يمكان
مدينة حصينة في وسط الجبال بقرب بذخشان، لا قدرة لأحد عليها، قهرت الصعوبة مسلكها. بها معادن الفضة والبلخش الذي يشبه اللعل؛ حكى الأمير حسام الدين أبو المؤيد بن النعمان أن الحكيم الناصر خسرو تحصن بها، وكان ملكاً لبلخ، فخرج عليه أهل بلخ، فانتقل إلى يمكان لحصانتها، واتخذ بها عمارات عجيبة من القصور والبساتين والحمامات. وذكر انه نزل في بعض تلك القصور فرأى في إيوان عظيم صوراً وتماثيل تتحرك، فمنعه أهل القصر أن ينظر إليها. وذكروا أن من ينظر إليها يصاب في عقله أو بدنه. وقال: كان صغار مماليك ينظرون إليها يخبرون بأشياء تأباها العقول! وقال: رأيت خلف ذلك القصر بستاناً كنت طول الليل أسمع منه أصواتاً عجيبة، لا تشبه أصوات الحيوانات المعهودة، منها ما كان طيباً ومنها ما كان كريهاً. وحكي أن بها حماماً من عجائب الدنيا من بناء ناصر خسرو، لا يدرىكيف بناؤه، ولا يصدق السامع وصفها حتى يراها. وهي باقية في زماننا، وصفتها أن من دخل مسلخها رأى بيتاً مربعاً منقشاً بصور حيوانات لا يرى باب الحمام، لكن يرى على حيطانها أربعاً وعشرين حلقة مغلقة، فيسأل الحمامي عن باب الحمام فيقول: أي حلقة جذبتها ينفتح لك باب الحمام. فيجذب إحداها فينفتح باب وتنكسر صورة الحيوان التي على الباب لأن بعضها على الباب وبعضها على الجدار؛ فلهذا لا يعرف الغريب باب الحمام، فإذا دخل من باب من تلك الأبواب أيها كان، ينتهي إلى قبة على مثال المسلخ إلا أن حلقها سبع عشرة، فأي حلقة يجذب يفتح له باب، فإذا دخله يفضي به إلى قبة أخرى على مثال ما قبلها، إلا أن حلقها اثنتا عشرة، فأي حلقة منها يجذب يفضي إلى قبة على مثال ما تقدم، إلا أن فيها تسع حلق، فأي حلقة منها يجذب يفضي إلى قبة إلى مثال ما قبلها، إلا أن حلقها سبع حلق، وهي القبة الأخيرة، أحد أبوابها يفضي إلى الحمام وذلك يعرفه الحمامي: فإن فتح غيره يرى نفسه في المسلخ وهو البيت الأول المربع. وذكر الأمير أبو المؤيد أنه شاهد هذا الحمام مراراً على هذه الهيئة، وأنه أشهر شيء بخراسان وهو باق إلى زماننا. وإنما صار أمر هذا الحمام مشهوراً بخراسان لأنه عام لا يمنع ان يدخله أحد ويستحم به، فيدخله كل أحد للاستحمام ومشاهدة العجب ولا يؤخذ ممن دخله أجرة الحمام. وله آلات من السطول والطامات والمآزر والطين والأمشاط والمناشف، وجميع ما يحتاج إليه المستحم. فإذا استحم وخرج يؤتى له بجلاب ومأكول على قدره، ولا يقبلون من المستحم شيئاً وإن أصر على ذلك، بل له أوقاف كثيرة وانها بيد أحفاد الناصر خسرو. ومن عجائبها أمر آخر وهو أن ثلاثين بيتاً منها يضيء بجام واحد، ولا يمكنون أحداً أن يرى سطحها البتة، ولا يهتدي أحد إلى كيفية بنائها إلا من عرف ذلك بحقيقة. والله المستعان وعليه التكلان.
[آثار البلاد وأخبار العباد]