البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

القدر وأفعال العباد

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - التوحيد
عناصر الخطبة
  1. أحوال العباد مع أقدار الله .
  2. أنواع القدر .
  3. واجب العبد أمام أقدار الله .
  4. حكم الاحتجاج بالقدر .
  5. مراتب الإيمان بالقدر .
  6. ألا له الخلق والأمر .
  7. أسباب الهدى والضلال .
  8. صور من ابتلاء الأنبياء .
  9. واجبنا التسليم والرضا لقدر الله .

اقتباس

واجبنا تجاه أقدار الله أن نؤمن بها, ونسلّم أمرنا الى من قدّرها وهو الله، ولا نحتج بها، ومن احتج بالقدر فحجته داحضة، ومن اعتذر بالقدر فعذره واهٍ، ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولاً، لقُبل من إبليس وغيره من العصاة، ولو كان القدر حجة للعباد على أفعالهم، لم يُعذَّب أحدٌ من الخلق لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولو كان القدر حجة لم تُقطع يد سارق، ولا قُتل قاتل، ولا حُدَّ شارب، ولا أُقيم حدّ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، له ملك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، الملك الحق المبين الذي على العرش استوى، وسع كل شيء رحمة وعلمًا، أحمده -سبحانه- وبحمده يلهج أولو الأحلام والنهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى، اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى، فقد طال إعراضنا عن النبأ العظيم تغافلاً وجهلاً، وكثر اشتغالنا بالعرض الخسيس الأدنى، وصار إقبالنا على ما يصدّ عن الصراط السوي والهدى.

عباد الله: أما أيقظكم ما رأيتموه من حوادث القدر والقضا، أما أنذركم ما سمعتموه من أخبار من كذَّب وعصى، ومن أعرض عما جاءت به الرسل وغلبه عليه الشقاء والهوى، كيف وجدوا عقوبات الذنوب، وكيف كان الحال بمن بغى وطغى، بلغتهم دعوة الرسل فلم يجيبوا، ورُفعت إليهم المواعظ فلم يلتفتوا ولم ينيبوا، فجاءهم أمر الله بغتة وأُصيبوا، فهل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟!.

إنّ كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون مخلوقة بقدَر، مدبرة بحكمة، فلا يحدث شيء  صدفة، ولا يقع شيء عبثًا، ولا ارتجالاً، قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49]، قدر يحدّد وجوده، وقدر يحدد حقيقته، وقدر يحدد صفته، وقدر يحدّد وظيفته، وقدر يحدّد مقداره، وقدر يحدّد عمره، وقدر يحدد مكانه، وقدر يحدد زمانه، وقدر يحدد ارتباطه بما حوله من أشياء، وقدر يحدد تأثيره في كيان هذا الوجود.

قدر في كل شيء، قدر يحدد الأبعاد بين النجوم والكواكب، وأحجام المخلوقات وكتلها، وألوانها وصورها، ونموها وتكاثرها، وسيرها وحركتها، قدر يحدد وضع الأرض التي نعيش عليها؛ لتكون صالحة لنوع الحياة التي قدّر الله أن تكون فيها، فسبحان من هذا تقديره وتدبيره.

وقدر الله وراء طرف الخيط البعيد لكل حادث، ولكل نشأة، ولكل مصير، ووراء كل نقطة وخطوة، وكل تبديل أو تغيير، إنه القدر النافذ الشامل الدقيق العميق، ولكن البشر أحيانًا يرون طرف الخيط القريب ولا يرون طرفه البعيد، وأحيانًا يتطاول الزمن بين البداية والنتيجة في عمرهم القصير، فتخفى عليهم حكمة التدبير والتصريف، فيستعجلون ويقترحون، وربما يسخطون أو يتطاولون، والله -تبارك وتعالى- يعلمهم في القرآن أن كل شيء بقدر، قال سبحانه: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر: 49]، فأعلمهم ربهم ليسلِّموا الأمر إلى صاحب الأمر، وتطمئن قلوبهم وتستريح، ويسيروا مع قدر الله في توافق وتناسق، مع التقدير والتدبير والقدرة الإلهية التي تفعل أعظم الأحداث بأيسر الإشارات: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر: 50]، وبأيسر الكلمات: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [يس: 82].

إنها إشارة واحدة، أو كلمة واحدة، يتم بها كل أمرٍ، الجليل والصغير سواء، وليس هنالك كبير ولا صغير أمام قدرة الله، فهو الكبير وحده، وما سواه صغير، إنما ذلك تقدير البشر للأشياء، وليس هناك زمن ولا ما يعادل لمح البصر، إنما هو تشبيه لتقريب الأمر إلى حسّ البشر، فالزمن إن هو إلا تصور بشري، ولا وجود له في حساب الله المطلق من هذه التصورات المحدودة.

فسبحان الملك الجبار، الواحد القهار، بكلمة واحدة أنشأ هذا الوجود العظيم الهائل، وبكلمة واحدة يبدل فيه ويغير، وواحدة تحيي كل حي، وواحدة ترده إلى الموت، وواحدة تبعثه في صورة من الصور، وواحدة تصعق الخلائق جميعًا، وواحدة تبعثهم جميعًا وتجمعهم ليوم الحشر والحساب، وهذه الواحدة لا تحتاج إلى جهد، ولا إلى زمن، واحدة من الرب تفعل كل شيء، ومعها التقدير، وكل أمر معها مقدر ميسور: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ* وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر: 50]، وبواحدة كان هلاك المكذبين على مدار القرون، قوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط، وقوم فرعون، وقوم شعيب، فهل من يتذكر ويعتبر؟!.

عباد الله: خلق الله هذا الكون العظيم بدقة مطلقة، ففيه من الدقة والتقدير بحيث لا يقع فيه حادث إلا وهو مقرّر قبل خلقه، محسوب زمان وقوعه، ومكان حدوثه، وحجم ذلك الحدث ووظائفه وأشكاله، قال -سبحانه-: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) [الحجر: 19]، فحجم هذه الأرض مثلاً، وبُعدها عن الشمس، وكتلة الشمس، ودرجة حرارتها، وميل الأرض على محورها بهذا القدر، ودورة الفلك، وبُعد الشمس والقمر عن الأرض، وتوزيع الماء واليابس في هذه الأرض، ومهابّ الرياح، واختلاف فصولها، كل ذلك مقدر تقديرًا دقيقًا، ولو وقع الاختلال في أي منها لتبدل كل شيء، فسبحان العليم القدير، الذي قدَّر هذه المقادير والأقدار.

كما نوّع رب العالمين عوامل الحياة والبقاء، وعوامل الموت والفناء، في البيئة، وفي طبيعة الأحياء، من نبات وحيوان وإنسان، وحفظها دائمًا بالقدر الذي يسمح بنشأة الحياة وبقائها، وامتدادها وانضباطها، فسبحان من خلق كل شيء وقدره تقديرًا.

وإن نظرة إلى الماء وتقديره في الكون تبين عظمة هذا الخالق العظيم، وحسن تقديره، قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [الحجر: 21]، وقال -سبحانه-: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18]، فالماء موزون بأمر الله، ولو زاد بكميات كبيرة لطغى ولأفسد الأرض، ولو نقص لاختلت الحياة، ومات الأحياء، ومثله الهواء موزون بأمر الله، لو زاد وصار عواصف قوية، لدمَّر كل شيء أمامه، وما استطاع أن يعيش حي، ولو نقص لاختل وضعُ الحياة والأحياء.

إن قدر الله عام شامل لجميع المخلوقات، وكل ما خلقه الله في هذا الكون من المخلوقات، وما يجري فيه من الأحوال من الحركات والسكنات، والحياة والموت، والتغيير والتبديل، كل ذلك كائن بقدر الله القوي العزيز، تقدير في الزمان، وتقدير في المكان، وتقدير في المقدار، وتقدير في الأشكال، وتناسق مطلق بين جميع الكائنات والأحوال، فسبحان الذي خلق السموات والأرض (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2].

والقدر منه ما هو مطلق ثابت، وهو ما في أمّ الكتاب، اللوح المحفوظ، فهذا لا يتبدل ولا يتغير، ولا يعلمه إلا الله وحده، ومنه ما هو معلق أو مقيد، وهو ما في صحف الملائكة، فهذا الذي يقع فيه المحو والإثبات، قال -سبحانه-: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) [الرعد: 39]،  وفيه جاء حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: "كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" [مسلم (2653)]. والقدر -الذي هو علم الله ومشيئته وكلامه- غيرُ مخلوق، أما المقدرات من الآجال والأرزاق والأعمال والأحوال فكلها مخلوقة، فالعباد كلهم مخلوقون، وجميع صفاتهم وأفعالهم مخلوقة.

والعبد له في المقدور حالان: حال قبل القدر، وحال بعد القدر، فقبل المقدور عليه أن يستعين بالله، ويتوكل عليه، ويسأله الخير والنفع والسلامة، ويستعيذ به من غير ذلك، فإذا وقع المقدور بغير فعله: فإن كان نعمة شكر الله عليها، وإن كان مصيبة صبر عليها، وإن رضي بها وشكر الله عليها فذاك الأفضل.

وإن وقع المقدور بفعله: فإن كان نعمة حمد الله عليها، وإن كان ذنبًا استغفر ربه منه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" [مسلم 2664]، فتدبروا وصية رسول الله للعبد بأن يحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه، ثم أوصاه بالاستعانة بالله مع الأخذ بالأسباب، ثم وجَّهه إلى ترك الاعتراض على الأقدار، وعدم فتح باب الشيطان على نفسه، فمهما كانت النتائج لا يعترض العبد ولا يتسخط، وهذا لا يفعله إلا المؤمنون حقًّا.

والواجب على العباد أن يصبروا على المصائب، ويستغفروا من المعايب، وهذان الأصلان يحصل بهما طمأنينة القلب لكل ما قدر الله تعالى، وقد أمر الله -سبحانه- بالاستفادة بكلمات الله التامات كل من نزل منزلاً، فعَنْ خَوْلَة بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إِذَا نَزَلَ أحَدُكُمْ مَنْزِلا فَلْيَقُلْ: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ" [مسلم (2708)].

وكلمات الله التي يستعان بها نوعان: كلمات كونية، وكلمات شرعية، والكلمات الكونية: هي التي كوَّن الله بها الكائنات، لا يخرج عنها برّ ولا فاجر، فما مِن ملك ولا سلطان، ولا مال ولا جمال، ولا علم ولا حال، ولا تحريك ولا تسكين، ولا تدبير ولا تصريف إلا هو واقع بمشيئة الله وقدرته، وكلماته التامات، ومنها ما هو محبوب لله مأمور به، ومنه ما هو مكروه لله منهي عنه: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82].

وعلى العبد أن يفعل ما أمره الله به، فإذا انكشف ستر الغيب عن تدبيرٍ لله بخلاف تدبيره، وعكس ما يريد، فليتقبل قضاء الله بالرضا والطمأنينة والاستسلام؛ لأنه الأصل الذي كان مجهولاً له، فكشف عنه الستار: (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 232]، وعَنْ صُهَيْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" [مسلم 2999]، فالمسلم يدور بين الصبر والشكر، يصبر على البلايا ويشكر ربه على العطايا.

والطاعات والمعاصي كلها واقعة بقضاء الله وقدره، ومشيئته وإرادته، لكنه -سبحانه- لم يأمر بالمعاصي والذنوب، ولا يرضاها ولا يحبها، بل يبغضها ويعاقب مَن فعلها، وإن كان ذلك بإرادته وقدره، فإن القدر كما جرى بالمعصية جرى كذلك بعقابها، قال -سبحانه-: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ) [الزمر: 7].

فمن أراد الله سعادته ألهمه أن يقول كما قال آدم -صلى الله عليه وسلم- وزوجه حواء: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، ومن أراد الله شقاوته اعتل بعلة إبليس أو نحوها فأبى واستكبر وكفر، كما قال -سبحانه-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 34].

أيها المسلمون: إن واجبنا تجاه أقدار الله أن نؤمن بها, ونسلّم أمرنا الى من قدّرها وهو الله، ولا نحتج بها، ومن احتج بالقدر فحجته داحضة، ومن اعتذر بالقدر فعذره واهٍ، ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولاً، لقُبل من إبليس وغيره من العصاة، ولو كان القدر حجة للعباد على أفعالهم، لم يُعذَّب أحدٌ من الخلق لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولو كان القدر حجة لم تُقطع يد سارق، ولا قُتل قاتل، ولا حُدَّ شارب، ولا أُقيم حدّ، ولا جاهد أحد في سبيل الله، ولا أمر بالمعروف أحد، ولا نهى عن المنكر أحد، ولتعطلت الشرائع، وأُهمل العقل.

وللإيمان بالقدر مراتب أربع:

العلم، بأن يؤمن العبد أن الله تعالى علم كل شيء جملةً وتفصيلاً، يعلم -سبحانه- ما كان، وما سيكون، وما لم يكن.

الثانية: الكتابة، بأن يؤمن العبد أن الله تعالى كتب كل شيء حواه علمه جملةً وتفصيلاً.

الثالثة: المشيئة، بأن يؤمن العبد أن كل شيء في العالم كائن بمشيئة الله وإرادته؛ إذ لا يكون في ملكه -سبحانه- ما لا يريده، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال -سبحانه-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) [الأنعام: 112].

الرابعة: الخلق، بأن يؤمن العبد أن الله خالق كل شيء، ومدبّره ومالكه، فخلق الكائنات وأفعالها؛ لأن فعل المخلوق من صفاته، والمخلوق وصفاته مخلوقان.

أيها المسلمون: لقد عَلِم الله الأمور وكتبها على ما هي عليه، فهو -جلَّ وعلا- قد كتب أن فلانًا يؤمن ويعمل صالحًا فيدخل الجنة، وفلانًا يكفر ويعصي ويفسق فيدخل النار، كما علم -سبحانه- أن فلانًا يتزوج فيأتيه ولد، ويأكل فيشبع، ويشرب فيروى، فمن ظن أنه يدخل الجنة بلا إيمان وعمل صالح كان ظنه باطلاً، وهو كمن يعتقد أنه يأتيه ولد بلا وطء، فالله قدر الأسباب والمسببات، وقد جعل الله لكل شيء سببًا، فللدنيا أسباب، وللجنة أسباب، وللنار أسباب.

والله -سبحانه- كتب أفعال العباد خيرها وشرها، وكتب ما يصيرون إليه من الشقاوة والسعادة؛ لكمال علمه بالشيء قبل وقوعه، لكنه جعل الأعمال سببًا للثواب والعقاب، وكتب ذلك وعلِمه، كما كتب الأمراض وجعلها سببًا للآلام، وكما جعل أكل السم سببًا للموت، فالله قدر وكتب هذا، وهذا؛ لأنه الذي أحاط وحده بكل شيء علمًا، ومثله من فعل ما نهى الله عنه من الكفر والمعاصي فإنه يعمل ما كتب عليه وهو مستحق لما كتبه الله من الجزاء لمن عمل ذلك.

فكل ما يجري في هذا الكون كائن بقضاء الله وقدره، وقد أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- أن نزيل الشر بالخير بحسب الإمكان، وأن نزيل الكفر بالإيمان، ونزيل البدعة بالسنة، والمعصية بالطاعة، والسيئة بالحسنة، فيدفع المسلم ما قدره الله من الشر، بما قدره الله من الخير مستعينًا بالله، كما يدفع شر الكفار والفجار بالقوة ورباط الخيل، وكالدعاء والصدقة اللذين يدفعان البلاء، وكالدواء الذي جعله الله سببًا للشفاء، وهكذا.

وما يتبقى من الشر بعد محاولة دفعه، قد جعله الله محنةً لنا وابتلاءً، والله لم يأمرنا أن نرضى بما يقع من الكفر والفسوق والعصيان، بل أمرنا أن نكره ذلك، وندفعه بحسب الإمكان، فندفع قدر الله بقدر الله، وبما أمر الله مع الصبر والتوكل عليه، والاستعانة به في كل أمر، وهذا هو الابتلاء: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان: 20].

أيها المؤمنون: الله -تبارك وتعالى- له الخلق والأمر، خالق كل شيء، وكل ما يقع في هذا الكون بإذنه وتدبيره، وكل ما يقع للكائنات من أحوال وأعمال بتصريفه وتقديره، فالناس يملكون بما أقدرهم الله عليه أن يتجهوا وأن يحاولوا، ولكن تحقق الفعل ووقوعه لا يكون إلا بإرادة من الله وقدَر، فالإنسان قد يتجه ويحاول فعل الخير بالوسائل التي أرشد الله أنها تحقق الخير، ولكن لا يتحقق له ذلك إلا بإرادة الله وقدره، فليس هناك قدرة غير قدرة الله تنشئ الأشياء والأحداث، وتحقق ما يقع في هذا الكون من وقائع: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 17].

واعلم -عبد الله- أن موجد الأحداث ومحققها هو الله، قال -سبحانه-: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [النساء: 78].

أيها الناس: إن الهدى هدى الله، فمن هداه الله فهو المهتدي حقًّا، ومن أضله الله فهو الخاسر حقًّا، قال -سبحانه-: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 178]، والله -سبحانه- يهدي من يجاهد لطلب الهداية، كما قال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]، ويضل من يبغي الضلال لنفسه، ويعرض عن دلائل الهدى، وموجبات الإيمان، ويغلق قلبه وسمعه وبصره دونها، قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179].

إن مشيئة الله -تبارك وتعالى- التي يجري بها قدره في الكائن الإنساني: أنه خلق هذا الإنسان باستعداد مزدوج للهدى والضلال، مع إيداع فطرته إدراك حقيقة الربوبية والاتجاه إليها، ومع إعطائه العقل المميز للضلال والهدى، ومع إرسال الرسل بالبينات؛ لإيقاظ الفطرة إذا تعطلت، وهداية العقل إذا ضل، واقتضت مشيئة الله أن يجري قدر الله بهداية من يسعى للهدى، وجرى قدر الله كذلك بإضلال من لا يستخدم ما أودعه الله من عقل، وما أعطاه الله من أجهزة الرؤية والسمع في رؤية وإدراك الآيات التي بثَّها الله في صفحات الكون، والآيات الشرعية التي جاء بها الرسل.

وفي كل الأحوال تتحقق مشيئة الله وحده، ولا يتحقق سواها، ويقع ما يقع بقدر الله لا بقوة سواه، وما كان شيء ليقع إلا أن يوقعه قدر الله، قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 29]، وفي حدود هذا التقدير يتحرك الإنسان بنفسه، ويقع له ما يقع من الهدى والضلال: (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 178].

نسأل الله الهداية، ونعوذ بالله من الضلال، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الولي الحميد، الفعّال لما يريد؛ أحمده -سبحانه-؛ من التمس رضاه نجا، ومن تعلق بغيره خاب، ولم يغنِ عنه من الله شيئًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا كل ما يجلب سخط الله -جلَّ جلاله-, من الوقوع في معاصيه والتقصير في طاعته، والاحتجاج بقدره.

أيها الناس: اعلموا أن كثيرًا من الجن والإنس مخلوقون لجهنم، وهم مهيؤون لها، وذلك لأن الله بعلمه الأزلي يعلم أن هؤلاء الخلق صائرون إلى جهنم، ولكن هذا العلم الأزلي بأحوال العباد ومصائرهم ليس هو الذي يدفع هذه الخلائق إلى الضلال الذي تستحق به جهنم؛ لأنهم لا يعلمون قضاء ربك فيهم، فعلمه بأحوالهم مما اختص به نفسه، إنما (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]، فهم لم يفتحوا القلوب التي أعطوها ليفقهوا، وهم لم يفتحوا أعينهم ليبصروا آيات الله الكونية، ولم يفتحوا آذانهم ليسمعوا آيات الله المتلوة.

إن كل شيء بقدرٍ، وله حكمة معلومة أو مطوية، عَلِمَها مَن علمها، وجَهِلَها مَن جهلها،  فزواج إبراهيم جد يعقوب من هاجر المصرية، لم يكن ذلك حادثًا شخصيًّا، أو قرارًا ذاتيًا، وقد رُوي أن هاجر -عليه السلام- لما وضعها أبونا إبراهيم في وادي غير ذي زرع، قَالَتْ: "يَا إِبْرَاهِيمُ! أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْمَوْضِعِ، لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا" [مصنف ابن أبي شيبة (9107) وأصل الحديث في الصحيحين].

فهذا الحدث وما سبقه في حياة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- من أحداث أدَّت إلى مغادرته موطنه في العراق، ومروره بمصر ليأخذ منها هاجر؛ لتلد له إسماعيل، ليُسكِن إسماعيل وأمه عند البيت المحرم، ليبلغ إسماعيل ثم يتزوج، ليكون من نسله محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون من ذلك كله ذلك الحدث الأكبر ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً إلى البشرية كافة.

عباد الله: إن هذا الوجود الكبير الذي لا تُعرف له حدود، ما نبصره وما لا نبصره، كل منوط بقدر الله -سبحانه-، متعلق بمشيئته، وهو قائم بتدبيره -سبحانه- الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم، وهذا التدبير يتناول الوجود كله جملة، ويتناول كل فرد فيه على حدة، ويتناول كل عضو، ويتناول كل خلية، ويتناول كل ذرة، ويعطي كل شيء خلقه كما يعطيه وظيفته، ثم يراقبه وهو يؤدي وظيفته: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) [الأحزاب: 52].

لقد تفرد الله رب العالمين بتدبير الكون وتصريفه، دبَّر الطيور في جوها، وصرّف الأسماك في بحارها، والحيوانات في أرضها، والديدان في مساربها، والحشرات في مخابئها، والوحوش في أوكارها، وكل بيضة، وكل فرخ، وكل جناح، وكل ريشة، وكل خلية في جسم حي، فضلاً عن البشر، ومع كل هذا لا يشغله شأن عن شأن، ولا يندّ عن علمه ظاهر ولا خافت، بل (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) [لقمان: 16].

هذا الفضاء الشاسع الرهيب مملوء بالكواكب والنجوم، لا يختل مدار نجم فيه بمقدار شعرة، ولا يختل حساب السير والتوازن والتناسق في حجم ولا حركة، فـ(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40]، فكل حدث، وكل عمل مكتوب مرقوم: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر: 51 - 53]، فما أعظم الله، وما أعظم قدرته، وما أوسع ملكه، وما أشمل تدبيره، وما أعظم بطشه بمن عصاه.

فسبحان: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 2- 3]، وسبحان الذي خلق الخلق، ودبر الأمر في السموات والأرض، ولا يشغله -سبحانه- شأن عن شأن، ينفذ أقداره وتدابيره في خلقه، في أوقاتها التي اقتضتها حكمته، (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29]، ومن هذا شأن العباد وأعمالهم، من ملائكة في السماء، ومن إنس وجن في الأرض، يسمع -سبحانه- كلامهم، ويبصر أفعالهم، ويعلم أحوالهم، ولا يخفى عليه شيء من أمرهم، فسبحان من خلق هذه الخلائق، وتولى أمرها بالتصريف والتدبير، وأحاط بها كلها فلا يخفى عليه شيء منها.

فليس أمام المسلم سوى القبول والتسليم، والأخذ بالأسباب، والإقبال على رب العالمين، اعتقادًا صحيحًا، وعملاً وتحكيمًا لشرعه، واتباعًا لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، هداني الله وإياكم إلى صراطه المستقيم، وجنبنا طرق الغواية والضلال، وأحسن لنا الختام أجمعين.