الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
الارتداد عن دين الإسلام إلى الكفر تارة يكون بترك الإسلام بالكلية إلى ملة من ملل الكفر. وتارة يكون بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام مع بقاء التسمي بالإسلام وأداء شعائره، فيكون محسوباً من جملة المسلمين وهو ليس منهم.
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام ديناً. وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس. وأمرنا بالتمسك بهذا الدين والثبات عليه إلى الممات. وحذرنا من التخلي عنه فقال سبحانه: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [سورة البقرة: 217].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى. إن دين الله واحد وطريقه واضح مستقيم. وإن الضلال طرق متشعبة ومتاهات كثيرة قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].
وعلى كل سبيل من سبل الضلال شيطان يدعو إليه. فالسالك على طريق الحق تعترضه صوارف عن المضي في طريقه إلى طرق الضلال تارة بالترغيب وتارة بالترهيب فهو يحتاج إلى علم بالطريق المستقيم وعلم بتلك الطرق المضلة ويحتاج إلى صبر وثبات على الحق.
أيها المسلمون: والارتداد عن دين الإسلام إلى الكفر تارة يكون بترك الإسلام بالكلية إلى ملة من ملل الكفر. وتارة يكون بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام مع بقاء التسمي بالإسلام وأداء شعائره، فيكون محسوباً من جملة المسلمين وهو ليس منهم.. وهذا أمر خطير وموقف دقيق يحتاج إلى بصيرة نافذة يحصل بها الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال. إذ كثيراً ما يلتبس هذا الموقف على كثير من الناس بسبب جهله بنواقض الإسلام وأسباب الردة. فيظن أن من أدى شيئاً من شعائر الإسلام صار مسلماً ولو ارتكب شيئاً من المكفرات – وهذا الظن الفاسد إنما نشأ من الجهل بحقيقة الإسلام. وما يناقضه. وهذا واقع مؤلم يعيشه كثير من الناس في عصرنا هذا ممن لا يميزون بين الحق والباطل والهدى والضلال. فصاروا يطلقون مسمى الإسلام على من يؤدي بعض شعائره ولو ارتكب ألف ناقض. ولم يعلم هؤلاء أن من ادعى الإسلام ومارس بعض العبادات ثم ارتكب شيئاً من نواقضه فهو بمثابة من يتوضأ ثم يحدث، فهل يبقى لوضوئه أثر؟!
إن الإسلام ليس مجرد دعوى بلا حقيقة ولا هو جمع بين المتناقضات.
إن الإسلام دين الحق والصدق. إن الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك. إن الإسلام وحدة كاملة لا تتجزأ لا بد من القيام بشعائره وحقوقه وتجنب نواقضه. إن الإسلام دين ودولة.
عبادة وحكم وعمل. دعوة وجهاد. وبالجملة فالإسلام يحكم جميع التصرفات والتحركات الصادرة من معتنقيه.
عبادة الله: إنه لا يكون الرجل مسلماً بمجرد الانتساب إلى الإسلام مع البقاء على ما يناقضه من الأمور الكفرية، كما أنه لا يكفي مدح الإسلام والثناء عليه من غير تمسك بأهدابه وعمل بأحكامه. فاليوم المنتسبون إلى الإسلام كثير ولكن المسلمين منهم بالمعنى الصحيح قليل. واليوم تسمع كثيراً وتقرأ كثيراً من مدح الإسلام، ولكن إذا رجعنا إلى مجال التطبيق والعمل وجدنا الشقة بعيدة حقيقة الإسلام وبين كثير ممن يمدحونه ويثنون عليه.. وإنه لمن الظلم الواضح والضلال المبين أن نطلق اسم الإسلام على من لا يستحقه لمجرد أنه يدعيه أو يمدحه ويثني عليه، وهو بعيد عنه بأفعاله وتصرفاته.. كما أنه من الظلم الواضح والضلال المبين أن نصف بالإسلام من هو مرتكب لما يناقضه من أنواع الردة لمجرد أنه يصوم أو يصلي أو يمارس شيئاً من شعائره، وهذا منا إما نتيجة جهل بحقيقة الإسلام أو اتباع للهوى، وكلا الأمرين خطير وقبيح.
عباد الله: إن نواقض الإسلام كثيرة وأسباب الردة متعددة، لكننا نذكر منها ما يكثر وقوعه اليوم في مجتمعاتنا لنكون على بينة منه لنحذره، فمنها:
الشرك في عبادة الله تعالى، مثل ما يفعل اليوم عند القبور من التقرب إلى الموتى بطلب الحاجات منهم، وصرف النذور لهم، والذبح لأضرحتهم، والذبح للجن لطلب شفاء المريض، وهذا واقع اليوم وكثير فيمن يدعون الإسلام، والذي يذهب إلى البلاد المجاورة يرى هذا عياناً. ومنه شيء يفعل عندنا ويمارسه الذين يذهبون إلى المشعوذين والدجالين لطلب العلاج، فيأمرونهم بالذبح للجن فينفذون ذلك من غير مبالاة. والذبح لغير الله شرك أكبر.
ومن أنواع الردة عن الإسلام الاستهزاء بشيء مما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- كالذي يستهزئ بإعفاء اللحى أو بالسواك أو بالأمر بالمروف والنهي عن المنكر أو الجهاد أو غير ذلك –قال الله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65-66].
ومن أنواع الردة عن الإسلام الحكم بغير ما أنزل الله. فمن حكم بغير ما أنزل الله وهو يرى أنه أحسن من حكم الله ورسوله وأصلح للناس، أو يرى أنه مخير بين أن يحكم بما أنزل الله أو يحكم بغيره من القوانين؛ فهو كافر مرتد عن الإسلام. قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44]. وسواء حكم القانون في كل شيء، أو حكمه في بعض القضايا ما دام أنه يرى أن ذلك أصلح للمجتمع أو أنه أمر جائز فهو كافر بالله، ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم. وكذلك الذي يطلب التحاكم إلى غير الشرع قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) إلى قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء: 60-65].
وهذا خطر داهم المسلمين اليوم، فإن كثيراً من الحكام نبذوا كتاب الله واستبدلوه بقوانين استوردوها من الغرب وحكموا بها بين الناس. فيجب على المسلم أن يعرف حكم الله في هؤلاء ويحكم به عليهم.
ولا يرضى بفعلهم.
ومن نواقض الإسلام ترك الصلاة، فمن تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، ومن تركها وهو يقر بوجوبها لكن تركها من باب الكسل؛ فهذا يؤمر بها ويدعى إليها، فإن أبى يصلي واستمر على تركها فهو كافر على الصحيح. قال تعالى:(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 5]. وقال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة: 11]. فدلت الآيتان على أن من لم يقم الصلاة لا يخلى سبيله بل يقتل، وليس هو من إخواننا لأنه كافر. وقال تعالى عن أهل النار: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) إلى قوله تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر: 42-48].
فأخبر أن من جملة الأسباب التي دخلوا بها النار ترك الصلاة، وأخبر أنهم شفاعة الشافعين، فدل على أنهم كفار لأن المسلم تنفعه شفاعة الشافعين بإذن الله. وقال –صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم –يعني الكفار- الصلاة" فدل الحديث على أن الصلاة هي الفارقة بين الكافر والمسلم، فمن لم يصل فليس بمسلم.. وقال –صلى الله عليه وسلم- "بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة". وهذه نصوص من كتاب الله وسنة رسوله تدل على كفر تارك الصلاة وخروجه من الملة، ولو كان يدعي الإسلام ويقيم مع المسلمين. وقد كثر اليوم ترك الصلاة وعدم المبالاة بها –مع العلم أن تاركها لاحظ له في الإسلام. بل يستتاب، فإن تاب وأقام الصلاة وإلا قتل مرتداً لا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه بل يصادر ماله لبيت مال المسلمين. وكذلك يجب أن يفرق بينه وبين زوجته المسلمة لأن المسلمة لا تحل لكافر. قال تعالى: (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) [الممتحنة: 10].
فلا يجوز أن يزوج من مسلمة ولا يجوز أن تبقى معه مسلمة في عصمته. ولو أن حكم الله نفذ في هؤلاء وطهرت منهم بلاد المسلمين وبيوت المسلمين لارتدع الناس عن هذه الجريمة، ولم يجد هذا المجرم مكاناً له في مجتمع المسلمين. ولكن حينما أغمض المسلمون أعينهم عن هؤلاء، وتركوهم يساكنونهم في بيوتهم ويتزوجون من نسائهم، صارت جريمتهم من الأمور المعتادة التي لا تستنكر، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها المسلمون: ومن نواقض الإسلام التي كثر انتشارها اليوم في المجتمعات الإسلامية اعتناق المبادئ الهدامة كالشيوعية والاشتراكية والقوميات المناهضة للإسلام، فمن استصوب شيئاً من هذه المبادئ، أو دافع عنه أو أعان أهله على المسلمين، فقد ارتد عن دين الإسلام ولحق بالكفار. فلنكن على بصيرة من ديننا وبيّنة من أمرنا، لنعرف ما هو الإسلام وما هي نواقضه حتى نحذر منها ومن أهلها.
اللهم بصرنا بالإسلام وثبّتنا عليه إلى يوم نلقاك غير مُبَدِّلين ولا مغيّرين يا رب العالمين. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 25-28].