البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْعَرَبُونُ بِفَتْحَتَيْنِ كَحَلَزُونٍ، وَالْعُرْبُونُ وِزَانُ عُصْفُورٍ، لُغَةٌ فِيهِ. وَالْعُرْبَانُ بِالضَّمِّ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ (1) ، بِوَزْنِ الْقُرْبَانِ (2) . وَأَمَّا الْفَتْحُ مَعَ الإِْسْكَانِ فَلَحْنٌ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ (3) .
وَهُوَ مُعَرَّبٌ (4) . وَفَسَّرُوهُ لُغَةً: بِمَا عُقِدَ بِهِ الْبَيْعُ (5) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ، وَيَدْفَعَ إِلَى الْبَائِعِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ، عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَخَذَ السِّلْعَةَ، احْتَسَبَ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَهُوَ لِلْبَائِعِ (6) . الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - وَالْفُقَهَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ:
(7) فَجُمْهُورُهُمْ، مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ وَالْحَسَنِ كَمَا يَقُول ابْنُ قُدَامَةَ، وَذَلِكَ: لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَال: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ (8)
وَلأَِنَّهُ مِنْ أَكْل أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِل، وَفِيهِ غَرَرٌ (9) ، وَلأَِنَّ فِيهِ شَرْطَيْنِ مُفْسِدَيْنِ: شَرْطَ الْهِبَةِ لِلْعُرْبُونِ، وَشَرْطَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِتَقْدِيرِ أَنْ لاَ يَرْضَى (10) .
وَلأَِنَّهُ شَرَطَ لِلْبَائِعِ شَيْئًا بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَهُ لأَِجْنَبِيٍّ (11) .
وَلأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخِيَارِ الْمَجْهُول، فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ رَدَّ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مُدَّةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَال: وَلِي الْخِيَارُ، مَتَى شِئْتُ رَدَدْتُ السِّلْعَةَ، وَمَعَهَا دِرْهَمٌ (12) . 3 - (13) وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ جَوَازُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الْبُيُوعِ.
وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الأَْئِمَّةُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، هُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنْ قَالُوا: وَإِنَّمَا صَارَ أَحْمَدُ فِيهِ إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ، وَإِلاَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، قَال الأَْثْرَمُ: قُلْتُ لأَِحْمَدَ: تَذْهَبُ إِلَيْهِ؟ قَال: أَيَّ شَيْءٍ أَقُول؟ هَذَا عُمَرُ ﵁.
وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِي النَّهْيِ عَنْهُ (14) . لَكِنْ قَرَّرَ الشَّوْكَانِيُّ أَرْجَحِيَّةَ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ؛ لأَِنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلأَِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحَظْرَ، وَهُوَ أَرْجَحُ مِنَ الإِْبَاحَةِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأُْصُول (15) .
مِنْ أَهَمِّ الأَْحْكَامِ فِي بَيْعِ الْعُرْبُونِ:
4 - أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِنْ أَعْطَى الْعُرْبُونَ عَلَى أَنَّهُ: إِنْ كَرِهَ الْبَيْعَ، أَخَذَهُ وَاسْتَرَدَّهُ، وَإِلاَّ حَاسَبَ بِهِ، جَازَ كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ (16) .
5 - وَأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يُفْسَخُ عِنْدَهُمْ، فَإِنْ فَاتَ (أَيْ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ) أَمْضَى الْبَيْعَ بِالْقِيمَةِ (17) . 6 - إِنْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إِلَى الْبَائِعِ دِرْهَمًا، وَقَال: لاَ تَبِعْ هَذِهِ السِّلْعَةَ لِغَيْرِي، وَإِنْ لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْكَ فَهَذَا الدِّرْهَمُ لَكَ:
أفَإِنِ اشْتَرَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ، وَاحْتَسَبَ الدِّرْهَمَ مِنَ الثَّمَنِ صَحَّ؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ خَلاَ عَنِ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ.
وَيَحْتَمِل أَنَّ شِرَاءَ دَارِ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الَّذِي وَقَعَ لِعُمَرَ، كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَيُحْمَل عَلَيْهِ، جَمْعًا بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ وَالأَْئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِفَسَادِ بَيْعِ الْعُرْبُونِ.
ب - وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ السِّلْعَةَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ الْبَائِعُ الدِّرْهَمَ، لأَِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلِصَاحِبِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ.
وَلاَ يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا عَنِ انْتِظَارِهِ، وَتَأَخُّرِ بَيْعِهِ مِنْ أَجْلِهِ، لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ، لَمَا جَازَ جَعْلُهُ مِنَ الثَّمَنِ فِي حَال الشِّرَاءِ، وَلأَِنَّ الاِنْتِظَارَ بِالْبَيْعِ لاَ تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ، وَلَوْ جَازَتْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ، كَمَا فِي الإِْجَارَةِ (1) .
__________
(1) المصباح المنير مادة: " عرب "
(2) مختار الصحاح مادة: " عرب "
(3) حاشية القليوبي على شرح المحلي 2 / 186
(4) تحفة المحتاج 4 / 322
(5) القاموس المحيط مادة: " عربون " باب النون فصل العين. فنونه أصلية. كما نص عليه الفيومي
(6) الشرح الكبير في ذيل المغني 4 / 58، وانظر كشاف القناع 3 / 195، وقارن بالشرح الكبير للدردير 3 / 63، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 186، وتحفة المحتاج 4 / 322 وبالتعريف الذي في المصباح المنير في المادة المذكورة نفسها
(7)
(8) حديث: " نهى عن بيع العربان. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 768 ط عزت عبيد دعاس) . وضعفه ابن حجر في التلخيص (3 / 17 شركة الطباعة الفنية)
(9) شرح الخرشي بحاشية العدوي عليه 5 / 78
(10) شرح المنهج وحاشية الجمل عليه 3 / 72، وتحفة المحتاج 4 / 322، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 186، وانظر نيل الأوطار 5 / 154
(11) الشرح الكبير في ذيل المغني 4 / 58
(12) المرجع السابق 4 / 58، 59
(13)
(14) المرجع السابق 4 / 59
(15) نيل الأوطار 5 / 153 و 154
(16) الشرح الكبير للدردير 3 / 63، وانظر القوانين الفقهية ص 171
(17) الشرح الكبير للدردير 3 / 63
الموسوعة الفقهية الكويتية: 93/ 9