البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

جمع القرآن في السطور

مر الجمع في السطور بمراحل متعددة، وقد قسمها العلماء إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: في عهد النبي . المرحلة الثانية: في عهد أبي بكر رضي الله عنه. المرحلة الثالثة: في عهد عثمان رضي الله عنه. ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائصها وسماتها، ويمكن تفصيل القول فيها من خلال الاثار الواردة في هذا الموضوع، وإليك هذا التفصيل: • المرحلة الأولى: جمع القرآن في عهد النبي يظهر أنه لما كان الرسول في مكة لم يكن هناك اعتناء ظاهر بتدوين القرآن ؛ إذ لم يرد سوى اثار ضعيفة يمكن الاستئناس بها فقط؛ كأثر إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأخذه الصحيفة التي كتب بها أول سورة طه. ولما انتقل النبي إلى المدينة النبوية، وكان الأمر قد ال إليه، وقد بدأ بتنظيم المجتمع الإسلامي؛ كان مما اعتنى به كتابة القرآن ، فكتب ما نزل عليه بمكة، وإذا نزل عليه شيء من القرآن بالمدينة كتبه، وألف (جمع) القرآن المكي والمدني على حسب ما أمر به الله جبريل عليه السلام، وقد كان له في المدينة كتاب معروفون يدعوهم لكتابة ما ينزل من القرآن ، وكان من أخصهم بذلك زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. وقد أخبر زيد ببعض وسائل الكتابة التي كانت في عصر الرسول ، ففي الحديث الذي ذكره البخاري (ت256ه) وغيره في جمع أبي بكر رضي الله عنه إشارة إلى ذلك، فقال: «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب والرقاع واللخاف». وهذا يدل على أن القرآن لم يكن مجموعا في مصحف واحد في عهد النبي ، بل كان متفرقا، في مثل هذه الأدوات التي ذكرها زيد رضي الله عنه. وقد كان النبي يعتني بكتابة القرآن أيما عناية، وكان يطلب أحد كتبة الوحي إذا نزل عليه القرآن ، وهذا مما دلت عليه الاثار، مثل ما رواه البخاري بسنده عن البراء رضي الله عنه قال: «لما نزلت: ﴿لا يستوي القاعدون من المؤمنين﴾ [النساء: 95] دعا رسول الله زيدا فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله: ﴿غير أولي الضرر﴾». مسألة: لماذا لم يكتب القرآن في مصحف واحد كاملا في عهد رسول الله ؟ لقد كان من قدر الله أن يتوفى نبيه ، وأن لا يجمع القرآن في مصحف واحد، وهذا ما يشهد له الواقع التاريخي لكتابة القرآن في عهد النبي ، والبحث عن العلل في ذلك ضرب من الاجتهاد الذي يحتمل الصواب والخطأ؛ لأن كل تعليل يمكن أن ينتقض، ومما ذكر من الأسباب: 1 - أن الحاجة لم تدع إلى ذلك، ولم يقع ما يوجب العمل بهذا الضبط الكتابي المجموع للقران الكريم، بدلالة أنه لو كان مما تحتاج إليه الأمة آنذاك لوجب العمل فيه؛ إذ لا يجوز ترك ما الأمة بحاجة إليه. وإذا تأملت واقع الأمة انذاك، وعلمت أن الأمية هي الغالبة عليها، وأن الكتبة بالنسبة لغيرهم قليل = ظهر لك عدم وجود الحاجة للكتابة في أمة تعتمد على الحفظ في ضبط تواريخها وأيامها وأخبارها، وغير ذلك، هذا فضلا عما وقع من تيسير الله لحفظه في الصدور. 2 - أن الكتابة في المصحف تصلح لشيء قد انتهى واستقر، أما الحال بالنسبة للوحي فلم يكن كذلك، إذ قد ينزل جزء من السورة، ثم ينزل الجزء الاخر منها فيما بعد، فيلحق بها، كما أنه قد ينسخ بعض النازل، فلا يقرأ به، فلو كان مجموعا في كتاب لتعسر ذلك الأمر من جهة الإضافة والإزالة، بخلاف الحال التي هو عليها من كتابته متفرقا، وحفظهم له في صدورهم. ومما يحسن التنبه له هنا أن الأصل في القرآن المسموع المحفوظ في الصدور لا المكتوب، والمكتوب إنما هو زيادة ضبط للمقروء فحسب، لذا فإن الاعتناء به من جهة تدوينه ولو مفرقا زيادة في الضبط وبقاء المحفوظ في الصدور، وليس أمرا مستقلا، لذا لا يتصور أن يرجع الصحابة في عهده إلى ما دونوه دون الرجوع إليه ، فالمقروء عليه هو المقدم فيما لو وقع اختلاف، والله أعلم. ملامح هذا الجمع: 1 - أنه كان مفرقا في عدد من أدوات الكتابة. 2 - أن القرآن الذي نقرؤه كله كان مكتوبا في عهد رسول الله لم يكن منه شيء غير مكتوب، ثم كتب بعد ذلك. 3 - أنه قد يوجد من المكتوب ما تركت تلاوته في العرضة الأخيرة. وهذا الذي تركت تلاوته في العرضة الأخيرة سيظهر لزيد والصحابة رضي الله عنهم فيما بعد عند جمع أبي بكر رضي الله عنه. المرحلة الثانية: في عهد أبي بكر رضي الله عنه لقد أبان حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عن أغلب ما يتعلق بجمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقد أورده الأئمة بأسانيدهم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويمكن تلخيص ما جاء في حديثه على النحو الاتي: = فما دامت الكتابة ثابتة، وكان الرسول حريصا عليها كما في الخبر عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه»، فكونها تكون على ما أراده الله كما هو بين أيدينا اليوم أولى. كما أن البخاري روى بسنده عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال شداد بن معقل: أترك النبي من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد ابن الحنفية، فسألناه، فقال: «ما ترك إلا ما بين الدفتين» صحيح البخاري برقم (5019). وفي هذا إشارة إلى أن ما بين الدفتين كان هو المعمول به لما مات الرسول ، وهو الذي علمه من كتب المصحف وجمعه، فلم يجمع ما سواه، والله أعلم. 1 - سبب الجمع، والذي دعا إليه: «أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر». يلاحظ أن الخوف من ذهاب القراء كان سببا أكيدا في جمع أبي بكر رضي الله عنه، وفي هذا إشارة إلى أن ما بين أيديهم من المكتوب لا يعين على حفظ القرآن ؛ لأنه غير مجموع، وأن أصل حفظ القرآن إنما هو بالمقروء في الصدور، فعمدوا إلى تقييده مجموعا مما كتب في الرقاع والأكتاف والعسب وغيرها، ومما في صدور الرجال الذي كان هو الأسبق والأغلب. ... 2 - الصفات التي أهلت زيدا لأن يتولى مهمة الجمع: «قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله ، فتتبع القرآن ، فاجمعه». ذكر أبو بكر رضي الله عنه المقومات الجسمية والعقلية والعلمية التي يتميز بها زيد بن ثابت رضي الله عنه لأجل أن يضطلع بهذه المهمة، فالشباب له أثره في الحيوية والنشاط، والعقل له دوره في رجحان العمل وصلاحه، وكتابته للوحي بين يدي رسول الله لها أثرها في قدرة زيد على معرفة القرآن ، وتحقيق نصه بما عند الصحابة من ايات مكتوبة. ويلاحظ أن أبا بكر رضي الله عنه لم يذكر كونه حضر العرضة الأخيرة، لكنه ذكر ما كان يتميز به من كتابة الوحي، بل كان من أخص الصحابة به. 3 - مصادر زيد في الجمع: «فقمت، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع، والأكتاف، والعسب، وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة ايتين مع خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحد غيره ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم﴾. ..﴾ [التوبة: 128] إلى اخرهما». ملامح هذا الجمع: 1 - أن القصد منه جمع المكتوب المتفرق من القرآن في مصحف واحد. 2 - أن سبب الجمع يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن ، والمجموع لن يكون سوى ما ثبتت قرانيته. ويؤنس بهذا كون زيد رضي الله عنه هو المسؤول عن هذا الجمع، وهو من أعلم الصحابة بالعرضة الأخيرة، فلأن يكون القصد جمع القرآن الثابت، أقرب من أن يكون جمع كل ما قرئ بين يدي الرسول ؛ لأنه لو جمع كل ما قرئ بين يديه لدخل ما تركت تلاوته. 3 - أن كثيرًا من التفاصيل المتعلقة بطريقة كتابة المصحف، وما فيه من معلومات لم يرد فيها شيء، وما يحكيه العلماء من بعض هذه التفاصيل، فإنه لم يثبت فيها نص صريح البتة؛ كمن يحكي أن في ترتيب السور خلافًا. والأصل في ذلك والله أعلم أنه لا اختلاف في هذه الأمور، بل إنها كتبت كما عهدوه عن النبي ، فما كان لهم من أمر القرآن سوى جمعه في مصحف واحد، ثم نسخه في عهد عثمان، والله أعلم. وقد أخرج البخاري ما يؤنس بأن ما بين الدفتين مما كان من عهد رسول الله . قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال له شداد بن معقل: «أترك النبي من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد ابن الحنفية، فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين». يقول البيهقي: «وأمر أبو بكر رضي الله عنه بجمع القرآن ، ونقله إلى مصحف، ثم اتخذ عثمان من ذلك المصحف مصاحف، وبعث بها إلى الأمصار، ولم يعرف أنه أثبت في المصحف الأول، ولا فيما نسخ منه شيء سوى القرآن ، فلذلك ينبغي أن يعمل في كتابة كل مصحف». المرحلة الثالثة: في عهد عثمان رضي الله عنه كانت هذه المرحلة هي خاتمة مراحل جمع القرآن المعتمد عليه عند المسلمين، ولقد كانت مهمة عثمان تتمثل في نسخ مصحف أبي بكر إلى عدد من المصاحف ليعتمد عليها المسلمون، ولتكون من الموازين التي يعلمون بها صحة ما ينسب إلى القرآن من حيث أصول حروفه وكلماته وجمله، إذ قد يصح عن النبي قراءات لكنها مما تركت في العرضة الأخيرة، فلم يقرأ بها، وترك الناس بلا مرجع يرجعون إليه يجعلهم لا يزالون مستمرين في قراءة ما تركت تلاوته. ومن أوضح الأمثلة في ذلك ما ثبت عند البخاري وغيره في قوله تعالى: ﴿وما خلق الذكر والأنثى﴾ [الليل: 3]، فقد ورد عن علقمة، قال: «دخلت الشأم فصليت ركعتين، فقلت: اللهم يسر لي جليسا صالحا فرأيت شيخا مقبلا، فلما دنا قلت: أرجو أن يكون استجاب. قال: من أين أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قال: أفلم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أو لم يكن فيكم الذي أجير من الشيطان؟ أو لم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ كيف قرأ ابن أم عبد ﴿والليل إذا يغشى﴾ [الليل: 1]. فقرأت ﴿والليل إذا يغشى *والنهار إذا تجلى *وما خلق الذكر والأنثى﴾ [الليل: 1 - 3]. قال: أقرأنيها النبي فاه إلى في، فما زال هؤلاء حتى كادوا يردونني». فحين ترجع إلى ما نسخه عثمان رضي الله عنه في المصاحف لا تجد هذه القراءة الصحيحة الثابتة عن النبي ، فتعلم حينئذ أنها مما تركت القراءة به في العرضة الأخيرة، والله أعلم. عمل عثمان رضي الله عنه في المصحف: ويمكن استخلاص عمل عثمان من الخبر الذي رواه البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما كالاتي: 1 - سبب الجمع، والذي دعا إليه: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين؛ أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى». لم يذكر حذيفة رضي الله عنه مثالا على هذا الاختلاف الكائن بين القرأة، وقد يكون الاختلاف كمثل الاختلاف الوارد في الأثر السابق عن علقمة بحذف وإثبات، وقد يكون بإبدال لفظ بلفظ، وقد يكون بطريقة قراءة، كل ذلك جائز أن يكون، والله أعلم. 2 - أن القصد من هذا العمل نسخ مصاحف من مصحف أبي بكر، الذي هو أصل العمل: «فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان». كانت المصاحف عند عمر رضي الله عنه، ثم عند حفصة رضي الله عنها بعده، فأخذها عثمان رضي الله عنه بقصد نسخ مصاحف من هذا المصحف، ولم يكن له هدف اخر كالانتخاب منه، كما يذهب إليه بعضهم، حيث يذهب إلى أن عثمان رضي الله عنه ترك المنسوخ من الايات الواردة في مصحف أبي بكر رضي الله عنه، وقد مضى التنبيه على عدم وجود مثل هذه الايات في مصحفه. 3 - تكوين لجنة لهذا العمل العظيم: «فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف». يلاحظ أن ثلاثة منهم مكيون، والرابع مدني وهو زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويلاحظ أنه نص على عملهم، وهو النسخ فحسب. 4 - المنهج المتبع في الرسم حال الاختلاف: «وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة». أرشدهم عثمان رضي الله عنه إلى ما يعملونه حال اختلافهم في رسم كلمة ما، بدلالة قوله «فاكتبوه»؛ أي: فارسموه بطريقة نطق قريش التي نزل القرآن أول ما نزل بلغتها. فإن قلت: كيف يختلفون، وأمامهم المصحف ينقلون منه؟ فالجواب: إن زيدا لما كتب المصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه لم يكن معه مثل هذه اللجنة التي يظن من اجتماعها على أمر اجتهادي وهو رسم المصحف أن تقع في اختلاف، وهذا يدلك على أن رسم المصحف لم يكن إلزاما؛ لأن بينهم اختلاف تنوع في الكتابة أي: الرسم ، وليس هذا بغريب في علم الكتابة البتة، وما روي من أنهم اختلفوا في لفظ (التابوت) هل يكتب بالتاء المفتوحة أو بالتاء المربوطة، فإنه يدل على ذلك النوع من الاختلاف، والله أعلم. ومن باب الفائدة، فهنا مسألتان متعلقتان بنسخ عثمان رضي الله عنه للمصاحف: الأولى: أن الأصل في القرآن المسموع المحفوظ في الصدور لا المرسوم: إن رسم الكلمة بنوع من الرسم لا يمنع من قراءتها بما ثبت، وإن لم يرد بها الرسم، فالمحفوظ في الصدور أصل، والرسم فرع عنه، إذ هو صورة لذلك المحفوظ، ويظهر ذلك من عدد من الأمثلة، منها: 1 - رسم في جميع المصاحف لفظ (بضنين) بالضاد أخت الصاد، والقرأة على وجهين فيها بالضاد، وبالظاء التي لم يرد فيها رسم في المصاحف. 2 - رسم في جميع المصاحف لفظ (الصراط) بالصاد، وقد قرئ قوله تعالى: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ [الفاتحة: 6] بالصاد، والسين، وإشمام الصاد زايا. 3 - رسم في جميع المصاحف (لأهب لك)، وقد قرئ بالياء (ليهب). وينشأ عن هذه المسألة مسألة أخرى، وهي أن الكتبة للمصحف ا لعثماني لم يقصدوا دائما استيعاب مرسوم القراءات، ففي أحيان ينشرون اختلاف القراءات في المصاحف كقراءة (وصى، وأوصى)، (تجري تحتها، تجري من تحتها)، وفي أحيان أخرى يكتفون برسم واحد فقط، كالأمثلة السابقة (الصراط، بضنين، لأهب). كما يلاحظ أمر مهم للغاية، وهو أن رسم الكلام في وقت الصحابة كان مجردا من النقط والشكل والضبط، وهذه إنما حدثت بعدهم، فمن يمثل في مسألة كتابتهم بأنهم رسموا في مصحف (فتبينوا) وفي اخر (فتثبتوا) أو في مصحف (ننشرها)، وفي اخر (ننشزها) = فقد أوهم، وغفل عن هذه الحقيقة، وهذا المثال لا يصلح لما ذهب إليه، والله أعلم. الثانية: أن لمفهوم الأحرف السبعة أثرا في فهم عمل هذه اللجنة: إن مفهوم الأحرف السبعة له أثر في فهم كيف تم رسم المصحف في عمل الصحابة، فإن جعلت اختلاف الصوتيات الكائن في القراءة من إظهار وإدغام، وفتح وإمالة وروم وإشمام، وما إلى ذلك من الأحرف السبعة، فإنك ستحكم قطعا بأن شيئا من الأحرف السبعة لا يمكن كتابته؛ لأن ذلك إنما يتم بالضبط، حيث يصطلح العلماء على الإشارة إلى الإدغام والإمالة والروم والإشمام، وهذا سيكون خارجا عن رسم المصحف. وإذا جعلت هذا الاختلاف خارجًا عن مفهوم الأحرف السبعة فإنك يحسن أن تلاحظ أن أي اختلاف يخرج عن الاختلاف في الرسم فلن يكون من الأحرف السبعة إذا أنت قلت: إنه كتب على الأحرف السبعة، أو لم يكتب على الأحرف السبعة، والمقصود: أن الأحرف السبعة لا تؤخذ من رسم المصحف فقط، والله أعلم. 5 - إلزام الناس بما نسخ من مصحف أبي بكر، وأمرهم بتحريق مصاحفهم: «وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق». إن هذا الإلزام أمر مهم للغاية، فهذا القرآن الذي قرأ به رسول الله ، وكتب في عهده، وكانت عليه العرضة الأخيرة، وجمعه أبو بكر رضي الله عنه في مصحف، ثم نسخت منه اللجنة التي اختارها عثمان رضي الله عنه، وما عداه فهو مما ترك في العرضة الأخيرة، ولم يقرأ به، ومن ذلك عدد لا بأس به من الايات التي حكى الصحابة أنها كانت مما يقرأ في عهد النبي وبقيت حتى الإلزام بهذا الجمع؛ لأنه ليس كل واحد من الصحابة بلغه ما ترك من النازل على رسول الله ، ولا زال يحفظه ويقرأ به. لكن لما أجمع الصحابة على هذا المصحف، علم أنه هو الذي ثبت في العرضة الأخيرة فحسب، وما عداه مما قد تنقله كتب الاثار يكون مما ترك لا محالة، والله أعلم. وهذا الإلزام سيكون حاسما قاطعا للخلاف؛ لاتفاق المصدر، فلو خرج شامي وعراقي مرة أخرى، وأثبت كل واحد منهما قراءته بما بعث به عثمان رضي الله عنه، فإن الحال هنا إلى أن الصادر عن المدينة مما اتفق عليه الصحابة أنه قران بهذا الاختلاف الثابت فيه. أما قبل ذلك فلم يكن لهم مرجع معين، فكل ينسب القراءة إلى من قرأ عليه من الصحابة، وهم يقرؤون بالثابت والمتروك لعدم علمهم بتركه. وبهذا يتضح خلاف عمل عثمان عن عمل أبي بكر رضي الله عنهما. قراءات مقترحة في موضوع: جمع القرآن • «جمع القرآن في مراحله التاريخية»، للباحث محمد شرعي أبو زيد، وهو موجود على الشبكة العنكبوتية قسم المكتبة الإلكترونية من شبكة التفسير والدراسات القرآن ية (tafsir.ne) وغيرها من المواقع. • وفي شبكة التفسير مجموعة من البحوث المتعلقة بجمع القرآن ، وهي من البحوث التي أقامها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية تحت عنوان (عناية المملكة العربية السعودية ب القرآن وعلومه). • وهذا الموضوع مع ما كتب فيه لا زال بحاجة إلى بحث وتحرير يعتمد على النصوص، ويحلل ما فيها من المعلومات، دون النظر العقلي الظني الذي صار في بعض قضايا هذا الموضوع بدرجة الأمور المسلمات التي يظن صحتها، أو عدم وجود اختلاف فيها. بحوث مقترحة في موضوع: جمع القرآن 1 - موقف ابن مسعود رضي الله عنه من (جمع المصحف)، وموقفه من (سورة الفلق والناس) في كونهما من القرآن ، وهل يؤثر موقف ابن مسعود لو لم يرجع عنه في جمع القرآن بعد اتفاق الصحابة عليه؟ 2 - كيفية الرد على من أراد الاستفادة من موقف ابن مسعود في الانتقاص من جمع القرآن وتدوينه، وما ظهر من زعمهم الباطل بنقص القرآن. 3 - تحرير عمل عثمان في المصاحف، وما حصل من حرق المصاحف، وكيفية بقاء بعض القراءات المنسوبة للصحابة بعد هذا الحرق، وأثر هذه القراءات المنسوبة لهم علميا. • ومن البحوث التي تتعلق بحفظه في الصدور: 1 - جمع الايات المتعلقة بقراءته وحفظه، ودراستها دراسة تحليلية. 2 - دراسة حال الصحابة المعتنين بالقراءة (قراء الصحابة)، ومعرفة سيرهم المتعلقة بقراءة القرآن وحفظه؛ كالصحابة الذين كانوا في (سرية القراء) وغيرهم من الصحابة المعتنين ب القرآن. 3 - جمع الأحاديث المتعلقة بقراءة القرآن وحفظه، ودراستها دراسة تحليلية، واستنباط ما فيها من الفوائد. "المحرر في علوم القرآن" للدكتور مساعد الطيار.