العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
ذُكِرَ التسليم في أكثر من عشرين موضعًا من القرآن الكريم، دليل على أهميته ومكانته في الدين، فهو يجعل العبد خاضعًا لربه مستجيبًا لأمره، وذلك غاية ما تكون به العبادة؛ لأنه أساسها الذي تقوم عليه، ولولاه ما صحَّت...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: الدنيا دار ابتلاء وامتحان لا يسلم من ذلك الحال أحد، كما أنها مليئة بالفتن من الشهوات والشبهات، ويحتاج المسلم لمواجهة ذلك إلى قوة يتحصن بها، وإن من أهم الأسباب المعينة على دفع الابتلاءات والمِحَن قوّة قلب العبد ورسوخ يقينه، وذلك بالاستسلام لله -عز وجل- في أمره ونهيه، وقضائه وقدَره، ومن فقَد ذلك وانشغل بتوافه الدنيا؛ فلن يصمد قلبه أمام أيّ فتنة أو ابتلاء.
أيها الناس: التسليم، هو الانقياد والإذعان لله بامتثال أمره واجتناب نهيه، انقياد القلب بالاعتقاد والقصد، وانقياد اللسان بالإقرار، وانقياد الجوارح بالعمل، ومن ذلك أُخذ اسم الإسلام وهو الاستسلام الخضوع والانقياد.
عباد الله: ذُكِرَ التسليم في أكثر من عشرين موضعًا من القرآن الكريم، دليل على أهميته ومكانته في الدين، فهو يجعل العبد خاضعًا لربه مستجيبًا لأمره، وذلك غاية ما تكون به العبادة؛ لأنه أساسها الذي تقوم عليه، ولولاه ما صحَّت وما كانت، وإن كانت فلن تتعدى أن تكون شكلية لا فرق بينها وبين الرياضة والتصرفات البشرية الخالية من أيّ معنى روحي مشروع.
يقول ابن القيم: "إن مبنى العبودية والإيمان بالله، وكتبه، ورسله على التسليم، وعدم الخوض في تفاصيل الحكمة في الأوامر، والنواهي، والشرائع، ولهذا لم يحكِ اللهُ -سبحانه- عن أمة نبي صَدَّقت نبيها وآمنت بما جاء به، أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به، ونهاها عنه، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت، وسَلَّمت، وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها، وإيمانها، واستسلامها على معرفته، ولا جعلت طلبه من شأنها" (الصواعق المرسلة).
وتسليم المؤمن لربه شرط في الإيمان به، يقول الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[الأحزاب:36]، فالآية دالة على أن أمر اللَّه وأمر رسوله موجبٌ للامتثال، مانعٌ من الاختيار.
والتسليم لله ولرسوله والانقياد لحكمهما، ليس من قبيل فضائل الأعمال، بل هو أمر لازمٌ يؤمر به كل مسلم ومسلمة؛ لأن عدم التسليم لحكم الله صفة أهل النفاق، يقول الله -سبحانه- في وصف المنافقين: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً)[النساء:60-61].
وقد نفى الله الإيمان عمَّن لم يسلِّم لشرع الله وحكمه، ولم يرضَ بالحكم بنفس راضية، واقتناع تام بعدالة الحكم الإلهي؛ قالَ -تعالى-: (فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا)[النساء:65].
أيها المسلمون: وإن للتسليم فضائل، منها:
أن التسليم دليل على الإيمان، وهو من صفات المفلحين، قال الله: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[النور:51].
ومنها: أنه سببٌ لحسن التدين، ورفع درجة العبد وتزكيته، قال -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)[النساء:125]، ومعنى أسلم وجهه لله: طاعة العبد، وإذعانه، وانقياده لله -تعالى- بامتثال أمره، واجتناب نهيه.
ومنها: أنه سببٌ لقوة ارتباط المسلم بخالقه واستقامته، قال -تعالى-: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)[لقمان:22]، الحبل المتين الوثيق؛ الذي لا انقطاع له؛ وهو دين الله المستقيم: الذي من تمسك به فاز ونجا، ونال الدرجات العلا.
أيها المؤمنون: من الأمور المهمة في قضية التسليم لله -عز وجل-، أنه لا فرق بين التسليم لنصوص القرآن والتسليم لنصوص السنة؛ إذ السنة مفسِّرة للقرآن ومبيِّنة له، قال الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر:7]، ويقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور:63]، ويقول -سبحانه-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[النور:51].
وقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أخذ القرآن وترك ما في السنّة، فقال: "لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ" (رواه أبو داود).
فقد أمرنا باتباع السنة الصحيحة والأخذ بها، كما أمرنا بأخذ القرآن تماماً بدون تفريق بينهما، فالسنة هي الشارحة للقرآن، المبينة له.
إخوة الإسلام: إن الله قد يبتلي عبدَه بأنواع البلايا والمصائب حتى يعلم مدى تسليمِه له، وتفويض أمره إليه، والمطلوب من المسلم أن يسلم أمره كله لله، وأن يصبر ويصابر، قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة:155-157].
رزقني الله وإياكم الإيمان واليقين، وجعلني وإياكم من عباده المقربين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
عباد الله: لقد كان رسل الله -عز وجل- وأنبياؤه خير أسوة في الاستسلام لأمر الله -عز وجل-، فقد أورد لنا القرآن أمثلة عظيمة في التسليم لأمر الله دون اعتراض أو منازعة، وبقلوب ملؤها الطمأنينة والرضا واليقين بموعود الله عز وجل.
فهذا نوح -عليه السلام- قال الله عنه: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[هود:45-47].
سأل نوح -عليه السلام- ربَّه -عز وجل- أن ينجِّي ولده بدافع عاطفة الأبوة الحانية، كما وعده ربه بنجاة أهله، فذكَّره ربُّه بكفر ولده، فما كان من نوح إلا أن أعلن تفويضه واستسلامه لأمر الله، ولم يكتفِ بإبداء التسليم لأمر الله، بل استعاذ بربه أن يسأله ما ليس له به علم في قابل عمره، ثم طلب منه الرحمة والمغفرة على ما بدر منه.
وهذا إبراهيم -عليه السلام- ضرب مثلاً رائعًا هو وأهله في التسليم لأمر الله من أول يوم أراد الله به الخير والهداية له: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ)[البقرة:131-132].
وقد التزم إبراهيم -عليه السلام- إسلامه وظهر استسلامه لله في واقع عملي، وذلك حينما أتى بزوجه هاجر ومعها وليدها إسماعيل -عليه السلام- ليتركهما في بطحاء مكة، بأمر من الله -عز وجل- في وادٍ غير ذي زرع.
تسليم من إبراهيم -عليه السلام-، إذ ترك زوجَه وابنه الرضيع في أرض غربة وخوف وقحط.
ولم يكد يشبُّ إسماعيل -عليه السلام- حتى يبتليَ الله إبراهيم -عليه السلام- في أمر جلل، عظيم على البشر تنفيذه، وصعب على النفوس امتثاله، فقد امتحنه الله بذبح إسماعيل الذي تعلق به قلبه؛ فقد جاء بعد طول زمن من انتظار الولد، قال الله: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الصافات:101-102].
وفي مقابل هذا الامتحان لإبراهيم، يقف إسماعيل طرفاً في الامتحان ضارباً مثلاً فريداً في التسليم لأمر الله -تعالى- من غير تردد، (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ).
عباد الله: وهناك نماذج من غير الأنبياء والرسل؛ فالصحابة -رضي الله عنهم-، ضربوا أروع الأمثلة في الاستسلام لله ولرسوله؛ ومن ذلك قبول تحريم الخمر في أول الإسلام، فقد كان خير دليل على الانقياد التام لأمر الله ورسوله، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب، فجاءهم آتٍ فقال: إن الخمر قد حُرِّمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها. (رواه البخاري)، فبمجرد سماعهم بتحريمها أذعنوا وانقادوا للأمر، وأراقوا الخمر التي كانوا يشربونها من لحظتها.
وللنساء في التسليم مثال فريد، ومشهد يذكر؛ فعنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "لَمَّا نَزَلَتْ: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ)[الأحزاب:59]، خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ مِنَ الأَكْسِيَةِ" (رواه أبو داود)، امتثلن الأمر واستسلمن له؛ فاحتجبن وتسترن.
أما موقف أم سليم الأنصارية فكان من أعجب المواقف التي سجلها تاريخ الصحابة الحافل بالمآثر والفضائل في أمر التسليم، فقد أظهرت أم سليم الأنصارية -رضي الله عنها- قوةً وثباتًا على تحمل المكاره والاستسلام لقضاء الله وقدَره مع الرضا.
روى الإمام البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- أنه قال: "مات ابنٌ لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقرَّبت إليه عشاء، فأكل وشرب، ثم تصنَّعت له أحسن ما كانت تصنع مثل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك؛ فغضب وقال: تركتني حتى تلطختُ ثم أخبرتني؟ فصلى أبو طلحة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بما كان منهما، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما"، قال رجل من الأنصار: "فرأيت لهما تسعة أولاد، كلهم قرؤوا القران"(رواه البخاري)، فكان هذا ببركة التسليم والانقياد لقضاء الله وقدره.
اللهم اجعلنا راضين بقضائك، منقادين لأمرك، وارض اللهم عنا يا رب العالمين.
ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].