الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
أُطلِقَ على هذه السُّورةِ الكريمة أسماءٌ كثيرة؛ منها:
* (الفاتحةُ)، أو (فاتحة الكتاب):
دلَّ على ذلك حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما: أن جِبْريلَ قال للنبي ﷺ: «أبشِرْ بنُورَينِ أُوتِيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطِيتَه». أخرجه مسلم (806).
* (أمُّ الكتاب)، أو (أمُّ القرآن):
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: «﴿اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ﴾: أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسَّبْعُ المَثَاني». أخرجه أبو داود (1457).
* (السَّبْعُ المَثَاني):
دلَّ على ذلك حديثُ النبي ﷺ، قالَ: «﴿اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ﴾: هي السَّبْعُ المَثَاني والقُرْآنُ العظيمُ الذي أُوتِيتُهُ». أخرجه البخاري (4474).
* سورة (الصَّلاة):
فعن رسولِ الله ﷺ أنه قال: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بَيْني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: ﴿اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ﴾، قال اللهُ تعالى: حَمِدَني عبدي، وإذا قال: ﴿اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ﴾، قال اللهُ تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ﴾، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ 6 صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ﴾ [الفاتحة: 6-7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سألَ». أخرجه مسلم (395).
* سورة (الرُّقْية):
دلَّ عليه حديثُ النبي ﷺ أنه قال: «وما أدراكَ أنَّها رُقْيَةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ». أخرجه البخاري (5736).
وثمَّةَ أسماءٌ أخرى، أوصلها السيوطيُّ إلى (25) اسمًا. ينظر: "الإتقان في علوم القرآن" (1 /52، 53).
* أفضَلُ سورةٍ في القرآن الكريم:
فعن أبي سعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه، قال: «كنتُ أُصلِّي في المسجدِ، فدعاني رسولُ اللهِ ﷺ، فلم أُجِبْهُ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي كنتُ أُصلِّي، فقال: «ألَمْ يقُلِ اللهُ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْۖ﴾ [الأنفال: 24]»، ثم قال لي: «لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ السُّوَرِ في القرآنِ قبل أن تخرُجَ مِن المسجدِ»، ثم أخَذ بيدي، فلمَّا أراد أن يخرُجَ، قلتُ له: ألَمْ تقُلْ: لأُعلِّمَنَّك سورةً هي أعظَمُ سورةٍ في القرآنِ؟! قال: «﴿اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ﴾؛ هي السَّبْعُ المَثَاني والقرآنُ العظيمُ الذي أُوتيتُه»». أخرجه البخاري (4474).
* خُصَّ بها النبيُّ ﷺ دون غيرِه من الأنبياء:
لِما رواه ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما، قال: «بينما جِبْريلُ قاعدٌ عند النبيِّ ﷺ، سَمِع نَقِيضًا مِن فوقِه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ مِن السماءِ فُتِح اليومَ، لم يُفتَحْ قطُّ إلا اليومَ، فنزَل منه ملَكٌ، فقال: هذا ملَكٌ نزَل إلى الأرضِ، لم يَنزِلْ قطُّ إلا اليومَ، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنُورَينِ أُوتيتَهما، لم يؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحةِ الكتابِ، وخواتيمِ سورةِ البقرةِ، لن تقرأَ بحرفٍ منهما إلا أُعطيتَهُ». أخرجه مسلم (806).
* لا تصحُّ الصلاةُ إلا بها:
لِما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «مَن صلَّى صلاةً لم يَقرأْ فيها بأُمِّ القرآنِ، فهي خِدَاجٌ - ثلاثًا - غيرُ تمامٍ»، فقيل لأبي هُرَيرةَ: إنَّا نكونُ وراءَ الإمامِ؟ فقال: اقرَأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نِصْفَينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: ﴿اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ﴾، قال اللهُ تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: ﴿اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ﴾، قال اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ﴾، قال: مجَّدني عبدي، (وقال مرَّةً: فوَّض إليَّ عبدي)، فإذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ 6 صِرَٰطَ اْلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ اْلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا اْلضَّآلِّينَ﴾، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل». أخرجه مسلم (395).
* مِن أعظَمِ ما يَرقِي به المؤمنُ نفسَه سورةُ (الفاتحة):
فعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ: «أنَّ ناسًا مِن أصحابِ النبيِّ ﷺ أتَوْا على حيٍّ مِن أحياءِ العرَبِ، فلم يَقْرُوهم، فبينما هم كذلك، إذ لُدِغَ سيِّدُ أولئك، فقالوا: هل معكم مِن دواءٍ أو راقٍ؟ فقالوا: إنَّكم لم تَقْرُونا، ولا نفعلُ حتى تَجعَلوا لنا جُعْلًا! فجعَلوا لهم قطيعًا مِن الشَّاءِ، فجعَلَ يقرأُ بـ(أمِّ القرآنِ)، ويَجمَعُ بُزاقَهُ ويتفُلُ، فبرَأَ، فأتَوْا بالشَّاءِ، فقالوا: لا نأخذُه حتى نسألَ النبيَّ ﷺ، فسألوه، فضَحِكَ، وقال: «وما أدراك أنَّها رُقْيةٌ؟! خُذوها، واضرِبوا لي بسَهْمٍ»». أخرجه البخاري (5736).
فقد كان يقطِّعُ آياتِها آيةً آية؛ كما وصَفتْ لنا أمُّ سلمةَ رضي الله عنها قراءةَ النبي ﷺ، فقالت: «قراءةُ رسولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ 1 اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ 2 اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ 3 مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ﴾؛ يقطِّعُ قراءتَهُ آيةً آيةً». أخرجه أبو داود (4001).
أولًا: الألوهيَّة.
ثانيًا: اليوم الآخر.
ثالثًا: توحيد العبادة، والاستعانةِ بالله وحدَه (توحيد الرُّبوبية).
رابعًا: الهداية إلى الصراط المستقيم، والالتزام به، وبيان هذا الصراط.
وفي ذلك يقول السعديُّ رحمه الله: «فقد تضمَّنتْ - أي الفاتحةُ - أنواعَ التَّوحيد الثَّلاثة:
توحيد الرُّبوبية؛ يؤخذ من قوله: ﴿رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ﴾.
وتوحيد الألوهيَّة: وهو إفرادُ الله بالعبادة؛ يؤخذ من لفظ: ﴿اْللَّهِ﴾، ومِن قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.
وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إثباتُ صفات الكمال لله تعالى، التي أثبَتها لنفسه، وأثبتها له رسولُه ﷺ؛ مِن غير تعطيلٍ، ولا تمثيل، ولا تشبيه؛ وقد دل على ذلك: لفظُ: ﴿اْلْحَمْدُ﴾.
وإثباتَ الجزاء على الأعمال في قوله: ﴿مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ﴾، وأنَّ الجزاءَ يكون بالعدل.
وتضمَّنتْ إخلاصَ الدِّين لله تعالى - عبادةً واستعانة - في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
وتضمَّنتْ إثباتَ النُّبوة في قوله: ﴿اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ﴾؛ لأن ذلك ممتنِعٌ بدون الرسالة.
وتضمَّنتْ إثباتَ القَدَر، وأن العبد فاعلٌ حقيقةً.
وتضمَّنتِ الردَّ على جميع أهل البِدَع والضَّلال في قوله: ﴿اْهْدِنَا اْلصِّرَٰطَ اْلْمُسْتَقِيمَ﴾؛ لأنه معرفةُ الحقِّ، والعملُ به، وكلُّ مبتدِع وضالٍّ فهو مخالِف لذلك». "تيسير الكريم الرَّحمن" للسعدي (ص17).
أولًا: الثناء على الله ثناءً جامعًا لوصفِه بجميع المحامد، وتنزيهِه عن جميع النقائص؛ وهذا يدلُّ على توحيد الألوهية، ويدل على تفرُّده بالإلهية، وإثباتِ البعث والجزاء؛ وذلك من قوله: ﴿اْلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿مَٰلِكِ يَوْمِ اْلدِّينِ﴾.
ثانيًا: الأوامرُ والنَّواهي؛ من قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾؛ وفي هذا توحيدُ الرُّبوبية والعبادة.
ثالثًا: الوعدُ والوعيد؛ من قوله: ﴿صِرَٰطَ اْلَّذِينَ﴾ إلى آخرها.
فهذه هي أنواعُ مقاصدِ القرآن كلِّه، وغيرُها تكملاتٌ لها؛ لأن القصدَ من القرآن إبلاغُ مقاصدِه الأصلية؛ وهي: صلاحُ الدارَينِ؛ وذلك يحصُلُ بالأوامر والنَّواهي.
ولمَّا توقَّفتِ الأوامرُ والنَّواهي على معرفة الآمِرِ، وأنه اللهُ الواجبُ وجودُه خالقُ الخَلق: لَزِم تحقيقُ معنى الصفات.
ولمَّا توقَّف تمامُ الامتثال على الرجاءِ في الثواب، والخوف من العقاب: لَزِم تحقُّقُ الوعد والوعيد.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /133).