القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
ذَهَابُ مَعَالِمِ الشَّيْءِ، وبَقَاءُ أَثَرِهِ فَقَطْ . كجعل المدرسة مأوى للعجزة بعد اندراس بعض صفوفها، وقاعاتها .مشروعية بناء المسجد على ما اندرس من قبور الكفار .
ذَهَابُ مَعَالِمِ الشَّيْءِ، وبَقَاءُ أَثَرِهِ فَقَطْ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِنْدِرَاسُ: مَصْدَرُ انْدَرَسَ، وَأَصْل الْفِعْل دَرَسَ، يُقَال: دَرَسَ الشَّيْءُ، وَانْدَرَسَ أَيْ: عَفَا وَخَفِيَتْ آثَارُهُ، وَمِثْلُهُ الاِنْمِحَاءُ بِمَعْنَى ذَهَابِ الأَْثَرِ. (1)
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ هَذَا، حَيْثُ يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ فِي ذَهَابِ مَعَالِمِ الشَّيْءِ وَبَقَاءِ أَثَرِهِ فَقَطْ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الإِْزَالَةُ - وَالزَّوَال:
2 - الإِْزَالَةُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَزَلْتُهُ إِذَا نَحَّيْتُهُ فَزَال.
وَمِنْ مَعَانِي الزَّوَال الْهَلاَكُ وَالاِنْتِهَاءُ. تَقُول: زَال مِلْكُ فُلاَنٍ إِذَا انْتَهَى، وَلاَ يَكُونُ الزَّوَال إِلاَّ بَعْدَ الاِسْتِقْرَارِ وَالثُّبُوتِ، فَالزَّوَال عَلَى هَذَا يَشْتَرِكُ مَعَ الاِنْدِرَاسِ فِي الاِنْتِهَاءِ، (2) وَإِنْ كَانَ يَفْتَرِقُ عَنْهُ، فَيُطْلَقُ عَلَى تَنْحِيَةِ الشَّيْءِ مِنْ مَكَان إِلَى آخَرَ مَعَ بَقَاءِ ذَاتِهِ. وَلاَ يَخْرُجُ الاِسْتِعْمَال الْفِقْهِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي (3) . الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
لِلاِنْدِرَاسِ أَحْكَامٌ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَوْضُوعِهِ:
أ - انْدِرَاسُ الْمَسَاجِدِ:
3 - الْكَلاَمُ عَنِ الاِنْدِرَاسِ فِي الْمَسْجِدِ يَتَنَاوَل مَا إِذَا اسْتَغْنَى النَّاسُ عَنِ الْمَسْجِدِ بِأَنْ يَخْلُوَ عَنِ الْمُصَلِّينَ فِي الْمَحَلَّةِ، أَوْ أَنْ يَخْرَبَ بِحَيْثُ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَرْجُوحَةُ عَنْ أَحْمَدَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَبْقَى مَسْجِدًا، وَلاَ يُبَاحُ وَلاَ يَرْجِعُ إِلَى الْوَاقِفِ، بَل يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّهُ يَعُودُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الرَّاجِحَةِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ لإِِصْلاَحِ بَاقِيهِ، إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الاِنْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِيعَ جَمِيعُهُ، وَوُضِعَ ثَمَنُهُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ.
وَهَذَا الْحُكْمُ فِي بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ، أَمَّا أَنْقَاضُهُ فَتُنْقَل إِلَى أَقْرَبِ مَسْجِدٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا تُوضَعُ فِي مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ أَمَاكِنِ الْخَيْرَاتِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ بَيْعُهَا وَوَضْعُ ثَمَنِهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. (4)
ب - انْدِرَاسُ الْوَقْفِ:
4 - مَعْنَى انْدِرَاسِ الْوَقْفِ أَنَّهُ أَصْبَحَ بِحَالَةٍ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِأَلاَّ يَحْصُل مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلاً، أَوْ لاَ يَفِي بِمَئُونَتِهِ، كَأَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إِذَا تَعَطَّلَتْ وَتَعَذَّرَ اسْتِغْلاَلُهَا. فِي هَذِهِ الصُّورَةِ جَوَّزَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ الاِسْتِبْدَال عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَرَأْيِهِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ أَجَازَ جُمْهُورُهُمُ اسْتِبْدَال الْوَقْفِ الْمَنْقُول فَقَطْ إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ. قَال الْخَرَشِيُّ: إِنَّ الْمَوْقُوفَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَقَارًا - إِذَا صَارَ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي وُقِفَ فِيهِ كَالثَّوْبِ يَخْلَقُ، وَالْفَرَسِ يَمْرَضُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى مِثْلُهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ.
وَأَمَّا الْعَقَارُ فَقَدْ مَنَعَ الْمَالِكِيَّةُ اسْتِبْدَالَهُ مَعَ شَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيل.
فَفِي الْمَسَاجِدِ: أَجْمَعَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهَا.
وَفِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ إِذَا كَانَتْ قَائِمَةَ الْمَنْفَعَةِ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَاسْتَثْنَوْا تَوْسِيعَ الْمَسْجِدِ أَوِ الْمَقْبَرَةِ أَوِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَأَجَازُوا بَيْعَهُ، لأَِنَّ هَذَا مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِلأُْمَّةِ، وَإذَا لَمْ تُبَعِ الأَْحْبَاسُ لأَِجْلِهَا تَعَطَّلَتْ، وَأَصَابَ النَّاسَ ضِيقٌ، وَمِنَ الْوَاجِبِ التَّيْسِيرُ عَلَى النَّاسِ فِي عِبَادَتِهِمْ وَسَيْرِهِمْ وَدَفْنِ مَوْتَاهُمْ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ شَدَّدُوا كَثِيرًا فِي اسْتِبْدَال الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ، حَتَّى أَوْشَكُوا أَنْ يَمْنَعُوهُ مُطْلَقًا خَشْيَةَ ضَيَاعِ الْوَقْفِ أَوِ التَّفْرِيطِ فِيهِ.
قَال النَّوَوِيُّ: وَالأَْصَحُّ جَوَازُ بَيْعِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ إِذَا بَلِيَتْ، وَجُذُوعِهِ إِذَا انْكَسَرَتْ، وَلَمْ تَصْلُحْ إِلاَّ لِلإِْحْرَاقِ. وَلَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ وَتَعَذَّرَ إِعَادَتُهُ لَمْ يُبَعْ بِحَالٍ، وَتُصْرَفُ غَلَّةُ وَقْفِهِ إِلَى أَقْرَبِ الْمَسَاجِدِإِلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّ الْمَسْجِدَ الْمُنْهَدِمَ لاَ يُنْقَضُ إِلاَّ إِذَا خِيفَ عَلَى نَقْضِهِ، فَيُنْقَضُ وَيُحْفَظُ أَوْ يُعَمَّرُ بِهِ مَسْجِدٌ آخَرُ إِنْ رَآهُ الْحَاكِمُ، وَالأَْقْرَبُ إِلَيْهِ أَوْلَى، وَلاَ يُصْرَفُ نَقْضُهُ لِنَحْوِ بِئْرٍ وَقَنْطَرَةٍ وَرِبَاطٍ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلاَ تُبْتَاعُ وَلاَ تُوهَبُ وَلاَ تُورَثُ. (5)
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ فِي جَوَازِ الاِسْتِبْدَال وَعَدَمِهِ، وَأَخَذُوا حُكْمَ الْعَقَارِ مِنْ حُكْمِ الْمَنْقُول، فَكَمَا أَنَّ الْفَرَسَ الْحَبِيسَةَ عَلَى الْغَزْوِ إِذَا كَبِرَتْ وَلَمْ تَصْلُحْ لِلْغَزْوِ، وَصَلُحَتْ لِشَيْءٍ آخَرَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، فَكَذَلِكَ يُقَاسُ الْمَنْقُول الآْخَرُ وَغَيْرُ الْمَنْقُول عَلَيْهَا. فَبَيْعُ الْمَسْجِدِ لِلْحَنَابِلَةِ لَهُمْ فِيهِ رِوَايَتَانِ:
الرِّوَايَةُ الأُْولَى: يَجُوزُ بَيْعُ الْمَسْجِدِ إِذَا صَارَ الْمَسْجِدُ غَيْرَ صَالِحٍ لِلْغَايَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، كَأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ، أَوْ خَرِبَتِ النَّاحِيَةُ، وَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي إِنْشَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَكَانٍ آخَرَ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنَّ الْوَقْفَ إِذَا خَرِبَ وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ، كَدَارٍ انْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضٍ خَرِبَتْ وَعَادَتْ مَوَاتًا وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهَا، أَوْ مَسْجِدٍ انْتَقَل أَهْل الْقَرْيَةِ عَنْهُ وَصَارَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُصَلَّى فِيهِ، أَوْ ضَاقَ بِأَهْلِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَوْسِيعُهُ فِي مَوْضِعِهِ، أَوْ تَشَعَّبَ جَمِيعُهُ، وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهُ، وَلاَ عِمَارَةُ بَعْضِهِ إِلاَّ بِبَيْعِ بَعْضِهِ، جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِتُعَمَّرَ بِهِ بَقِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الاِنْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِيعَ جَمِيعُهُ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَسَاجِدِ. رَوَى عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ الْمَسَاجِدَ لاَ تُبَاعُ وَإِنَّمَا تُنْقَل آلَتُهَا. وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ الرِّوَايَةَ الأُْولَى. (6)
ج - انْدِرَاسُ قُبُورِ الْمَوْتَى:
5 - ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ إِذَا بَلِيَ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ نَبْشُ قَبْرِهِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، أَمَّا إِذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ عِظَامِهِ - غَيْرَ عَجْبِ الذَّنَبِ - فَلاَ يَجُوزُ نَبْشُهُ وَلاَ الدَّفْنُ فِيهِ لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَيَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْل الْخِبْرَةِ.
إِلاَّ أَنَّ صَاحِبَ التَّتَارْخَانِيَّةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَرَى أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا صَارَ تُرَابًا فِي الْقَبْرِ يُكْرَهُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ؛ لأَِنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ مُعَقِّبًا عَلَى هَذَا: لَكِنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً عَظِيمَةً، فَالأَْوْلَى إِنَاطَةُ الْجَوَازِ بِالْبِلَى، إِذْ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ لِكُل مَيِّتٍ قَبْرٌ لاَ يُدْفَنُ فِيهِ غَيْرُهُ وَإِنْ صَارَ الأَْوَّل تُرَابًا لاَ سِيَّمَا فِي الأَْمْصَارِ الْكَبِيرَةِ الْجَامِعَةِ، وَإِلاَّ لَزِمَ أَنْ تَعُمَّ الْقُبُورُ السَّهْل وَالْوَعِرَ.
عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الْحَفْرِ إِلَى أَلاَّ يَبْقَى عَظْمٌ عَسِرٌ جِدًّا، وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لِبَعْضِ النَّاسِ، لَكِنَّ الْكَلاَمَ فِي جَعْلِهِ حُكْمًا عَامًّا لِكُل أَحَدٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْحَرْثِ وَالزِّرَاعَةِ وَالْبِنَاءِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُنْدَرِسَةِ، فَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَلَمْ نَعْثُرْ عَلَى نَصٍّ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ فَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ نَبْشِهَا، لِيُتَّخَذَ مَكَانُهَا مَسْجِدًا؛ لأَِنَّ مَوْضِعَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ كَانَ قُبُورًا لِلْمُشْرِكِينَ. (7) إِحْيَاءُ الْمُنْدَرِسِ
6 - سَبَقَ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ - مِنْ أَبْحَاثِ الْمَوْسُوعَةِ - أَنَّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى، انْدَرَسَتْ، فَهَل تَصِيرُ مَوَاتًا إِذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ مَلَكَهَا، أَوْ تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الأَْوَّل؟
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا تَبْقَى عَلَى مِلْكِ الأَْوَّل، وَلاَ يَمْلِكُهَا الثَّانِي بِالإِْحْيَاءِ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً لَيْسَتْ لأَِحَدٍ فَهِيَ لَهُ. (8) وَلأَِنَّ هَذِهِ أَرْضٌ يُعْرَفُ مَالِكُهَا فَلَمْ تُمْلَكْ بِالإِْحْيَاءِ، كَاَلَّتِي مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ عَطِيَّةٍ. وَفِي قَوْلٍ ثَانٍ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الثَّانِيَ يَمْلِكُهَا، قِيَاسًا عَلَى الصَّيْدِ، إِذَا أَفْلَتَ وَلَحِقَ بِالْوَحْشِ وَطَال زَمَانُهُ، فَهُوَ لِلثَّانِي. وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الأَْوَّل أَحْيَاهُ أَوِ اخْتَطَّهُ أَوِ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ كَانَ الأَْوَّل أَحْيَاهُ كَانَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الأَْوَّل اخْتَطَّهُ أَوِ اشْتَرَاهُ كَانَ الأَْوَّل أَحَقَّ بِهِ. (9)
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير - مادة (درس) و (محو) .
(2) تاج العروس والمصباح المنير مادة: (زول) .
(3) قليوبي 4 / 138 ط عيسى الحلبي، والفروق للعسكري ص 140.
(4) ابن عابدين 3 / 371، ونهاية المحتاج 5 / 392، والحطاب 6 / 42، والشرح الصغير 4 / 125، والمغني 5 / 575.
(5) حديث " لا يباع أصلها. . . " أخرجه البخاري (5 / 392 - ط السلفية ومسلم (3 / 1255 - ط الحلبي) .
(6) ابن عابدين 3 / 535، والبحر الرائق 5 / 239، 240، وأنفع الوسائل ص 109 - 110، الخرشي 7 / 94 - 95، والدسوقي 4 / 92، ومغني المحتاج 2 / 292، والجمل 3 / 590، والمغني مع الشرح 6 / 225، وما بعدها.
(7) ابن عابدين 1 / 199، والدسوقي 1 / 428، ومغني المحتاج 1 / 362، والجمل 2 / 201، وأسنى المطالب 1 / 331، وكشاف القناع 2 / 144.
(8) حديث: " من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق " أخرجه أبو داود (3 / 454 - ط عزت عبيد دعاس) . وقال ابن حجر بعد أن ذكر طرق الحديث: وفي أسانيدها مقال، لكن يقوي بعضها ببعض. (الفتح 5 / 19 - السلفية) .
(9) الفتاوى الهندية 5 / 386، وقليوبي وعميرة 3 / 88ط الحلبي، والمغني 5 / 564 ط الرياض، وهامش الحطاب 6 / 3، والرهوني 7 / 97 دار الفكر.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 324/ 6
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".