العلاقة بين التشيع والتصوف : رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه من كلية الدعوة وأصول الدين من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية, وتتناول فرق الشيعة والصوفية, ونشأة كل منهما وأثرهما في التاريخ الإسلامي, والعلاقة بينهما.
التفاصيل
عاش الرعيل الأول من رجال هذه الأمة العظيمة وسلفها الصالح قلبًا واحدًا عاضين على دينهم بالنواجذ, باذلين في سبيل طاعة الله ورسوله الغالي والنفيس, عاشوا حول إمام الهدى والرحمة - صلى الله عليه وسلم - أمة واحدة وكلمة واحدة. ثم بدأت الفرق والأحزاب في الظهور بين المسلمين, وكان أول ما ظهر في هذه الأمة من هذه الفرق فرقتان, تشيَّع لكل منها جماعة من أهل القبلة وهما: فرقة الخوارج, وفرقة الشيعة, وقد استمر الشيعة في غلوهم, فتظاهروا بحب آل البيت وبدأوا يوجهون سهام كفرهم لهذا الدين, فطعنوا في الصحابة طعنًا عظيمًا. وبين أيدينا كتاب بعنوان (العلاقة بين التشيع والتصوف) والتي أعده الدكتور (فلاح بن إسماعيل بن أحمد) وهي في الأصل رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه من كلية الدعوة وأصول الدين من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية, ويتناول الكتاب فرق الشيعة والصوفية, ونشأة كل منهما وأثرهما في التاريخ الإسلامي, والعلاقة بينهما. وتحتوي الرسالة على ثلاثة أبواب, جاءت كالتالي: الباب الأول: ويتكون من فصلين؛ (الفصل الأول) يتحدث عن معاني الشيعة: فهي تعني في اللغة: أنصار الرجل وأتباعه, وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة, والجماعة شيع وأشياع. وقد ورد ذكر لفظ الشيعة في القرآن في مواضع كثيرة, فمنها قول الله تعالى: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 51], فالمعنى يدور حول المشايعة والمطاوعة والاتفاق في الرأي أو الملة بين شخص وآخر أو بين جماعة وأخرى، فيكون بعضهم يتبع بعضًا ويناصره ويعاونه؛ للاتفاق والتشابه الفكري أو الديني الذي يربط بينهم في غالب أمرهم وحالهم. وقد ورد اسم الشيعة في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - في قصة الدجال، وفيه يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ( ... ثم يسلط الله المسلمين عليه, فيقتلونه, ويقتلون شيعته حتى أن اليهودي ليختبئ ...) [رواه الإمام أحمد (5477), وإسناده صحيح], ومعنى الشيع في هذه الأحاديث الفرق التي يجتمع أفرادها على رأي أو أمر, وغالبًا ما يتبع بعضهم بعضًا, ويناصر بعضهم بعضًا. فالحاصل أن الشيعة في اللغة وفي النصوص الشرعية معناها يدور حول المتابعة والمناصرة والتحزب حول ملة أو مذهب, أو حول شخص معين, يُتخذ كأمام ويتبعه الأفراد في الأمر والنهي والنصرة. أما الشيعة في الاصطلاح فهي ما ذكره أبو الحسن الأشعري في قوله: " وإنما قيل لهم الشيعة؛ لأنهم شايعوا عليًا - رضوان الله عليه -, ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (وفي الفصل الثاني) وهو بعنوان تاريخ الشيعة والتشيع (نشأة التشيع وتطوره): تحدث الدكتور عن حياة المسلمين، وكيف أنهم عاشوا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعرفوا اختلافًا يؤدي إلى الفرقة فيما بينهم, عاشوا في أمان وسلام حتى أواخر عهد عثمان - رضي الله عنه - حيث كثرت الفتن وانتشر أهل الفساد. وقد أوضح لنا أن دعاة الفتنة كانوا من أهل النفاق والكفر، والذي تولى كبر هذه الفتنة هو عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تستر بالإسلام، وكان ينشر أفكاره الخبيثة لإشاعة الفساد العقائدي, واستطاع استمالة عدد كبير من العامة معه بالشعارات التي روجها بينهم من مثل حب آل البيت, وقد ذهب بهم إلى المدينة, ثم حاصر الخليفة ـ عثمان - رضي الله عنه - ـ في داره, ثم قتله. وأورد المؤلف أنه قد بلغ كذب الشيعة غايته في عهد أبي عبد الله جعفر بن محمد وهو الإمام السادس المعصوم عندهم فإنهم أكثروا من الوضع عليه ونسبة المؤلفات المنحرفة إليه حتى انحرف المذهب الشيعي تمامًا وانفصل عن الإسلام السني في العقائد والعبادات. الباب الثاني: وهو يتكون أيضًا من فصلين؛ أما (الفصل الأول) فيتحدث عن معاني التصوف, وأورد فيه المؤلف قول ابن خلدون؛ توضيحًا لمعناه: " أصل التصوف العكوف على العبادة, والانقطاع إلى الله تعالى, والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها, والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه, والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة ". أما (الفصل الثاني) فيتحدث عن نشأة التصوف وكيف أن التصوف نشأ وترعرع في صفوف طائفة من المتعبدين والمتزهدين الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا, واتصفوا بشيء من الغفلة أو السذاجة أحيانًا، مع بعض الجهل بالسنن والآثار. وقد فتح هؤلاء في الإسلام مدخلًا عظيمًا، ولجت منه طائفة من أهل البدع والأهواء الذين تستروا بإصلاح ظواهرهم, وشدة العناية بها, مع إخفاء حقيقة مقاصدهم, وأهدافهم وراء شعارات مزخرفة بزخارف القول والفعل. وقد بين المؤلف أن ثمة خلاف بين العلماء والمؤرخين حول مبدأ نشأة التصوف، ولعل سبب هذا الاختلاف أن الصوفية في مبدئهم كانوا أفرادًا وأوزاعًا يتتشرون هنا وهناك في أطراف البلاد الإسلامية لا تربطهم رابطة. وأما عن تطور التصوف, فهذا ما بينته الرسالة, فأوضحت لنا أن التصوف مر بمراحل تطور عديدة من حيث مظاهر الغلو والانحراف في أمور كثيرة بدءًا بالسلوكيات والأخلاقيات, وانتهاءً بالأصول والعقائد؛ وذلك لأن التصوف والمتصوفة لم يكن لهم ضوابط سلوكية, ولا قواعد أصولية ومنهجية يلتزمونها في مذهبهم, وكان في بداية أمره عبارة عن استحسانات في السلوك, وزيادات في بعض الطاعات التزمها بعض الزهاد والعباد, ولم يلتزموا بما جاء به الشرع من الطاعات والأذكار, وذلك إما جهلًا منهم بالسنن والآثار, أو استحسانًا لتلك الأحوال؛ لأنها في ظاهرها ما هي إلا مجاهدات وأحوال تقبلها النفوس, وهذه المراحل هي: المرحلة الأولى: كان الصوفية فيها يتميزون بالزهد والتقشف ومخالفة المألوفات, وترك كثير من المباحات, والتوسع في المطاعم والملابس والمساكن, والبعد عن الناس ومخالطتهم؛ تجنبًا للانغماس في الشهوات والملذات, وآثروا الخلوات ومفارقة الأوطان. وقد وقع متصوفة المرحلة الأولى في أمور أخرى كثيرة منها: ما هو في باب العقائد: فقد أسسوا مبدأ الجرأة على الله تعالى, فيقول أحدهم: "إذا كانت لك حاجة إلى الله فأقسم عليه بي". كذلك في باب العبادات: فقد زعموا لأنفسم, وشيوخهم أورادًا, وصلوات لا يطيقها البشر, فيزعمون أن أحد أئمتهم كان يصلي في اليوم والليلة أربعمائة ركعة. بالإضافة إلى الآداب والأخلاق: فقد زعموا لأنفسهم وشيوخهم ما زعموه من الكرامات والخوارق, فزعموا أنهم يلتقون بالملائكة، وأن الحور تترامى لهم وتكلمهم إلى غير ذلك. وأما المرحلة الثانية: ففي هذه المرحلة ابتلي الإسلام بحركة الترجمة التي عنيت بترجمة علوم الفلسفة اليونانية. ومن انحرافات هذه المرحلة: في باب العقائد: ما أحدثه بعض مشايخهم من هذيان وأسماه بعلم الفناء والبقاء. في باب العبادات: فقد قرروا العزلة, وترك الجماعة والانقطاع في الخلوات والكهوف. في باب الأخلاق والآداب: مجدوا التبتل, وترك سنة النكاح، وتوسعوا في باب المنامات ورؤية الحوريَّات, وحصول الكرامات والخوارق. وأما عن المرحلة الثالثة: نضج فيها التصوف بظهور المؤلفات الكثيرة التي حددت منهجه في التلقي والتفكير والتعلم, بأنهم يتلقون عقائدهم وشرائعهم عن الله مباشرة, تعالى الله عن ذلك. الباب الثالث: وهو أهم باب حوته الرسالة, وفيه يذكر المؤلف العلاقة بين التشيع والتصوف، ويتكون من فصلين: (الفصل الأول) تحدث فيه المؤلف عن أوائل الصوفية, وكان منهم: أبو هاشم الكوفي المتوفى: ذكرته المصادر الشيعية, بأنه مخترع التصوف, ويتهمونه بأنواع الكفر والزندقة, وأما سبب اختيارهم لأبي هاشم هذا, واتهامه بأنوع الزندقة؛ فلأنه لم يكن شيعيًا, بل كان سنيًا متعصبًا. ومنهم أيضًا: جابر بن حيان الكوفي: هو من أعلام التشيع, فالشيعة تعظمه وتفتخر به كشخصية علمية شيعية, رغم اشتهاره أيضًا بالتصوف, وتصنيفه في علوم التصوف. وأما عن عبد الكريم الصوفي، فقيل عنه أنه كان رأسًا في التشيع ورأسًا في التصوف, وكان على رأس جماعة شيعية صوفية. واستفاض المؤلف بعد ذلك في ذكر بعض أعلام الصوفية، والذين كانت لهم علاقة بالشيعة والتشيع ومنهم: شقيق بن إبراهيم البلخي: وقيل عنه أنه كان معروف بالتصوف بين كل فريق, وكان من تلامذة الإمام موسى بن جعفر الكاظم, وكان جامعًا للعلوم الرسمية الشرعية. ومنهم أيضًا: طيفور بن عيسى البسطامي: وقيل عنه أنه كان الشيخ العارف الموصوف بتمامية المعرفة وكثرة الرياضة والكرامات الظاهرة. ثم يأتي الحديث عن بعض الأسماء الذين تزعم الشيعة أنهم من أئمتهم وهم من الشيعة براء ومنهم: أبو الحسن علي بن أبي طالب, علي بن الحسين بن علي, محمد بن علي بن علي بن الحسين بن علي - رضي الله عنه -م, بالإضافة إلى جعفر بن محمد الباقر, الملقب بالصادق. وانتقل بعد ذلك المؤلف إلى الحديث عن أعلام الشيعة والذين كان لهم علاقة بالصوفية ومنهم: محمد بن محمد بن الحسن الطوسي: وقيل عنه أنه خدم التشيع خدمة لا توازيها خدمة فقد ساهم في قتل المسلمين من أهل السنة, ويُذكر بأنه عماد الشيعة ورافع أعلام الشيعة. ومنهم أيضًا: حيدر بن علي العبيدي الآطي, ويُقال عنه أنه كان سيد أفاضل المتأهلين, من أجلة علماء الظاهر والباطن. ويُعتبر روح الله بن مصطفى الخميني, من أبرزهم, وكان يُلقب بآية الله العظمى, وهو علم من أعلام الشيعة وإمام من أئمتهم في الرفض والتصوف, وهو من أسس دولة الشيعة في هذا القرن, ووحد جيوش التشيع لمواجهة أهل السنة المخالفين لهم في رفضهم. وقد أورد المؤلف بعض الدلائل التي تربط الخميني بالصوفية ومنها: ما يتعلق بالغلو في الولاية والأولياء: فيقول الخميني في تعريف الولاية: "الولاية هي القرب, أو المحبوبية, أو التصرف, أو الربوبية, أو النيابة". بالإضافة إلى: ما يتعلق بالأسرار التي يجب سترها، أو التقية الصوفية: حيث قسم الخميني الشريعة إلى ظاهر وباطن, والآيات القرآنية كذلك. نأتي بعد ذلك إلى الحديث عن (الفصل الثاني) فقد تناول المؤلف فيه العلم اللدني عند الصوفية, وقد أورد قول الخميني عن العلم اللدني فقد قال: "وهذا العلم مختص بأصحاب القلوب من المشايخ المستفيدين من مشكاة النبوة, ومصباح الولاية بالرياضات والمجاهدات, وليس لنا بهذه العيون العمياء, والأفواه الخرساء, مشاهدة أنوار علومه, وتجليات ذاته وصفاته وأسمائه, والتكلم فيها, فإن من لم يجعل الله له نورًا, فما له من نور, ولا يدرك النور إلا النور, ولا العلم إلا العالم". ويتحدث المؤلف بعد ذلك عن موقف الشيعة والصوفية من القرآن والسنة, فأما الشيعة فزعموا وقالوا زورًا أن القرآن الذي بين أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تغييرات كثيرة, من سقط وحذف وتبديل في كلمات منه وآيات وسور، بواسطة الصحابة الذين جمعوه. أما الصوفية فإنهم ينظرون إلى كتاب الله عز وجل على أنه نزل؛ ليقرر مبدأ الاتحاد بين الحق والخلق, ونظرية وحدة الوجود الخبيثة, ويؤمنون بأن باطن القرآن يختص بالدعوة إلى الاتحاد والوحدة, ولوازم هذه النظرية الفاسدة وما يتعلق بها, وغيرها من عقائدهم وسخافاتهم التي آمنوا بها. يأتي بعد ذلك ذكر التقية, وأنها صيانة النفس أو المال أو غير ذلك, لدفع الضرر عنها، وقد أورد الكاتب كلام العلماء من أهل السنة والجماعة في التقية، وأحكامها تتلخص في أنها تشرع وتجوز عند خوف المسلم على دينه أو نفسه أو ماله إذا كان بين أظهر الكافرين الغالبين, إذا أكرهوه على ذلك فيظهر لهم بلسانه وظاهره ما يدفع به عن نفسه ضررهم وشرهم؛ ليحافظ على نفسه أو ماله أو عرضه, ولا يُظهر لهم العداوة الواجبة عليه شرعًا تجاههم, بل يوافقهم في أقواله وأحواله الظاهرة فقط. ثم تعرض المؤلف لقضية الإمامة والولاية, فبين أن الشيعة يعتقدون أن الإمامة من أهم أركان وأصول الدين والإيمان, فلا إيمان لمن لم يعرف إمامه, ويعتقد الصوفية نحوه في شيوخهم وأوليائهم فمن ليس له شيخ له في هذه الدنيا، فإن الشيطان شيخه وإمامه وقائده إلى جهنم. والشيعة يرون أن الإمامة منصب إلهي, يختار الله له من خلقه من يشاء، كذلك الصوفية يؤمنون بأن الولاية فتح من الله تعالى واصطفاء منه وحده. ويؤمن الشيعة بأن عليًا قسيم الله في الجنة والنار, يدخل من شاء من خلق الله وعباده الجنة أو النار وذلك بحسب ولائهم ومعرفتهم به، وبالأئمة من بعده كما يزعمون. ويتفق الصوفية مع الشيعة في تعظيم الرجال, والغلو فيهم غلوًا يتجاوز حتى حدود العقل والمنطق, فينسبون لأئمتهم وأوليائهم خصائص, ويميزونهم بمميزات تتجاوز بهم الحد الشرعي, وخرجوا بهم عن القصد وعن العقل. وقد قسم المؤلف دعواهم هذه بحسب الجوانب المختلفة في حياة أئمتهم وأوليائهم؛ تسهيلًا لفهم منهجهم في هذه الظاهرة الخطيرة، التي كانت وما زالت في جميع الأمم والأديان: - ما يرتبط بأهمية الإمام والولي: تزعم الشيعة أن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه, وهم الأئمة ولو رفع الإمام من الأرض ساعة لساخت بأهلها, وماجت كما يموج البحر بأهله. - ثم يأتي بعد ذلك ما يتعلق بأن الإمامة والولاية لطف واصفطاء: فيعتقد الشيعة أن الإمامة لطف من الله تعالى, واصطفاء منه واختيار, بتفضل من الله تعالى على من اختصه من خلقه كالنبوة, فالأئمة لهم منزلتهم العظيمة عند الله فلذلك اصطفاهم واختارهم, وكذلك أفاض عليهم كثيرًا من الحقوق. - ما يرتبط بعلم الإمام والشيخ الولي: فيغلوا الشيعة والصوفية في علم أئمتهم وشيوخهم, فيعتقدون جميعًا أن أئمتهم وشيوخهم، مخصوصون بعلوم وهبية إلهامية. وأما عن مصادر وطرق تلقيهم تلك العلوم, فإنهم يزعمون أنها تكون بالأخذ عن الله تعالى مباشرة. - ما يرتبط بالعصمة والحفظ للأئمة والشيوخ: فالشيعة تؤمن إيمانًا راسخًا بعصمة أئمتها, وهذا أمر معلوم من دينهم بالضرورة, وأما الصوفية فإنهم وافقوا الشيعة في هذه العقيدة المنحرفة, ولكنهم يحاولون إخفاء التوافق بينهم وبين الشيعة. - أيضًا: قدرات الأئمة والشيوخ وتصرفهم في الأكوان: فمن أهم مظاهر الغلو الذي يتميز به الشيعة والصوفية في تعظيمهم لأئمتهم وشيوخثم، هو ما خصوهم به من خصائص الربوبية التي تتمثل في تصرفهم في الأكوان وطاعة الأشياء لهم. - وأخيرًا: كرامات الأئمة والشيوخ ومعجزاتهم: فلقد جعل الرافضة لأئمتهم في دينهم, كل ما جعله الله تعالى للأنبياء والمرسلين, وخصوهم بكل ما خصه الله تعالى من خصائص وأحوال للأنبياء والمرسلين, ولم يكتفوا بهذا بل زعموا أن منزلة الإمامة أعظم قدرًا من الأنبياء والمرسلين, ولقد تقدم ذكر جملة من مظاهر غلوهم بأئمتهم. بعد هذا يحدثنا المؤلف عن قضية تقديس القبور والأضرحة, وقد أورد المؤلف غلو الشيعة في علي بن أبي طالب وذريته حتى خصوهم بخصائص الربوبية والألوهية. وأما والصوفية لم ينسوا نصيبهم من هذا النوع من الغلو؛ لأنهم وجدوا فيه بغيتهم في السيطرة على الأتباع, والتحكم بهم, وهذا ما يسعى إليه التصوف, كما هو الأمر في التشيع, إحكام السيطرة على الأتباع. ولقد شرع المبتدعة لأتباعهم تعظيم بلاد أئمتهم وأوليائهم, فغاية أهل الرفض هو صد المسلمين عن قبلتهم التي امتن الله بها على رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ تمهيدًا لصدهم عن الدين كله, وإخراجهم عن التوحيد إلى الشرك بالله تعالى، وتعظيم الخلق وعبادتهم. ومما يدل على غلوهم أنهم قد غالوا في مسألة الشفاعة, فالشيعة يعتقدون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشفع يوم القيامة لمذنبي أمته من الشيعة خاصة, ويشفع أمير المؤمنين في عصاة شيعته. أما الصوفية, فيزعمون أن أجدادهم من أئمة الدعوة الذين بُعث إليهم محمد - صلى الله عليه وسلم -, لا يكتب أحدهم شقيًا, ولا يبقى في النار بل يخرجون جميعًا منها. ويذكر المؤلف أن الشيعة والصوفية قاموا بتعظيم القبور وعبادتها، فيأمل الشيعة في تحويل الناس, وصرفهم عن المناسك والشعائر الإسلامية إلى شعائر بدعية شركية, ولقد حرصوا قديمًا على إيجاد بدائل لشيعتهم عن الحج المشروع إلى المقدسات الإسلامية, ومازالوا يفعلون. وها هم الصوفية قد جعلوا الأحياء يفتقرون لزيارة أمواتهم ومشايخهم ومن يزعمون فيهم الصلاح والولاية, ويقررون انتفاع الحي بزيارة الأموات. وأما عن آخر ما يطل علينا به المؤلف من خلال رسالته، فهي مسألة الحلول والاتحاد، وقد ذكر أن مذهب الصوفية في الحلول والاتحاد: هو اعتقادهم بأن الله تعالى قد يتحد كلية مع خلقه, وأخذ الصوفية يرتقون في مذهبهم رويدًا رويدًا, فظهر من يزعم أن من عظائم الذنوب أن يُعبد الله تعالى طمعًا في جنته أو خوفًا من ناره بدعوى أنه يستحق العبادة استحقاقًا ذاتيًا من دافع المحبة الصادقة, وزعموا أن من عبد الله تعالى رجاء الجنة أو مخالفة النار فإنه يعد مشركًا بالله تعالى في محبته, غير صادق بها. وأما عن الشيعة فيتضح أن مذهب الشيعة في الحلول والاتحاد لم يشتهر بتبني فكرة أو نظرية الحلول ووحدة الوجود, كما هو الحال عند الصوفية الذين جعلوا من الكفر التوحيد الخالص, ولكن الشيعة تؤمن بالحلول، حيث أنهم يعتقدون أن في أئمتهم بعض خصائص الربوبية والألوهية, فالشيعة هم أصحاب النور الإلهي الذي هو أصل الوجود, ويعتقدون أن الأئمة خُلقوا من ذلك من النور. وفي خاتمة الرسالة يُذِّكر الدكتور بأهم النقاط التي جاءت في رسالته، وهي: - أن التشيع والتصوف لم يكن لهما أي وجود في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -, وأنهما مما أُحدث وطرأ على الإسلام, فالتشيع نشأ تحت ستار محبة أهل البيت، والتصوف نشأ على أيدي أناس من الشيعة اندسوا في صفوف الزهاد والعباد والصالحين؛ لتحقيق أهدافهم, فالتشيع والتصوف قد اشتركا في التستر والتظاهر والعمل تحت مظلات أصول دينية شرعية. - أيضًا: يشترك التشيع والتصوف في كثير من المناهج التعليمية والطرق التربوية المتبعة في تربية أفرادهم, فقد اعتمد كل فريق منهم على الدعاوى، وجعلوا منها أدلة ونصوصًا يستدلون بها على أنها وقائع تاريخية. - كما اشترك الشيعة والصوفية جميعًا في الأخذ بمبدأ التقية في دينهم, ذلك المبدأ الذي وجدوا فيه الملجأ والمنجا لجميع فضائحهم وقبائحه، والمنقذ لهم مما يقعون فيه من أخطاء وتناقضات. - كما اشترك الشيعة والصوفية في موقفهم الخبيث من كتاب الله تعالى, ومن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, فحاربوا أهل الحق, ووصفوهم بأقبح الأوصاف. - وختامًا: يبالغ الشيعة والصوفية بأنهم المتميزون عن سائر الناس والفرق في الدنيا والآخرة, ويزعمون أنهم عز الإسلام ودعامته وذروته. عادل الزعيري