الجميل
كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...
و(الأكرم): اسمُ تفضيلٍ على وزن (أفعل)، من الكَرَم؛ قال الخَطَّابيُّ: «هو أكرَمُ الأكرَمِين، لا يوازيه كريم، ولا يعادِلُه نظير، وقد يكون (الأكرَمُ) بمعنى الكريم؛ كما جاء الأعَزُّ والأطول بمعنى العزيزِ والطويل». "شأن الدعاء" (ص103).
فإذا كان (الأكرَمُ) اسمَ تفضيل، فالمعنى: أنه (الأكرم) على الإطلاق مقارَنةً بمَن دونه، وأما إذا استُعمل بمعنى (الكريم)، فهو على أحدِ ثلاثة أوجه: العزيز، والجَوَاد، والصَّفُوح. انظر للاستزادة: "اشتقاق الأسماء" للزجاجي (ص176).
اسمٌ من أسماء الله تعالى، يدل على صفةِ (الكَرَم) القائمةِ بالله تعالى، وفيه وصفُ الله تعالى بالأكرَميَّة المطلَقة إذا استُعمل بمعنى التفضيل؛ فهو سبحانه «أكرَمُ الأكرَمِين، لا يوازيه كريم، ولا يعادِلُه نظير». "شأن الدعاء" (ص103).
وقد يقال: إنَّ (الأكرَمَ): هو وصفٌ ذاتيٌّ لله سبحانه؛ بمعنى: الجلالةِ، وشرفِ المنزلة، و(الكريم): وصفٌ فعليٌّ باعتبارِ متعلِّقٍ ينفُذُ إليه كرَمُ الله، وهو هنا: عطاؤُه وإنعامه؛ قال القرطبي: «إنَّ (الأكرَمَ) الوصفُ الذاتي، و(الكريم) الوصفُ الفعلي، وهما مشتقانِ من الكَرَم، وإن اختلَفا في الصيغة». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /112).
يدل اسمُ (الأكرَمِ) على إثبات صفة (الكَرَم) والعنايةِ لله سبحانه وتعالى.
سبق الحديثُ في المعنى الاصطلاحي عن هذا التفريق، وهو مرتبطٌ بفكرة تَعدِّي معنى الاسم إلى المخلوقات، أو عدمِه؛ قال القرطبيُّ: «وإن أرَدتَّ التفرقةَ بين (الأكرَمِ) و(الكريم)، جعَلْتَ (الأكرم): الوصفَ الذاتي، و(الكريم): الوصفَ الفعلي». "الأسنى" (1 /112).
انظر: الكريمقال القُشَيري: «(الأكرَمُ): أي: الكريم، ويقال: الأكرَمُ من كلِّ كريم». "لطائف الإشارات" (3 /747).
وقال البَيْضاوي: «﴿اْقْرَأْ وَرَبُّكَ اْلْأَكْرَمُ﴾: الزائدُ في الكَرَمِ على كلِّ كريم؛ فإنه سبحانه وتعالى يُنعِم بلا عِوَضٍ، ويحلُمُ مِن غير تخوُّفٍ؛ بل هو الكريمُ وَحْده على الحقيقة». "أنوار التنزيل" للبيضاوي (5 /325).
﴿فَتَعَٰلَى اْللَّهُ اْلْمَلِكُ اْلْحَقُّۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ اْلْعَرْشِ اْلْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: 116].
ورَدتْ صفة (الكَرَم) في عدة أحاديثَ؛ منها:
* حديثُ عوفِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «صلَّى رسولُ اللهِ ﷺ على جنازةٍ، فحَفِظْتُ مِن دعائِه وهو يقولُ: «اللهمَّ اغفِرْ له، وارحَمْهُ، وعافِه، واعفُ عنه، وأكرِمْ نُزُلَه، ووَسِّعْ مُدخَلَه…»». أخرجه مسلم (963).
* حديثُ غَيْرةِ سعدِ بن عُبَادةَ رضي الله عنه: أنَّه قال: «يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ الرجُلَ يجدُ مع امرأتِه رجُلًا؛ أيقتُلُه؟ قال رسولُ اللهِ ﷺ: «لا»، قال سعدٌ: بلى، والذي أكرَمَك بالحَقِّ...» أخرجه مسلم (1498).
فهي صفةُ (الكَرَم) القائمةُ فيه، المتعدِّية إلى خَلْقِه؛ بها يُكرِم سبحانه خَلْقَه ويَرفَعُهم، وهو مِن قبيلِ الإفضال والإنعام عليهم.
ومِن أقوال الصحابة: الأثرُ الذي ورَد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ وعبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهم: أنَّهما كانا يقولانِ في السَّعْيِ بين الصَّفا والمَرْوةِ: «رَبِّ اغفِرْ وارحَمْ، وتجاوَزْ عمَّا تَعلَمُ؛ إنَّك أنت الأعَزُّ الأكرَمُ». أخرجه الطَّبَراني في "الدعاء" (870)، والبَيْهقي في "السُّنن" (5/95) موقوفًا على ابن مسعود رضي الله عنه، وأخرجه ابنُ أبي شَيْبة (4/69) موقوفًا على ابن عُمَرَ رضي الله عنهما.
مِن آثارِ الإيمان بهذا الاسم:
* محبَّةُ الله؛ لكَرَمِه، وجُودِه، ونِعَمِه التي لا تُحصَى، ثم السعيُ لتحقيقِ أثر هذه المحبةِ القلبية من خلال الأعمالِ القولية والفعلية، فيَصرِف العبدُ حينئذ جميعَ ما أكرَمه اللهُ به وأنعَم به عليه في طاعةِ الله، وفعلِ ما يحبُّ ويرضى، واجتنابِ ما يَكرَه ويَسخَط، ثم إن كان هذا كلُّه، لَزِم منه أن يُحِبَّه اللهُ عز وجل؛ كما قال سبحانه: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اْللَّهَ فَاْتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اْللَّهُ﴾ [آل عمران: 31]، فإنْ أحَبَّه رزَقه مَعِيَّتَه ونَصْرَه، وأعانه وأدام عليه نِعَمَه بشكره.
* الحياءُ مع الله سبحانه وتعالى، والخوفُ منه، والتأدُّب معه؛ إذ إنَّه - مع المعاصي التي يبارِزُه بها عبدُه - لم يَمنَعْ عنه عطاءَه، ولم يَقطَعْ عنه إمدادَه.
* ومِن أعظَمِ مِنَحِ الله تعالى إذا آمَن العبدُ باسمه (الأكرَمِ): أن يرزُقَه: التوكُّلَ عليه، وتفويضَ الأمور إليه، والطلبَ منه سبحانه دون غيره؛ لأنه وَحْده الكريمُ بلا سبب، وبلا حدٍّ، وبلا مقابل.
* مَن عرَفَ أن اللهَ كريمُ الذات والصفات، نزَّهه عن النقائص والآفات تنزيهًا خاصًّا لا يكون لمَن سِواه؛ إذ هو الكاملُ التام على الإطلاق من كلِّ وجه، وفي كل حال؛ بخلاف الخَلْقِ الذين إن كَرُموا مِن وجهٍ، نقَصوا من وجهٍ آخرَ.
* خَلْقُه له، وجعلُه على الصورة التي هو عليها، وما رزَقه من الإنسانية التي صار بها أعَزَّ المخلوقات على الله وأكرَمَها؛ قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلْإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ اْلْكَرِيمِ 6 اْلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الانفطار: 6-7]:
«إن هذا الخطابَ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلْإِنسَٰنُ﴾ ينادي في الإنسان أكرَمَ ما في كِيانه؛ وهو (إنسانيَّتُه) التي بها تميَّز عن سائر الأحياء، وارتفَع إلى أكرَمِ مكان، وتجلَّى فيها إكرامُ الله له، وكَرَمُه الفائض عليه. ثم يعقُبُه ذلك العتابُ الجميل الجليل: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ اْلْكَرِيمِ﴾ يا أيُّها الإنسان الذي تكرَّمَ عليك ربُّك، راعيك ومُربِّيك، بإنسانيتِك الكريمة الواعية الرفيعة... يا أيها الإنسانُ، ما الذي غرَّك بربِّك، فجعَلك تُقصِّر في حقِّه، وتتهاون في أمره، ويسُوءُ أدبُك في جانبه، وهو ربُّك الكريم، الذي أغدَق عليك من كَرَمِه وفضله وبِرِّه؟! ومِن هذا الإغداق: إنسانيتُك التي تُميِّزك عن سائر خَلْقِه، والتي تُميِّز بها وتَعقِل وتُدرِك ما ينبغي وما لا ينبغي في جانبه». انظر: "في ظلال القرآن" لسيد قطب (ص3847) ط. دار الشروق.
* وجسمُ الإنسان مليءٌ بالآيات التي يَضِيقُ المكان عن ذكرِها، فضلًا عن تفصيلها؛ بَدْءًا من دماغِ الإنسان وقلبه، وليس انتهاءً بأدقِّ التفاصيل في مختلِفِ أجهزة جسمه.
* ثم فِطْرتُه التي فطَر الإنسانَ عليها، وجعلها قائدةً له لمعرفة الله والإيمان به، وأهَّلَه بها للخلافة في الأرض؛ يُغيِّر فيها ويُبدِّل، وينتج فيها ويُنشِئ، ويُركِّب ويُحلِّل، ويبلُغُ بها كمالَه النسبيَّ في الحياة.
«أعاد اللهُ الأمر بالقراءة مُخبِرًا عن نفسه بأنه الأكرَمُ، وهو الأفعل من الكَرَمِ، وهو كثرةُ الخير، ولا أحدَ أَوْلى بذلك منه سبحانه؛ فإن الخيرَ كلَّه بيدَيهِ، والخيرَ كلَّه منه، والنِّعَمَ كلَّها هو مولاها، والكمالَ كلَّه والمجدَ كلَّه له؛ فهو الأكرَمُ حقًّا».
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "مفتاح دار السعادة" (1 /242).
«ومِن كرمِ الله سبحانه: أن يبدأَ النِّعْمةَ قبل استحقاق، ويَتبرَّع بالإحسان من غيرِ استثابة، ويَغفِر الذَّنب، ويعفو عن المسيء، ويقول الداعي في دعائه: يا كريمَ العفوِ، فقيل: إنَّ مِن كَرَمِ عفوِه أن العبدَ إذا تاب عن السيئةِ محاها عنه، وكتَب له مكانها حسنةً».
حَمْد الخَطَّابي "شأن الدعاء" (ص71).
«هو الذي إذا قدَر عفَا، وإذا وعَد وفَى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرَّجَا، ولا يبالي كم أعطى ولمَن أعطى، وإن رُفِعتْ حاجةٌ إلى غيرِه لا يَرضَى، وإذا جُفِيَ عاتَب وما استقصى، ولا يُضِيعُ مَن لاذَ به والتَجَا، ويُغْنيه عن الوسائلِ والشُّفَعَا؛ فمَن اجتمَع له جميعُ ذلك - لا بالتكلُّف - فهو الكريمُ المطلق؛ وذلك للهِ سبحانه وتعالى فقط».
الغَزالي "المقصد الأسنى" (ص117).