الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
العبادات القاصرة والمتعدية سرعان ما تذهب وتزول إذا صاحبها الرياء والسمعة ومعصية الرسول. ولهذا إن صلى أظهر وصور، وإن أحسن صور وأظهر، وإن اعتمر صور وأظهر، وإن بر بوالديه صور وأظهر، وإن ركع وسجد صور وأظهر، وإن حج صور وأظهر، وإن صام أو قرأ أو تصدق أو تهجد أو عمل عملًا لا يراه أحدٌ فيه صور وأظهر، فأصبحت الأعمال علانية وخرجت عن التعبد المحض، والإخلاص الحق، ومراعاة القبول والرد، فالتواصلات الحديثة سهَّلت إظهار العمل ونشره، فالموفق من راعى قبول عمله وحافظ عليه من حبوطه وذهابه إلى غيره، ويحظر من إظهاره وإبدائه إلا لمصلحة راجحة مع الإخلاص والمتابعة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ الحمد لله القائل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]، أحمده سبحانه، جعل لقبول العمل الإخلاص ومتابعة الرسول الأمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا رب العالمين؛ فهي وصيته للأولين والآخرين، وعنوان سعادة العبد في الدنيا والدين.
عباد الله موضوع يقلُّ طرحه، ويندر ذكره، ويُغفل عن أمره، وعليه مدار الأمر أوله وآخره، وأصله ولُبّه؛ ذلكم أن العبد يعبد ربه وهو خلقٌ من خلقه، وعمله وعبادته مرتفعة إلى ربه (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10]، والعمل: إما مقبول أو مردود لا ثالث لهما في الوجود.
فالموضوع المقصود من ذكره: اهتمام المسلم بقبول عمله، والخوف من رده وحبوطه؛ فيجمع بين الخوف والرجاء، فالمؤمن الصالح يهتم بقبول عمله أكثر من اهتمامه بالعمل نفسه، ومن هذا كان السلف الربانيون، والعباد الصالحون تشتعل أفئدتهم وتتقد نيرانهم مخافة رد وحبوط أعمالهم، فهم كلما زادت أعمالهم وعباداتهم زاد خوفهم ووجلهم، ولما كانت هذه حالهم طابت أحوالهم، وصلح سلوكهم، ونجحوا في أمورهم، وسعدوا في دينهم ودنياهم، وكثر خيرهم وقل شرهم، وبورك في أعمالهم، وأموالهم، وأولادهم.
أما حالنا فيندى لها الجبين وكأن أعمالنا في أعلى عليين، وربما أدلى بعمله وأعجب بعبادته، فهو آمن على عمله لا مخافة عليه، وربما تصور أعماله، وتخيل أقواله، وإذا هي حسرة وندامة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103-104]، ومن هذا خاف السلف وأمن الخلف، فسلفنا ليس قصارى خوفهم وبكائهم على الذنوب والآثام، بل في التقصير في الواجبات وخوف رد الطاعات والقربات.
ومن هذا أيها الإخوة الأوفياء: وصف المولى هذه النخبة بقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60]، فهم خائفون من ردّها بعد أدائها وفعلها. "سألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا) [المؤمنون:60] أهم الذين يشربون الخمر، ويسرقون؟" قال: "لا يا ابنة الصديق، ولكنهم هم الذين يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا تُقبل منهم"، (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:61].
فهل إذا تقربت إلى الله كتمته وأخفيته، أم أن الإنسان سرعان ما يظهره، وينشره، ويرسله عبر التواصلات الاجتماعية، والصفحات العنكبوتية، والرسائل الواتسية، والسنابات الأسرية، ونسي أن بعد العمل عملاً، وهو الحفاظ عليه وقبوله لديه، فمناط القبول هو شعار الإنسان بعجزه عن الوفاء بحقه، وتقصيره في أمره والخوف من رده، فالموفق من نسي حسناته، ويسأل قبول أعماله، وتذوب عنده أعماله، ويحتقر نفسه، ومن حاسب نفسه، والحصيف من كتم أعماله كما يكتم سيئاته، فإذا عرفت مقدارك صح لربك افتقارك، إن العمل المتقبل هو ما توفر فيه الإخلاص والمتابعة.
شَرْطُ قُبُولِ السَّعْيِ أَنْ يَجْتَمِعَا | فِيهِ إِصَابَةٌ وَإِخْلَاصٌ مَعَا |
لِلَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ لَا سِوَاهُ | مُوَافِقَ الشَّرْعِ الَّذِي ارْتَضَاهُ |
وَكُلُّ مَا خَالَفَ لِلْوَحْيَيْنِ | فَإِنَّهُ رَدٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ |
والله –سبحانه- من حكمته أخفى القبول على العباد، فهو أمر مغيب لا دخل للبشر فيه؛ لحكم وأسرار، من ذلك الاستمرارية في الأعمال والاجتهاد في جميع الأحوال، وعدم التقصير أو الانفصام؛ لأنه ما يدري متى يُقبل، ويُرفع له عملٌ صالحٌ يُعمل، (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]، فيبقى مجتهدًا، عاملًا، ولهذا كان الأنبياء يبتهلون لربهم في قبول أعمالهم.
فهذا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- يرفع أعظم بناء وأجلّ مكان وفناء، وأعظم قربة، وهي كعبة الله المشرفة وهو يقول: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127]، يقول المجدد محمد بن عبد الوهاب -أجرى الله له الأجر والثواب- في فوائد دعاء إبراهيم وإسماعيل: «جلال الله وعظمته في قلوب الذين يعرفونه؛ لدعوتهما في القبول، وكان بعض السلف لما قرأ هذه الآية جعل يبكي ويقول: ما بالُ خليل الله يرفع قواعد البيت ويخاف ألا يُقبل منه» اهـ.
وهما من هما عليهما الصلاة والسلام، ونحن إذا فعلنا أدنى طاعة، وأقل عبادة، صارت بها الركبان وانتشرت التواصلات في كل مكان في لحظات من الزمان، وكأننا في القبول والإحسان بلغنا أعلى المنازل والعرفان.
وفي باب الدعاء والعبادة، كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40]، بذل وتهجد، ودعاءٌ ومن ثم سؤال للقبول والهناء، وأخبر عن امرأة عمران فقال سبحانه: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي) [آل عمران:35]، فالمعول على القبول لا على ما يصول ويجول.
ولأهمية القبول إخوة الإسلام: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يتضرع لقبول أعماله، فلما أراد أن يضحي قال: "بسم الله، اللهم تقبل من محمد ومن أمة محمد ثم ضحى" (رواه مسلم -رحمه الله-).
وفي الدعاء كان يقول: ربي تقبل توبتي، والصالحون يتعبدون ويخافون ويرجون، (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) [الأحقاف:16]، فالقبول مُقيدٌ بإحسان العمل وإتقانه، وإخلاصه وثوابه.
ولما كان القبول من عند الله زجر رسول الله لمن سارع إلى القطع بقبول عمله وثواب نفسه؛ لأنها مسألة غيبية تحت علم الله وحكمته، "فلما تُوفي عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- قالت أمه: شهادتي عليك أبا السائب لقد أكرمك الله"، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما يدريك أن الله أكرمه؟ فوالله وأنا رسول الله ما أدري ما يُفعل بي، ثم قال: وإني لأرجو له الخير" (رواه البخاري -رحمه الله-).
ومنه ينبغي عدم الجزم بقبول الأعمال والإشادة بالجزم بالشهادة، بل يقال كما في المقال "وإني لأرجو له الخير"، ولما "قالت عائشة في جنازة صبي صغير: طوبى له عصفورٌ من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدرك، قال: "أو غير ذلك يا عائشة"، الحديث رواه مسلم -رحمه الله-، قال النووي: "نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل". انتهى.
كل ذلك لأن المؤمن يعمل ويخاف من حبوط عمله ونقصانه، وعدم قبوله؛ ولهذا عقد البخاري في صحيحه «باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر»، وأورد قول إبراهيم التيمي: "ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا"، وقول ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف على نفسه النفاق، ما منهم أحدٌ يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل". فهذا شأنهم، وهذه حالهم معبد لهم واجتهادهم.
أيها الأخ المسلم: ربما يفتح لك باب الطاعة وما فُتح باب القبول، كما أنه لا عبرة بالسؤال إذا لم يحصل به مأمول، فقد يكون هناك عائق من الوصول، لكن الرجاء مأمون بأن مَن منَّ بوجود الأعمال، يَمُنّ بالقبول والإقبال مع تجاوزه وعفوه عن سيء الأعمال.
ولهذا قال: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) [الأحقاف:16]، ولاحظ السر لم يقل منهم، فعبر بعن التي تدل على التجاوز والعفو والصفح، ونستغفر الله عباد الله، لا يكاد أحدنا ينجز عملًا صالحًا حتى تذوب سلامة القصد إليه في غمار المادحين، أو رؤية المشاهدين، أو متابعة المغردين، أو كثرة المتابعين، فالأعمال الخيرية والجهود المبذولة والعبادات القاصرة والمتعدية سرعان ما تذهب وتزول إذا صاحبها الرياء والسمعة ومعصية الرسول.
ولهذا إن صلى أظهر وصور، وإن أحسن صور وأظهر، وإن اعتمر صور وأظهر، وإن بر بوالديه صور وأظهر، وإن ركع وسجد صور وأظهر، وإن حج صور وأظهر، وإن صام أو قرأ أو تصدق أو تهجد أو عمل عملًا لا يراه أحدٌ فيه صور وأظهر، فأصبحت الأعمال علانية وخرجت عن التعبد المحض، والإخلاص الحق، ومراعاة القبول والرد، فالتواصلات الحديثة سهَّلت إظهار العمل ونشره، فالموفق من راعى قبول عمله وحافظ عليه من حبوطه وذهابه إلى غيره، ويحظر من إظهاره وإبدائه إلا لمصلحة راجحة مع الإخلاص والمتابعة.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي كل خيرٍ وهداية، والصلاة والسلام على الداعي إلى أفضل طريق وغاية.
هذا ومن علامات قبول الأعمال -أيها الكرام- ابتغاء وجه الله بالعمل، وقوة الإخلاص في إرادته، وحقيقة الإخلاص كما قال ابن القيم: "وحقيقة الإخلاص توحيد المراد فلا يزاحمه مرادٌ ثاني، ومداره بالأمر أمر رسوله لا بالهوى والنفس والشيطان، وصلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية".
ومن أسباب القبول: المداومة على العمل، فأحب العمل إلى الله أدومه، وأحب العمل إلى رسوله أدومه، فأحب الأعمال ما داوم عليه صاحبه وإن كان قليلًا يسيرا؛ لأن دوامه دليل على محبته ورغبته.
ومنها أن من وجد ثمرة عمله عاجلًا فهو دليل على قبوله بإذن الله آجلًا، وثمرته لذته، وحلاوته وفائدته ونتيجته وخلاصته زيادة الأعمال والترقي في جميع الأحوال، علامة على قبول الأعمال فكلما زادت لذته وثمرته زادت عباداته وطاعته.
ومنها أن يكون العمل حلالًا طيبًا فإذا كان العبد صالحًا طيب المظهر والمخبر كان عمله طيب، طيب القبول كما في الخبر: "إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيِّبًا"، وقوله: "لا يتصدق أحدٌ بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبًا".
فالعمل الطالح والكسب الخبيث كالتعاملات الربوية، والمساهمات المحرمة، والبيوعات المشبوهة، والنقص والتقصير في الوظائف الحكومية مانعة من قبول العمل وتزكيته.
أيها المسلمون: لقد خاف السلف الصالح على عدم قبول أعمالهم، فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- يقول: "إن لله عملًا بالنهار لا يقبله بالليل، وعمل بالليل لا يقبله بالنهار". وكان يخاف ألا يُتقبل منه يوم الحساب!!
وعمر -رضي الله عنه- يقول: "وَيْلِ عمر، ووَيْلٌ لأُمِّي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي".
وكان علي -رضي الله عنه- يقول: "كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمع الله يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
وأبو ذر -رضي الله عنه- يقول: "لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها".
وها هو ابن عمر -رضي الله عنه وعن عمر- يقول: "لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ مِنِّي سَجْدَةً وَاحِدَةً , أَوْ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ , لَمْ يَكُنْ غَائِبٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنَ الْمَوْتِ".
وهذا فضالة بن عبيد من أهل بيعة الرضوان يقول عليه من ربه الرضوان: "لَأَنْ أعلم أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"؛ لِأَنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]".
وهذا علّامة التابعين وصفوة المتعبدين الحسن البصري -رحمه الله- يقول: "وددت أني أعلم أن الله قبل لي سجدة واحدة"، بل قال: "نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا وقال: لا أقبل منكم شيئًا".
والقدوة الصالحة عامر بن عبد القيس بكى في مرضه بكاءً شديدًا، فقيل له: "ما يبكيك؟ قال آية في كتاب الله: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]". نعم، آية هزت المشاعر وأيقظت الأكابر.
ويونس بن عبيد -رضي الله عنه- يقول: "والله ما أراه يُتقبل مني شيء وقد خشيت أن أكون من أهل النار"، فالسلف يجتهدون في إتمام العمل وإكماله، ثم يهتمون بعده بقبوله ويخافون من رده، (يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون:60].
قال مالك بن دينار -رحمه الله-: "الخوف على العمل ألا يُقبل أشد من العمل".
وقال عطاء -رحمه الله-: "الحذر الاتقاء على العمل ألا يكون لله".
وقال ابن أبي رواد -رحمه الله-: "أدركتهم يجتهدون في العمل فإذا فعلوه وقع عليهم أن يقبل منهم أم لا".
ولهذا في رمضان لهم أحوال، كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم.
فهذه آثار سلفية وأقوال أثرية تعطيك دروسًا أخروية، وأن تجمع بين خوف الله ورجائه والطمع فيما عنده وجنته، فهنيئًا لمن قبل الله منه عمله ولم يخيب سعيه، ويضيع جهده،
خف الله وارجه لكل عظيمةٍ | ولا تطع النفس اللجوج فتندما |
وأبشر بعفو الله إن كنت مسلما | وكن بين هاتين من الخوف والرجا |
ألست الذي غذيتني وكفلتني | وما زلت منان عليا ومنعما |
عسى من له الإحسان يغفر ذلتي | ويستر أوزاري وما قد تقدما |
والله أعلم.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العلم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا.