الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
(الأوَّل): نقيضُ (الآخِر)، وأصلُه: (أَوْأَلُ) على وزن (أفعل)، قُلِبت الهمزةُ واوًا وأُدغمت؛ يدل عليه قولُهم: (هذا أوَّلُ منك).
وقال الراغب: «(الأوَّل): هو الذي يَترتَّب عليه غيرُه، ويُستعمل على أوجُهٍ: أحدها: المتقدِّم بالزمان، والثاني: المتقدِّم بالرياسة في الشيء، وكونِ غيره محتذيًا به». انظر: "المفردات" (ص31).
هو اسمٌ من أسماء الله، يدل على أنه سابِقٌ للأشياء كلِّها، كائنٌ لم يَزَلْ قبل وجود الخَلْقِ، فاستحَقَّ (الأوليَّةَ)؛ إذ كان موجودًا ولا شيءَ قَبْلَه، ولا معه. انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص87).
وقال ابنُ جرير: «هو (الأوَّل) قبل كلِّ شيء بغيرِ حدٍّ، و(الآخِر) بعد كلِّ شيء بغيرِ نهاية، وإنما قيل ذلك كذلك؛ لأنه كان ولا شيءَ موجودًا سِواه، وهو كائنٌ بعد فَناء الأشياء كلِّها؛ كما قال جلَّ ثناؤه: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۥۚ﴾ [القصص: 88]».
ورَد اسمُ الله (الأوَّل) مرةً واحدة في كتاب الله تعالى؛ في قوله تعالى: ﴿هُوَ اْلْأَوَّلُ وَاْلْأٓخِرُ وَاْلظَّٰهِرُ وَاْلْبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: 3]؛ فـ(الأوَّل): هو السابقُ على الموجودات، و(الآخِر): هو الذي إليه مصيرُ الموجودات.
ورَد اسمُ الله (الأوَّل) في حديث ذِكْرِ النوم الذي رواه أبو هُرَيرةَ رضي الله عنه مرفوعًا: «اللهمَّ أنت الأوَّلُ فليس قَبْلَك شيءٌ». أخرجه مسلم (2713).
وشرَحه ابنُ أبي العِزِّ رحمه الله، فقال: «هو معنى اسمِه (الأوَّل) و(الآخِر).
والعلمُ بثبوت هذين الوصفينِ مستقرٌّ في الفِطَرِ؛ فإن الموجوداتِ لا بد من أن تنتهيَ إلى واجبِ الوجود لذاته؛ قطعًا للتسلسل، فإنَّا نشاهد حدوثَ الحيوان والنبات والمعادن، وحوادثَ الجوِّ؛ كالسَّحاب، والمطر، وغير ذلك، وهذه الحوادثُ وغيرُها ليست ممتنِعةً؛ فإن الممتنِعَ لا يوجد، ولا واجبةَ الوجود بنفسها؛ فإن الواجبَ الوجودِ بنفسه لا يَقبَل العدمَ، وهذه كانت معدومةً ثم وُجِدت؛ فعَدَمُها ينفي وجوبَها، ووجودُها ينفي امتناعَها، وما كان قابلًا للوجود والعدم لم يكن وجودُه بنفسه؛ كما قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ اْلْخَٰلِقُونَ﴾ [الطور: 35]». "شرح الطحاوية" (ص113).
مِن أعظَمِ ما ينتج عن الإيمان باسم الله (الأوَّل): التسليمُ لله، والتفويض إليه، والتوكُّل عليه؛ مما يُورِث الإنسانَ عبوديةً خاصة لله عز وجل؛ يقول ابنُ القيِّم رحمه الله: «فعبوديتُه باسمه (الأوَّل) تقتضي التجرُّدَ من مطالعةِ الأسباب والوقوفِ عليها والالتفاتِ إليها، وتجريدَ النظر إلى مجرد سبقِ فضله ورحمته، وأنه هو المبتدِئُ بالإحسان من غيرِ وسيلةٍ من العبد؛ إذ لا وسيلةَ له في العَدَمِ قبل وجوده، وأيُّ وسيلة كانت هناك؟! وإنما هو عدمٌ محض، وقد أتى عليه حينٌ من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا؛ فمنه سبحانه الإعداد، ومنه الإمداد، وفضلُه سابقٌ على الوسائل، والوسائلُ من مجرد فضلِه وَجُودِه لم تكُنْ بوسائلَ أخرى.
فمَن نزَّل اسمَه (الأوَّل) على هذا المعنى، أوجَبَ له ذلك فقرًا خاصًّا، وعبوديةً خاصة». "طريق الهجرتين" (1 /37).
والإجابةُ في كلام ابن تيميَّة رحمه الله حيث قال: «والحادثُ هو ما كان مسبوقًا بعدمٍ، والممكِن هو ما كان قابًلا للوجود والعدم؛ فكلُّ حادثٍ ممكِنٍ يفتقر إلى واجبٍ بنفسه، مُحدِثٍ لا يكون هو مُحدَثًا؛ منعًا للتسلسل». "درء التعارض" (3 /265).
فموضعُ ظهور اسم الله (الأوَّل) في الكون هو بدايةُ خَلْقِه وتكوينه؛ إذ كان اللهُ أوَّلًا، ولم يكُنْ معه شيءٌ سِواه؛ فالكونُ وكلُّ ما فيه له ابتداءً وانتهاءً؛ مِن ذرَّاته المتناهيةِ في الصِّغَر، إلى كواكبه ونجومه المتناهية في الكِبَر.
«اعلَمْ أن (الأوَّل) يكون أوَّلًا بالإضافة إلى شيء، و(الآخِر) يكون آخِرًا بالإضافة إلى شيء، وهما متناقضانِ؛ فلا يُتصوَّر أن يكونَ الشيءُ الواحد من وجهٍ واحد بالإضافة إلى شيءٍ واحد أوَّلًا وآخِرًا جميعًا؛ بل إذا نظرتَ إلى ترتيب الوجود، ولاحظتَ سلسلة الموجودات المترتِّبة: فاللهُ تعالى بالإضافة إليها أوَّلُ؛ إذ الموجوداتُ كلُّها استفادت الوجودَ منه، وأما هو فموجودٌ بذاته، وما استفاد الوجودَ من غيره».
الغَزالي "المقصد الأسنى" (ص135).
«(الأوَّل) بعِرْفان القلوب، و(الآخِر) بسَتْرِ العيوب، و(الظاهر) بإزالة الكروب، و(الباطن) بغفران الذُّنوب.(الأول) قبل كلِّ شيء، و(الآخِر) بعد كل شيء، و(الظاهر) بالقدرة على كل شيء، و(الباطن) العالِمُ بحقيقة كل شيء.
(الأوَّل) قبل كل شيء بالقِدَم والأزليَّة، و(الآخِر) بعد كل شيء بالأبدية والسَّرمديَّة، و(الظاهر) لكل شيء بالدلائلِ اليقينيَّة، و(الباطن) من مناسَبة الجِسْمية والأَبْنِيَة والكميَّة».
الفَخْر الرَّازِي "لوامع البينات" (ص240).
«(الأوَّل): الذي لا قَبْلَ له، و(الآخِر): هو الذي لا بَعْدَ له؛ وهذا لأن (قَبْلَ وبَعْدَ) نهايتانِ؛ فـ(قَبْلَ) نهايةُ الموجود مِن قَبْلِ ابتدائه، و(بَعْدَ) غايتُه مِن قَبْلِ انتهائه، فإذا لم يكن له ابتداءٌ ولا انتهاءٌ، لم يكن للموجود قَبْلٌ ولا بَعْدٌ؛ فكان هو (الأوَّلَ)، و(الآخِرَ)».
الحَلِيمي "المنهاج في شعب الإيمان" (1 /188).
«فمعرفةُ هذه الأسماء الأربعة: (الأوَّل والآخِر، والظاهر والباطن): هي أركانُ العلم والمعرفة؛ فحقيقٌ بالعبد أن يبلُغَ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قُوَاه وفهمُه... فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركانِ التوحيد... وهي جماعُ المعرفة بالله، وجماعُ العبودية له».
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "طريق الهجرتين" (1 /46 وما بعدها).