العربية
المؤلف | عبد العزيز بن محمد القنام |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن مرحلة المراهقة وبداية الشباب مرحلة تتميز بالميول النفسية تجاه ترسيخ الهوية وإثبات الذات، وفي هذا السبيل يلجأ المراهق إلى وسائل عديدة تتضمن المغامرة وركوب المخاطر ومواجهة الصعاب؛ ليثبت للآخرين أنه الأقوى والأفضل والأحسن.. حب الظهور والشهرة، والفراغ، ومحاكاة رفقة السوء، و التحدي الذي يقع بين الشباب ..
الحمد لله أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لعلكم تتقون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جاءت شريعته بحفظ الأنفس والأموال والأعراض، والمفلس من أمته من جاء يوم القيامة وقد سفك دم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا.اللهم صل عليه وعلى صحابته الأخيار وأزواجه الأطهار وعلى من تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي أيها الناس بتقوى الله: فهي المنجية من عذاب أليم، والموصلة لرضوان الرحمن الرحيم فالتقوى سيبل الرشاد، للحاضر والباد، فاتقوا الله أيها العباد.
أيها المسلمون: انتشر بين شباب المسلمين في هذه الأيام خاصة أيام الامتحانات ظاهرة التفحيط الخطيرة بالإضافة إلى السرعة الزائدة التي تؤدي إلى خسائر فادحة في الأنفس والممتلكات وكم هي نتائج التفحيط والاستعراضات الإجرامية؟ إنها أرقام مذهلة؟إنه إرهاب من نوع آخر نراه ونشاهده في الساحات، وعند المدارس، وفي الشوارع يستولي على الطرقات بكل سفه وغطرسة. إنه أذى وعبث وإتلاف واعتداء على الآمنين وإزهاق للأرواح.
التفحيط ظاهرة مرعبة لكنها عند كثير من الشباب مجرد لعبة وهواية نعم لعبة ولكنها لعبة الموت. ومن الغريب والعجيب حقاً: ازديادها وكثرتها في أيام الامتحان وفي زمن حصاد التحصيل العلمي!! إن هذا التزامن غاية في التناقض بين العلم والعمل !! فالطالب في ذروة التواصل مع المادة العلمية وبالمقابل في ذروة الفوضى والعبثية فمن المسئول؟
المادة العلمية المكثفة في الجوانب الأخلاقية والتي يتلقاها أبناؤنا أين تأثيرها في الانضباط والتعقل ومعرفة حقوق الغير وآداب التعامل وحق الطريق؟
عباد الله: إن التفحيط شكل من أشكال إيذاء الناس غير المبرر، ودلالة على عدم الاكتراث بسلامة وممتلكات الآخرين، ومناف لما جاءت به الشريعة. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". متفق عليه.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها. قلت: فإن لم أفعل؟ قال:تعين صانعاً أو تصنع لأخرق. قلت: فإن لم أفعل؟ قال:تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك".
وإن أذية المؤمنين والناس أجمعين بغير حق من أشد المظالم، وأعظم المآثم التي توعد الله أهلها بالوعيد الأكيد، وتهددهم بالعذاب الشديد، في مثل قوله -سبحانه-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً). [الأحزاب:58]
ومن أعظم أذية المؤمنين والناس بغير حق قتلهم بغير حق، قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32] وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخرج من طريق المسلمين شيئًا يؤذيهم كتب الله له به حسنة، ومن كتب له عنده حسنة أدخله بِها الجنة" رواه الطبراني وحسنه الألباني.
أيها الأخوة: عماذا نتحدث؟ هل نتحدث عن الضحايا البشرية؟ أم الخسائر الأخلاقية؟ أم الانتكاسات النفسية؟ إن أرقام الحوادث مذهلة جداً. وقد دلَّت الإحصاءات على أن أعداد القتلى والجرحى والمعاقين بسبب حوادث المرور سنوياً بالآلاف وهي في ارتفاع دائم وازدياد مستمر.
إن الخسائر البشرية جراء الحوادث؛ من وفيات وإصابات سنوياً أكبر من خسائر كثير من البلدان التي تجتاحها حروب أو زلازل مدمرة. خسائر مادية، تنوء بحملها كواهل الأسر والدولة، وشركات التأمين، في صور تعويضات، وديات تدفع، وأموال تنفق على الجرحى والمصابين، ولكم أن تتصوروا حجم الخسارة مادياً؟ إذا علمتم أن الدولة تخسر أكثر من واحد وعشرين مليار ريال سنوياً! بمعدل ستين مليون ريال يومياً، ولك أن تقول ثلاثة ملايين ونصف المليون في كل ساعة. فخسارة الأنفس التي عليها قوام الأمم، وبخلافة الأرض وعمارتها من أعظم المصائب، حتى نعت في القرآن بالمصيبة، كما قال جل وعلا: (فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ) [المائدة:1.6].
وإتلاف الأموال في حوادث المرور حجب لها من أن تنفق في أوجه الخير الأخرى، كعلاج المرضى، وكفالة الأيتام، وقضاء حاجة المعوزين. ولك أن تتخيل لو أنفقنا ثلاثة ملايين ونصف المليون ريال كل ساعة على المحتاجين؛ كم سيبقى عندنا من محتاج؟ لا أخال الأمر يحتاج إلى آلة حاسبة.
كل هذا -أيها الإخوة- يُخلِّفُ الحسرة في النفوس، وتَبْقَى الجروحُ الغائرةُ شاهدةً على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وفي الحديث الشريف: "التأني مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَان". رواه أبو يعلى وحسنه الألباني.
أيها المسلمون: إن أول درس يجب أن نعيه من هذه الأرقام ونتساءل: لماذا كل هذه الأرقام وكل هذه الضحايا، ومن المتسبب فيها، وهل المتسبب يأثم عند الله إثم قاتل النفس الوارد في قوله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93] وهل من تسبب في قتل نفسه يلحقه الإثم الوارد في قوله: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يُجاء بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً أبداً" متفق عليه.
إن نفسك -يا عبد الله- أمانة عندك، لا يحل لك إزهاقها، فمن فعل فقد أتى جرماً عظيماً ينال عليه في الآخرة عذاباً أليماً، إلا أن يتوب كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد" متفق عليه.
أي والله لقد بلّغ -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم-، ولكن أين من يتعظ.؟
والسرعةُ الزائدةُ عن حدِّها تؤدي إلى تحطيم وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. وقال في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا" وقال صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" أخرجه مسلم في صحيحه.
أرواحاً تزهق، ونساء تترمل، وأسَرٌ تفنى، وأطفال تيتم، وأعضاء مبتورة، وإعاقات مستديمة.. منشآت تهدم، ومصالح تعطل، وملايين الريالات تهدر؛ فالمستشفيات وما تستقبله، والمقابر وما تحتضنه، وملاجئ الأيتام ودور الرعاية الاجتماعية وما تغص به، كل أولئك أو جلهم ضحايا التهور وعدم المسؤولية، فواجع تصل إلى حد الهلع، وخسائر تصل إلى حد الكوارث، قطع للأطراف، عاهات وكسور، أشلاء ومشلولون، صور مأساوية، ومشاهد مروعة.
أيها المسلمون: قتل النفس بغير حق جريمة عظمى، ويزداد عظمها إذا أضيف إليها أن هذه النفس ربما كانت عائلاً وحيداً لأسرتها، وربما كانت ثمرة فؤاد لأهلها، وربما كانت أماً حانية ترفرف بظلال الحب على بيتها، أو أباً يرفرف بعطفه على أنجاله، ويحمل لهم الرزق والأمان. وربما كانت داعيةً للهدى تنشر الخير وتعين عليه، وربما كانت عالماً من علماء المسلمين، أو أحد الأئمة المتقين، تزهق روحه، أو يبتر عضو من أعضائه، أو تشل حركته، فيبقى طريح الفراش سنين عددا، لا حي فيرجى، ولا ميت فينعى.
أطفال في عمر الزهور، وشباب في ريعان الأعمار، يذهبون هدراً، ويموتون قهراً، ما حال الأم الرؤوم، والأب الحنون، وقد أزهقت روح أبنهما اليافع، وحبيبهما الأمل، ما حال الأسرة المسكينة وقد حل بها معاق، علاجه مكلف، والكد عليه مرهق،وما حال هذا المعاق، الذي أصبح مقعداً عاجزاً عالة على أهله ومجتمعه ودولته، حسرات، وآهات وآلام، تخرج بعد فوات الأوان، و بسبب ماذا كل هذا؟ بسبب التهور والطيش.
شباب طائش مغيب مقلد، وسياراتهم كالأسلحة الفتاكة، تحصد الأرواح. والإخلال بحقوق المارة. والطالب لا زال للتّو قد أمضى ساعات في صرح من صروح العلم والمعرفة، والذي كان يرجى أن يُرى منه أدب العلم والتعلم ظاهراً على سلوكه وتعامله وكلامه وتصرفاته.
أيها الإخوة الكرام: إن مرحلة المراهقة وبداية الشباب مرحلة تتميز بالميول النفسية تجاه ترسيخ الهوية وإثبات الذات، وفي هذا السبيل يلجأ المراهق إلى وسائل عديدة تتضمن المغامرة وركوب المخاطر ومواجهة الصعاب؛ ليثبت للآخرين أنه الأقوى والأفضل والأحسن.
حب الظهور والشهرة، والفراغ، ومحاكاة رفقة السوء، و التحدي الذي يقع بين الشباب، وضعف رقابة الأسرة، و أثر وسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية كأفلام المطاردات ومسلسلات العنف و الترف، وعدم تقدير النعم، ومحاولة بعض الشباب لفت انتباه الأحداث والمردان واستدراجهم لعلاقات شاذة.. كل ذلك من أسباب تفاقم هذه الظاهرة الخطرة كما تحكيه الدراسات العلمية. سلوك اللامبالاة أحد أهم سمات المفحطين، وكلما انخفض العمر والمستوى التعليمي برزت سلوكيات خطرة تعرض أصحابها والآخرين للمخاطر الشديدة.
التفحيط ليس جرماً مقتصراً على صورته؛ بل مفتاح لجرائم متعددة.. من قتل الأرواح البريئة، وإتلاف وسرقة الأموال المحترمة، وترويع الآمنين،..وباب من أبواب ارتكاب الأفعال اللا أخلاقية، وأرض خصبة لتهافت الشباب على المسكرات وترويج المخدرات.
فكم تختفي جرائم أخرى تحت هواية التفحيط والدوران في الأحياء؟ فمن ترويج للمخدرات والمسكرات إلى المعاكسات وقضايا إركاب الصغار وانتهاك أعراضهم إلى جرائم السرقات !فهل ينتبه لذلك المسئولون والأولياء والمربون؟
ثم اعلموا -أيها الشباب- أن التفحيط والتنطيط، وإيذاء الناس والمارة، والتجمعات الشبابية، والتحزبات الهمجية، والحركات اللا منهجية، لو كانت كل تلك المهازل والمفاسد رفعة في الدرجات، وزيادة في الحسنات، والله لما سبقتم إليها العلماء والعقلاء والفضلاء والنبلاء، ولكنها انحطاط في الأخلاق، ونقيصة في الأدب، وعيب في التربية، ومثلبة في الرجولة، فمن هو العاقل الذي يرضى لنفسه بالسفول وضياع الأخلاق، وأن ينظر الناس إليه بعين الازدراء والاستهزاء، بل ربما أدت تلك الأخلاق السيئة، والانحرافات المشينة، أقول ربما أدت إلى قطع الصلات مع الله،ومع عباد الله.
فاتقوا الله -يا شباب الأمة- في شبابكم نوصيكم بوصية العبد الصالح لقمان (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ) [لقمان:19:18].
نوصيكم بوصية الله (وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) [الإسراء:38:37].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق البشر، وأمر بطاعته كما أخبر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم العلن والمخبر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه إلى الأسود والأحمر، صلى الله وسلم عليه ما بزغ نجم وظهر، وعلى آله وأصحابه الميامين الغرر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المستقر.
أما بعد: فيا أيها الشباب: اتقوا الله وراقبوه، واخشوه وتوبوا إليه، فأنتم محاسبون على أعمالكم، مؤاخذون بأقوالكم (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115]، واحفظوا وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم لكم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: " غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ" متفق عليه واللفظ لمسلم.
لقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نعطي الطريق حقها، وأخبر أن إماطة الأذى عن الطريق إحدى شعب الإيمان؛ فالله الله في الطريق، فأعطوها حقها، واتبعوا نظامها، وسيروا حسب قوانينها طاعة لله، في طاعة ولاة الأمر، وطاعة لله في حفظ نفسك ونفوس إخوانك، وطاعة لله في حفظ مالك وأموال إخوانك، وطاعة لله في حفظ كنوز المسلمين البشرية والمالية لمواجهة العدو، ونصرة دين الله ونشره والدعوة إليه.
فاتقوا الله -عباد الله-، وحافظوا على أرواحكم، وأرواح أبنائكم، واحفظوا أموالكم، وتوخوا الحذر؛ فإن تقرير رجل المرور، وشركة التأمين لن يغنيا عنك من الله شيئاً إن كنت قتلته باستهتارك، أو أعقته بعدم مبالاتك، أو حرمته أحد أحبابه بسرعتك، وليس في اعتبار القتل بالسيارة من قبيل القتل الخطأ تأثير في الواقع إذا كان غير ذلك، فقد يرقى إلى قتل العمد إذا كان مخالفاً صريحاً للنظام، كما جاء في فتوى هيئة كبار العلماء.
فلا يحل للمسلم أن يعرض نفسه أو غيره للخطر، أو يعرض ماله للتلف والهلاك، فإن هذا خلاف لما جاءت الشريعة الغراء بالمحافظة عليه، ويترتب على فعله من المصائب ما سمعتم جزءاً يسيراً منها.
فيا أخي المسلم: إنه ينتج من تفريطك قتل نفس بغير حق، أو إتلاف للأملاك، أو الأموال الخاصة أو العامة، وكلها مما حرم الله إتلافه بغير حق،وكم من الحسرة ستلاحقك طوال حياتك، إن كان قلبك حي، إن تسببت في قتل نفس.
نعم: إن ما قدره الله لا بد أن يكون، ولكن حين يقع القدر وقد عملت الأسباب - فأنت معذور غير ملوم، وتسلم من الإثم، ويرحمك كل محب، ويشفق عليكم كل صديق، ويعوضك الله خيراً.
فعليك أن تتقي قدر الله بقدر بكل ما تملك وتستطيع من أسباب مباحة ومشروعة، وليس عليك بعد ذلك رد قضاء الله، والأصل في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعقلها وتوكل" أخرجه الترمذي في سننه.
فاتقوا الله -رحمكم الله- والتزموا آداب دينكم، فالسير الآمن مقصد من مقاصد الشريعة، ووصف بارز من صفات عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً.
والرفق -يا عباد الله- أدب رفيع من الآداب النبوية التي تحث على الرفق في الأمر كله، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله".ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه متفق عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من يُحرم الرفق يحرم الخير كله" رواه مسلم. فينبغي لكل مسلم أن يتصف بالرفق والهدوء في أموره عامة وفي قيادته للسيارة خاصة.
فالسرعة لا تحقق لصاحبها شيئاً، فإن كان مقصده من السرعة تدارك أمر يخشى فواته، فلربما كان الفائت عمره وماله؛ فالله الله -أيها الشباب- بطاعة ربكم ووالديكم، والاهتمام بعلمائكم وقادتكم، والعناية بمقدرات وطنكم، وتوفير السلامة للمسلمين؛ فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والتزموا هدي الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وعضوا عليهما بالنواجذ، ففيهما الخير والهدى.
معشر الآباء: قوموا بواجبكم تجاه أبنائكم ومن ولاكم الله أمرهم، واعلموا أن الأمانة ثقيلة فقوموا بها حق القيام واستشعروا المسؤولية التي عنها ستسألون، وليس الشأن أن تجد مالاً تحقق به مرادات أبنائك، ولكن عقلاً ومسؤولية تدبر فيها شؤون رعيتك.
هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار، سيد الأبرار، صادق الأخبار، فقد أمركم الله بذلك ليل نهار، فقال الواحد القهار: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار.
اللهم ارزقنا اتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، واحشرنا في زمرته، وأدخلنا في شفاعته، واسقنا من حوضه، واجمعنا به في جنات النعيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بشر وسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ومن العمل ما تحب وترضى.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، اللهم تول أمرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم أهد شباب المسلمين من بنات وبنين، اللهم رد ضالهم إليك رداً جميلاً، اللهم جنبهم رفقاء السوء، وأصحاب الفساد، اللهم جنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان،اللهم انصرهم في فلسطين والعراق، وانصرهم في وأفغانستان وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الملة والدين، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم أهلكهم بالقحط والسنين، يا رب العالمين. اللهم لا تقم لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية، يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأيدك، واجعل عمله في رضاك.
(رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ *وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.