المنان
المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...
العربية
المؤلف | محمد بن سعيد بافيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أيها المسلمون: ماذا تريدون من المرأة المسلمة في بلادنا؟! سؤالٌ نتوجّه به إلى الأقلام الصحفيّة المشبوهة، أو المخدوعة التي تفرز سطورها مقتًا وعداوةً للأصيل من أصولنا، والمجيد من تراثنا، اتباع الهوى أرجح عندهم من اتباع العقل، وبريق التقدّم الكاذب أقوى من...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- فتقوى الجليل سمة المفلحين، وهدي المرسلين، والسبب الأوحد للنجاة يوم الدين: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا)[مريم: 63].
أيها المسلمون: ماذا تريدون من المرأة المسلمة في بلادنا؟!
سؤالٌ نتوجّه به إلى الأقلام الصحفيّة المشبوهة، أو المخدوعة التي تفرز سطورها مقتًا وعداوةً للأصيل من أصولنا، والمجيد من تراثنا، اتباع الهوى أرجح عندهم من اتباع العقل، وبريق التقدّم الكاذب أقوى من سلطان الدين والشرع.
وللأسف الشديد؛ كم لهؤلاء المأفونين من تمكّنٍ إعلاميّ، وقدرةٍ شيطانيةٍ، في إلباس أهوائهم، وشهواتهم ثوبَ الحقّ، والعمومية، وتحقيقِ مآربهم باسم الوطنية، والتقدّم والمصلحة الاجتماعية.
حديثهم لا يكلّ عن المرأة في بلادنا وشؤونها وحقوقها المسلوبة بزعمهم والمصارعةِ من أجلها، كما يقولون، أو كما يصوّرون.
يزعمون أنهم دعاة تحرير المرأة، والمدافعون عن حقوقها، وهم في الحقيقة دعاة حرية الوصول إلى المرأة، والباحثون عن طرق استغلالها واستعبادها وإذلالها والتمكّن منها.
دعونا اليوم -أيها الأحباب- نلقي الضوء على بعض إفرازات وزبالات تلك المقالات والشعارات التي يرفعونها بين الحين والآخر؛ لنسبر غوارها ونكشف زيفها بحول الله وقوته.
يقولون: "لن تتقدّم أمةٌ نصفُها مصابٌ بالشلل، والمجتمع يمشي على عكّاز ويتنفّس برئةٍ واحدة".
ومرادهم: أن منع المرأة مما تشاء من الأعمال تعطيلٌ لقوة نصف المجتمع وإهدارٌ لقدراتٍ وإمكاناتٍ هائلة في البلاد.
وقد أسقطت هذه المقولة من حسابها المرأةَ الكبيرة التي لا تستطيع العمل ولو أُغريت به، والصغيرات اللاتي لا يستطعن ذلك، والمشغولاتِ بأمور بيوتهن وأطفالهن، والفتياتِ اللائي لم يتأهّلن بعدُ لذلك، فكيف يُقال: إن المجتمع يتنفّس برئة واحدة؟! ثم إن هذه المقولة الخطيرة تقلّل من النصوص الشرعية وتهوّن من شأنها ومكانتها؛ إذ إنها لا تعتبر عمل المرأة في منزلها عملاً مفيدًا مثمرًا للمجتمع، وقد رغّب الله المرأة وأمرَها بالقرار في بيتها، وجعل صيانتها لدارها ورعايتها لزوجها وأبنائها من أعظم العبادات وأشرفها، يقول: "إذا صلّتِ المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت"[رواه ابن حبان].
إنهم يقولون: "إن عمل المرأة في بيتها عملٌ ليس له مردودٌ ولا أجر، وهي خدمةٌ مجانيةٌ وعملٌ غير منتج"، وأحَصَوا وزوّروا التكاليفَ الباهظةَ لأجور السائقين ليمرّروا على السّذج والبسطاء التوفير الاقتصادي بقيادة المرأة للسيارة، وتعاموا عن ملايين الريالات التي تنفَق في أجور الخادمات في البيوت من جرّاء خروج الموظّفات والعاملات، حتى لا يطالِب المجتمع بقرار المرأة في بيتها.
إنهم يعدّون تربيةَ النشء وصناعة الأجيال والحفاظَ على الكرامة والاستقرارِ النفسيّ والاجتماعي للأسرة ليس بعملٍ مهم، ولا جدوى له ولا مردود من ورائه.
هكذا، ينظرون ويقدّرون ويَزِنُون، ولا عجب؛ فقد انتكست فطرهم، وفقدوا الرحم والتراحم.
إن للمرأة دورًا حيويًا في الحياة لا يقدر عليه الرجل؛ ألا وهو إنجاب القادة وصناعة الأبطال، وأنّى للرجل هذا الشرف والمكانة؟!
ويا حسرتاه، فقد صرّح بالحق الفيلسوف الفرنسي "أجوست كونت" وتعامى عنه بعض بني جلدتنا، يقول: "ينبغي أن تكون حياة المرأة بيتيةً، وأن لا تكلّف بأعمال الرجال؛ لأن ذلك يقطعها عن وظيفتها، ويفسدُ مواهبها الفطرية.
وعلى الرجال أن ينفقوا على النساء دون أن ينتظروا منهن عملاً ماديًا؛ ليتفرغن لأداء وظيفتهن من حملٍ ووضعٍ وتربية".
وفي الأسبوع الماضي عرضت إحدى القنوات العربية تقريرًا عن مجموعة من النساء الغربيّات العاملات اللائي اخترن التنازلَ عن العمل والعودةَ إلى المهنة الأشرف على وجه الأرض: الأمومة.
لقد كنّ عددًا من الأمهات الناجحات في المحاماة والهندسة والمحاسبة والإدارة في قمّة المجد العمليّ، والإنجاز الذاتي، ضحّين بالرواتب والمناصب والحوافز المادية، لعيون طفل، أو طفلة يريدون أمًّا حانية عوَضًا عن مربية غريبة.
وقبل عدة أشهر اعتزلت إحدى الممثّلات البارزات العمل السينمائي الذي يدرّ الملايين والشهرةَ والرفاهيةَ قائلةً كلمةً خالدةً غطّت أغلفة مجلات الفنّ: "لا أريد أن تفوتني ساعة واحدة من طفولة ابنتي".
معاشر الإخوة: نجاح المرأة في العمل قد يحقِّق لها بعض الزيادات الماليّة، والطموحات الماديّة، علاوة على الشعور بالإنجاز، وإثبات الذات، ولكن أليس الإنجاز في الدار خيرًا من مكاسب الكرسي الدوّار؟!
التصحّر العاطفي، والتفكّك الأسري، وعقوق الأبناء، والشخصيات الضعيفة، والأجيال الممزّقة، قد تكون بعضًا من الآثار الجانبية لعمل المرأة، فهل يستحق الأمر أن يكون عملها أولوية بأي شكل من الأشكال، حتى على مستوى الاقتصاد الكلي هناك احتمالية ضخمة أن نكسب أُمًّا عاملة واحدة مقابل جيلٍ كسولٍ وهشٍ، جاء نتاجَ تربيةِ الشغالات ولهاثِ الأمّ خلف حفنة من الريالات!.
كثيرٌ من الظواهر التي نلاحظها الآن في شبابنا الصغير، كمثل اللامبالاة والدافعيةِ تحت الصفر، وعدمِ تقدير المسؤولية، والبساطةِ في انتهاك الآخرين، والعدوانيةِ واضطراب الشخصيات وغير ذلك.
ألا يفترض أن تثير هذه الظواهر والآفات القلق أكثر من محاولة إثبات أن لدينا نساء ناجحات حتى لو في مجالات مبتكرة؟!
يقولون: "لا بدّ للمرأة أن تساهم في التنمية الوطنية، وأن تشارك في سائر جوانب النهضة ومجالاتها".
ونحن نقول: كانت المسلمة ولا زالت -بحمد الله- مشارِكةً مشارَكةً فعّالة في التنمية، وتلعب دورًا لا يستطيعه غيرها.
ويدرك العقلاء والنّجباء أن التنمية لا تقتصر على النماء المالي، والإنتاج المادي، وإنما يدخل فيها دخولاً أوليًا الثروةُ البشرية وتعليمُها وتدريبُها، وحسنُ رعايتها، وأول خليةٍ للثروة البشرية لبنةُ الأسرة التي هي نواة المجتمع، ونهره المتدفق، والمخططون لاقتصاديات المجتمعات يوصون دومًا بالمورد البشري تربيةً وتعليمًا ورعايةً جسديةً، ونفسيةً وعقلية.
ثم يلي ذلك التدريب والتطوير، وإكساب المهارات، فمَنِ الأجدرُ والقادرُ بهذه الرعاية والعناية والتنمية؟!
تقول الكاتبة الإنجليزية الشهيرة "أنارودو": "لأَن تشتغل بناتنا اليوم في البيوت خوادم خيرٌ وأخفّ بلاءً من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثةً بأدرانٍ تُذهب رونق حياتها للأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف رداء، إنه عارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنتَ تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت، وتركِ أعمال الرجل للرجال، سلامةً لشرفها، وحفاظًا على أنوثتها؟!".
ويغالطون، ويقولون: "للمرأة نفس الدور الاجتماعي والاقتصادي الذي يضطلع به الرجل".
ولتفنيد هذه المغالطة، نقول:
أولاً: إن للمرأة دورًا لا يقوم به الرجل، وللرجل دورٌ لا تستطيع المرأة القيامَ به، وإهمالُ كلٍ منهما لدوره، واشتغالُه بعمل الآخر، تضييعٌ للجهود، وإهدار للطاقات، وجالبٌ للمفاسد والأضرار.
ثمّ إن طبيعة المرأة ومسؤوليتها، وما تتعرض له من تغيّراتٍ جسميةٍ ونفسية وصحيةٍ، تحول بينها وبين انتظامها في عملها، ومداومتها على ذلك، فتحتاج إلى إجازةِ الحمل والوضع والعدّة والنفاس، وإجازةِ مرافقة الطفل والزوج.
وكلُّ ذلك يعدّ من مظاهر الإنتاجية المنخفضة للمرأة عند أرباب العمل.
ثانيًا: دلّت دراسات وظائف الأعضاء لجسم المرأة والرجل على اختلافات جذرية بين النوعين في تكوين الخلايا في خصائصها وتركيبها، عدا الاختلاف في الأنسجة والأعضاء والعظام من حيث قوتها وتركيبها.
والمرأة معرّضة لتغيرات عضوية كثيرة في فترات الحيض المصحوبة بالآلام والأوجاع، وتعب الحمل والولادة والحضانة وغيرها.
ثالثًا: انشغال المرأة بأعمال الرجال سببٌ لانتشار البطالة وازديادها في صفوف الشباب، وهم بالأعمال العامة والوظائف أولى من النساء؛ لما يجب عليهم وما يتحملونه من تكاليف الحياة الاجتماعية المختلفة، وبناء الأسر، والنهوض بالأمة.
وعجبنا من الجهود الحثيثة والفرص الواسعة لتوظيف النساء وتعليمهن، مع إهمال شريحة كبيرةٍ من أبناء المجتمع، لا يجدون مقاعد للدراسة، ولا فرصًا شريفةً للعمل، والسعيد منهم من يعمل بأجرةٍ لا تفي بنفقة طعامه ومركوبه ولباسه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
عباد الله: ألا نعتبر من حال دول الغرب ومثيلاتها من الدول العربية التي أطلقت للمرأة العنانَ؛ تعمل ما تشاء وحيثما تشاء؟!
لقد خرجت المرأة في تلك البلاد في مسيرات حاشدة تطالب بالعودة إلى بيتها ومملكتها.
وأثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن 70 في المائة من العاملات في أمريكا يتعرّضن للمضايقات والاعتداءات الجنسية.
وأن 40 في المائة من الموظفات الكنديات يتعرضن للضرب أو الاغتصاب.
وأن 325 ألف أمريكي تقل أعمارهم عن 17 عامًا يتعرضون سنويًا للاستغلال الجنسي.
فمتى نعتبر؟! ومتى يرتدع المفسدون بأحوال ومآلات أولئك القوم؟!
إن الشرع الإسلامي الحنيف والمنهج الرباني الحكيم حين أباح للمسلمة التعلّم وحضّها عليه، ودعاها إليه، وحين أذن لها بالخروج من بيتها للعمل والكسب، وضع لذلك كله ضوابط محكمةً، وشروطًا صارمةً، وقيودًا ساميةً، فعليها: أن تتحلى بتقوى الله -تعالى-، وأن تراقبه في كل أحوالها، وأن تلتزم بشرعه في كل شؤونها، وأن تلتزم بحجابها الشرعي الساتر، فلا يظهر منها شيء من مفاتنها وزينتها؛ كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ)[الأحزاب: 59].
ويجب عليها: أن تجتنب مخالطةَ الرجال، والجلوسَ معهم، والحديثَ إليهم، بغير حاجة، ولا خضوعٍ بالقول، ولا تكسّر، فضلاً عن المزاح والضحك الذي نراه ونسمع به في كثيرٍ من المرافق والمؤسسات المختلطة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويحرم على المرأة: أن تخرج لعملٍ بغير إذن وليها؛ لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النساء: 34].
أو أن تعمل عملاً يؤثّر سلبًا على واجباتها ومسؤولياتها.
ولا بدّ أن يكون ذلك العمل مباحًا مشروعًا في أصله، متناسبًا مع تكوينها وطبيعتها، فلا خادمةً في الطائرة تخالط الرجال، وتتكشف لهم، وتسافر بغير محرم، ولا سكرتيرةً في مكاتبهم، ولا مندوبةً لتسويق البضائع في أسواق ومؤسسات الرجال، ولا موظفةً لاستقبال وتطبيب الرجال.
بل المشروع للمرأة: أن تعمل في وسط بنات جنسها، وأن تمارس ما تشاء مما لا يتعارض مع طبيعتها وأنوثتها من خلال منزلها، والعمل في البيوت عن بعد، والتي أصبحت أمرًا مشاعًا متاحًا في كثيرٍ من البلاد المنتجة المتقدمة، ولها أن تعمل في المحلات والمرافق المخصصة للنساء ولخدمة مثيلاتها، بالشروط والضوابط السابقة.
ولنعلم -أيها الأحبة- أن الخير كل الخير، وأن السعادة والاستقرار والهناء، وأن تنمية المجتمع، ونهضة الأمة في اتباع شرع الله الحنيف، والتمسكِ بدينه القويم، وأن أعظم محاور تلك النهضة والرقي والتقدم، قيامُ المرأة برسالتها العظمى في منزلها ودارها، وصدق الله العظيم: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)[طه: 123].