الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
(قَيُّوم) صيغةُ مبالغة على وزن (فَيْعُول)، من الفعلِ (قام - يقُومُ)، وهو يدل على القِيام المعروف، وله معانٍ أخرى ذكرها أهلُ اللغة هي المقصودةُ هنا:
* فمنه: ما يكونُ بمعنى الدَّوام والثبات؛ كما فُسِّر به قولُه تعالى: ﴿وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٖ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمٗاۗ﴾ [آل عمران: 75]؛ أي: دائمًا ومُلازمًا، وقولُه تعالى: ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْۚ﴾ [البقرة: 20]؛ أي: أقاموا في مكانِهم، وكما يقالُ: قامَ عندهم الحَقُّ؛ أي: ثبَتَ.
* ومنه: ما يكون بمعنى المحافظةِ، وفيه قربٌ من الأول، وعليه جاءت صفةُ الرِّجال في قوله تعالى: ﴿اْلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى اْلنِّسَآءِ﴾ [النساء: 34]؛ أي: يُحافِظون عليهنَّ، ويُصلِحون أحوالهنَّ. انظر للاستزادة: "لسان العرب" لابن منظور (5 /3781).
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى يدل على أن اللهَ تعالى قائمٌ بذاته، مُقِيمٌ لغيره:
* فقِيامُه بذاته: معناه: أنه سبحانه ثابتٌ، لا يَزُولُ ولا يحُولُ؛ وهذا مع تمامِ استغنائه عن غيره، فلم يَحتَجْ إلى أحدٍ سِواه؛ لكمال غِناه.
* وإقامتُه لغيره: معناها: أنه سبحانه قائمٌ بأمور خَلْقِه، يُدبِّر شؤونهم، ويَرعَى مصالحهم؛ فكلُّ ما سِواه محتاجٌ إليه بالذات.
وكِلا المعنيَينِ سائغٌ في تفسير الآيات التي ورَد فيها هذا الاسمُ.
إن ما دلت عليه اللغةُ في معنى (القَيُّوم) وما دل عليه الاصطلاحُ متفقانِ غيرُ مختلفين، إلا أن قيامَ الله تعالى بذاتِه وقيامَه على غيرِه هما على غايةِ الكمال؛ وهذا لا يكون إلا للهِ سبحانه وتعالى.
يدل اسمُ الله (القَيُّوم) على صفةِ (القَيُّوميَّة)، وهي تشمل معنيينِ:
الأول: القائمُ على غيره؛ وهي بهذا الاعتبار صفةٌ فعلية.
الثاني: القائمُ بنفسه؛ وهي بهذا الاعتبار صفةٌ ذاتية.
وقد ذهب بعضُ المتكلِّمين إلى أن (القَيُّوميَّةَ) تدل على انتفاءِ التركيب؛ لأن المركَّبَ من أجزاءٍ مفتقِرٌ إلى أجزائه، وهذا القولُ يَلزم منه نفيُ جميعِ الصفات: الذاتيةِ، والمعنوية. انظر: "تفسير الرازي" (1 /111)، ومناقشته في "القلائد الذهبية" للعميري (1 /349).
- جاء اسمُ الله (القَيُّوم) في القرآن في ثلاثةِ مواضعَ، جاء فيها جميعًا مقترنًا باسمِه تعالى (الحَيِّ)، وهذه المواضعُ هي على الترتيب:
* قوله تعالى: ﴿اْللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُۚ﴾ [البقرة: 255].
* وقوله تعالى: ﴿الٓمٓ 1 اْللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُ﴾ [آل عمران: 1-2].
* وقوله تعالى: ﴿وَعَنَتِ اْلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اْلْقَيُّومِۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمٗا﴾ [طه: 111].
وهذان الاسمانِ يقترنان فيكونان مَرجِعَ معاني أسماء الله الحسنى جميعًا؛ فإذا كانت حياةُ الله أكمَلَ حياةٍ وأتَمَّها، استلزم إثباتُها إثباتَ كلِّ كمال يضادُّ نفيَ كمالِ الحياة، وأما (القَيُّوم) فمتضمِّنٌ كمالَ غِناه، وكمال قُدْرتِه وعِزَّته؛ لأنه قائمٌ بنفسه، لا يَحتاج إلى مَن يُقِيمه؛ بل هو المُقِيم لغيره، فانتظَم الاسمانِ صفاتِ الكمال، والغِنى التامِّ، والقدرة التامة، فكأنَّ المستغيثَ بهما مستغيثٌ بكلِّ اسم من أسماء الربِّ تعالى، وبكلِّ صفةٍ من صفاته، فما أولى الاستغاثة بهذين الاسمينِ أن تكونَ في مظنةِ تفريج الكُرُبات، وإغاثة اللَّهَفات، وإنالة الطلبات. انظر: "بدائع الفوائد" لابن القيم (2 /679).
- ولم يأتِ اسمُ الله (القَيُّومُ) منفردًا، ولكن جاء لفظُ (قائم) منفردًا، وهو مما يدل عليه اسمُ (القَيُّوم)؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسِۭ بِمَا كَسَبَتْۗ﴾ [الرعد: 33].
- جاء اسمُ اللهِ تعالى (القَيُّومُ) في السُّنة مقترنًا باسمه تعالى (الحَيِّ) في غير ما حديث؛ منها:
* عن زيدٍ مولى النبيِّ ﷺ، قال: سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: «مَن قال: أستغفِرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلا هو الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إليه، غُفِرَ له وإن كان فَرَّ مِن الزَّحْفِ». أخرجه أبو داود (1517)، والترمذي (3577).
* عن أسماءَ بنتِ يَزيدَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «اسمُ اللهِ الأعظَمُ في هاتينِ الآيتَينِ: ﴿وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلرَّحْمَٰنُ اْلرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 163]، وفاتحةِ آلِ عِمْرانَ ﴿الٓمٓ 1 اْللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُ﴾ [آل عمران: 1-2]». أخرجه الترمذي (3478).
* عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ لفاطمةَ رضي الله عنها: «ما يَمنَعُكِ أن تَسمَعي ما أُوصِيكِ به: أن تقولي إذا أصبَحْتِ وإذا أمسَيْتِ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ، برحمتِك أستغيثُ، أصلِحْ لي شأني كلَّه، ولا تَكِلْني إلى نفسي طرفةَ عينٍ». أخرجه النسائي في "الكبرى" (10514)، والبزار (6368)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (48).
* عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يدعو: يا حَيُّ يا قَيُّومُ». أخرجه النسائي في "الكبرى" (7833).
- وجاء مفردًا مضافًا في قوله ﷺ في حديثِ ابنِ عباسٍ في استفتاحِ صلاة الليل: «اللهمَّ لك الحمدُ؛ أنت ربُّ السمواتِ والأرضِ ومَن فيهنَّ، اللهمَّ لك الحمدُ؛ أنت قَيُّومُ السمواتِ والأرضِ ومَن فيهنَّ...». أخرجه البخاري (1120)، ومسلم (769).
(قيامُ) اللهِ بذاته، و(إقامتُه) لغيرِه: ثابتانِ بالعقل؛ بدلالةِ الحدوث والإمكان في الذواتِ والصفات؛ فـ(الحادث) هو ما كان مسبوقًا بعدم، و(الممكِن) هو ما كان قابًلا للوجود والعدم، وكلُّ حادثٍ ممكِنٍ يفتقرُ إلى واجبٍ بنفسه، مُحدِثٍ لا يكون هو مُحدَثًا؛ منعًا للتسلسل. "درء التعارض" لابن تيمية (3 /265).
مِن أعظَمِ ما يُثمِره الإيمانُ باسم الله (القَيُّوم): التعلُّقُ بالله عز وجل دُونَ ما سِواه؛ يقول الواسِطيُّ: «ومَن شَهِد (القَيُّوميَّة)، تعلَّق باللهِ عز وجل في سائر الأحوال؛ فإن الحوادثَ كلَّها من خيرٍ وشرٍّ هي من نتائجِ فضله، أو أقضيتِه (أي: مقتضياته)؛ فيجب علينا دوامُ الافتقار إلى الله تعالى؛ ليَحفَظَنا في طاعته، ويحرُسَنا عن معصيته؛ وهذا أصلٌ كبير، تخلَّف عنه قوم، ففاتَهم به فضلٌ كثير. قال بعضُ المشايخ: مَن أدام الالتجاءَ إلى الله تعالى في أكلِه وشُرْبِه، وتقلُّباته وحركاته: فتَح اللهُ عز وجل عليه بابَ المَشاهد؛ وهو: تنويرُ الباطن بأنوارِ العظَمة والجلال». "مدخل أهل الفقه واللسان" (ص85).
وهذا يَحمِل العبدَ على التوجُّه لله بالدعاء، والإكثار منه، والاستغاثة به جل وعلا، وخصوصًا باسمَيهِ (الحَيِّ)، و(القَيُّوم)؛ كما ذكَر ابنُ القيِّم في هذا: «انتظَم الاسمانِ صفاتِ الكمال، والغِنى التامِّ، والقدرة التامة، فكأنَّ المستغيثَ بهما مستغيثٌ بكلِّ اسم من أسماء الربِّ تعالى، وبكلِّ صفةٍ من صفاته، فما أولى الاستغاثة بهذين الاسمينِ أن تكونَ في مظنةِ تفريج الكُرُبات، وإغاثة اللَّهَفات، وإنالة الطلبات». انظر: "بدائع الفوائد" لابن القيم (2 /679).
آثارُ (قَيُّوميَّة) اللهِ سبحانه وتعالى ظاهرةٌ لكلِّ شيء، وفي كلِّ شيء من المخلوقات: جامدِها ومتحرِّكِها، فاجرِها وتَقِيِّها؛ فحفظُ اللهِ يرعاها، والوجودُ بأكمله مفتقِرٌ إلى قيامِ الله عليه، وتدبيرِه شؤونَه، وإن هذه الآثارَ أشَدُّ ظهورًا في أولياءِ الله وأحِبَّتِه؛ فإن لها فيهم شأنًا آخَرَ، وطعمًا خاصًّا يَظهَر في حفظِه، ورعايته، ولطفِه بعباده المتَّقين؛ قال ابنُ القَيِّم: «فإنه سبحانه (القَيُّوم)، المُقِيم لكلِّ شيءٍ من المخلوقات: طائعِها، وعاصيها، فكيف تكون قَيُّوميَّتُه بمَن أحَبَّه وتولَّاه، وآثَره على ما سِواه، ورَضِيَ به مِن الناس حبيبًا ورَبًّا، ووكيلًا وناصرًا، ومُعِينًا وهاديًا؟! فلو كشَف الغطاءَ عن ألطافِه وبِرِّهِ وصُنْعِه له من حيث يَعلَم ومن حيث لا يَعلَم، لذابَ قلبُه حبًّا له، وشوقًا إليه، وتقطَّعَ شكرًا له». "طريق الهجرتين " (1 /389).
«(القَيُّومُ): هو القائمُ الدائم بلا زوالٍ، فيَرجِع معناه إلى صفةِ (البقاء)، و(البقاءُ) من صفةِ الذات، وقيل: هو المُدبِّر والمُتولِّي لجميعِ ما يجري في العالَم، وهو على هذا المعنى من صفاتِ الفعل».
البَيْهَقِي "الاعتقاد" (ص64).
«(الحَيُّ - القَيُّومُ): كاملُ الحياةِ، والقائمُ بنفسه، القَيُّوم لأهلِ السموات والأرض، القائمُ بتدبيرِهم، وأرزاقهم، وجميع أحوالهم.
فـ(الحَيُّ): الجامعُ لصفاتِ الذات، و(القَيُّوم): الجامعُ لصفات الأفعال».
ابن سَعْدي "تفسير السعدي" (1 /948).
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "النونية" (1 /730).
هَذَا وَمِنْ أَوْصَافِهِ القَيُّومُ وَالْـ
قَيُّومُ فِي أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ إِحْدَاهُمَا القَيُّومُ قَامَ بِنَفْسِهِ
وَالكَوْنُ قَامَ بِهِ هُمَا الأَمْرَانِ فَالأَوَّلُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ غَيْرِهِ
وَالفَقْرُ مِنْ كُلٍّ إِلَيْهِ الثَّانِي وَالوَصْفُ بِالقَيُّومِ ذُو شَأْنٍ كَذَا
مَوْصُوفُهُ أَيْضًا عَظِيمُ الشَّانِ