يأجوج ومأجوج
قبيلتان عظيمتان من الترك من ولد يافث بن نوح، عليه السلام. مسكنهم شرقي الإقليم السابع. روى الشعبي أن ذا القرنين لما وصل إلى أرض يأجوج ومأجوج اجتمع إليه خلق كثير، واستغاثوا من يأجوج ومأجوج وقالوا: أيها الملك المظفر إن وراء هذا الجبل أمماً لا يحصيهم إلا الله، يخربون ديارنا ويأكلون زروعنا وثمارنا، ويأكلون كل شيء حتى العشب، ويفترسون الدواب افتراس السباع، ويأكلون حشرات الأرض كلها، ولا ينمو خلق مثل نمائهم، لا يموت أحدهم حتى يولد له ألف من الولد! قال ذو القرنين: كم صنفهم؟ قالوا: هم أمم لا يحصيهم إلا الله. وأما من قربت منازلهم فست قبائل: يأجوج ومأجوج وتأويل وتاريس ومنسك وكمادى. وكل قبيلة من هؤلاء مثل جميع أهل الأرض، وأما من كان منا بعيداً فإنا لا نعرفهم. قال ذو القرنين: وما طعامهم؟ قالوا: يقذف البحر إليهم في كل عام سمكتين، ويكون بين رأس كل سمكة وذنبها أكثر من مسيرة عشرة أيام، ويرزقون من التماسيح والثعابين والتنانين في أيام الربيع، وهم يستمطرونها كما يستمطر الغيث، فإذا مطروا بذلك أخصبوا وسمنوا؛ وإذا لم يمطروا بذلك أجدبوا وهزلوا. قال ذو القرنين: وما صفتهم؟ قالوا: قصار ضلع، عراض الوجوه، مقدار طولهم نصف قامة رجل مربوع، ولهم أنياب كأنياب السباع، ومخالب مواضع الأظفار، ولهم صلب عليه شعر، ولهم أذنان عظيمتان: إحداهما على ظاهرها وبر كثير وباطنها أجرد، والأخرى على باطنها وبر كثير وظاهرها أجرد، تلتحف إحداهما وتفترش الأخرى. وعلى بدنهم من الشعر مقدار ما يواريه، وهم يتداعون تداعي الحمام ويعوون عواء الكلب، ويتسافدون حيث التقوا تسافد البهائم. جاء في بعض الأخبار أن يأجوج ومأجوج ينحتون السد كل يوم حتى يكادون يرون الشمس من ورائه، فيقول قائلهم: ارجعوا سوف ننقبه غداً، فيرجعون فيعيده الله تعالى ليلتهم كما كان، ثم يحفرونه وينحتونه من الغد كذلك كل يوم وليلة، إلى أن يأتي وقت خروجهم فيقول قائلهم: ارجعوا سننقبه غداً إن شاء الله تعالى! فيبقى رقيقاً إلى أن يعودوا إليه من غدهم فيرونه كذلك، فينقبونه ويخرجون على الناس فيشربون مياه الأرض حتى ينشفوها، ويتحصن الناس بحصونهم فيظهرون على الأرض ويقهرون من وجدوه، فإذا لم يبق أحد لهم رموا بالنشاب إلى السماء، فيرجع إليهم وفيها كهيئة الدم، فيقولون: قد غلبنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء! ثم إن الله تعالى يبعث إليهم دوداً يقال له النغف، يدخل في آذانهم ومناخرهم فيقتلهم، قال،
ﷺ: والذي نفسي بيده، إن دواب الأرض لتسمن من لحومهم! روى أبو سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله،
ﷺ، يقول: يفتح سد يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال تعالى: وهم من كل حدب ينسلون. فيغشون الأرض كلها، فينحاز المسلمون إلى حصونهم ويضمون إليهم مواشيهم، فيشرب يأجوج ومأجوج مياه الأرض، فيمر أوائلهم بالنهر فيشربون ما فيه ويتركونه يابساً، فيمر به من بعدهم ويقولون: لقد كان ههنا مرة ماء! ولا يبقى أحد من الناس إلا من كان في حصن أو جبل شامخ أو وزر، فيقول قائلهم: قد فرغنا من أهل الأرض، بقي من في السماء. ثميهز حربته فيرمي نحو السماء، فترجع إليهم مخضوبة بالدم للبلاء والفتنة فيقولون: قد قتلنا أهل السماء! فبينا هم كذلك إذ سلط الله تعالى عليهم دوداً مثل النغف يدخل آذانهم، وقيل ينقب آذانهم أو أعناقهم، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس ولا حركة البتة! فيقول المسلمون: ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هؤلاء؟ فيتجرد رجل منهم موطن نفسه من القتل فينزل إلى الأرض فيجدهم موتى بعضهم فوق بعض، فينادي: يا معشر المسلمين، ابشروا فقد كفاكم الله عدوكم! فيخرجون من حصونهم ومعاقلهم. وروي أن الأرض تنتن من جيفهم فيرسل الله مطراً يسيل منه السيول، فيحمل جيفهم إلى البحار. وروي أن مدتهم أربعون يوماً، وقبل سبعون يوماً، وقيل أربعة أشهر. وقال،
ﷺ: هؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد، ولا يمرون بفيل ولا خنزير ولا جمل ولا وحشي ولا دابة إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه أيضاً، مقدمتهم بالشام وساقيهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية.
[آثار البلاد وأخبار العباد]