العربية
المؤلف | عبد الله بن عبد العزيز المبرد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق |
حوى أصول الشريعة، في عقائدها وأخلاقها، وحلالها وحرامها، يضيء للأمة مسالك الاستنباط في أحكام المستجدات والمتغيرات في كل زمان ومكان، به يعرف الحق من الباطل والصادق من الكاذب، يفضح الله به كيد الكائدين، ويبطل به مكر الخائنين، هو الميزان الذي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله جعل العزة والرفعة لمن أطاعه وتولاه، وكتب النصر والتمكين لمن تأسى برسوله -صلى الله عليه وسلم- ووالاه، وجعل الصغار والمهانة لمن تولى عنه وعصاه، وكتب الذلة على من تنكب هدى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وجافاه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم، ومن حذا حذوهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله، فهي وصية الله إليكم, وهي خير لباسٍ في الدنيا, وخير زادٍ إلى الآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * ُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 71 - 70].
أيها المؤمنون: إن أعظم نعمة أسبغها الله على عباده، هي: نعمة مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث أشرقت شمس الإسلام على أمة راتعة في ظلمة الجهل، غائبة في مجاهل التاريخ، مثقلة بأوضاع الظلم والفرقة، وفساد الأخلاق، فلما أراد الله لعباده الحياة بعد الموت، والعز بعد الذل والقوة، بعد الضعف أرسل لهم هذا الرسول الرحمة -صلى الله عليه وسلم-، وأنزل معه هذا الكتاب المبين: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 57- 58].
كتاب من عند الله، هو أساس الدين، ومصدره التشريع، رحمة الله على العالمين، حوى أصول الشريعة، وقاعدها في عقائدها وأخلاقها وحلالها وحرامها، يضيء للأمة مسالك الاستنباط في أحكام المستجدات والمتغيرات في كل زمان ومكان، به يعرف الحق من الباطل والصادق من الكاذب، يفضح الله به كيد الكائدين، ويبطل به مكر الخائنين، هو الميزان الذي توزن به العقائد والمذاهب والمواقف والأشخاص، يقول الشاطبي: "الكتاب كل الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور البصائر والأبصار، لا طريق إلى الله سواه ولا نجاة إلا لمن استضاء بهداه".
نزل هذا الكتاب، حين نزل على قلوب ميتة، فأحياها الله به، متفرقة فجمعها الله به، مختلفة فاتفقت عليه، فتكونت به عصبة المؤمنين الأولى، وجيله الفذ، ورعيله الشريف صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين كانوا خير جيل عرفه التاريخ بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، يرجع الفضل إليهم فيما ننعم به من الإسلام، فبكريم دمائهم بلغ الإسلام ما بلغ، وبحر أموالهم سارت دعوة الإيمان، وأنقذ الله بهم أمماً من النيران، وبجهادهم، وتحت سيوفهم، تهاوت ممالك الفرس، ودانت بلاد الروم، ورأى فيهم أعداء الدين جائحة تأتي على أملاكهم ودولهم وعروشهم، فأرادوا بهم كيداً، وحاكوا لهم مكراً، كانت بادرتها من المجوس عبدة النار، الذين تجرعوا المهانة في القادسية، وشربوا الذل وهم يرون رايات جيوش الإسلام التي كان يُزجي كتائبها عمر بن الخطاب تجوس خلال مدائنهم، لا يثبت فيهم جيش ولا قائد ولا حصن، فعدلوا عن المواجهة المكشوفة إلى الكيد الذليل الخسيس، فدسوا في صفوف المسلمين رجلاً، يقال له: أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي، كان غلاماً من سبي فارس لدى المغيرة بن شعبة تسلل هذا الماكر الخبيث إلى المجتمع المسلم، وأظهر الإسلام حتى غدر بفاروق الإسلام، وثاني خلفائه عمر بن الخطاب، إذ طعنه، وهو يصلي، لينال بذلك المجوس شيئاً من ثأرهم، ولا زال المجوس فرحين بغدرته إلى يومنا هذا، فله في إيران ضريح وهمي، جعله الروافض أدعياء الإسلام هناك مزاراً يزورونه، ويترضون عنه، وقد كتبوا على جدرانه بالفارسية: الموت لأبي بكر، والموت لعمر، والموت لعثمان.
أما اليهود، فقد دسوا عبد الله بن سبأ: "ابن السوداء".
يهودي من اليمن أظهر الإسلام أيام عثمان، وراح يطوف بلاد الإسلام يؤلبها على الخروج عليه رضي الله عنه وأرضاه، ولا زال يجوس في الأمصار ينفث الفتنة يفرق بين الصحابة، ويذم عثمان، ويلمز الصديق والفاروق، حتى كان له أنصار، هم الذين قتلوا عثمان -رضي الله تعالى عنه- عام خمسةٍ وثلاثين من الهجرة، ولم يكتف ابن السوداء بذلك، بل نفخ في نار الفتنة بين علي ومعاوية، وأظهر انحيازه لعلي -رضي الله تعالى عنه-، وقال فيه وفي الإسلام قولاً عظيماً، فزعم: أن علياً إله، ونقل من يهوديته أكاذيب وروايات عظيمة، هي مكونات ملة الروافض اليوم، فهو أول من تكلم في الوصية والرجعة والولاية والإمامة والبداء ... وكانت الفتنة التي أوقدها المجوس، وهذا اليهودي ذات رأسين: الأول: حب مزعوم، ونصرة كاذبة لعلي وآل البيت، والثاني: كره ومقت وعداء صراح، لكل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عدا أحد عشر صحابي على أكثر تقدير وعند أكثرهم سماحة، وليس فيهم سمح ولا منصف.
نعم، رأى المجوس في هذه الفتنة منفذاً يثأرون فيهم لملكهم الزائل، ومدائنهم السليبة، وإعاقة حركة الإسلام، وإذا لم يمكنهم الطعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعنوا فيمن حملوا الدين معه وبعده، وخونوهم وكفروهم، ليفصلوا أول الأمة عن آخرها، فلم يقبل المسلمون أن يأخذوا دينهم من كفار وكذبة وخونة، قال الإمام مالك: "إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في الصحابة، حتى يقال: رجل سوء لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحبن".
فتباً للأفاكين، من يسبون؟! ومن ينتقصون؟! ومن يتهمون؟! أيسبون من مدحهم خالقهم، والعليم بسرهم ونجواهم، أيتهمون من عدلهم ربهم؟! أينتقصون من سجل فيهم القرآن غرر المدائح وأجمل الثناء: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ) [التوبة: 100].
ويقول فيهم ربهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح: 18].
ويقول سبحانه: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [الحجرات: 3].
وشهد لهم بالهداية والبصيرة: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر: 18].
أيذمون من صلى عليهم ربهم، وأسبغ عليهم رحمته: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 157]؟.
أيلمزون الذين أنزل الله في قلوبهم السكينة: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ) [الفتح: 4]؟
ويحهم ألم يسمعوا قول الله فيهم: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 29]؟
فلله ما أعظمهم من جيل وما أشرفهم، سمحت نفوسهم رضي الله -تعالى- عنهم بالنفس والمال والولد والأهل، والدار، ففارقوا الأوطان، وهاجروا الإخوان، وقتلوا في سبيل الله الآباء والإخوان، وبذلوا النفس صابرين، وأنفقوا الأموال محتسبين، وناصبوا من ناوأهم متوكلين، فآثروا رضى الله على الغناء، والذل على العز، والغربة على الوطن، هم المهاجرون الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون.
ثم إخوانهم من الأنصار، أهل المواساة والإيثار، أعز قبائل العرب جاراً، واتخذ الرسول -عليه السلام- دارهم أمناً وقراراً، الأَعِفّاء الصُّبر، والأصدقاء الزُهَّد: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر: 9].
أما من أتى بعدهم، فهو إما محب لهم معترف بفضلهم، قائم بمقتضيات ودهم، متبرئ ممن عاداهم، وأظهر بغضهم، فذلك ممدوح بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ) [الحشر: 10].
وإما مبغض لهم جاحد لفضلهم، ساعٍ في عداوتهم، يُغيظه ما نالهم من خيرات الدنيا والآخرة، فأولئك عن رحمة الله مبعدون، وعن جنته مطرودون؛ لأنهم عارضوا القرآن، وخالفوا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وخونوا أصحابه -رضوان الله عليهم-.
أجل -أيها المؤمنون-: إن ملة الروافض شجرة خبيثة تمتد جذورها إلى المجوس واليهود، وإنه لمن الخديعة البينة والتضليل الماكر أن يُقسم الإسلام إلى قسمين، ويقال: إن فيه مذهبين شيعة وسنة.
فالأمر يتعلق بأصول الإيمان، وقاعدة الدين، نحن أمام ملة مختلفة، ودين آخر، لا تشبه ديننا، ولا تتفق معنا.
فغلاتهم يزعمون: الألوهية لعلي -رضي الله تعالى عنه-.
وقد جاءت طلائعهم لعلي -رضي الله تعالى عنه-، فقالوا له: أنت أنت، فقال: من أنا؟ قالوا: أنت الخالق الباري.
فاستتابهم فلم يتوبوا فأوقد ناراً وحرقهم.
وقال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً | أججت ناري ودعوت قنبرا |
وكان علي -رضي الله تعالى عنه- يقول: مالي ولهذا الأسود، أما من هم دون ذلك، فإنهم يدعون علياً والحسين، ويطوفون بالقبور، ويزعمون: أن أئمتهم يعلمون الغيب، ولهم مقام فوق مقام الملائكة والرسل، يقول هالكهم الخميني في كتابه: "ولاية الفقيه": "وإن من ضروريات مذهبنا: أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل".
وهم يُكذبون صريح القرآن، فالله يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9].
وهم يقولون: إن القرآن محرف منقوص، وقد طبعوا في إيران كتاباً عنوانه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب".
وهم مع ذلك يخطئون جبريل -عليه السلام-، ويخونونه، حيث يزعمون أنه نزل بالقرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكانت الرسالة لعلي، وهم بهذا يشابهون اليهود الذين، يقولون: إن جبريل عدونا من الملائكة.
كما يطعنون في شرف النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويتهمون عائشة في عرضها، ويقولون فيها ما قالت اليهود في مريم البتول -عليها السلام-.
إنهم لا يصومون كما نصوم، ولا يزكون كما نزكي، وإذا حجوا دعوا غير الله، وعبدوا سواه.
فأي إسلام هذا الذي لا يقيم التوحيد، ولا يصدق القرآن، ولا يزكي الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا يقر بالفضل لنقلته عليهم -رضوان الله عليهم-.
إن روافض العرب قد انطلت عليهم خدعة المجوس، وألبسوهم زوراً، ثوب الدفاع عن آل البيت، وعامتهم مخدوعون، وهم مشمولون بحكم الكفر؛ لأنهم قد بلغتهم الدعوة؛ ولأن الأتباع لن ينتفعوا بعذر التبعية يوم القيامة: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب: 67].
ومن كان من كبراء روافض العرب، فهو مفتون بصاحب المذهب الخبيث من أكل أموال الناس بالباطل تحت شرعة "الخمس".
وباستحلال فروجهم، تحت ستار المتعة، وبالمصالح الوجاهية والسياسية التي يُضفيها عليهم رؤوسهم في ديار المجوس هناك.
أما روافض المجوس، فهم كفار أصلاً، وهم يحتقرون العرب، حتى أبناء ملتهم الخبيثة، وإنما يتخذونهم أذيالاً خسيسة، وذريعة إلى كل دسيسة.
أما دخولهم الإسلام علناً، فقد عرفه سلف هذه الأمة، وتنبهوا له، فقد نقل ابن تيمية عن الشعبي كلاما عن الرافضة، قال فيه: "أحذركم أهل الأهواء المضلة، وشرها الرافضة، لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، ولكن مقتاً لأهل الإسلام، وبغياً عليهم، قد حرقهم علي -رضي الله عنه-، ونفاهم إلى البلدان، ومنهم عبد الله بن سبأ يهودي من صنعاء نفاه إلى ساباط وعبد الله بن يسار نفاه إلى خاذر وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود".
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أيها المسلمون: اعلموا أن وقود فتنة الرافضة، ورايتهم التي دخلوا تحتها، وفرقوا أمة الإسلام، هي فرية نصرة آل البيت وكذبوا، وأيم الله ما نصروهم وما وقروهم وما حفظوا عهدهم، ولقد لقي منهم بيت النبوة ما لقي، وحسبك من شرهم: أن يطعنوا في شرف البيت وعرضه، وحسبك من البيت الشريف رفضاً لهم ولمذهبهم ما فعله علي -رضي الله تعالى عنه- بسلفهم من التحريق والنفي والطرد.
بل إن آل بيت علي -رضي الله تعالى عنهم- قد كانوا ضحية غدرهم وخيانتهم في أكثر من موضع، وهم الذين قال لهم علي -رضي الله تعالى عنه- يوبخهم بعدما خذلوه وأسلموه: "يا أشباه الرجال ولا رجال، حُلوم الأطفال، وعقول رَبَّات الحِجال، لوددتُ أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة حزتُ والله ندماً، وأعتبت صدماً ... قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجَرَّعْتُموني نُغَب التهام أنفاسنا، وأفسدتم عَلَيّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يُطاع".
وقال لهم في موطن آخر: "أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ، اَلْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، كَلاَمُكُمْ يُوهِي اَلصُّمَّ اَلصِّلاَبَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ اَلْأَعْدَاءَ، تَقُولُونَ فِي اَلْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإِذَا جَاءَ اَلْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلاَ اِسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ دِفَاعَ ذِي اَلدَّيْنِ اَلْمَطُولِ، لاَ يَمْنَعُ اَلضَّيْمَ اَلذَّلِيلُ، وَلاَ يُدْرَكُ اَلْحَقُّ إِلاَّ بِالْجِدِّ، أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ، اَلْمَغْرُورُ وَاَللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاَللَّهِ بِالسَّهْمِ اَلْأَخْيَبِ، وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ، أَصْبَحْتُ وَاَللَّهِ لاَ أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلاَ أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلاَ أُوعِدُ اَلْعَدُوَّ بِكُمْ، مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ، مَا طِبُّكُمْ اَلْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ، أَقَوْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ، وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ".
وقال ولده الحسن -رضي الله عنها- بعدما غدروا به، وتلكؤوا عن نصرته: أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا ملكي، وانتهبوا نعلي، وأخذوا مالي.
وليت شعري لو يعلم هؤلاء الذين يلطمون خدودهم على الحسين: أن آباءهم الذين غدروه وقتلوه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأنصر أهل السنة أجمعين.