الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
قَوْل القائل : "اللهم صلِّ على محمد "، أو نحوها مما يفيد سؤال الله تَعَالَى الصلاة والسلام عليه . ومن أمثلته حكم الصلاة على النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - مطلقاً، وفي الصلاة، وفي غيرها من المناسبات كيوم الجمعة . قال تَعَالَى : ﱫﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﱪ الأحزاب :٥٦، ومن شواهده عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه - أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ." البخاري :3369.
يَرِد مُصْطلَح (الصَّلاة على النَّبِيِّ) في الفقه في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ، منها: كِتابُ الصَّلاةِ، باب: آداب يوْمِ الجُمُعَةِ، وفي كِتاب النِّكاح، باب: آداب عَقْدِ النِّكاحِ، وغَيْرها من الأبواب. ويُطْلَقُ في كِتابِ الصَّلاةِ، باب: صِفَة الصَّلاةِ، ويُرادُ بِها الصَّلاةُ الإبْراهِيمِيَّةِ. ويرِد في عِلمِ العَقِيدَةِ فِي مواطِن كَثيرَةٍ، كَباب: تَوْحيد الأُلوهِيَّةِ، وباب: النُّبُوّات، وباب: الإيمان بِالرُّسُلِ، وغَيْر ذلك.
ثَناءُ اللهِ تعالى على النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلّم في المَلإ الأعلى عند الـمَلائِكَةِ الـمُقَرَّبِينَ.
الصَّلاةُ على النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم عِبادَةٌ عظِيمَةٌ، وهي تَكْرِيمٌ له وتَشْريفٌ من اللهِ تعالى، ومن صِيغِها: قَوْلُ: صلّى اللهُ عليه وسلّم، وأَقَلُّ ما يَكْفِي قَوْلُ: اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ، وأَفْضَلُها: الصَّلاةُ الإبراهِيمِيَّة، وهي قَوْلُ: اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ، وعلى آل مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ على آل إبْراهِيمَ إنّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بارِك على مُحَمَّدٍ وعلى آل مُحَمَّدٍ، كما بارَكْتَ على إِبْراهِيمَ، إنّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. ولها رواياتٌ أخرى، ومعنى اللَّهمَّ صَلِّ عليه، أيْ: أَثْنِ عليه في الـمَلأِ الأعْلَى، أي: عند الـمَلائِكَةِ الـمُقَرَّبِين.
قَوْل القائل: "اللهم صلِّ على محمد"، أو نحوها مما يفيد سؤال الله تَعَالَى الصلاة والسلام عليه.
* التعريفات للجرجاني : (ص 239)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 474)
* البديع في الصلاة على الشقيع : (ص 19) -
1 - الْمَقْصُودُ بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: الدُّعَاءُ لَهُ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَالتَّعْظِيمُ لأَِمْرِهِ. قَال الْقُرْطُبِيُّ: الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ مِنَ اللَّهِ:
رَحْمَتُهُ، وَرِضْوَانُهُ، وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلاَئِكَةِ، وَمِنَ الْمَلاَئِكَةِ: الدُّعَاءُ لَهُ وَالاِسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الأُْمَّةِ: الدُّعَاءُ لَهُ، وَالاِسْتِغْفَارُ، وَالتَّعْظِيمُ لأَِمْرِهِ (1) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ:
2 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، لِلأَْمْرِ بِهَا، قَال تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) قَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الآْيَةِ (3) : الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الآْيَةِ: أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَخْبَرَ عِبَادَهُ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ عِنْدَهُ فِي الْمَلأَِ الأَْعْلَى؛ بِأَنَّهُ يُثْنِي عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنَّ الْمَلاَئِكَةَ تُصَلِّي عَلَيْهِ. ثُمَّ أَمَرَ جَل شَأْنُهُ بِالصَّلاَةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ؛ لِيَجْتَمِعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْل الْعَالَمَيْنِ: السُّفْلِيِّ وَالْعُلْوِيِّ جَمِيعًا
، وَجَاءَتِ الأَْحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالأَْمْرِ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَكَيْفِيَّةِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ.
فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: قِيل لِرَسُول اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَمَّا السَّلاَمُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَال: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (4) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي مَوَاطِنَ، وَاسْتِحْبَابِهَا فِي مَوَاطِنَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَوَاطِنِ الْوُجُوبِ. 4 - فَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ سُنَّةٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقَالُوا: تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ ﷺ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً لِلأَْمْرِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (5) وَقَال الطَّحَاوِيُّ: تَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ ﷺ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ بِقَوْلِهِ ﷺ - فِي تَعْلِيمِ التَّشَهُّدِ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَلْفَاظَ التَّشَهُّدِ: إِذَا قُلْتَ هَذَا، أَوْ فَعَلْتَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ (6) .
وَقَالُوا: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَهْل الْمَدِينَةِ، وَأَهْل الْكُوفَةِ، وَجُمْلَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ.
أَمَّا الصَّلاَةُ عَلَيْهِ ﷺ فِي التَّشَهُّدِ الأَْوَّل فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ عِنْدَهُمْ، وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ (7) فَإِنْ أَتَى بِالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ عَامِدًا فِي التَّشَهُّدِ الأَْوَّل كُرِهَ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الإِْعَادَةُ. أَوْ سَاهِيًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَتَفْسُدُ صَلاَتُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ تَعَمَّدَ بِإِتْيَانِهَا (8) .
5 - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهَا تَجِبُ فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ مِنْ كُل صَلاَةٍ، وَبَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ، وَفِي خُطْبَتَيِ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَلاَ تَجِبُ خَارِجَ ذَلِكَ. وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ الصَّلاَةَ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (9) فَلَمْ يَكُنْ فَرْضُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ أَوْلَى مِنَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلاَةِ. وَوَجَدْنَا الدَّلاَلَةَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ بِمَا وَصَفْنَا؛ مِنْ أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَرْضٌ فِي الصَّلاَةِ، لاَ فِي خَارِجِهَا. فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - ﵁ - أَنَّهُ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ؛ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ يَعْنِي فِي الصَّلاَةِ.
فَقَال: تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَآل مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ تُسَلِّمُونَ عَلَيَّ (10) وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آل إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (11) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلاَةِ، لَمْ يَجُزْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ نَقُول: التَّشَهُّدُ وَاجِبٌ، وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَالْخَبَرُ فِيهِمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ زِيَادَةُ فَرْضِ الْقُرْآنِ.
وَقَال - ﵀ -: فَعَلَى كُل مُسْلِمٍ - وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفَرَائِضُ - أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّشَهُّدَ، وَالصَّلاَةَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ. وَمَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَتَشَهَّدْ فِيهَا، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ - وَهُوَ يُحْسِنُ التَّشَهُّدَ - فَعَلَيْهِ إِعَادَتُهَا. وَإِنْ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُصَل عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ، فَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ حَتَّى يَجْمَعَهُمَا جَمِيعًا. وَإِنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُهُمَا عَلَى وَجْهِهِمَا أَتَى بِمَا أَحْسَنُ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُجْزِهِ إِلاَّ بِأَنْ يَأْتِيَ بِاسْمِ تَشَهُّدٍ، وَصَلاَةٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ. وَإِنْ أَحْسَنَهُمَا فَأَغْفَلَهُمَا، أَوْ عَمَدَ بِتَرْكِهِمَا فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا.
وَقَدْ قَال بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
فَمِنَ الصَّحَابَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ: أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُقَاتِل بْنُ حَيَّانَ. وَمِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعِينَ: إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ (12) .
أَمَّا الصَّلاَةُ عَلَيْهِ ﷺ فِي التَّشَهُّدِ الأَْوَّل، فِي الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّلاَثِيَّةِ، فَهِيَ سُنَّةٌ فِي الْقَوْل الْجَدِيدِ لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَالآْجُرِّيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَلاَ تَبْطُل الصَّلاَةُ بِتَرْكِهِ وَلَوْ عَمْدًا، وَيُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ إِنْ تَرَكَهُ (13) . الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ خَارِجَ الصَّلاَةِ:
6 - تُسْتَحَبُّ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ ﷺ خَارِجَ الصَّلاَةِ فِي كُل الأَْوْقَاتِ، وَتَتَأَكَّدُ فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا: يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتُهَا، وَعِنْدَ الصَّبَاحِ، وَعِنْدَ الْمَسَاءِ، وَعِنْدَ دُخُول الْمَسْجِدِ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَعِنْدَ قَبْرِهِ ﷺ وَعِنْدَ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَعِنْدَ الدُّعَاءِ، وَبَعْدَهُ وَعِنْدَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْقَوْمِ، وَتَفَرُّقِهِمْ، وَعِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ ﷺ وَعِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ التَّلْبِيَةِ، وَعِنْدَ اسْتِلاَمِ الْحَجَرِ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، وَعَقِبَ خَتْمِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ الْهَمِّ وَالشَّدَائِدِ، وَطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَعِنْدَ تَبْلِيغِ الْعِلْمِ إِلَى النَّاسِ، وَعِنْدَ الْوَعْظِ، وَإِلْقَاءِ الدَّرْسِ، وَعِنْدَ خِطْبَةِ الرَّجُل الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ.
وَفِي كُل مَوْطِنٍ يُجْتَمَعُ فِيهِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (14) .
أَلْفَاظُ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ:
7 - رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ - فِي الصَّلاَةِ عَلَيْهِ - صِيَغٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهَا. قَال صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ: إِنَّ أَفْضَل صِيَغِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ: أَنْ يَقُول الْمُصَلِّي عَلَيْهِ: (اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آل إِبْرَاهِيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) .
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - ﵁ - قَال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَا: قَدْ عَلِمْنَا - أَوْ عَرَفْنَا - كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَال: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (15) وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (16) . وَهُنَاكَ صِيَغٌ أُخْرَى. وَأَقَل مَا يُجْزِئُ هُوَ: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ (17) .
الصَّلاَةُ عَلَى سَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ:
8 - أَمَّا سَائِرُ الأَْنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُسَلَّمُ. قَال تَعَالَى فِي نُوحٍ: {سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} (18) وَفِي إِبْرَاهِيمَ: {سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (19) وَفِي مُوسَى وَهَارُونَ: {سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} (20) .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي (21) . وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ مَشْرُوعَةٌ (22) .
الصَّلاَةُ عَلَى غَيْرِ الأَْنْبِيَاءِ:
9 - أَمَّا الصَّلاَةُ عَلَى غَيْرِ الأَْنْبِيَاءِ؛ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى سَبِيل التَّبَعِيَّةِ، كَمَا جَاءَ فِي الأَْحَادِيثِ السَّابِقَةِ: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ فَهَذَا جَائِزٌ بِالإِْجْمَاعِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَفْرَدَ غَيْرَ الأَْنْبِيَاءِ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ. فَقَال قَائِلُونَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ} (23) وَقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} (24) وَقَوْلِهِ: {وَصَل عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (25) .
وَبِخَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَال: اللَّهُمَّ صَل عَلَيْهِمْ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَال: اللَّهُمَّ صَل عَلَى آل أَبِي أَوْفَى (26) . وَقَال الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: لاَ يَجُوزُ إِفْرَادُ غَيْرِ الأَْنْبِيَاءِ بِالصَّلاَةِ؛ لأَِنَّ هَذَا شِعَارٌ لِلأَْنْبِيَاءِ إِذَا ذُكِرُوا، فَلاَ يَلْحَقُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ، فَلاَ يُقَال: قَال أَبُو بَكْرٍ ﷺ، أَوْ قَال: عَلِيٌّ ﷺ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا، كَمَا لاَ يُقَال: مُحَمَّدٌ ﷿، وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلاً؛ لأَِنَّ هَذَا مِنْ شِعَارِ ذِكْرِ اللَّهِ ﷿ (27) .
أَمَّا السَّلاَمُ، فَقَدْ نَقَل ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ - مِنَ الشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلاَةِ، فَلاَ يُسْتَعْمَل فِي الْغَائِبِ، وَلاَ يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الأَْنْبِيَاءِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الأَْحْيَاءُ وَالأَْمْوَاتُ. وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَيُخَاطَبُ بِهِ، فَيُقَال: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، وَسَلاَمٌ عَلَيْكَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁ أَنَّهُ قَال: لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَلَكِنْ يُدْعَى لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ بِالْمَغْفِرَةِ (28) .
__________
(1) تفسير القرطبي 14 / 232.
(2) سورة الأحزاب / 56.
(3) تفسير ابن كثير (3 / 506) وجلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن القيم ص 93 وما بعدها.
(4) حديث البخاري: " قيل لرسول الله ﷺ: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آ (فتح الباري8 / 5532 ط. السلفية) من حديث كعب بن عجرة ﵁.
(5) سورة الأحزاب / 56.
(6) حديث تعليم التشهد: إذا قلت هذا أو فعلت هذا، فقد تمت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد ". أخرجه أبو داود (سنن أبي داود 1 / 593 ط. تركيا) من حديث القاسم بن مخيمرة بلفظ " أخذ علقمة بيدي، فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وأن رسول
(7) رد المحتار 1 / 343، فتح القدير 1 / 273، مواهب الجليل 1 / 543، الإنصاف 2 / 76، المغني 1 / 537.
(8) المصادر السابقة.
(9) سورة الأحزاب / 56.
(10) حديث أبي هريرة أنه قال: " يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ " أخرجه الشافعي كما في جلاء الأفهام لابن القيم (ص41 - ط دار ابن كثير) ثم ذكر ابن القيم ما يقتضي تضعيف أحد رواته.
(11) حديث كعب بن عجرة ﵁ قال: " خرج علينا رسول الله ﷺ فقلنا: قد علمنا، أو عرفنا، كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محم
(12) الأم للشافعي 1 / 117، المجموع للنووي 3 / 465، روضة الطالبين 1 / 263، الإنصاف 2 / 163، المغني 1 / 541.
(13) المصادر السابقة، والإنصاف 2 / 76 - 77.
(14) جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام ص: 251، وما بعدها، ابن عابدين 1 / 248، تفسير ابن كثير في تفسير آية الأحزاب {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} الأذكار للنووي 108، وما بعدها.
(15) حديث كعب بن عجرة ﵁ قال: " خرج علينا رسول الله ﷺ فقلنا:. . . إلخ ". سبق تخريجه ف2.
(16) حديث: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 169، ط السلفية) ومسلم (1 / 306 ط الحلبي) من حديث أبي حميد الساعدي، واللفظ لمسلم.
(17) المجموع 3 / 464، والمصادر السابقة.
(18) سورة الصافات / 79.
(19) سورة الصافات 109 / 110.
(20) سورة الصافات / 120.
(21) حديث: " صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني ". أخرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي بإسناده من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا فضل الصلاة على النبي ﷺ لابن إسحاق القاضي ص 18. وفي إسناده عمر بن هارون هو متروك (تقريب التهذي وأخرجه البيهقي في (كتاب الدعوات الكبير ص 121 تحقيق بدر البدر) ، وفي إسناده موسى بن عبيدة المذكور. وأخرجه الخطيب في تاريخه (7 / 380) من حديث أنس ﵁ مرفوعا، وفي إسناده الحسن بن علي الطوابيقي، قال عنه الخطيب: مجهول.
(22) جلاء الأفهام لابن القيم 348، تفسير ابن كثير، والفتوحات الإلهية، والقرطبي في تفسير آية الأحزاب - الأذكار للنووي 108.
(23) سورة الأحزاب / 43.
(24) سورة البقرة / 157.
(25) سورة التوبة.
(26) حديث عبد الله بن أوفى " كان رسول الله ﷺ إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 169 ط. السلفية) ومسلم (صحيح مسلم 2 / 756 - 757 - ط. الحلبي) واللفظ له.
(27) تفسير ابن كثير في تفسير آية الأحزاب، الأذكار للنووي ص 108.
(28) تفسير ابن كثير في تفسير آية {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 234/ 27