البحث

عبارات مقترحة:

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

السماحة

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات

اقتباس

إِنَّ المُعَامَلَةَ بِالسَّمَاحَةِ وَاللِّينِ ، وَأَخذَ العَفوِ مِنَ النَّاسِ وَالتَّجَاوُزَ عَن زَلاَّتِهِم ، أَخلاقٌ لا بُدَّ مِنهَا وَلا غِنى لِلنَّاسِ عَنهَا ، وَلا يُمكِنُ أَن تَسِيرَ حَيَاتُهُم سَعِيدَةً مِن دُونِهَا ، إِذِ الكَمَالَ فِيهِم عَزِيزٌ ، وَمَا مِن أَحَدٍ مِنهُم إِلاَّ وَهُو ذُو خَطَأٍ وَزَلَلٍ وَنَقصٍ وَخَلَلٍ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ لَهُم أَن يَتَعَامَلُوا بِالسَّمَاحَةِ وَاللِّينِ ، وَأَن يَتَنَازَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم عَن شَيءٍ..

أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الوَاجِبَاتُ الَّتي جَاءَت بها الشَّرِيعَةُ وَالسُّنَنُ وَالمَندُوبَاتُ ، وَأَعمَالُ الخَيرِ وَصُنُوفُ البِرِّ وَالطَّاعَاتُ وَالقُرُبَاتُ ، لَيسَت في مَعزِلٍ عَن تَصَرُّفَاتِ الإِنسَانِ في حَيَاتِهِ وَعِلاقَتِهِ مَعَ غَيرِهِ ، بَل هِيَ تَتَأَثَّرُ بِتِلكَ التَّصَرُّفَاتِ وَتُؤَثِّرُ فِيهَا ، وَلا تَنفَكُّ عَنهَا بِحَالٍ ، وَمَن ظَنَّ أَنَّ اكتِسَابَ الأَجرِ وَالتَّخَلُّصَ مِنَ الوِزرِ ، يَحصُلُ بِمُجَرَّدِ أَعمَالٍ مَحدُودَةٍ يُؤَدِّيهَا المَرءُ في المَسجِدِ ، أَو دَقَائِقَ مَعدُودَةٍ يَتَفَرَّغُ فِيهَا لِرَبِّهِ ، ثم يَنطَلِقُ بَعدُ في حَيَاتِهِ مَعَ النَّاسِ بِلا خِطَامٍ وَلا زِمَامٍ ، فَقَد أَبعَدَ النُّجعَةَ وَأَخطَأَ طَرِيقَ الصَّوَابِ .

وَإِنَّ كَثرَةَ العِبَادَاتِ وَتَنَوُّعَ الطَّاعَاتِ والقُرُبَاتِ ، مَا لم تُورِثِ العَبدَ رِقَّةً في قَلبِهِ وَخُشُوعًا ، وَتُكسِبْهُ مَحَبَّةً لِلتَّوبَةِ وَبُعدًا عَنِ الإِصرَارِ عَلَى المَعصِيَةِ ، وَتَمنَحْهُ زَكَاءً لِنَفسِهِ وَصَفَاءً لِمَعدِنِهِ ، وَحُسنَ خُلُقٍ وَسَعَةَ صَدرٍ وَقُوَّةَ صَبرٍ ، إِنَّهَا لَجَدِيرَةٌ بِأَن تُرَاجَعَ وَيُعَادَ فِيهَا النَّظَرُ ، لِتُؤَدَّى كَمَا يَجِبُ وَيَنبَغِي ، فَتُؤتِيَ ثِمَارَهَا في حَيَاةِ صَاحِبِهَا ، وَتَضبِطَ سُلُوكَهُ وَتُهَذِّبَ أَخلاقَهُ ، وَتُكسِبَهُ مِن آدَابِ المُخَالَطَةِ وَحُسنِ المُعَاشَرَةِ ، مَا لا غِنى لَهُ عَنهُ ، لِيَعِيشَ في حَيَاتِهِ مُحِبًّا وَمَحبُوبًا ، وَلِيَكُونَ بَينَ النَّاسِ آلِفًا وَمَألُوفًا ، وَلِيُرَى بَينَهُم سَهلاً هَينًا لَينًا ، مُتَّصِفًا بِالخَيرِيَّةِ الَّتي مَدَحَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ صَاحِبَهَا حَيثُ قَالَ : " أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُم أَخلاقًا ، المُوَطَّؤُونَ أَكنَافًا ، الَّذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤلَفُونَ ، وَلا خَيرَ فِيمَن لا يَألَفُ وَلا يُؤلَفُ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " المُؤمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم ، خَيرٌ مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ في الأَدَبِ المُفرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

عِبَادَ اللهِ ، إِنَّ المُعَامَلَةَ بِالسَّمَاحَةِ وَاللِّينِ ، وَأَخذَ العَفوِ مِنَ النَّاسِ وَالتَّجَاوُزَ عَن زَلاَّتِهِم ، أَخلاقٌ لا بُدَّ مِنهَا وَلا غِنى لِلنَّاسِ عَنهَا ، وَلا يُمكِنُ أَن تَسِيرَ حَيَاتُهُم سَعِيدَةً مِن دُونِهَا ، إِذِ الكَمَالَ فِيهِم عَزِيزٌ ، وَمَا مِن أَحَدٍ مِنهُم إِلاَّ وَهُو ذُو خَطَأٍ وَزَلَلٍ وَنَقصٍ وَخَلَلٍ ، وَمِن ثَمَّ كَانَ لا بُدَّ لَهُم أَن يَتَعَامَلُوا بِالسَّمَاحَةِ وَاللِّينِ ، وَأَن يَتَنَازَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم عَن شَيءٍ مِن حَظِّ نَفسِهِ ، وَيَجُودَ بِجُزءٍ مِن حَقِّهِ ، لِيَحِلَّ مُشكِلَةً هُوَ أَحَدُ أَطرَافِهَا ، أَو لِيَطوِيَ صَفحَةً طَالَ الحَدِيثُ فِيهَا ، أَو لِيَتَأَلَّفَ قَلبـًا يَدعُوهُ ، أَو لِيَستَطِيبَ نَفسًا نَفَرَت مِنهُ . وَإِذَا كَانَ الكَثِيرُونَ في عَالَمِ اليَومِ ، يَرَونَ الرُّجُولَةَ وَالشَّجَاعَةَ في التَّغَلُّبِ عَلَى الآخَرِينَ ، أَوِ التَّحَايُلِ عَلَيهِم وَسَلبِهِم حُقُوقَهُم ، أَوِ الإِصرَارِ وَالإِلحَافِ في المُطَالَبَةِ وَالشِّدَّةِ في المُخَاصَمَةِ ، فَإِنَّ مَن سَمَت رُوحُهُ وَزَكَت نَفسُهُ وَارتَقَى خُلُقُهُ ، لا يَسعَدُ إِلاَّ بِإِسعَادِ غَيرِهِ ، وَلا يَرتَاحُ إِلاَّ بِرَاحَةِ مَن حَولَهُ ، وَلا يَطِيبُ نَفسًا وَلا يَطمَئِنُّ لَهُ بَالٌ ، إِلاَّ بِرِضَاهُم وَاطمِئنَانِ قُلُوبِهِم ، قَائِدُهُ في ذَلِكَ وَرَائِدُهُ ، قَولُ اللهِ ـ تَعَالى ـ : " فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالمِينَ "

عِبَادَ اللهِ ، النَّفسُ السَّمحَةُ كَالأَرضِ الطَّيِّبَةِ المُستَوِيَةِ ، لِكُلِّ مَا يُرَادُ مِنهَا مِن خَيرٍ صَالِحَةٌ ، إِن أَرَدتَ عُبُورَهَا هَانَت ، وَإِن شِئتَ حَرثَهَا لانَت ، وَإِنِ ابتَغَيتَ البِنَاءَ فِيهَا سَهُلَت ، وَإِن رُمتَ النَّومَ عَلَيهَا تَمَهَّدَت .

وَالسَّمَاحَةُ لَيسَت فِعلاً لِمَا يَجِبُ دَائِمًا ، وَلا هِيَ اقتِصَارٌ عَلَى أَدَاءِ الحُقُوقِ غَالِبًا ، وَلَكِنَّمَا هِيَ في بَذلِ مَا لا يَجِبُ ، تَفَضُّلاً عَلَى الآخَرِينَ وَإِحسَانًا إِلَيهِم وَتَجَاوُزًا عَنهُم ، وَتَيسِيرًا لأُمُورِهِم وَمُلايَنَةً لَهُم ، وَعَدَمَ قَصدٍ لِقَهرِهِم أَوِ التَّسَلُّطِ عَلَيهِم ، إِنَّهَا تَركٌ لِلمِرَاءِ وَالخُصُومَاتِ ، وَزُهدٌ في الجَدَلِ وَالمُنَاظَرَاتِ ، وَابتِعَادٌ عَنِ الرُّدُودِ وَالمُلاسَنَاتِ ، يَتَحَلَّى بها كِرَامُ الخَلقِ ، وَيَتَّصِفُ بها أَجوَادُ النَّاسِ ، ائِتَمَارًا بِأَمرِ اللهِ وَطَمَعًا فِيمَا أَعَدَّهُ مِن فَضلٍ ، وَتَخَلقًا بِأَخلاقِ المُؤمِنِينَ المُتَّقِينَ ، حَيثُ قَالَ ـ تَعَالى ـ : " خُذِ العَفوَ وَأمُرْ بِالعُرفِ وَأَعرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ " ، وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَأَن تَعفُوا أَقرَبُ لِلتَّقوَى " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " المُؤمِنُونَ هَينُونَ لَينُونَ ، كَالجَمَلِ الأَنِفِ ، الَّذِي إِن قِيدَ انقَادَ ، وَإِذَا أُنِيخَ عَلَى صَخرَةٍ استَنَاخَ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ مُرسَلاً وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَنَا زَعِيمٌ بِبَيتٍ في رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَن تَرَكَ المِرَاءَ وَإِن كَانَ مُحِقًّا ... " الحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .

عِبَادَ اللهِ ، سَمَاحَةُ المَرءِ تُكسِبُهُ سَمَاحَةَ الرَّبِّ ـ سُبحَانَهُ ـ وَتُورِثُهُ سَمَاحَةَ النَّاسِ وَمَحَبَّتَهُم ، وَتُحَرِّمُهُ عَلَى النَّارِ وَتُدخِلُهُ الجَنَّةَ ، وَكُلَّمَا أَنظَرَ المُسلِمُ مُعسِرًا أَو تَجَاوَزَ عَن مُحتَاجٍ أَو سَمَحَ لَهُ بِجُزءٍ مِن حَقِّهِ ، أَو أَقَالَ مُسلِمًا في بَيعَتِهِ ، أَو قَضَاهُ بِأَكثَرَ مِن حَقِّهِ ، كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا في تَجَاوُزِ اللهِ عَنهُ وَرَحمَتِهِ إِيَّاهُ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " اِسمَحْ يُسمَحْ لَكَ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى الهَيِّنِ اللَّيِّنِ السَّهلِ القَرِيبِ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : صَحِيحٌ لِغَيرِهِ ، وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَلَاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَدخَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ رَجُلاً كَانَ سَهلاً مُشتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقتَضِيًا الجَنَّةَ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا رَأى مُعسِرًا قال لِفِتيَانِهِ : تَجَاوَزُوا عَنهُ ، لَعَلَّ اللهَ أن يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَن يَسَّرَ عَلَى مُعسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشتَرَى وَإِذَا اقتَضَى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن أَقَالَ مُسلِمًا بَيعَتَهُ ، أَقَالَهُ اللهُ عَثرَتَهُ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ ، وَعَن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَتَقَاضَاهُ بَعِيرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَعطُوهُ " فَقَالُوا : مَا نَجِدُ إِلاَّ سِنًّا أَفضَلَ مِن سِنِّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَعطُوهُ ، فَإِنَّ مِن خِيَارِ النَّاسِ أَحسَنَهُم قَضَاءً " فَقَالَ الرَّجُلُ : أَوفَيتَني أَوفَاكَ اللهُ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

إِنَّ السَّمَاحَةَ تَوفِيقٌ مِنَ اللهِ ، لا يُؤتَاهَا إِلاَّ أَهلُ الإِيمَانِ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم ، وَلْتَكُنِ النُّفُوسُ بِالخَيرِ سَخِيَّةً وَالأَيدِي بِالعَطَاءِ نَدِيَّةً ، وَاستَمسِكُوا بِعُرَى السَّمَاحَةِ ، وَقَدِّمُوا اليَومَ مَا تَجِدُونَهُ غَدًا " وَلَا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولي القُربى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ في سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ "

الخطبة الثانية :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ فِيمَا أَمَرَكُم وَأَطِيعُوهُ ، وَتَجَنَّبُوا مَا نَهَاكُم عَنهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاعرِفُوا فَضلَهُ عَلَيكُم وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاحفَظُوا لإِخوَانِكُم حُقُوقَهُم ، وَاعلَمُوا أَنَّ السَّمَاحَةَ مَنزِلَةٌ سَامِيَةٌ ، لا يُوَفَّقُ إِلَيهَا إِلاَّ مَن عَظُمَ عِندَ اللهِ حَظُّهُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "
 

وَإِنَّ أَعظَمَ السَّمَاحَةِ وَأَعلَى دَرَجَاتِهَا ، أَن يَتَسَامَحَ المَرءُ مَعَ مَن أَسَاءَ إِلَيهِ ، أَو جَحَدَ فَضلَهُ وَنَسِيَ مَعرُوفَهُ ، وَهُوَ مَا حَصَلَ لأَبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ فَإِنَّهُ كَانَ يُنفِقُ عَلَى ابنِ عَمِّهِ مِسطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنهُ وَحَاجَتِهِ ، فَلَمَّا وَقَعَ المُنَافِقُونَ في عِرضِ ابنَتِهِ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ وَكَانَ مِسطَحٌ فِيمَن وَقَعُوا ، قَالَ الصِّدِّيقُ : وَاللهِ لَا أُنفِقُ عَلَى مِسطَحٍ شَيئًا أَبَدًا بَعدَمَا قَالَ لِعَائِشَةَ ، فَأَنزَلَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ : " وَلَا يَأتَلِ أُولُو الفَضلِ مِنكُم وَالسَّعَةِ أَن يُؤتُوا أُولي القُربى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ في سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " فَقَالَ أَبُو بَكرٍ : بَلَى وَاللهِ ، إِنِّي لَأُحِبُّ أَن يَغفِرَ اللهُ لي ، فَرَجَعَ إِلى مِسطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجرِي عَلَيهِ .

وعن أَبي هُرَيرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَن رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِن مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبدًا بِعَفوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ .