الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الأطفال |
أَيُّ عَمَلِيَّةٍ تَرْبَوِيَّةٍ لَا تَأْخُذُ بِمَبْدَأِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي تَرْشِيدِ السُّلُوكِ بِصُورَةٍ مُتَوَازِنَةٍ وَعَقْلَانِيَّةٍ؛ تَكُونُ نَتِيجَتُهَا انْحِرَافَاتٍ فِي سُلُوكِ الطِّفْلِ وَعِنْدَ كِبَرِهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ بَعْضَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ قَدْ لَا تُقْبِلُ عَلَى الأُمُورِ الْمَحْبُوبَةِ إِلَّا إِذَا وَجَدَتْ ثَوَابًا عَلَى عَمَلِهَا، وَلَا تَكُفُّ عَنِ الأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ حَتَّى تُتَوَعَّدَ بِالْعِقَابِ إِنْ مَالَتْ إِلَيْهَا، فَكَانَ مَبْدَأُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ مِنَ الْمَبَادِئِ الَّتِي تُرَافِقُ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ فِي حَيَاةِ الْبَشَرِ.
وَلِهَذَا نَجِدُ هَذَا الْأُسْلُوبَ مُتَّبَعًا فِي التَّشْرِيعِ السَّمَاوِيِّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ اسْتِقَامَةُ الْبَشَرِ، وَإِبْعَادُهُمْ عَنْ سُبُلِ الضَّرَرِ؛ فَاللهُ تَعَالَى حِينَمَا يَحُثُّ الْعِبَادَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يَعِدُ مَنْ عَمِلَ ذَلِكَ بِالثَّوَابِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[النساء:13].
وَحِينَمَا يُحَذِّرُهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ يَتَوَعَّدُ مَنْ فَعَلَهَا بِالْعُقُوبَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)[الفرقان: 68-69].
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اسْتِعْمَالَ أُسْلُوبَيِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ مِنَ الْأَسَالِيبِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمُهِمَّةِ، الَّتِي أَثْبَتَتْ نَجَاحَهَا فِي اسْتِقَامَةِ السُّلُوكِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الِاعْوِجَاجِ، وَسَتَأْتِي مَعَنَا الضَّوَابِطُ الَّتِي تَجْعَلُ مِنْ ذَيْنِكَ الْأُسْلُوبَيْنِ طَرِيقَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي التَّرْبِيَةِ؛ فَهُنَاكَ مِنَ الْأَطْفَالِ مَنْ لَا يَنْطَلِقُ إِلَى الْأَعْمَالِ الَّتِي يَطْلُبُ مِنْهُ الْوَالِدَانِ أَوِ الْمُرَبُّونَ الْقِيَامَ بِهَا إِلَّا إِذَا وَجَدَ عَلَى ذَلِكَ مُكَافَأَةً أَوْ حَافِزًا مَادِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا، وَبَعْضُ الْأَوْلَادِ لَا يَبْتَعِدُ عَمَّا حُذِّرَ مِنْهُ إِلَّا حِينَمَا يُحِسُّ أَلَمَ الْعُقُوبَةِ أَوْ يُتَوَعَّدُ بِهَا؛ فَلِذَلِكَ كَانَ "الْعِقَابُ أَمْرًا مَشْرُوعًا، وَهُوَ مِنْ وَسَائِلِ التَّرْبِيَةِ النَّاجِحَةِ وَالَّتِي قَدْ يَحْتَاجُهَا الْمُرَبِّي أَحْيَانًا"(الوجيز في التربية (ص: 19).
وَقَدْ" أَثْبَتَتِ الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ حَاجَةَ الْمُرَبِّي إِلَى التَّرْهِيبِ، وَأَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي يَتَسَامَحُ مَعَهُ وَالِدَاهُ يَسْتَمِرُّ فِي إِزْعَاجِهِمَا، وَالْعِقَابُ يُصَحِّحُ السُّلُوكَ وَالْأَخْلَاقَ"(كيف تربي ولدك (ص: 48)).
وَنَحْنُ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- حِينَمَا نَقُولُ هَذَا نَجِدُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ، فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَعْمَلُ أَمْرًا حَسَنًا فَيُثِيبُهُ رَسُولُ اللهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَلَى ذَلِكَ بِمُكَافَأَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَهِيَ دُعَاؤُهُ لَهُ؛ فَقَد رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، قَالَ: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟". فَأُخْبِرَ؛ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".
وَفِي قَضِيَّةِ الْعِقَابِ دَعَا نَبِيُّ اللهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إِلَى عِقَابِ الطِّفْلِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ إِذَا وَصَلَ سِنُّهُ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ..."(رواه أبو داود وأحمد وغيرهما).
أَيُّهَا الْأَخْيَارُ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ لَيْسَا نَوْعًا وَاحِدًا، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: ثَوَابٌ مَعْنَوِيٌّ، وَثَوَابٌ حِسِّيٌ، وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي الْعِقَابِ.
وَعَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُرَبِّي أَنْ تَنْظُرَ: أَيُّ الْأَسَالِيبِ أَنْفَعُ لِطِفْلِكَ فِي فِعْلِ الْحَسَنِ وَتَرْكِ الْقَبِيحِ، وَمِمَّا نَنْصَحُكَ بِهِ: التَّرْبِيَةُ بِالْمُكَافَأَةِ، سَوَاءً كَانَتِ الْمُكَافَأَةُ مَعْنَوِيَّةً أَوْ حِسِّيَّةً، فَمِنَ الْمُكَافَآتِ الْمَعْنَوِيَّةِ: "الِابْتِسَامَةُ - التَّقْبِيلُ - الْمُعَانَقَةُ - الْمَدِيحُ - الِاهْتِمَامُ - وَإِيمَاءَاتُ الْوَجْهِ الْمُعَبِّرَةُ عَنِ الرِّضَا وَالِاسْتِحْسَانِ" وَهَذَا النَّوْعُ عَلَى دَرَجَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْفِعَالِيَّةِ فِي تَعْزِيزِ السُّلُوكِ التَّكَيُّفِيِّ الْمَقْبُولِ وَالْمَرْغُوبِ عِنْدَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ مَعًا، وَالْعِنَاقُ وَالْمَدِيحُ وَالتَّقْبِيلُ تَعْبِيرَاتٌ عَاطِفِيَّةٌ سَهْلَةُ التَّنْفِيذِ، وَالْأَطْفَالُ عَادَةً مَيَّالُونَ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِثَابَةِ.
وَلِلْأَسَفِ أَنَّهُ قَدْ يَبْخَلُ بَعْضُ الْآبَاءِ بِإِبْدَاءِ الِانْتِبَاهِ وَالْمَدِيحِ لِسُلُوكِيَّاتٍ جَيِّدَةٍ أَظْهَرَهَا أَوْلَادُهُمْ؛ إِمَّا لِانْشِغَالِهِمْ؛ حَيْثُ لَا وَقْتَ لَدَيْهِمْ لِلِانْتِبَاهِ إِلَى سُلُوكِيَّاتِ أَطْفَالِهِمْ، أَوْ لِاعْتِقَادِهِمُ الْخَاطِئِ أَنَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ إِظْهَارَ السُّلُوكِ الْمُهَذَّبِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى إِثَابَتِهِ أَوْ مُكَافَأَتِهِ!"(ينظر: مقالات نفسية في تربية الأطفال (ص: 1) بتصرف).
وَيُمْكِنُ أَنْ تَسْتَعْمِلَ -أَيُّهَا الْمُرَبِّي الْكَرِيمُ- الثَّوَابَ الْحِسِّيَّ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ "دَلَّتِ الْإِحْصَاءَاتُ عَلَى أَنَّ الْإِثَابَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ -يَعْنِي: الْمَعْنَوِيَّةَ- تَأْتِي فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى فِي تَعْزِيزِ السُّلُوكِ الْمَرْغُوبِ، بَيْنَمَا تَأْتِي الْمُكَافَأَةُ الْمَادِّيَّةُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ, وَلَكِنْ هُنَاكَ أَطْفَالٌ يُفَضِّلُونَ الْمُكَافَأَةَ الْمَادِّيَّةَ... مِنْ إِعْطَاءِ قِطْعَةِ حَلْوَى - شِرَاءِ لُعْبَةٍ - إِعْطَاءِ نُقُودٍ - إِشْرَاكِ الطِّفْلَةِ فِي إِعْدَادِ الْحَلْوَى مَعَ وَالِدَتِهَا تَعْبِيرًا عَنْ شُكْرِهَا لَهَا- اللَّعِبِ بِالْكُرَةِ مَعَ الْوَالِدِ -اصْطِحَابِ الطِّفْلِ فِي رِحْلَةٍ تَرْفِيهِيَّةٍ خَاصَّةٍ" وَغَيْرِ ذَلِكَ. (مقالات نفسية في تربية الأطفال (ص: 1) بتصرف).
يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ: "وَالتَّرْغِيبُ نَوْعَانِ: مَعْنَوِيٌّ وَحِسِّيٌّ، وَلِكُلٍّ دَرَجَاتُهُ، فَابْتِسَامَةُ الرِّضَا وَالْقَبُولِ، وَالتَّقْبِيلُ وَالضَّمُّ وَالثَّنَاءُ، وَكَافَّةُ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُبْهِجُ الطِّفْلَ هِيَ تَرْغِيبٌ فِي الْعَمَلِ. وَيَرى بَعْضُ التَّرْبَوِيِّينَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْإِثَابَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ عَلَى الْمَادِّيَّةِ أَوْلَى؛ حَتَّى نَرْتَقِيَ بِالطِّفْلِ عَنْ حُبِّ الْمَادَّةِ. وَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنْ تَكُونَ الْإِثَابَةُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مَادِّيًّا نُكَافِئْهُ مَادِّيًّا وَالْعَكْسُ"(كيف تربي ولدك (ص: 47).
وَأَمَّا إِذَا أَتَى الطِّفْلُ فِعْلاً مَكْرُوهًا، أَوْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِلْفِعْلِ الْمَحْبُوبِ؛ فَعَلَيْكَ -أَيُّهَا الْمُرَبِّي- أَنْ تَسْتَعْمِلَ مَعَهُ الْأُسْلُوبَ الْآخَرَ أَلَا وَهُوَ أُسْلُوبُ الْعِقَابِ، وَقَدْ يَكُونُ حِسِّيًّا، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَوِيًّا؛ فَمِنَ الْعِقَابِ الْمَعْنَوِيِّ: تَقْطِيبُ الْوَجْهِ، وَنَظْرَةُ الْغَضَبِ، وَالْعِتَابُ وَالتَّوْبِيخُ، وَالْهَجْرُ وَعَدَمُ إِبْدَاءِ الِاهْتِمَامِ.
وَأَمَّا الْعِقَابُ الْحِسِّيُّ: حِرْمَانُ الطِّفْلِ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُحِبُّهَا؛ مِنْ مَطْعُومَاتٍ أَوْ مَشْرُوبَاتٍ، أَوْ أَلْعَابٍ، وَآخِرُهَا الضَّرْبُ، وَلَكِنْ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَكُونُ دَوَاءً يُعَالِجُ الْخَطَأَ، وَيَرُدُّ الطِّفْلَ إِلَى الصَّوَابِ (ينظر: المدارس السلوكية وأثرها في تعديل سلوك الفرد (ص: 13). بتصرف.
نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يُلْهِمَنَا السَّدَادَ فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ، وَأَنْ يُصْلِحَ ذُرِّيَّاتِنَا، وَيَجْعَلَهُمْ لَنَا قُرَّةَ عَيْنٍ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اسْتِخْدَامِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ لَا تَعْنِي جَعْلَ ذَلِكَ طَرِيقًا صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ ضَوَابِطَ وَإِرْشَادَاتٍ، لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ هُنَاكَ ضَوَابِطُ وَإِرْشَادَاتٌ مُهِمَّةٌ تَسْتَطِيعُ بِهَا- أَيُّهَا الْمُرَبِّي- أَنْ تَجْعَلَ مَبْدَأَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ سَبِيلاً مُسْتَقِيمًا فِي تَرْبِيَةِ طِفْلِكَ؛ فَمِنَ الضَّوَابِطِ الْمُهِمَّةِ فِي الثَّوَابِ:
أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ بِمِقْدَارٍ، فَلَا يُسْرِفْ فِي اسْتِخْدَامِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الطِّفْلَ سَيُصْبِحُ مَادِّيًّا لَا يَفْعَلُ الْأَشْيَاءَ الْحَسَنَةَ إِلَّا بِشَرْطِ الْمُكَافَأَةِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّدَ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ لِذَاتِهِ، وَيُشَجَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَحْيَانًا.
وَأَنْ يَكُونَ التَّرْغِيبُ خُطْوَةً أُولَى يِتَدَرُّجِ الطِّفْلِ بَعْدَهَا إِلَى التَّرْغِيبِ فِيمَا عِنْدَ اللهِ مِنْ ثَوَابٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، فَمَثَلاً يُرَغَّبُ الطِّفْلُ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ بِالْمُكَافَأَةِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِأَجْلِ أَنْ يُحِبَّكَ وَالِدُكَ وَأُمُّكَ، ثُمَّ يُقَالُ: لِيُحِبَّكَ اللهُ وَيَرْضَى عَنْكَ.
وَأَلَّا تَتَحَوَّلَ الْمُكَافَأَةُ إِلَى شَرْطٍ لِلْعَمَلِ، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يُثَابَ الطِّفْلُ عَلَى عَمَلٍ وَاجِبٍ؛ كَأَكْلِهِ وَطَعَامِهِ أَوْ تَرْتِيبِهِ غُرْفَتَهُ، بَلْ تُقْتَصَرُ الْمُكَافَأَةُ عَلَى السُّلُوكِ الْجَدِيدِ الصَّحِيحِ.
وَأَنْ تَكُونَ الْمُكَافَأَةُ دُونَ وَعْدٍ مُسْبَقٍ؛ لِأَنَّ الْوَعْدَ الْمُسْبَقَ إِذَا كَثُرَ أَصْبَحَ شَرْطًا لِلْقِيَامِ بِالْعَمَلِ.
وَأَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْعَمَلِ مُبَاشَرَةً، خُصُوصًا فِي مَرْحَلَةِ الطُّفُولَةِ الْمُبَكِّرَةِ، وَإِنْجَازِ الْوَعْدِ؛ حَتَّى لَا يَتَعَلَّمَ الْكَذِبَ وَإِخْلَافَ الْوَعْدِ، وَفِي الْمَرْحَلَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ يُحْسِنُ أَنْ نُؤَخِّرَ الْمُكَافَأَةَ بَعْدَ وَعْدِهِ؛ لِيَتَعَلَّمَ الْعَمَلَ لِلْآخِرَةِ، وَلِأَنَّهُ يَنْسَى تَعَبَ الْعَمَلِ فَيَفْرَحُ بِالْمُكَافَأَةِ.
عِبَادَ اللهِ: وَفِي أُسْلُوبِ الْعِقَابِ ضَوَابِطُ أَيْضًا يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهَا فِي اسْتِعْمَالِ هَذَا الْأُسْلُوبِ، فَمِنْهَا:
أَنْ تَكُونَ قُوَّةُ الْعِقَابِ مُوَازِيَةً لِقُوَّةِ التَّصَرُّفِ الْمُقْتَرَفِ، وَمَتَى حَدَثَ الْخَطَأُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا يُعَاقَبُ الطِّفْلُ عَلَيْهِ بَلْ يُعَلَّمُ وَيُوَجَّهُ، وَيَجِبُ إِيقَاعُ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ الْخَطَأِ مُبَاشَرَةً مَعَ بَيَانِ سَبَبِهَا، وَإِفْهَامِ الطِّفْلِ خَطَأَ سُلُوكِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْسَى مَا فَعَلَ إِذَا تَأَخَّرَتِ الْعُقُوبَةُ. وَيَنْبَغِي لِلْمُرَبِّي أَنْ يُتِيحَ لِلشُّفَعَاءِ فُرْصَةَ الشَّفَاعَةِ وَالتَّوَسُّطِ لِلْعَفْوِ عَنِ الطِّفْل، وَيَسْمَحَ لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَيَقْبَلَ مِنْهُ.
وَعَلَى الْمُرَبِّي أَلَّا يُكْثِرَ مِنَ التَّهْدِيدِ دُونَ الْعِقَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَيُؤَدِّي إِلَى اسْتِهْتَارِهِ بِالتَّهْدِيدِ؛ فَإِذَا أَحَسَّ الْمُرَبِّي بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَ الْعُقُوبَةَ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً لِيَكُونَ مَهِيبًا، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُرَبِّي أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ السَّبِّ وَالشَّتْمِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَوَلَّى الْمُرَبِّي الضَّرْبَ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَحْقِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَدَرَّجَ فِي الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ أَمَدَ التَّرْبِيَةِ طَوِيلٌ، وَسُلَّمُ الْعِقَابِ قَدْ يَنْتَهِي بِسُرْعَةٍ إِذَا بَدَأَ الْمُرَبِّي بِآخِرِهِ وَهُوَ الضَّرْبُ.
وَعَلَى الْمُرَبِّي أَلَّا يَلْجَأَ لِلضَّرْبِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِنْفَادِ الْوَسَائِلِ الْأُخْرَى، وَأَلَّا يَضْرِبَ وَهُوَ فِي حَالَةِ غَضَبٍ شَدِيدٍ مَخَافَةَ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ الضَّرْبَ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُؤْذِيَةِ؛ كَالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ، وَأَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ فِي الْمَرَّاتِ الْأُولَى مِنَ الْعُقُوبَةِ غَيْرَ شَدِيدٍ وَغَيْرَ مُؤْلِمٍ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا تَتَجَاوَزُ عَشْرَ ضَرَبَاتٍ، وَأَلَّا يُضْرَبَ الطِّفْلُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْعَاشِرَةَ.
كَمَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْخَطَأُ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ الطِّفْلَ فُرْصَةً لِيَتُوبَ وَيَعْتَذِرَ عَمَّا فَعَلَ، وَيُتَاحُ الْمَجَالُ لِتَوَسُّطِ الشُّفَعَاءِ لِيَحُولُوا -ظَاهِرًا- دُونَ الْعُقُوبَةِ مَعَ أَخْذِ الْعَهْدِ عَلَيْهِ (ينظر في هذه الضوابط: (المدارس السلوكية وأثرها في تعديل سلوك الفرد (ص: 13)، الوجيز في التربية (ص: 19)، كيف تربي ولدك (ص: 49)، مقالات نفسية في تربية الأطفال (ص: 3)، الإجمال في تربية الأجيال (ص: 16)، كلها بتصرف).
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَيَّ "عَمَلِيَّةٍ تَرْبَوِيَّةٍ لَا تَأْخُذُ بِمَبْدَأِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي تَرْشِيدِ السُّلُوكِ بِصُورَةٍ مُتَوَازِنَةٍ وَعَقْلَانِيَّةٍ؛ تَكُونُ نَتِيجَتُهَا انْحِرَافَاتٍ فِي سُلُوكِ الطِّفْلِ وَعِنْدَ كِبَرِهِ، وَالْعُقُوبَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةً لَا قَسْوَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهَدَفَ مِنْهَا هُوَ عَدَمُ تَعْزِيزِ وَتَكْرَارِ السُّلُوكِ السَّيِّئِ مُسْتَقْبَلاً، وَلَيْسَ إِيذَاءَ الطِّفْلِ وَإِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِجَسَدِهِ وَبِنَفْسِيَّتِهِ؛ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْآبَاءِ فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِمْ. وَعَلَى النَّقِيضِ نَجِدُ أُمَّهَاتٍ -بِفِعْلِ عَوَاطِفِهِنَّ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الْوَلَدُ وَحِيدًا فِي الْأُسْرَةِ- لَا يُعَاقِبْنَ أَوْلَادَهُنَّ عَلَى السُّلُوكِيَّاتِ الْخَاطِئَةِ، فَيُصْبِحُ الطِّفْلُ عُرْضَةً لِلصِّرَاعِ النَّفْسِيِّ أَوْ الِانْحِرَافِ عِنْدَمَا يَكْبَرُ".
فَاتَّقُوا اللهَ فِي أَوْلَادِكُمْ، وَافْعَلُوا الْوَسِيلَةَ الْمُنَاسِبَةَ مَعَهُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُمُ الثَّوَابَ فَكَافِئُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُ الْعِقَابَ فَعَاقِبُوا، وَلَكِنْ بِالْحُدُودِ السَّابِقَةِ؛ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].