المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
ومن أعظم ما ينبغي أن يُعنى به تجاه القلب العناية بسلامته من كل ما يسخط الله ويغضبه سبحانه، فهذا الذي ينفع العبد النفع العظيم يوم يلقى الله ويقف بين يديه سبحانه، قال الله سبحانه: ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
الحمدُ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيراً إلا دل الأمة عليه ولا شراً إلا حذَّرها منه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، فإنَّ في تقوى الله -جل وعلا- خلفاً من كل شيء وليس من تقوى الله خلف.
وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله، على نورٍ من الله، رجاء ثواب الله؛ وتركٌ لمعصية الله، على نورٍ من الله، خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: إنَّ من أعظم الواجبات وأجلِّ المهمات العناية بالقلب إصلاحاً وتزكية وتربيةً على العبودية لله والخضوع له جلَّ في علاه؛ فإن القلب -أيها المؤمنون- مَلِك الأعضاء، صلاحها بصلاحه وفسادها بفساده، ففي الحديث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ".
أيها المؤمنون عباد الله: إن الله -جل في علاه- لا ينظر إلى صور الناس، ولا إلى أموالهم؛ وإنما ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم؛ وأكرم القلوب عند الله القلب الأتقى لله جل وعلا، والتقوى مكانها القلب، فإذا عُمر القلب بها صلحت الجوارح كلها واستقامت.
أيها المؤمنون عباد الله: ومن أعظم ما ينبغي أن يُعنى به تجاه القلب العناية بسلامته من كل ما يسخط الله ويغضبه سبحانه، فهذا الذي ينفع العبد النفع العظيم يوم يلقى الله ويقف بين يديه سبحانه، قال الله سبحانه: ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
والقلب السليم -معاشر المؤمنين- هو القلب الذي سلِم من الشرك والشك، وسلِم من كل أمرٍ يُسخط الله، وسلِم من الإصرار على البدع والمعاصي.
ويلزم من هذه السلامة من هذه الأشياء الاتصاف بأضدادها من الإخلاص لله، واليقين، والإقبال على طاعة الله، ومحبة الله جل وعلا، وتعظيمه، وتعظيم شرعه؛ فإن القلب إذا كان متصفاً بهذه الأشياء سليماً من أضدادها كان بذلك قلباً سليما له النجاة يوم القيامة، والفوز بالدرجات العلا يوم يلقى الله سبحانه.
أيها المؤمنون: وللقلب السليم علامات تدل عليه وتدل على سلامته ونقائه وزكائه، وقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يقول في دعائه: "وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا ".
والقلب السليم -معاشر المؤمنين- له علامات:
ومن هذه العلامات أن يكون قلبا مترحِّلا عن الدنيا، متجافياً عنها، غير مغترٍ بها، عالماً بحقيقة حالها، وأنها دار الفناء والزوال، وأنها مرتحلة وليست باقية، كما قال علي رضي الله عنه: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ".
ومن علامات القلب السليم: أن تكون همَّـته واحدة، وهي نيل رضا الله والبعد عن مساخطه جل في علاه.
ومن علامات القلب السليم عباد الله: بُعده ومجاهدته للبعد عن المعاصي والآثام والبدع وفعل الحرام، وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
ومن علاماته عباد الله: العناية بتصحيح العمل أكثر من العناية بالعمل نفسه؛ إخلاصاً لله وصدقاً مع الله جل وعلا، ونصحاً في عبادة الله، واستشعاراً لمنة الله عليه، واتهاماً للنفس بالتقصير في جنب الله، ومجاهدةً لها في طاعة الله.
أيها المؤمنون عباد الله: وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن معتنياً بقلبه، عاملاً على إصلاحه، مجتهداً في تزكيته وتنقيته؛ ومن الدعاء المأثور: "اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا".
أسأل الله -جل وعلا- أن يصلح قلوبنا أجمعين، وأن يعمرها بطاعة الرب العظيم الرحيم، وأن يهدينا أجمعين إليه صراطاً مستقيما، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربنا ويرضى، أحمده -سبحانه- بمحامده التي هو لها أهل، وأثني عليه الخير كله، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ وراقبوه -سبحانه- مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
جاء في الحديث عباد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لشداد بن أوس: "إِذَا اكْتَنَزَ النَّاسُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ فَاكْتَنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ, وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ"؛ وهو حديث صحيح اشتمل على جماع الخير، وأبواب البر، وجماع الفضيلة.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- أكد تأكيداً عظيما على العناية بهذا الدعاء والعناية بتحقيق ما فيه من المطالب العظيمة والمقاصد الجليلة.
ومن ذلكم -عباد الله- العناية بسلامة القلب، وذلك بتنقيته وتزكيته وتطهيره من كل أمرٍ يُسخط الله، ولاسيما الشرك بالله، أو الشك في دين الله، أو الإصرار على البدع والمعاصي، أو نحو ذلك من الآفات التي تعرِض للقلوب وتُضِر بها إضراراً بالغا.
وإنا لنسأل الله -عز وجل- أن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكرٍ الصدِّيق، وعمرَ الفاروق، وعثمانَ ذي النورين، وأبي الحسنين علي.
وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومُعينا وحافظاً ومؤيِّدا، اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحقن دماءهم يا رب العالمين.
اللهم وعليك بأعداء الدين؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم جنِّبنا والمسلمين الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأصلح لنا شأننا كله يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علِمنا منه وما لم نعلم؛ ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علِمنا منه وما لم نعلم، وأن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيراً يا رب العالمين.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سُبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجلَّه، أوله وآخره، سره وعلنه. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ؛ فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) [العنكبوت:45].