الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
هل تُرِيدُ أن تَكُونَ مُجَابَ الدَّعوَةِ؟ هل تُرِيدُ أن يُفَرِّجَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- عَنكَ هُمُومَكَ وأَحزَانَكَ, ويُخرِجَكَ من الهَمِّ والكَربِ العَظِيمِ؟ هل تُرِيدُ سَعَادَةَ الدُّنيَا والآخِرَةِ والحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ؟ هل تُرِيدُ أن تَكُونَ مُسَدَّدَاً ومُوَفَّقَاً ومَحفُوظَاً من كُلِّ مَكرُوهٍ؟ إذا أَرَدتَ كُلَّ هذا فَكُنْ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيَا عِبَادَ اللهِ: لقد ضَاقَ الخِنَاقُ عَلَينَا في هذهِ الأَزمَةِ؛ فما من أَحَدٍ إلا وَيَشكُو إلى اللهِ -تعالى- من شِدَّةِ هذهِ الأَزمَةِ على القُلُوبِ, هَمٌّ وغَمٌّ وكَربٌ عَظِيمٌ, الكُلُّ يَتَطَلَّعُ إلى تَفرِيجِ الكَربِ, الكُلُّ يَتَسَاءَلُ: مَتَى الفَرَجُ؟
يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِكُلِّ من ضَاقَ صَدْرُهُ, وضَاقَت عَلَيهِ الأَرضُ بِمَا رَحُبَت: هل تُرِيدُ أن تَكُونَ مُجَابَ الدَّعوَةِ؟ هل تُرِيدُ أن يُفَرِّجَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- عَنكَ هُمُومَكَ وأَحزَانَكَ, ويُخرِجَكَ من الهَمِّ والكَربِ العَظِيمِ؟ هل تُرِيدُ سَعَادَةَ الدُّنيَا والآخِرَةِ والحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ؟ هل تُرِيدُ أن تَكُونَ مُسَدَّدَاً ومُوَفَّقَاً ومَحفُوظَاً من كُلِّ مَكرُوهٍ؟ إذا أَرَدتَ كُلَّ هذا فَكُنْ بَارَّاً بِوَالِدَيكَ, مَعَ الإخلاصِ للهِ -تعالى- في بِرِّكَ لَهُمَا.
يَا عِبَادَ اللهِ: أَتُرِيدُونَ دَلِيلاً على أنَّ بِرِّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لاستِجَابَةِ الدُّعَاءِ؟ فاسمَعُوا إلى الحَدِيثِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ مُرَادٍ, ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ, مِنْ مُرَادٍ, ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ, كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ, لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ, لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ, فَإِن اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ". فَاسْتَغْفِرْ لِي؛ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.
يَا عِبَادَ اللهِ: أَتُرِيدُونَ دَلِيلاً على أنَّ بِرِّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لِتَفرِيجِ الهُمُومِ والغُمُومِ والكُرُوبِ؟ فاسمَعُوا إلى الحَدِيثِ الذي رواه الإمام البخاري عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ, فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ. فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلَا مَالاًـ أي: لا أُقَدِّمُ عَلَيْهِمَا أَحَداً فِي شُرْبِ نَصِيبِهِمَا عِشَاءً مِن اللَّبَنِ ـ فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْماً, فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا, فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ, وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً, فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا, حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ, فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا؛ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ, فَانْفَرَجَتْ شَيْئاً".
يَا عِبَادَ اللهِ: أَتُرِيدُونَ دَلِيلاً على أنَّ بِرِّ الوَالِدَينِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ؟ فاسمَعُوا إلى الحَدِيثِ الذي رواه الحاكم والإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عنها-, عَن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً, قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ". فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "كَذَلكُمُ الْبِرُّ, كَذَلكُمُ الْبِرُّ" يَعنِي: مِثلَ تِلكَ المَنزِلَةِ والدَّرَجَةِ تُنَالُ بالبِرِّ؛ وكَانَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ من أَبَرِّ النَّاسِ بِأُمِّهِ.
وإلى الحَدِيثِ الذي رواه ابن ماجة عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ, أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. قَالَ: "وَيْحَكَ, أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "ارْجِعْ فَبِرَّهَا". ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِن الْجَانِبِ الْآخَرِ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ, أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. قَالَ: "وَيْحَكَ, أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟". قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبِرَّهَا". ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ, أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ. قَالَ: "وَيْحَكَ, أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟". قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "وَيْحَكَ, اِلْزَمْ رِجْلَهَا, فَثَمَّ الْجَنَّةُ".
يَا عِبَادَ اللهِ: لا يَلِيقُ بِعَاقِلٍ مُؤمِنٍ عَلِمَ ثَمَرَاتِ بِرِّ الوَالِدَينِ, ثمَّ يُعرِضُ عَنهُ ولا يَقُومُ بِهِ, والأَسوَءُ حَالاً مِنهُ أن يَقَعَ في العُقُوقِ.
يَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ جَمَعَ من الخَيرِ أَكمَلَهُ, ومن الإحسَانِ أَجمَلَهُ, وحَازَ من المَعرُوفِ أَنفَعَهُ, وحَوَى من الفَضلِ أَرفعَهُ.
يَا عِبَادَ اللهِ: بِرُّوا آبَاءَكُم وأُمَّهَاتِكُم, وأَعطُوا نِسَاءَكُم حَقَّهُنَّ, ولا يَطغَ حَقٌّ على حَقٍّ, واعلَمُوا بأَنَّ الأَمرَ دَينٌ, فَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ.
اللَّهُمَّ اجعَلنَا كما تُحِبُّ وتَرضَى يا رَبَّ العَالَمِينَ، آمين.
أقُولُ هَذا القَولَ, وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.