البحث

عبارات مقترحة:

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

غلاء الأسعار

العربية

المؤلف سعيد بن محمد آل ثابت
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المعاملات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. مشكلة غلاء الأسعار .
  2. الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة .
  3. نصائح للتاجر المسلم .
  4. وصايا للمستهلكين والمشترين .
  5. العلاج العام لقضية غلاء الأسعار .
  6. حكم التسعير. .

اقتباس

نتحدث عن مشكلة غلاء الأسعار! ومثل هذه الظواهر الخطيرة، إذا لم تُعالج أدت إلى كوارث ونتائج سيئة: انتشارُ الفقر في المجتمعات، وظهورُ الأمراض الاجتماعية الخطيرة من البطالة والسرقة والإجرام، وكثرةُ المتضرّرين، واتساعُ الطبقة الفقيرة، وإلحاقُ كثير من أفراد الطبقة المتوسطة بالفقراء. بل يشيع العَنَتُ ويقلُ المتزوجون، ويكثر الأيامى والبطالون، ويحدث التأثر المباشر لتمسَّ المداخيل المالية للأسر، فيحصل لدى الناس من الغم والهم والحزن ما لا يعلمه إلا الله, وتؤدي إنهاك جيوب الشرائح الاجتماعية من ذات الدخل المحدود...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار. وأوصيكم بتقوى الله ولزوم الجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ عنهم فمات فميتته جاهلية.

عباد الله, إنَّ مما عمت به البلوى، فكثرت منه الشكوى، وطار خبرُه، وانتشر ضررُه، وصار حديثَ الناسِ في مجالسهم ومنتدياتهم: قضيةٌ في أصلها اقتصادية! ولكنَّ أضرارها تجاوزت المالَ والاقتصاد، لتشمل النواحي الاجتماعية، والعلاقات الأسرية، ونخشى أن لا تدع أحداً إلا أصابته! نتحدث عباد الله عن مشكلة: غلاء الأسعار!

قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ) [النساء: 79], المسلم الموحد يعلم علم اليقين أن ما يقع في الناس من مصائب وكوارث إنما يكون ابتداءً بسبب ذنوبهم.

 وهذا الداء لا بد من النظر إليه من منظار الشريعة؛ لأن مثل هذه الظواهر الخطيرة، إذا لم تُعالج أدت إلى كوارث ونتائج سيئة: انتشارُ الفقر في المجتمعات، وظهورُ الأمراض الاجتماعية الخطيرة من البطالة والسرقة والإجرام، وكثرةُ المتضرّرين، واتساعُ الطبقة الفقيرة، وإلحاقُ كثير من أفراد الطبقة المتوسطة بالفقراء.

بل يشيع العَنَتُ ويقلُ المتزوجون، ويكثر الأيامى والبطالون، ويحدث التأثر المباشر لتمسَّ المداخيل المالية للأسر، فيحصل لدى الناس من الغم والهم والحزن ما لا يعلمه إلا الله, وتؤدي إنهاك جيوب الشرائح الاجتماعية من ذات الدخل المحدود.

 وسيؤدي باستمراره وتسلسله إلى نتائج ذات آثار أخرى أبعد وأكبر كعزوف الأفراد عن الشراء، وانخفاض حركة البيع والشراء، وبالتالي الوقوع في الركود الاقتصادي، وهذا سيعم ضرره الكثير.

تضاعفت أسعارُ الأغنام وسائر الأنعام, السيارات وإطاراتها, والخضروات وحليب الأطفال، ومواد البناء، وأسلاك الكهرباء، والحديد، والإسمنت، والعقارات وتضاعفت وارتفعت الإيجارات وفواتير الخدمات، والنواحي الصحية، وتكاليف التعليم والنقل ونحوها، وهكذا من الأمور التي تضرب القوة الشرائية للفرد أمام هذا كله, ما هو العلاج؟

لقد أخبرنا ربنا أنه لا تصيبنا مصيبة إلا بما كسبت أيدينا، ولكن هذا يُدفع بالتوبة، ويدفع كذلك بمعرفة الأسباب وعلاجها. فإذا وُجد الجشع والطمع من بعض التجار فلا بد من علاجه، وإذا ضعفت المراقبة فلا بد من تعزيزها، وإذا تقلّص دعمُ المواد الأساسية فلا بد من زيادته، وإذا كانت الخصخصة في بعض القطاعات هي السبب فلا بد من مراجعة وإعادة النظر فيها.

ولكن يبقى الدور الأساس في علاج هذه الظاهرة من نواح عدة نقف معها بعض الوقفات:

الوقفة الأولى: مع التاجر المسلم:

إن نظرة إلى حال التجار في عهد السلف، تبيّن لنا كيف ينبغي أن يكون موقف التاجر المسلم في مثل هذه الأحوال. خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون، فقال: "يا معشر التجار", فاستجابوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق" (رواه الترمذي وهو حديث صحيح).

التاجر المسلم يجتنب أكل أموال الناس بالباطل، وفي الحديث: "ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" (رواه أحمد).

التاجر المسلم لا يغش، وقد مرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على صُبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابُعه بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: "أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس؟ من غش فليس مني" (رواه مسلم).

أيها المسلمون, هل يعلم التاجر الذي رفع أسعار بضاعته نهباً وجشعاً بأنه يكاد يقتل أكثر من أسرة بالدَّيْن والهمِّ والنكد؟ وهل يستشعر التاجر أن ضرر إبقاءه الأسعار بدون زيادة انخفاض أرباحه السنوية، أما زيادته في الأسعار فعاقبته المزيد من الديون والحرمان التي تكتوي بها العديد من الأسر ولا ناصر لهم ولا مغيث سوى الله وكفى به حسيبا. وقد قال عليه الصلاة والسلام: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"رواه البخاري.

الوقفة الثانية: معنا معاشر المستهلكين والمشترين:

فمن ذلك عدم التوسع في الشراء، وجعله هوايةً؛ فهذا المال محاسب عليه الإنسان، فيم اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وليس المسلم الحكيم بالذي يرهق نفسه بكثرة الشراء، ويهدر الأوقات والأموال والأعمار، وفي كثير من الأحيان يكون مصير شراء ما لا حاجة له من الأطعمة براميل القمامة, وقد قال تعالى: (وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف: 31].

مرّ جابر بن عبد الله ومعه لحم على عمر -رضي الله عنهما- فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: "هذا لحمٌ اشتهيتُه فاشتريته". قال: "أو كلما اشتهيت شيئاً اشتريته، أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا)", وأبصر أبو الدرداء -رضي الله عنه- حبّاً منثوراً في غرفته فقال: "إن من فقه الرجل رفقه في معيشته".

تربية الأولاد والأسرة على هذا المبدأ لتكون الأسرة متحدة في الاستراتيجية الاقتصادية للمنزل, وحاجياته, لقد أثبتت الدراسات أثر الإعلام والإعلان على أنماط الاستهلاك، وتزايد الشراء العشوائي لدى كثير من الأفراد، والهوس التسوقي لدى النساء خاصة، حيث يصور الإعلام مقتنيات السوق على أنها لذة الحياة التي تتيح للإنسان التمتع بالحياة بأرقى وسائل العيش والترفيه.

ولقد ذكرت الإحصاءات أن ثلث ما يتم وضعه في عربة المشتريات هو من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها ويكون مصيرها غالباً إلى سلة النفايات. ووجد في بعض الدراسات أن نسبة شراء المواد الغذائية في الدول العربية أكبر نسبة من دخل الأسرة, أما في اليابان فأكبر نسبة من دخل الأسرة تصرف على التعليم.

إنك لتعجب من رب أسرة أو ربة أسرة يدخل المحل بدون أي تخطيط لما يشتري قال جل وعلا: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) [الإسراء: 29].

التحلي بخُلق القناعة، والغنى في الحقيقة غنى النفس، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصانا فقال: "انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله" (رواه مسلم).

خذ القناعة من دنياك وأرضى بها

لو لم يكن لك منها إلا راحة البدن

وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها

هل راح منها بغير القطن والكفن

الفطنة وعدم الاغترار بالعروض والإعلانات والدعايات، نحن في عصر الإعلام والإعلان؛ وهذه الإعلانات تحوي كثيراً من المبالغات والكذب، وعلى العاقل ألا ينساق وراءها، وحتى لا يتزايد الشعور بالحرمان أيضاً إذا لم يستطع فيبقى في ألم وحسرة، أو يلجأ إلى الاستدانة.

الحذر أيضاً من البطاقات الائتمانية التي كان في ترويجها خداع من أكبر الخداع للمسلمين، وغش من أعظم الغش للمسلمين، وإيقاع في الربا الذي هو من أكبر الآثام في حياة المسلمين، ولذلك لا بد من الحذر الشديد في قضية الشراء المسبق، الذي يجعل الإنسان لا يشعر فيم دفع؛ لأنه من مال الغير، ثم بعد ذلك سيشعر به آلاماً منغصةً أضعافاً مضاعفة.

الحذر من إنفاق المال في المحرمات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا أن السؤال يوم القيامة: "من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟".

الخطبة الثانية:

الحمد لله لا مانع لما أعطى, ولا معطي لما منع, والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله, وبعد:

أيها المؤمنون, العلاج العام لقضية غلاء الأسعار يكون بالتوبة والرجوع إلى الله. قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

فإذا ظهرت المنكرات في المجتمع، وعم الفساد والفجور والربا والزنا أتاهم الله بأنواع البلاء: حبس الغيث، غلاء الأسعار، وهكذا.. ما من مصيبةٍ إلا وسببها الذنوب والمعاصي (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].

عباد الله, ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، والاستغفار من أسباب الازدهار (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) [نوح: 10- 13].

ثم عدم نسيان الفقراء، والجمعيات والمؤسسات الخيرية والأفراد تقوم بإيجاد الحلول على جميع المستويات لهؤلاء المساكين فلا يبخل المؤمن على نفسه بالمبادرة (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُون) [البقرة: 272], "يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك" (رواه البخاري ومسلم).

إن الواجب على من تولى أمر المسلمين أن يتدارك أمرهم في ظل هذه المعاناة التي حلت بهم، وذلك بالبحث عن الأسباب الحقيقية للأزمة، ووضع الحلول المناسبة لها، وإذا رأى الإمام تضرر أكثر الناس بالغلاء، فأرهق الفقراء، وأثقل كاهل المحتاجين والضعفاء، فإن الصحيح من أقوال العلماء جواز التسعير، وهو تحديد ثمن للسلع لا يزداد عليه ولا ينقص حتى في حال غلاء الأسعار وارتفاعها.

 وإذا أخذ ولي الأمر بالتسعير لمصلحة المسلمين، وأمر أهل الأسواق ألا يبيعوا إلا بسعر محدد بلا زيادة ولا نقصان، لم تجز مخالفته، ومن خالف أستحق التعزيز، وذلك عقوبة له على مخالفة الأمر.

نسألك اللهم باسمك الأعظم أن تدفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين!