البحث

عبارات مقترحة:

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

الهجرة

العربية

المؤلف عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. استلهام العبر والدروس من الهجرة .
  2. الناس حزبان: حزب الله وحزب الشيطان .
  3. استمرار الصراع بين الحزبين .
  4. ضعف أنصار الحق وقلتهم أحيانًا .
  5. شدة خصومة حزب الشيطان لحزب الله .
  6. طريقة حزب الشيطان في مواجهة الحق .
  7. إنفاق حزب الشيطان ماله للصد عن سبيل الله .
  8. شروط تحقق نصر الله .

اقتباس

النصر والتمكين الذي كتبه الله لأوليائه، ووعدهم به له شروط لابد من توفرها؛ منها: الصبر والتقوى واليقين، فلابد أن يتحلى أولياء الله وحزبه بالصبر، وأن يتحلوا بالتقوى واليقين، وقد اجتمعت هذه كلها على أكمل الوجوه في النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فنصره على أعداء الله وأولياء الشيطان، قال -جل وعلا-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) ..

 

 

 

 

عباد الله: ونحن نستهل اليوم عامًا هجريًا جديدًا يحسن بنا أن نستلهم من حديث هجرته -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعض الدروس والعبر، نستنير بها في حياتنا، وإن لنا -يا عباد الله- في سياق قصة الهجرة في كتاب الله لدروسًا وعبرًا: 

أولها: أن الله -جل وعلا- بيّن في كتابه أن الناس حزبان، وهما قوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وقال عنهم: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ) [المجادلة: 19]، ثم بين مآل أمرهم وعاقبة مكرهم بقوله: (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ) [المجادلة: 19، 20].

وثانيهما: ذكره -جل وعلا- وذكر عاقبة أمرهم في قوله: (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 21]، ثم ذكر شيئًا من صفات أتباع الرسل الذين هم حزبه -جل شأنه- بقوله: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 22].

فأولئك حزب الشيطان، وهؤلاء حزب الله، أولئك خاسرون، وهؤلاء مفلحون، أولئك استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وهؤلاء تجردوا من جميع حدود النفس لربهم -جل شأنه-، فلم يقدموا على مرضاته شيئًا من محبوباتهم ومألوفاتهم.

الثانية: أن الصراع بين الحزبين ما يزال دائرًا منذ أخرج الله -عز وجل- إبليس من الجنة، وأهبط منها آدم -عليه الصلاة والسلام-: (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [البقرة: 36]، فإبليس وجنده حزب، وآدم ومن تبعه حزب: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) [يس: 60- 62].

الثالثة: أن الحق قد يعتريه أحيانًا مراحل وأوقات يضعف فيها أنصاره، ويقل فيها أتباعه، ويشردون ويطردون: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ) [الأنعام: 33-35]، (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26]، فهذه سنة الله في الصراع بين الحق والباطل، يبتلي أولياءه بأعدائه (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) [الأنفال: 37].

الرابعة: أن أولياء الشيطان وحزبه قد يشتدون في خصومتهم لحزب الله وأوليائه لدرجة تخرجهم حتى عما يقتضيه العقل السليم؛ ما يصور تخبط الشيطان بهم وتلاعبه بعقولهم: (قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال: 32]، وكان مقتضى العقل السليم أن يقولوا: اللهم إن كان هذا الحق من عندك فاهدنا إليه.

الخامسة: أن حزب الشيطان حين تعييهم الحيلة في طمس نور الله الذي يحمله أولياء الله وحزبه، يلجؤون إلى أساليب التشويش على أولياء الله، والحيلولة دون أن يصل صوتهم إلى عامة الناس: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت: 26]، (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال: 35]، والمكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق.

السادسة: أن حزب الشيطان ينفقون الأموال الطائلة للصد عن سبيل الله، ولكنها في النهاية تكون حسرة وندامة عليهم، وسببًا في هزيمتهم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) [الأنفال: 36، 37].

السابعة: أن حزب الشيطان لا يتورعون عن أية وسيلة للقضاء على أولياء الله وحزبه، سواء أكانت هي السجن أم القتل أم الإخراج من البلاد: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ -أي ليسجنوك ويوثقوك- أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [الأنفال: 30]، وقد تدارسوا هذه الأساليب الثلاثة أيها أنفع لهم في القضاء على النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعوته ليلة الهجرة، فاستقر رأيهم على قتله -صلى الله عليه وسلم- كما هو معلوم في أحاديث الهجرة، ولكن الله عصمه منهم وأنجاه وأتم نوره ولو كره الكافرون.

الثامنة: أن حزب الشيطان يمكرون، والله -جل وعلا- يمكر لأوليائه، والعاقبة للمتقين، والنصر للمؤمنين: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30]، (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 21]، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر: 51، 52].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله معزّ من أطاعه ووالاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله وأستغفره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله أجمعين.

أما بعد:

فيا عباد الله: التاسعة: من الفوائد والدروس والعبر من سياق الهجرة في كتاب الله -جل وعلا-، أن ذلك النصر والتمكين الذي كتبه الله لأوليائه، ووعدهم به له شروط لابد من توفرها؛ منها: الصبر والتقوى واليقين، فلابد أن يتحلى أولياء الله وحزبه بالصبر، وأن يتحلوا بالتقوى واليقين، وقد اجتمعت هذه كلها على أكمل الوجوه في النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فنصره على أعداء الله وأولياء الشيطان، قال -جل وعلا- في سورة آل عمران: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) [آل عمران: 120]، وقال قبلها في سورة البقرة: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217]، و(شَيْئًا): نكرة في سياق النفي، فتعم كل نوع من أنواع الضرر، وقال سبحانه: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة: 24].

فلما تحلَّوا بالصبر واليقين نالوا الإمامة في الدين، كما سئل سفيان بن عيينة -رضي الله عنه-: بمَ تنال الإمامة في الدين؟! فقال: "بالصبر واليقين". وقال -جل شأنه-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45].

ومنها: إخلاص العبادة لله -جل شأنه- وحده، وعدم إرادة غيره بشيء منها، قال -جل شأنه-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)، ثم ذكر الشرط بقوله: (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].