البحث

عبارات مقترحة:

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

مَعْفُوَّاتٌ


من موسوعة المصطلحات الإسلامية

التعريف اللغوي

جَمْعُ مَعْفُوَّةٍ، وَهِيَ المُتَجَاوَزُ عَنْهَا التي لا يُعَاقَبُ بِهَا، وَكُلُّ مَا عُفِيَ عَنْهُ مِنَ الأَشْيَاءِ فَهُوَ مَعْفُوَّةً، وَالعَفْوُ: الصَّفْحُ وَعَدَمُ المُعَاقَبَةِ عَلَى الذَّنْبِ، يُقَالُ: عَفَا عَنْهُ يَعْفُو عَفْوًا فَهُوَ عَافٍ إِذَا لَمْ يُعَاقِبْهُ، وَكُلُّ مَنِ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةً فَتَرَكْتَهُ فَقَدْ عَفَوْتَ عَنْهُ، وَأَصْلُ العَفْوِ: التَّرْكُ وَالإِسْقَاطُ، تَقُولُ: عَفَا ظَهْرُ البَعِيرِ عَفْوًا وَإِعْفَاءً إِذَا تُرِكَ لَا يُرْكَبُ، وَيَأْتِي العَفْوُ بِمَعْنَى: المَحْوِ وَالطَّمْسِ، كَقَوْلِهِمْ: عَفَتْ الرِّيحُ آثَارَهُمْ أَيْ مَحَتْهَا وَطَمَسْتْهَا، وَمِنْ مَعَانِي العَفْوِ: الكَثْرَةُ، تَقُول: عَفَا الشَّعْرُ إِذَا كَثُرَ، وَالعَفَاءُ: مَا كَثُرَ وَطَالَ، وَسُمِّيَ مَا لَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ مَعْفُوَّةً؛ لِإِسْقَاطِ العُقُوبَةِ عَلَيْهِ وَمَحْوِهَا، وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ.

إطلاقات المصطلح

يَرِدُ مُصْطَلَحُ (المَعْفُوَّاتِ) فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْ كُتُبِ الفِقْهِ ، كَكِتَابِ الصَّلاَةِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلاَةِ ، وَكِتَابِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ، وَغَيْرِهَا.

جذر الكلمة

عفو

المراجع

* معجم مقاييس اللغة : (4 /57)
* الذخيرة للقرافـي : (1 /196)
* مواهب الـجليل : (1 /142)
* مطالب أولي النهى : 1 /235 - حاشية ابن عابدين : 1 /211 - الصحاح : (6 /2432)
* تاج العروس : (39 /68)
* معجم مقاييس اللغة : (4 /57)
* تحفة المحتاج في شرح المنهاج : (1 /98) -

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَعْفُوَّاتِ لُغَةً: جَمْعٌ مُفْرَدُهُ مَعْفُوَّةٌ وَهِيَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ فِعْل عَفَا يَعْفُو، وَمِنْ مَعَانِي الْعَفْوِ فِي اللُّغَةِ: التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ وَتَرْكُ الْعِقَابِ عَلَيْهِ، وَأَصْلُهُ الْمَحْوِ وَالطَّمْسِ، يُقَال: عَفَوْتُ عَنْ فُلاَنٍ أَوْ عَنْ ذَنْبِهِ إِذَا صَفَحْتَ عَنْهُ وَأَعْرَضْتَ عَنْ عُقُوبَتِهِ وَهُوَ يُعَدَّى بِعَنْ إِلَى الْجَانِي وَالْجِنَايَةِ، فَإِِذَا اجْتَمَعَا عُدِّيَ إِلَى الأَْوَّل بِاللاَّمِ فَقِيل عَفَوْتُ لِفُلاَنِ عَنْ ذَنْبِهِ. (1)
قَال الأَْزْهَرِيُّ: الْعَفْوُ صَفْحُ اللَّهِ عَنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ وَمَحْوُهُ إِيَّاهَا بِتَفَضُّلِهِ. (2)
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ (3) . ضَبْطُ الْمَعْفُوَّاتِ مِنَ الأَْنْجَاسِ
2 - الأَْصْل أَنَّ كُل مَأْمُورٍ يَشُقُّ عَلَى الْعِبَادِ فِعْلُهُ سَقَطَ الأَْمْرُ بِهِ وَكُل مَنْهِيٍّ شَقَّ عَلَيْهِمُ اجْتِنَابُهُ سَقَطَ النَّهْيُ عَنْهُ.
وَالْمَشَاقُّ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ:
- مَشَقَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَيُعْفَى عَنْهَا إِجْمَاعًا كَمَا لَوْ كَانَتْ طَهَارَةُ الْحَدَثِ أَوِ الْخَبَثِ تُذْهِبُ النَّفْسَ أَوِ الأَْعْضَاءَ.
- وَمَشَقَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا فَلاَ يُعْفَى عَنْهَا إِجْمَاعًا، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الشِّتَاءِ.
- وَمَشَقَّةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ، فَمُخْتَلَفٌ فِي إِلْحَاقِهَا بِالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَتُؤَثِّرُ فِي الإِِْسْقَاطِ أَوْ بِالْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا فَلاَ تُؤَثِّرُ، وَعَلَى هَذَا الأَْصْل يَتَخَرَّجُ الْخِلاَفُ فِي الْعَفْوِ عَنِ النَّجَاسَاتِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ هَل يَشُقُّ اجْتِنَابُهَا أَمْ لاَ؟ . (4)
وَفِيمَا يَلِي نَذْكُرُ آرَاءَ الْفُقَهَاءِ فِي ضَبْطِ الْمَعْفُوَّاتِ

أَوَّلاً: مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:
3 - بِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ فِي مَسَائِل الْمَعْفُوَّاتِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَفْوَ عِنْدَهُمْ يَدْخُل عَلَى أَنْوَاعِ النَّجَاسَاتِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُخَفَّفَةِ وَالْمُغَلَّظَةِ وَوَضَعُوا لِكُل نَوْعٍ تَقْدِيرَاتٍ وَضَوَابِطَ. فَقَدْ قَال أَبُو حَنِيفَةَ: مَا تَوَافَقَتْ عَلَى نَجَاسَتِهِ الأَْدِلَّةُ فَمُغَلَّظٌ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ وَكَانَ فِيهِ بَلْوَى أَمْ لاَ وَإِِلاَّ فَهُوَ مُخَفَّفٌ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمِّدٌ: مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَلْوَى فَمُغَلَّظٌ وَإِِلاَّ مُخَفَّفٌ وَلاَ نَظَرَ لِلأَْدِلَّةِ. (5)
4 - أَمَّا النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ فَقَدْ عُفِيَ عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْهَا، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِيهِ: وَالصَّحِيحُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْوَزْنِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُتَجَسِّدَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَال، (6) وَبِالْمِسَاحَةِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ قَدْرُ مُقَعَّرِ الْكَفِّ دَاخِل مَفَاصِل الأَْصَابِعِ، (7) وَقَال مُنْلاَ مِسْكِينْ: وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَغْرِفَ بِالْيَدِ ثُمَّ تَبْسُطَ فَمَا بَقِيَ مِنَ الْمَاءِ فَهُوَ مِقْدَارُ الْكَفِّ. (8)
وَالْمُرَادُ بِالْعَفْوِ عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ هُوَ الْعَفْوُ عَنْ فَسَادِ الصَّلاَةِ بِهِ وَإِِلاَّ فَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بَاقِيَةٌ بِإِِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ بَلَعَتِ النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ الدِّرْهَمَ، وَتَنْزِيهًا إِنْ لَمْ تَبْلُغْ. وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ عَلِمَ قَلِيل نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَفِي الدِّرْهَمِ يَجِبُ قَطْعُ الصَّلاَةِ وَغَسْلُهَا وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لأَِنَّهَا سُنَّةٌ وَغَسْل النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ،
وَفِي الثَّانِي (أَيْ فِي أَقَل مِنَ الدِّرْهَمِ) يَكُونُ ذَلِكَ أَفْضَل فَقَطْ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ لاَ يُدْرِكَ جَمَاعَةً أُخْرَى وَإِِلاَّ مَضَى عَلَى صَلاَتِهِ لأَِنَّ الْجَمَاعَةَ أَقْوَى، كَمَا يَمْضِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إِذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لأَِنَّ التَّفْوِيتَ حَرَامٌ وَلاَ مَهْرَبَ مِنَ الْكَرَاهَةِ إِلَى الْحَرَامِ. (9)
قَال الْحَمَوِيُّ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ وَقْتُ الإِِْصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجِسًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَقْتَ الإِِْصَابَةِ فَانْبَسَطَ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لاَ يُمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمُ الْمَنْعُ، وَلَوْ صَلَّى قَبْل انْبِسَاطِهِ جَازَتْ وَبَعْدَهُ لاَ، وَبَهْ أَخَذَ الأَْكْثَرُونَ. (10)
5 - وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ إِذَا زَادَتْ عَلَى الدِّرْهَمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الإِِْزَالَةِ، (11) وَعُفِيَ عَنِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ عَمَّا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ، (12) لأَِنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَلِلرُّبُعِ حُكْمُ الْكُل فِي الأَْحْكَامِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمِّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ - كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ - ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِ الرُّبُعِ: فَقِيل رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رُبُعُ أَدُنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلاَةُ كَالْمِئْزَرِ، وَقِيل رُبُعُ طَرَفٍ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ كَالذَّيْل وَالْكُمِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَعَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ وَمِثْلُهُ عَنْ مُحَمِّدٍ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمِّدٍ أَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَدَمَيْنِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُحَدَّ لِذَلِكَ حَدًّا وَقَال: إِنَّ الْفَاحِشَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ طِبَاعِ النَّاسِ فَوَقَفَ الأَْمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ. (13)
وَقَال الشَّلَبِيُّ نَقْلاً عَنْ زَادِ الْفَقِيرِ: وَالأَْوْجَهُ اتِّكَالُهُ إِلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى إِنِ اسْتَفْحَشَهُ مَنَعَ وَإِِلاَّ فَلاَ. (14)
وَقَالُوا: إِنَّمَا قُسِّمَتِ النَّجَاسَاتُ إِلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مِنَ الْغَلِيظَةِ وَكَثْرَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مِنَ الْخَفِيفَةِ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ وَإِِصَابَةِ الْمَاءِ وَالْمَائِعَاتِ لأَِنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ تَنَجُّسُهَا بِهِمَا. (15) قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمَائِعَ مَتَى أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ خَفِيفَةٌ أَوْ غَلِيظَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ تَنَجَّسَ وَلاَ يُعْتَبَرُ فِيهِ رُبُعٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، نَعَمْ تَظْهَرُ الْخِفَّةُ فِيمَا إِذَا أَصَابَ هَذَا الْمَائِعُ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّبُعُ. (16)
وَقَال أَيْضًا: إِنِ اخْتَلَطَتِ الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ تُرَجَّحُ الْغَلِيظَةُ مُطْلَقًا وَإِلاَّ فَإِنْ تَسَاوَيَا أَوْ زَادَتِ الْغَلِيظَةُ فَكَذَلِكَ وَإِلاَّ تُرَجَّحُ الْخَفِيفَةُ. (17)

ثَانِيًا: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ
6 - قَسَّمَ الْمَالِكِيَّةُ النَّجَاسَاتِ مِنْ حَيْثُ حُكْمُ إِزَالَتِهَا إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَلاَ تَجِبُ إِزَالَتُهُ إِلاَّ أَنْ يَتَفَاحَشَ جِدًّا فَيُؤْمَرُ بِهَا. وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ كُل نَجَاسَةٍ لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهَا، أَوْ يُمْكِنُ بِمَشَقَّةٍ كَثِيرَةٍ كَالْجُرْحِ يَمْصُل، وَالدُّمَّل يَسِيل، وَالْمَرْأَةِ تُرْضِعُ، وَالأَْحْدَاثِ تُسْتَنْكَحُ، وَالْغَازِي يَفْتَقِرُ إِلَى إِمْسَاكِ فَرَسِهِ. قَال ابْنُ شَاسٍ: وَخَصَّ مَالِكٌ هَذَا بِبَلَدِ الْحَرْبِ، وَتَرَجَّحَ فِي بَلَدِ الإِْسْلاَمِ (18) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: يُعْفَى عَنِ الْيَسِيرِ مِنْهُ إِذَا رَآهُ فِي الصَّلاَةِ وَيُؤْمَرُ بِغَسْلِهِ قَبْل الدُّخُول فِيهَا، وَقِيل: لاَ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ، وَهُوَ الدَّمُ، وَهَل يَلْحَقُ بِهِ فِي الْعَفْوِ قَلِيل الْقَيْحِ وَقَلِيل الصَّدِيدِ؟ أَوْ يَلْحَقَانِ بِقَلِيل الْبَوْل؟ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ.
وَأَمَّا حَدُّ الْيَسِيرِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ قَال عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَابِقٍ: لاَ خِلاَفَ عِنْدَنَا أَنَّ فَوْقَ الدِّرْهَمِ كَثِيرٌ، وَأَنَّ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ قَلِيلٌ، وَفِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ رِوَايَتَانِ لِعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ وَابْنِ حَبِيبٍ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ.
وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ أَنَّ الْيَسِيرَ هُوَ مِقْدَارُ الْخِنْصِرِ وَأَنَّ الْخِلاَفَ فِيمَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ إِلَى الْخِنْصِرِ. (19)
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ دُونَ عَيْنِهِ.
وَهُوَ الأَْحْدَاثُ عَلَى الْمَخْرَجَيْنِ، وَالدَّمُ عَلَى السَّيْفِ الصَّقِيل، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْخُفُّ يُمْشَى بِهِ عَلَى أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا. وَفِيهِ قَوْلٌ:
إِنَّهُ يُغْسَل كَمَا لَوْ مُشِيَ بِهِ عَلَى الدَّمِ وَالْعَذِرَةِ. (20)
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا عَدَا مَا ذُكِرَ، وَهَذَا الْقِسْمُ يُزَال كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ، وَعَيْنُهُ وَأَثَرُهُ. (21)

ثَالِثًا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ
7 - قَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا بِاعْتِبَارِ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إِلَى عِدَّةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَهُوَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ عَلَى الأَْصَحِّ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَكَذَا دَمُ الْقُمَّل وَالْبَعُوضِ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنِ الأَْكْثَرِينَ، لَكِنْ لَهُ شَرْطَانِ:
1 - أَنْ لاَ يَكُونَ بِفِعْلِهِ فَلَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ كَمَا لَوْ قَتَل فَتَلَوَّثَ بِهِ أَوْ لَمْ يَلْبَسِ الثَّوْبَ بَل حَمَلَهُ وَكَانَ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إِلَيْهِ وَيَلْتَحِقُ بِالْبَرَاغِيثِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ دَمُ الْبَثَرَاتِ وَقَيْحُهَا وَصَدِيدُهَا حَتَّى لَوْ عَصَرَهُ وَكَانَ الْخَارِجُ كَثِيرًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ دَمُ الدَّمَامِيل وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ مِنْهُ.
2 - أَنْ لاَ يَتَفَاحَشَ بِالإِْهْمَال، فَإِنَّ لِلنَّاسِ عَادَةً فِي غَسْل الثِّيَابِ كُل حِينٍ فَلَوْ تَرَكَ غَسْل الثَّوْبِ سَنَةً مَثَلاً وَهُوَ يَتَرَاكَمُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَل الْعَفْوِ، قَالَهُ الإِْمَامُ.
وَمِنَ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الْبَلْغَمُ إِذَا كَثُرَ وَالْمَاءُ الَّذِي يَسِيل مِنْ فَمِ النَّائِمِ إِذَا ابْتُلِيَ بِهِ وَنَحْوُهُ، وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ الدَّائِمُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَسَلَسُ الْبَوْل، وَكَذَا أَوَانِي الْفَخَّارِ الْمَعْمُولَةِ بِالزِّبْل لاَ تَطْهُرُ، وَقَدْ سُئِل الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ، فَقَال: إِذَا ضَاقَ الأَْمْرُ اتَّسَعَ.
الثَّانِي: مَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ، وَهُوَ دَمُ الأَْجْنَبِيِّ إِذَا انْفَصَل عَنْهُ ثُمَّ أَصَابَهُ مِنْ آدَمِيٍّأَوْ بَهِيمَةٍ سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فِي الأَْصَحِّ دُونَ كَثِيرِهِ قَطْعًا، وَكَذَلِكَ طِينُ الشَّوَارِعِ الْمُتَيَقَّنُ بِنَجَاسَتِهَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ دُونَ كَثِيرِهِ.
وَالْقَلِيل مَا يَتَعَذَّرُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْمُتَغَيِّرُ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي لاَ نَفْسَ لَهَا سَائِلَةً لاَ يُعْفَى عَنِ التَّغَيُّرِ الْكَثِيرِ فِي الأَْصَحِّ.
الثَّالِثُ: مَا يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ دُونَ عَيْنِهِ وَهُوَ أَثَرُ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الاِسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَكَذَلِكَ بَقَاءُ رِيحِ النَّجَاسَةِ أَوْ لَوْنُهَا إِذَا عَسُرَ زَوَالُهُ.
الرَّابِعُ: مَا لاَ يُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ وَلاَ عَيْنِهِ وَلاَ قَلِيلِهِ وَلاَ كَثِيرِهِ وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ. (22)
8 - وَقَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ النَّجَاسَاتِ بِاعْتِبَارِ الْعَفْوِ عَنْهَا إِذَا حَلَّتْ فِي الْمَاءِ أَوِ الثَّوْبِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

الْقِسْمُ الأَْوَّل: يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَذَلِكَ فِي عِشْرِينَ صُورَةً:
مَا لاَ يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، وَالْمَيْتَةُ الَّتِي لاَ دَمَ لَهَا كَالدُّودِ وَالْخُنْفُسَاءِ أَصْلاً أَوْ لَهَا دَمٌ وَلَكِنَّهُ لاَ يَسِيل كَالْوَزَغِ، وَغُبَارُ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ، وَقَلِيل دُخَانِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ أَوْقَدَ نَجَاسَةً تَحْتَ الْمَاءِ، وَاتَّصَل بِهِ قَلِيل دُخَانٍ لَمْ يَنْجُسْ، وَقَلِيل الشَّعْرِ، وَقَلِيل الرِّيشِ النَّجِسِ لَهُ حُكْمُ الشَّعْرِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلاَمُهُمْ إِلاَّ أَنَّ أَجَزَاءَ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُل وَاحِدَةٍ مِنْهَا حُكْمُ الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالْهِرَّةُ إِذَا وَلَغَتْ بَعْدَ أَكْلِهَا فَأْرَةً، وَأَلْحَقَ الْمُتَوَلِّي السَّبُعَ بِالْهِرَّةِ وَخَالَفَهُ الْغَزَالِيُّ لاِنْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ لِعَدَمِ الاِخْتِلاَطِ، وَمَا اتَّصَل بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْوَاهِ الصِّبْيَانِ مَعَ تَحَقُّقِ نَجَاسَتِهَا، خَرَّجَهُ ابْنُ الصَّلاَحِ، وَأَفْوَاهُ الْمَجَانِينِ كَالصِّبْيَانِ، وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ طَيْرٌ عَلَى مَنْفَذِهِ نَجَاسَةٌ يَتَعَذَّرُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ وَلاَ يَصِحُّ التَّعْلِيل بِانْكِمَاشِهِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّا لَوْ تَحَقَّقْنَا وُصُول الْمَاءِ إِلَى مَنْفَذِ الطَّيْرِ وَعَلَيْهِ ذَرْقٌ عُفِيَ عَنْهُ، وَإِذَا نَزَل الطَّائِرُ فِي الْمَاءِ وَغَاصَ وَذَرَقَ فِيهِ عُفِيَ عَنْهُ لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ طَرَفُ الْمَاءِ الَّذِي لاَ يَنْفَكُّ عَنْهُ، وَيَدُل لَهُ مَا ذُكِرَ فِي السَّمَكِ عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَوْ جَعَل سَمَكًا فِي حُبٍّ مَا ثُمَّ مَعْلُومٌ أَنَّهُ يَبُول فِيهِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ نَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لأَِنَّ الاِحْتِرَازَ عَنْهُ لاَ يُمْكِنُ، وَحَكَى الْعِجْلِيُّ عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ وُقُوعَ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ الْمَنْفَذِ فِي الْمَاءِ يُنَجِّسُهُ، وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِ عَدَمُ التَّنْجِيسِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّهُ ﷺ أَمَرَ بِمَقْل الذُّبَابِ (23) .
وَإِذَا شَرِبَ مِنَ الْمَاءِ طَائِرٌ عَلَى فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تَتَخَلَّل غَيْبَتُهُ فَيَنْبَغِي إِلْحَاقُهُ بِالْمَنْفَذِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِهِ عَنْهُ، وَوَيْنَمُ الذُّبَابِ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لاَ يُنَجِّسُهُ لِعُسْرِ صَوْنِهِ، وَمِثْلُهُ بَوْل الْخُفَّاشِ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيل أَوِ الْمَائِعِ، وَغُسَالَةُ النَّجَاسَةِ إِذَا انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَلاَ زَائِدَةِ الْوَزْنِ فَإِنَّهَا تَكُونُ طَاهِرَةً مَعَ أَنَّهَا لاَقَتْ نَجِسًا.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْمَاءِ دُونَ الثَّوْبِ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لاَ دَمَ لَهَا سَائِلٌ وَخَرْءِ السَّمَكِ وَمَنْفَذِ الطَّائِرِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْمَاءِ وَهُوَ الدَّمُ الْيَسِيرُ مِنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ إِلاَّ دَمَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ طِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ، فَلَوْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ وَعَلَيْهَا قَلِيل دَمِ بُرْغُوثٍ أَوْ قَمْلٍ أَوْ غَمَسَ فِيهِ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بُرْغُوثٍ تَنَجَّسَ. وَفَرَّقَ الْعِمْرَانِيُّ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْمَاءِ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ الثِّيَابَ لاَ يُمْكِنُ صَوْنُهَا عَنِ النَّجَاسَةِ بِخِلاَفِ الأَْوَانِي فَإِنَّ صَوْنَهَا مُمْكِنٌ بِالتَّغْطِيَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ غَسْل الثِّيَابِ كُل وَقْتٍ يَقْطَعُهَا فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ الَّتِي يُمْكِنُ وُقُوعُهَا فِيهَا بِخِلاَفِ الْمَاءِ وَمِنْ ذَلِكَ الثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ دَمُ بُرْغُوثٍيُصَلِّي فِيهِ وَلَوْ وَضَعَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ يُنَجِّسُهُ فَيَحْتَاجُ الَّذِي يَغْسِلُهُ أَنْ يُطَهِّرَهُ بَعْدَ الْغَسْل فِي ذَلِكَ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ مَا عَلَى مَحَل الاِسْتِنْجَاءِ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ حَتَّى لَوْ سَال بِعَرَقٍ وَنَحْوِهِ وَوَقَعَ فِي الثَّوْبِ عُفِيَ عَنْهُ فِي الأَْصَحِّ، وَلَوِ اتَّصَل بِالْمَاءِ نَجَّسَهُ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا لاَ يُعْفَى عَنْهُ فِيهِمَا وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا أَدْرَكَهُ الطَّرْفُ مِنْ سَائِرِ الأَْبْوَال وَالأَْرْوَاثِ وَغَيْرِهَا مِنَ النَّجَاسَاتِ. (24)

رَابِعًا: مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ
9 - الأَْصْل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ أَوْ لاَ يُدْرِكُهُ كَالَّذِي يَعْلَقُ بِأَرْجُل الذُّبَابِ وَالْبَقِّ وَمَا أَشْبَهَهُ، (25) لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ، (26) وَقَوْل ابْنِ عُمَرَ ﵄ " أُمِرْنَا أَنْ نَغْسِل الأَْنْجَاسَ سَبْعًا "، (27) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْدِلَّةِ.
إِلاَّ أَنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا عَنْ هَذَا الأَْصْل بَعْضَ النَّجَاسَاتِ وَصَرَّحُوا بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهَا (28) مِنْهَا: 10 - الدَّمُ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ فِي الصَّلاَةِ دُونَ الْمَائِعَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ فَإِنَّ الإِْنْسَانَ غَالِبًا لاَ يَسْلَمُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْل جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِقَوْل عَائِشَةَ ﵄: " مَا كَانَ لإِِحْدَانَا إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفُرِهَا "، (29) وَهَذَا يَدُل عَلَى الْعَفْوِ عَنْهُ لأَِنَّ الرِّيقَ لاَ يُطَهِّرُ وَيَتَنَجَّسُ بِهِ ظُفُرُهَا وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ دَوَامِ الْفِعْل، وَمِثْلُهُ لاَ يَخْفَى عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فَلاَ يَصْدُرُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِهِ، وَلأَِنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَأَثَرِ الاِسْتِجْمَارِ (30) وَيُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُصَلٍّ بِأَنْ أَصَابَتِ الْمُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مِنْهُ. (31)
وَقِيل: لاَ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ، (32) وَالْيَسِيرُ: الَّذِي لَمْ يَنْقُضِ الْوُضُوءَ، وَالْكَثِيرُ: مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ.
وَالدَّمُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مَا كَانَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ لاَ الْكَلْبَ وَلاَ الْخِنْزِيرَ (33) . 11 - مَا تَوَلَّدَ مِنَ الدَّمِ مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنْهُمَا أَوْلَى لاِخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَتِهِمَا، وَلِذَلِكَ قَال أَحَمْدُ: هُوَ أَسْهَل مِنَ الدَّمِ فَعَلَى هَذَا يُعْفَى مِنْهُ عَنْ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْفَى عَنْ مِثْلِهِ فِي الدَّمِ، لأَِنَّ هَذَا لاَ نَصَّ فِيهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ لاِسْتِحَالَتِهِ مِنَ الدَّمِ، وَلأَِحْمَدَ قَوْلٌ بِطَهَارَةِ قَيْحٍ وَمِدَّةٍ وَصَدِيدٍ. (34)
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ صَدِيدٍ خَرَجَ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ لأَِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْبَوْل وَالْغَائِطِ، وَفِي وَجْهٍ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ. (35)
12 - وَيُعْفَى أَثَرُ الاِسْتِجْمَارِ بِمَحَلِّهِ، بَعْدَ الإِْنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ بِلاَ خِلاَفٍ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَعَدَّى مَحَلَّهُ إِلَى الثَّوْبِ أَوِ الْبَدَنِ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ. (36)
13 - وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ سَلَسِ بَوْلٍ بَعْدَ كَمَال التَّحَفُّظِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ. (37)
14 - وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَبُخَارِهَا وَغُبَارِهَا مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ صِفَةٌ فِي الشَّيْءِ الطَّاهِرِ، لأَِنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَقَال جَمَاعَةٌ: مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ.
15 - وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ مَاءٍ تَنَجَّسَ بِشَيْءٍ مَعْفُوٍّ عَنْ يَسِيرِهِ كَدَمٍ وَقَيْحٍ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتَيْهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَعَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ، وَأَطْلَقَ الْمُنَقِّحُ فِي التَّنْقِيحِ الْقَوْل عَنِ ابْنِ حَمْدَانَ بِالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ. (38)
16 - وَيُعْفَى عَنْ مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ نَجَاسَةٍ فَلاَ يَجِبُ غَسْلُهَا لِلتَّضَرُّرِ بِهِ وَكَذَا يُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ دَاخِل أُذُنٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّضَرُّرِ أَيْضًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَمَا قَال الرَّحِيبَانِيُّ. (39)
17 - وَيُعْفَى عَنْ حَمْل كَثِيرِ النَّجَاسَةِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ لِلضَّرُورَةِ. (40)
18 - وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ طِينِ شَارِعٍ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَمِثْلُهُ تُرَابٌ، قَال فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ هَبَّتْ رِيحٌ فَأَصَابَ شَيْئًا رَطْبًا غُبَارٌ نَجِسٌ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، (41) وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ مَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ عُفِيَ عَنْ أَثَرِ كَثِيرِهِ عَلَى جِسْمٍ صَقِيلٍ بَعْدَ مَسْحٍ، لأَِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْمَسْحِ يَسِيرٌ وَإِنْ كَثُرَ مَحَلُّهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ غَيْرِهِ. (42)
وَقَالُوا: يُضَمُّ نَجَسٌ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ مُتَفَرِّقٌ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ بُقَعٌ مِنْ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ صَدِيدٍ فَإِنْ صَارَ بِالضَّمِّ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ الصَّلاَةُ فِيهِ وَإِلاَّ عُفِيَ عَنْهُ، وَلاَ يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ بَل يُعْتَبَرُ كُل ثَوْبٍ عَلَى حِدَتِهِ. (43)
وَالْمُرَادُ بِالْعَفْوِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلاَةَ تَصِحُّ مَعَهُ مَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ هَذَا الْيَسِيرُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ. (44)

أَعْيَانُ الْمَعْفُوَّاتِ مِنَ الأَْنْجَاسِ:
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسَائِل الْعَفْوِ عَنِ النَّجَاسَاتِ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي ضَوَابِطِ الْعَفْوِ عَنِ النَّجَاسَاتِ وَتَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي التَّقْدِيرَاتِ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ.
وَلِمَعْرِفَةِ أَعْيَانِ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَمَوْقِفِ الْفُقَهَاءِ تُجَاهَ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهَا يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (نَجَاسَةٌ، عَفْوٌ ف 7 - 11) .

الْمَعْفُوَّاتُ فِي الصَّلاَةِ
20 - سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاَةِ فَلاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ إِلاَّ بِسَتْرِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى بُطْلاَنِ صَلاَةِ مَنْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ فِيهَا قَصْدًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا انْكَشَفَتْ بِلاَ قَصْدٍ وَفِي الْمِقْدَارِ الْمَعْفُوِّ عَنِ انْكِشَافِهِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (مُصْطَلَحِ: صَلاَةٌ ف 120) .
الْمَعْفُوَّاتُ فِي الزَّكَاةِ
21 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَكَاةِ أَوْقَاصِ السَّائِمَةِ وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (مُصْطَلَحِ: أَوْقَاصٌ ف 7 - 9) .
وَأَمَّا سَائِرُ الأَْمْوَال الزَّكَوِيَّةِ كَالنَّقْدَيْنِ فَلاَ يَجْرِي الْعَفْوُ فِيهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ عَفْوٌ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ خُمُسَ نِصَابٍ، ثُمَّ كُل مَا زَادَ عَلَى الْخُمُسِ عَفْوٌ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ خُمُسًا آخَرَ.
وَالتَّفْصِيل فِي (زَكَاةٌ ف 72، وَعَفْوٌ ف 12) .
__________
(1) لسان العرب، والمغرب.
(2) الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 100.
(3) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1 / 78، والخرشي 1 / 113، 114، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي عليه 1 / 79.
(4) الذخيرة للقرافي 1 / 196 - 197 ط. دار الغرب الإسلامي.
(5) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 82.
(6) الفتاوى الهندية 1 / 45.
(7) مراقي الفلاح ص 84.
(8) حاشية ابن عابدين 1 / 211.
(9) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 84، وانظر حاشية ابن عابدين 1 / 210.
(10) غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر 1 / 107 ط. باكستان.
(11) مراقي الفلاح ص 84.
(12) الفتاوى الهندية 1 / 46.
(13) تبيين الحقائق 1 / 73 - 74.
(14) حاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق 1 / 74.
(15) مراقي الفلاح ص 82.
(16) حاشية ابن عابدين 1 / 214.
(17) حاشية ابن عابدين 1 / 213.
(18) عقد الجواهر الثمينة 1 / 19 ط. دار الغرب الإسلامي.
(19) المرجع نفسه 1 / 20 - 21.
(20) المرجع نفسه 1 / 21.
(21) المرجع نفسه 1 / 22.
(22) المنثور في القواعد للزركشي 3 / 264 - 266.
(23) حديث: " أمر النبي ﷺ بمقل الذباب. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 250) من حديث أبي هريرة.
(24) المنثور في القواعد للزركشي 3 / 266 - 268.
(25) المستوعب 1 / 342 نشر مكتبة المعارف - الرياض.
(26) سورة المدثر / 4.
(27) أثر ابن عمر " أمرنا بغسل الأنجاس سبعًا ". أورده ابن قدامة في المغني (1 / 54) ولم يعزه إلى أي مصدر، ولم نهتد لمن أخرجه.
(28) مطالب أولي النهى 1 / 235.
(29) حديث عائشة: " ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 412 ط. السلفية) .
(30) المبدع 1 / 246.
(31) شرح منتهى الإرادات 1 / 102 والإنصاف 1 / 325 وما بعدها.
(32) المبدع 1 / 247.
(33) المرجع نفسه.
(34) المبدع 1 / 248، والمغني 2 / 80.
(35) شرح منتهى الإرادات 1 / 103، ومطالب أولي النهى 1 / 235، والإنصاف 1 / 326.
(36) شرح منتهى الإرادات 1 / 103، وكشاف القناع 1 / 192، ومطالب أولي النهى 1 / 235.
(37) شرح منتهى الإرادات 1 / 103، ومطالب أولي النهى 1 / 236.
(38) شرح منتهى الإرادات 1 / 103، ومطالب أولي النهى 1 / 236.
(39) شرح منتهى الإرادات 1 / 103، ومطالب أولي النهى 1 / 236 - 237.
(40) مطالب أولي النهى 1 / 237.
(41) مطالب أولي النهى 1 / 237.
(42) مطالب أولي النهى 1 / 235.
(43) شرح منتهى الإرادات 1 / 103.
(44) المستوعب 1 / 342، وانظر كشاف القناع 1 / 190.

الموسوعة الفقهية الكويتية: 218/ 38