مع كمال غِناه عنه، وكمالِ فقرِ العبد إليه، فيشتغِلُ بمطالعةِ هذه المِنَّة، ومشاهدةِ هذا البِرِّ والإحسان والكَرَم؛ فيَذهَلُ عن ذِكْرِ خطيئته؛ فيَبقَى مع الله سبحانه؛ وذلك أنفَعُ له من الاشتغال بجنايتِه، وشهودِ ذُلِّ معصيته؛ فإن الاشتغالَ بالله والغفلةَ عما سِواه هو المطلب الأعلى، والمَقصِد الأسنى. ولا يوجِبُ هذا نسيانَ الخطيئة مطلقًا؛ بل في هذه الحالِ، فإذا فقَدها فليَرجِعْ إلى مطالَعةِ الخطيئة، وذكرِ الجناية، ولكلِّ وقتٍ ومقامٍ عبوديةٌ تَلِيقُ به». "المدارج" (1 /206).

أقوال أهل العلم

وَالبِرُّ فِي أَوْصَافِهِ سُبْحَانَهُ

هُوَكَثْرَةُ الخَيْرَاتِ وَالإِحْسَانِ

صَدَرَتْ عَنِ البِرِّ الَّذِي هُوَوَصْفُهُ

فَالبِرُّ حِينَئِذٍ لَهُ نَوْعَانِ

وَصْفٌ وَفِعْلٌ فَهْوَ بَرٌّ مُحْسِنٌ

مُولِي الجَمِيلِ وَدَائِمُ الإِحْسَانِ

ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "النُّونية" (2 /234).
«﴿إِنَّهُۥ ‌هُوَ ‌اْلْبَرُّ [الطور: 28]: أي: المُحسِن؛ كما يدل عليه اشتقاقُه من (البِرِّ) بسائر موادِّه؛ لأنها ترجع إلى الإحسان؛ كـ:

* بَرَّ في يمينه: أي: صدَق؛ لأن الصِّدق إحسانٌ في ذاته، ويَلزمه الإحسانُ للغير.

* وأبَرَّ اللهُ تعالى حَجَّه: أي: قَبِلَه؛ لأن القَبول إحسانٌ وزيادة.

* وأبَرَّ فلانٌ على أصحابه: أي: عَلَاهم؛ لأنه - غالبًا - ينشأ عن الإحسان لهم».

الآلُوسي الكَبير "روح المعاني" (14 /36).