(خبَرَ) الشيءَ: أحاطَ بمعانيه ودخائلِه، و(الخِبْرةُ): هي العلم بالشيء؛ كما يقال: مِن أين خبَرْتَ هذا الأمرَ؟ أي: مِن أين عَلِمْتَه؟
و(الخبيرُ): هو العالِمُ بكُنْهِ الشيء، المُطَّلِعُ على حقيقتِه؛ كقوله تعالى: ﴿اْلرَّحْمَٰنُ فَسْـَٔلْ بِهِۦ خَبِيرٗا﴾ [الفرقان: 59]. يقال: فلانٌ بهذا الأمرِ خبيرٌ، وله به خُبْرٌ، وهو أخبَرُ به مِن فلانٍ؛ أي: أعلَمُ. إلا أن (الخُبْرَ) إذا استُعمِل في صفة المخلوقين، فالمقصود به: العلمُ الذي يدخُلُه الاختبارُ والتجريب، ويُتوصَّل إليه بالاجتهاد وإعمالِ العقل، دُونَ العلم البَدَهي الضروري. انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص63).
هو اسمٌ من أسماءِ الله الحسنى، يدل على كمالِ علمِ الله سبحانه وتعالى؛ فهو (العليمُ) بسرائرِ عباده، وضمائرِ قلوبهم، (الخبيرُ) بأمورهم، الذي لا يَخفَى عنه شيءٌ. انظر: "تفسير الطبري" (23 /92).
وعلمُ الله سبحانه سواءٌ فيما غمُضَ مِن الأشياء وفيما لطُفَ، وفيما تجلَّى به منه وظهَر، وإنما الاختلافُ في مَدارِك علوم الآدميِّين، الذين يَتوصلون إليها بالحواسِّ، أو بالتأمُّل والتفكير، وتعالى اللهُ عن هذه الصفاتِ علوًّا كبيرًا. انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص63).
ما دلت عليه اللغةُ يتفق مع ما جاء في الاصطلاح، إلا أنَّ عِلْمَ الله موصوفٌ بالكمال المطلَق؛ فهو لا يَتفاوت ولا يختلف باختلافِ المعلوم كما هو حالُ علمِ الآدميِّين.
يدل اسمُ اللهِ (الخبيرُ) على إثباتِ صفة (العلم) لله سبحانه وتعالى.
الفرق بين الاسمينِ: هو أنَّ (الخبيرَ) أخصُّ دلالةً من (العليم)؛ لأن العلمَ هو خلافُ الجهلِ إجمالًا، أما (الخبيرُ) فهو مَن لا تعزُبُ عنه الأخبارُ الباطنة، وهو العالِمُ بكُنْهِ الأشياء، المُطَّلِعُ على حقائقها؛ لأنه مشتقٌّ من (خبَرَ) الشيءَ: إذا أحاطَ بمعانيه ودخائلِه. انظر: "عدة الصابرين" لابن القيم (421).
ويمكننا أن نقولَ: (العليم) و(الخبير) اسمانِ إذا اجتمَعا افترَقا، وإذا افترَقا اجتمَعا، فإذا اقترَنا كان (العليمُ) بمعنى الإحاطةِ العِلْمية للعالَمِ المشهود، و(الخبيرُ) بمعنى العلمِ بالغيبِ وبواطن الأمور، وإذا جاء كلُّ واحدٍ منهما مفرَدًا، دلَّ على إحاطةِ علم الله بالظواهرِ والبواطن.
انظر: العليمجاء اسمُ اللهِ (الخبيرُ) في (45) موضعًا في القرآن الكريم، وتنوَّعتْ هذه المواضعُ:
* فمنها: ما يأتي مفردًا؛ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٖ لَّخَبِيرُۢ﴾ [العاديات: 11].
* ومنها: ما يأتي متعلِّقًا بأعمال المكلَّفين؛ كما في قوله جل جلاله: ﴿فَـَٔامِنُواْ بِاْللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَاْلنُّورِ اْلَّذِيٓ أَنزَلْنَاۚ وَاْللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ [التغابن: 8].
* ومنها: ما يكون مقترنًا باسمٍ آخَرَ من أسماءِ الله؛ كـ: (العليم)، و(الحكيم)، و(البصير)؛ ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿قَالَ نَبَّأَنِيَ اْلْعَلِيمُ اْلْخَبِيرُ﴾ [التحريم: 3]، وقوله تعالى: ﴿عَٰلِمُ اْلْغَيْبِ وَاْلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ اْلْحَكِيمُ اْلْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 73]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اْللَّهَ بِعِبَادِهِۦ لَخَبِيرُۢ بَصِيرٞ﴾ [فاطر: 31]، يقول الطاهرُ بن عاشور في تفسير اقترانِ هذين الاسمينِ: «و(الخبير): العالِمُ بدقائقِ الأمور المعقولة والمحسوسة، والظاهرة والخفية. و(البصير): العالِمُ بالأمور المُبصَرة. وتقديمُ (الخبير) على (البصير): لأنه أشمَلُ، وذكرُ (البصير) عَقِبَه: للعنايةِ بالأعمال التي هي من المُبصَرات، وهي غالبُ شرائعِ الإسلام». "التحرير والتنوير" (22 /310).
جاء اسمُ اللهِ (الخبيرُ) في حديثِ عائشةَ رضي الله عنها الذي تَروي فيه قصةَ تتبُّعها للنبيِّ ﷺ إلى البقيع:
* عن عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «ما لكِ يا عائشُ حَشْيَا رابيةً؟!»، قالت: قلتُ: لا شيءَ، قال: «لتُخبِرِيني أو لَيُخبِرَنِّي اللطيفُ الخبيرُ؟!». أخرجه مسلم (974).
الدليلُ العقلي على علمِ الله عز وجل هو إيجادُه للمخلوقات؛ قال في "الأصبهانية": «والدليلُ على علمه: إيجادُه للأشياء؛ لاستحالةِ إيجادِه الأشياءَ مع الجهل»، وقال ابنُ تيميَّة في شرح هذا الدليل: «وبيانُه من وجوه:
أحدها: أن إيجادَه الأشياءَ هو بإرادته، والإرادةُ تستلزم تصوُّرَ المراد قطعًا، وتصوُّرُ المراد هو العلمُ؛ فكان الإيجادُ مستلزمًا للإرادة، والإرادةُ مستلزمةً للعلم؛ فالإيجادُ مستلزمٌ للعلم.
الثاني: أن المخلوقاتِ فيها من الإحكامِ والإتقان ما يستلزمُ عِلْمَ الفاعل بها؛ لأن الفعلَ المُحكَم المُتقَن يمتنِعُ صدورُه عن غيرِ عالِمٍ». انظر للاستزادة: "شرح الأصبهانية" (ص396).
مَن آمَن باسم الله (الخبيرِ)، حصَّل فوائدَ عظيمة؛ منها:
* تحقيقُ مراقبة الله عز وجل في ظاهرِه وباطنه؛ فراقَب أفعالَه وسلوكاته، وراقَب قَلْبَه وما انطوى عليه من صحةٍ ومرض، وكان ذلك دَيْدنَه حتى يَلقَى اللهَ بقلبٍ سليم؛ يقول الإمام الغزاليُّ في هذا: «حظُّ العبدِ من ذلك: أن يكونَ خبيرًا بما يجري في عالَمِه، وعالَمُه: قلبُه، وبَدَنُه، والخفايا التي يتصف القلبُ بها؛ من الغِشِّ، والخيانة، والتَّطْواف حول العاجلةِ، وإضمارِ الشرِّ، وإظهار الخير، والتجمُّلِ بإظهار الإخلاص مع الإفلاسِ عنه، لا يَعرِفها إلا ذو خِبْرةٍ بالغة؛ قد خبَرَ نفسَه، ومارَسها، وعرَف مكرَها وتلبيسَها وخُدَعَها؛ فحاذَرها، وتشمَّرَ لمعاداتها، وأخَذ الحذَر منها؛ فذلك من العباد جديرٌ بأن يسمى خبيرًا». "المقصد الأسنى" (ص201).
* وإذا تم للعبد ذلك، اندفَع إلى الالتزام بطاعةِ الله ورسوله؛ فيَلتزم بذلك قولَه تعالى: ﴿فَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ اْلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَاْللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المجادلة: 13]، واجتنَب الذُّنوب، وامتنَع من مقارفتها؛ لإيمانِه بقوله تعالى: ﴿وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا﴾ [الإسراء: 17]، وحاسَب نفسه؛ ﴿وَلْتَنظُرْ نَفْسٞ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٖۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحشر: 18].
* الاطمئنانُ لأحكامِ الله: الكونية، والشرعية؛ لأن المؤمنَ باسم الله (الخبيرِ) يَعلَم أن كلَّ هذه الأحكام صدَرتْ عن خِبْرةٍ تامة، وحِكْمة بالغة، وعلمٍ شامل لظواهرِ الأمور وبواطنها.
يظهر أثرُ اسم الله (الخبير) في الكونِ والحياة في حفظِه لهما؛ فإن العالِمَ بالشيء الخبيرَ بتفاصيلِه الظاهرة والخفيَّة، الصغيرة والكبيرة: هو الأَوْلى بحفظِه وتدبيره من أيِّ أحد سِواه؛ لأنه الأقدَرُ على ذلك.
«هو الذي لا يعزُبُ عنه الأخبارُ الباطنة؛ فلا يَجري في المُلْكِ والملكوت شيءٌ، ولا تَتحرَّك ذرةٌ ولا تسكُنُ، ولا تَضطرب نفسٌ ولا تطمئنُّ: إلا ويكونُ عنده خَبَرُها، وهو بمعنى (العليم)، لكنِ العِلْمُ إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سُمِّي خِبْرةً، ويسمى صاحبُها خبيرًا».
الغَزالي "المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (201).
«(العليم - الخبير): وهو الذي أحاط علمُه بالظواهرِ والبواطن، والإسرارِ والإعلان، وبالواجباتِ والمستحيلات والممكِنات، وبالعالَم العُلْوي والسُّفْلي، وبالماضي والحاضر والمستقبَل؛ فلا يَخفَى عليه شيءٌ من الأشياء».
ابن سَعْدي "تيسير الكريم الرحمن" (1 /945).
«(الخبير): العالِمُ بدقائقِ الأمور المعقولة والمحسوسة، والظاهرة والخفيَّة».
ابن عاشُور "التحرير والتنوير" (22 /310).