البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

نشأة علوم القرآن

إن بداية ظهور علوم القرآن مرتبطة ببداية نزوله، فلما نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غار حراء، وتلا عليه قوله تعالى: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَا وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1 - 5] بدأت العلوم المرتبطة بالقرآن بالظهور شيئاً فشيئاً. ويمكن أن يُستنبطَ من نزوله على الرسول صلّى الله عليه وسلّم في غار حراء جملة من أنواع علوم القرآن، ففيه من هذه الأنواع: • نزوله، خصوصاً أول ما نزل. • قراءته. • الوحي. ثمَّ ما لبث القرآن ينْزل مرةً بعد مرَّةٍ، ويحدثُ من علومِه غير هذه الثلاثة على حسبِ موضوعات الآيات وما يتعلَّقُ بها. ولا ريب أن نشأة علوم القرآن كانت قد بدأت مع نزوله كما هو ظاهر، وقد كان هناك جملة من علومه التي اعتنى بها الصحابة رضي الله عنهم، وكان في أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم وآثار الصحابة والتابعين ما يُنبئُ عن أن لهذا القرآن علوماً يُحثُّ على تعلمها، ومن ذلك ما يأتي: 1 - دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم لابن عمِّه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: «اللهم علِّمه الكتاب»، وهذا يشمل جملة العلوم المتعلقة بالقرآن، من قراءته، وحفظه، وتفسيره، ومعرفة نزوله وأحكامه، وناسخه ومنسوخه، وغير ذلك من علومه. وفي رواية عند الإمام أحمد: «اللهم فَقِّهُ في الدين، وعلِّمه التَّأويل»؛ والمرادُ به علم التفسيرِ الذي هو أجلُّ علومِ القرآنِ وأعظمها، ولا تخلو تفاسير السلف من ذكر جملة من علوم القرآن؛ كعلم الناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والعام والخاص، وغيرها. 2 - قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه»، وهذا يشملُ جُملةَ علومِ القرآنِ من قراءته وحفظه وتفسيره وغيرِها؛ لأنَّه خبر مطلقٌ غير محدَّدٍ بنوعِ من أنواع تعلُّمِ القرآنِ وتعليمه. 3 - وروى ابن أبي شيبة بسنده عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قالوا: «أخبِرْنا عن عبد الله. قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهى، وكفى بذلك علماً». 4 - عن سفيان بن حسين قال: «سألني إياس بن معاوية، فقال: إني أراك قد كَلِفْتَ بعلم القرآن، فاقرأ عليَّ سورة وفَسِّر حتى أنظر فيما علمت. قال: ففعلت. فقال: احفظ عني ما أقول لك: إياك والشناعة في الحديث، فإنه قَلَّ ما حملها أحدٌ إلا ذلَّ في نفسه، وكذب في حديثه». ومن تتبع الآثار وجدَ فيها كثيراً من هذا الباب، وهو موضوع يصلح للبحث، بحيث يصل الباحث به إلى مرادهم بعلوم القرآن من خلال آثارهم. ‌‌تدوين علوم القرآن: إن مما يحسن لفت النظر إليه علاقة علوم القرآن بعلم التفسير، فعلم التفسير من حيث هو بيان لمعاني كلام الله جزء من علوم القرآن، لكنه يتضمن جملة من أنواع علوم القرآن لا يقوم التفسير إلا بها، ومن تلك الأنواع: علم غريب القرآن، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم أسباب النُّزول، فهذه الأنواع وغيرها من ما يحتاج إليه المفسر أحياناً؛ كالمكي والمدني وغيره مما لا تخلو منه كتب التفسير. ومن ثَمَّ، فإن كتب التفسير التي دوَّنها السلف مصدر من مصادر علوم القرآن، وهي جزء مرتبط بنشأة علوم القرآن لا يمكن إغفاله وتجنُّبه، إلا إذا كان المقصود البحث عن هذه الإضافة (علوم القرآن)، أو عمَّا أدخله المتأخرون تحت مسمى علوم القرآن؛ كالناسخ والمنسوخ الذي هو من صلب علوم التفسير. لذا فإن الحديث عن تدوين علوم القرآن لا يمكن أن ينفك عن الحديث عن كتب التفسير في جميع مراحلها. ومن هنا، فإنه يمكن تقسيم نشأة علوم القرآن على عدة أساليب في التقسيم، إما بالنظر إلى الزمان، وإما بالنظر إلى مادة الكتب، وسأجمع بين التقسيمين هنا، وسأقسم الموضوع إلى مراحل كالآتي: ‌‌المرحلة الأولى: بذور هذا العلم منذ نشأته إلى نهاية القرن الثاني (200هـ) كانت علوم القرآن في هذه المرحلة تتمثل في وجود روايات شفاهية يتناقلها التابعون عن الصحابة، وأتباع التابعين عن التابعين، وأتباع أتباع التابعين عن أتباع التابعين حتى يصل السند إلى قائله من هذه الطبقات الثلاث. وكان للتدوين نصيبٌ في هذه الفترة، فقد دُوِّنت مجموعة من الكتب في هذه المرحلة، وكانت تحمل قدراً لا بأس به من أنواع علوم القرآن. ويمكن تقسيمها على النحو الآتي: أولاً: روايات التفسير وكتبه: يمكن تصنيف الكتابة في التفسير في هذه المرحلة إلى أقسام: الأول: الكتابات الجزئية للتفسير، وذلك إما أن تكون رواية لتفسير أحد أعلام المفسرين؛ كمجاهد بن جبر (ت104هـ) الذي كتب تفسير شيخه ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ)، وإما أن تكون لعدد من المفسرين؛ كتفسير سفيان الثوري (ت161هـ). وفي هذين النوعين لم يصلنا تفسير كاملٌ لجميع القرآن. الثاني: الكتابة الشاملة لجميع القرآن، وقد نُسب هذا التصنيف على هذا الأسلوب للضحاك بن مزاحم (ت105هـ)، ومنه كذلك تفسير مقاتل بن سليمان (ت150هـ)، وهو كاملٌ مطبوع، وتفسير يحيى بن سلام البصري (ت200هـ) وتفسيره لجميع القرآن، والموجود منه بعضه، وقد طُبِع منه قطعة بتحقيق الدكتورة هند شلبي التونسية، ويتميز هذا التفسير بمقدمة ذكر فيها بعض مسائل في علوم القرآن، وقد نقلها عنه ابن أبي زمنين (ت399هـ)، وهود بن محكم (من أعلام القرن الثالث) في مختصريهما لتفسير يحيى بن سلام (ت200هـ). وقد نزل المكي قبل المدني، وأن هذا التأليف الذي أُلِّف بين السور لم ينزل على هذا التأليف، ولكن وضع هكذا، لم يُجعل المكي على حِدة؛ يتبع بعضه بعضاً في تأليف السور، ولم يُجعل المدني من السور على حدة؛ يتبع بعضه بعضاً في تأليف السور. وقد نزل بمكة ما أمر به لما يكون بالمدينة يعملون به إذا قدموا المدينة. وأن بعض الآيات نزلت الآية منها قبل الآية، وهي بعدها في التأليف، وقد فسرنا هذه الوجوه في مواضعها من التفسير. وإن ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي عليه السلام المدينة فهو من المكي. وما نزل على النبي عليه السلام في أسفاره بعدما قدم المدينة فهو من المدني، وما كان من القرآن ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فهو مدني، وما كان ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ ففيه مكي ومدني، وأكثره مكي. قال يحيى: ولا يعرف تفسير القرآن إلا من عرف اثنتي عشرة خصلة: المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والتقديم والتأخير، والمقطوع والموصول، والخاص = وهذه الكتابات في التفسير تشتمل في ثناياها على مسائل منثورة من أنواع علوم القرآن؛ كالناسخ والمنسوخ، وأسباب النُّزول، وبيان الغريب، والمكي والمدني، والقراءات، وغيرها من المسائل. وليست هذه الأنواع في هذه الكتب على تصنيف معيَّن، بل تأتي ضمن الكلام عن تفسير الآية؛ حيث يُذكر ما فيها من تفسير وبيان غريب، وذكر سبب نزول. .. إلخ. ثانياً: كتب مفردة في نوع من أنواع علوم القرآن: لا شك أن التفسير نوع من أنواع علوم القرآن، ولقد سبق ذكره، وإنما خُصَّ لأنه محلٌّ لكثير من علوم القرآن المفردة التي سيأتي ذكر بعضها، ولأهمية هذه الفترة سأسرد ما وجدته من كتب في أنواع علوم القرآن غيرَ كتب التفسير، فهي كثيرة جدّاً، من هذه الأنواع: المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والوجوه والنظائر، والآيات المتشابهات على الحفاظ، ومشكل القرآن، وأحكام القرآن، ورسم المصحف، ونقط المصحف، ومعاني القرآن، وغريب القرآن، وإعراب القرآن، وعد الآي، والوقف والابتداء، والقراءات، والأداء، والمقطوع والموصول، وغيرها. وسأذكر أمثلة من هذه الأنواع، وبعض ما كُتِبَ فيها. النوع الأول: المكي والمدني: كتب فيه أعلام هذا العصر تحت عنوان (نزول القرآن) وممن كتب فيه: الضحاك بن مزاحم (ت105هـ)، وعكرمة (ت105هـ)، والحسن البصري (ت110هـ)، والزهري (ت124هـ). ويلاحظ أن أصل هذه الروايات ـ في هذا العصر ـ قائم على تعداد السور المكية والمدنية، وبيان المستثنى من كل سورة أحياناً، لذا فهذه الروايات لا تتجاوز الورقة أو الورقتين في الغالب، ومن الروايات المسندة في هذا الموضوع: 1 - رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ). 2 - رواية عن قتادة (ت117هـ). 3 - رواية عن علي بن أبي طلحة (ت143هـ). وهناك روايات أخرى، وهي بحاجة إلى جمع وتحقيقٍ خاصٍّ، إذ يلاحظ فيها اختلافٌ من جهة تسمية السور، واختلاف في بعض السور والآيات. النوع الثاني: الناسخ والمنسوخ: كتب فيه قتادة (ت117هـ)، والزهري (ت124هـ)، وهما مطبوعان. وقد ذُكر لغيرهما كتب في الناسخ والمنسوخ؛ منهم: عطاء بن مسلم (ت135هـ)، ومحمد بن السائب الكلبي (ت146هـ)، ومقاتل بن سليمان (ت150هـ)، والحسين ابن واقد القرشي (ت157هـ)، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت182هـ)، وغيرهم. النوع الثالث: الوجوه والنظائر: من الكتب المطبوعة في هذا العلم كتاب مقاتل بن سليمان (ت150هـ)، وكتاب هارون الأعور (ت170هـ)، وكتاب يحيى بن سلام (ت200هـ) بعنوان التصاريف. وقد ذُكِر لغيرهم كتب في هذا العلم، فنُسب تصنيف إلى ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ)، وللحسين بن واقد (ت159هـ) كتاب في هذا العلم اعتمده الثعلبي (ت427هـ) في مراجعه التي ذكرها في أول كتابه. النوع الرابع: الآيات المتشابهات على الحفاظ: كتب فيه الكسائي أحد القراء السبعة، وشيخ نحاة الكوفة (ت189هـ). ‌‌المرحلة الثانية: الجمع الجزئي لعلوم القرآن من القرن الثالث إلى ظهور كتاب «البرهان في علوم القرآن» للزركشي (ت794هـ) لقد استمرت الكتابة في التفسير، والكتابة في نوع من أنواع علوم القرآن في هذه المرحلة، وفيها كتابات كثيرة تفوق الحصر، وهو ليس مقصداً هنا، لكن يمكن التمثيل لبعضها على سبيل التذكير، فمن كتب التفسير: «جامع البيان عن تأويل آي القرآن» للطبري (ت310هـ)، و «المحرر الوجيز» لابن عطية (ت542هـ)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ت671هـ)، و «البحر المحيط» لأبي حيان (ت745هـ)، و «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (ت774هـ)، وغيرها كثيرٌ جدّاً جدّاً. ومن كتب علوم القرآن المفردة: «فضائل القرآن» لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ)، و «تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة (ت276هـ)، و «أحكام القرآن» للطحاوي (ت321هـ)، و «الناسخ والمنسوخ» لأبي جعفر النحاس (ت338هـ)، و «التبيان في إعراب القرآن» للعكبري (ت616هـ)، والبرهان في ترتيب سور القرآن لأبي جعفر بن الزبير الغرناطي (ت708هـ)، وغيرها كثيرٌ جدًّا جدًّا. ويمكن أن نقول: إن هذه المرحلة تميَّزت بميزتين من جهة كتابة علوم القرآن عما سبقها: الأولى: وجود كتب التفسير التي قصد مؤلفوها بها أن تكون على ترتيب موضوعات علوم القرآن، حيث رتَّب كتابه على الموضوعات: التفسير، القراءات، الإعراب، الأحكام. .. إلخ. وبعضهم وإن لم يرتبها فإنه نصَّ على الاعتناء بجملة من علوم القرآن ، ومن هذه التفاسير 1 - كتاب «الاستغناء في تفسير القرآن»، لمحمد بن علي بن أحمد، المعروف بالأُدْفُوي (ت388هـ). وقد قال في مقدمة كتابه: «هذا كتاب ألَّفناه يجمع ضروباً من علوم القرآن، من بين كلام غريب، ومعنى مستغلق، وإعراب مشكل، وتفسير مروي، وقراءة مأثورة، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وأذكر فيه ـ إن شاء الله ـ ما بلغني من اختلاف الناس في القراءات، وعدد الآي، والوقف والتمام، وأبيِّن تصريف الكلمة واشتقاقها ـ إن علمت ذلك ـ وما فيه من حذف لاختصارٍ، أو إطالة لإفهامٍ، وما فيه تقديم وتأخير. وإذا مرَّ العامل من عوامل النحو ذكرته مع نظائره في باب أُفرده له، وأذكر أين نزلت السورة بمكة أو بالمدينة، على قدر الطاقة، ومبلغ الرواية، حتى يكون هذا الكتاب بنفسه مكتفياً، وعن أن يرجع إلى أحد في تفسير شيء هو فيه مستغنياً. ..». وقد استفاد من هذا الكتاب تلميذه مكي (ت437هـ)، وقال في مقدمة تفسيره المسمى بـ «الهداية إلى بلوغ النهاية»: «... جمعت أكثر هذا الكتاب من كتاب شيخنا أبي بكر الأُدْفُوي رحمه الله، وهو الكتاب المسمى بكتاب «الاستغناء» المشتمل على نحو ثلاثمائة جزء في علوم القرآن». 2 - كتاب «البرهان في تفسير القرآن»، لعلي بن إبراهيم بن سعيد، المعروف بالحوفي (ت430هـ). 3 - كتاب «الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره وأحكامه وجمل من فنون علومه»، لمكي بن أبي طالب (ت437هـ). قال مكي (ت437هـ): «جمعت فيه علوماً كثيرة، وفوائد عظيمة من تفسيرٍ مأثورٍ أو معنى مفسَّرٍ، أو حكمٍ مبينٍ، أو ناسخٍ أو منسوخٍ، أو شرحِ مشكلٍ، أو بيان غريبٍ، أو إظهار معنى خفيٍّ، مع غير ذلك من فنون علوم كتاب الله جلَّ ذكره؛ من قراءةٍ غريبةٍ، أو إعرابٍ غامضٍ أو اشتقاق مشكلٍ، أو تصريف خفيٍّ، أو تعليل نادر، أو تصرف فعل مسموع مع ما يتعلق بذلك من أنواع علوم يكثر تعدادها، ويطول ذكرها، جعلته بداية إلى بلوغ النهاية في كشف علم ما بلغ إليَّ من علم كتاب الله تعالى ذكره، وما وقفت على فهمه، ووصل إليَّ علمُه من ألفاظ العلماء، ومذاكرات الفقهاء، ومجالس القراء، ورواية الثقات من أهل النقل والروايات، ومباحثات أهل النظر والدراية». 4 - كتاب «التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنْزيل» لأحمد بن عمار، المعروف بالمهدوي (ت440هـ). قال: «وأنا مبتدئ إن شاء الله في نظم هذا المختصر الصغير، مجتهد أن أجمع فيه جميع أغراض الجامع الكبير من الأحكام المجملة، والآيات المنسوخة، وأحكامها المهملة، والقراءات المعهودة المستعملة، والتفسير والغريب والمشكل والإعراب والمواعظ والمثال والآداب، وما تعلق بذلك من سائر علوم التنزيل المحتملة للتأويل، ويكون المحذوف من الأصل ما أنا ذاكره في هذا الفصل فأحذفه من الأحكام الذي هي أصول الحلال والحرام أكثر تفريع المسائل المنثورة مما ليس بمنصوص في السورة، وأقتصر من ذكر الاختلاف على الأقوال المشهورة، وأذكر الناسخ والمنسوخ بكماله وأورده مختصراً على أتم أحواله، وأذكر القراءات السبع في الروايات التي اقتصر عليها أهل الأمصار، سوى من لم يبلغ مبلغهم من الاشتهار إلا ما لا اختلاف فيه بين السبعة القراء، فإني أذكره منسوباً إلى بعض من روى عنه القراء ليعرف من هذا الاختصار ما هو من القراءات المروية مما لم يُقرأ به قارئ، وإن كان جائزاً في العربية، وأذكر من مسائل الإعراب الخفية ما يحتاج إليه، مما اختلف القراء فيه، أو كان جائزاً في المقاييس العقلية، فإذا أكملت السورة من هذا المختصر جمعت في آخره أصول القراءات واختصار التعليل فيها، وأصول مواقف القراءة ومبادئها؛ ليجمع ـ بعون الله وتوفيقه ـ هذا الاختصار ما لم تجمعه الدواوين الكبرى، ولتكون أغراض الجامع مضمنة فيه، ومجملة في معانيه. وأجعل ترتيب السور مفصلاً، ليكون أقرب متناولاً، فأقول: القول من أول سورة كذا إلى موضع كذا منها، فأجمع من آيِهَا عشرين آية أو نحوها، بقدر طول الآية وقصرها. ثم أقول الأحكام والنسخ وأذكرهما. ثم أقول التفسير فأذكره. ثم أقول القراءات فأذكرها. ثم أقول الإعراب فأذكره. ثم أذكر الجزء الذي يليه حتى آتي على آخر الكتاب إن شاء الله على ما شرطته فيه، وأذكر في آخر كل سورة موضع نزولها، واختلاف أهل الأمصار في عددها، وأستغني عن تسمية رؤوس آيها، وأبلغ غاية الجهد في التقريب والقصد. ..». 5 - كتاب «البستان في علوم القرآن»، لأبي القاسم هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم الحموي (ت738هـ). قال الحموي: «أما بعد: فهذا كتاب «البستان في علوم القرآن»، قصدت فيه الاختصار مع البيان، وجمع الفوائد مع الإتقان، راجياً به ـ لي ولمحصليه ـ الغفران، والرحمة من الله والرضوان، ويشتمل على أنواع من علوم الكتاب العزيز؛ المسمى بـ «الفرقان»: النوع الأول: معرفة تفسير غريب اللفظ والمعنى، وأسباب النُّزول، والقصص، وما صحَّ من المنسوخ على ما ذهب إليه في ذلك كل من يُعتمد عليه. النوع الثاني: معرفة المبهمات من الأسماء والأنساب، وضمائر الغيبة والخطاب، والعدد، والمدد، واختلاف الأقوال في ذلك. .. الثالث: معرفة قراءات الأئمة السبعة رحمة الله عليهم، ولكل إمام منهم راويان. .. الرابع: معرفة الوقوف والموقوف عليه إن لم يتوقف فهمه على ما بعده وبالعكس، فالوقف لازم إن اختلَّ المعنى بالوصل، وتامٌّ إن لم يختل، ولم يكن للثاني تعلق بالأول. .. الخامس: معرفة خط الإمام مصحف عثمان بن عفان. .. السادس: معرفة عدد آي كل سورة (العدد الكوفي)، وكونها مكية أو مدنية أو مختلفاً فيها، وذلك مذكور في أول كل سورة. السابع: معرفة رؤوس الآيات وأخماسها وأعشارها، والمختلف في كونه آية أو غير آية بين الكوفيين وغيرهم. .. الثامن: معرفة أجزائه الثلاثين وأخماسها وأنصافها وأنصاف أسداسها وأسباع القرآن وأرباع الأسباع. ..»، ثم شرع في تفسير الاستعاذة والبسملة والفاتحة حتى ختم كتابه بتفسير سورة بالناس. ولا يعني أن هذه التفاسير تختلف في مادتها العلمية عن التفاسير السابقة، لكن المقصود أن مؤلفيها قد رتبوها ترتيباً متوافقاً مع أنواع علوم القرآن، أو قصدوا ذكر جملة من علوم القرآن قصداً مباشراً، وهذا مما لا يحسن إغفاله في نشأة علوم القرآن. الثانية: ظهور مجموعة من الكتب التي جمعت أنواعاً من أنواع علوم القرآن، ومن المطبوع من هذه الكتب: 1 - «فهم القرآن» للحارث المحاسبي (ت243هـ). 2 - «التَّنبيه على فضل علوم القرآن»، لأبي القاسم الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب (ت406هـ). 3 - «فنون الأفنان في علوم القرآن»، لابن الجوزي (ت597هـ). 4 - «جمال القراء، وكمال الإقراء»، لعلم الدين السخاوي (ت643هـ). 5 - «المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز»، لأبي شامة المقدسي (ت665هـ). ويلاحظ في رصد ما كُتِب في علوم القرآن في هذه المرحلة أمور: الأول: إنَّ بعض كتب التفسير عُنونت من قِبَلِ مؤلفيها بعلوم القرآن أو أحد مرادفاته، فهي وإن كانت لا تخلو من علوم القرآن لكنها سارت على منهاج كتابة التفسير المعروفة، وهي تفسير الآيات آيةً آية، وهي بهذا تكون في علم التفسير الذي هو جزء من علوم القرآن. ومن هذه الكتب التي سارت على هذه الطريقة مع أن عنوان الكتاب في علوم القرآن: 1 - «الجامع لعلم القرآن»، لعلي بن عيسى الرماني المعتزلي (ت384هـ)، وهو مخطوط، والموجود منه جزء صغير. 2 - «التسهيل لعلوم التنْزيل»، لابن جزي الكلبي (ت741هـ)، وهو مطبوع. الثاني: إن إدخال كتاب في علوم القرآن لا يلزم أن يكون من أجل تسميته بهذا الاسم، بل الصحيح أن يُنظر إلى محتواه، لذا يُعدُّ كتاب «فهم القرآن» للحارث المحاسبي (ت243هـ)، وكتاب «جمال القراء وكمال الإقراء» لعلم الدين السخاوي (ت643هـ) من كتب علوم القرآن لقيام الكتابين على جملة من علوم القرآن، أما لو كانت علوم القرآن جزءاً من موضوع الكتاب، وليست قصداً كما في كتاب «الرسالة» للشافعي (ت204هـ) = فإنه لا يُعدُّ من كتب علوم القرآن. وعلى هذا التصنيف، فإن أول كتاب وصل إلينا في علوم القرآن هو كتاب الحارث المحاسبي (ت243هـ). الثالث: أنه اتسعت الكتابة وكثرت في مجال كتب التفسير، والكتب المفردة في علوم القرآن، لكن لم يصلنا كتاب متكاملٌ يقصد جمع كل علوم القرآن المرحلة الثالثة: الجمع الكلي من كتاب «البرهان» للزركشي (ت794هـ) إلى كتاب «الإتقان» للسيوطي (ت911هـ) في هذه الفترة التي بين ظهور أول كتاب يجتهد في جمع أنواع علوم القرآن، وظهور كتاب السيوطي الذي صار عمدةً في كتب علوم القرآن تجد الآتي: أولاً: لا زال التصنيف في التفسير مستمراً، ومن ذلك: 1 - «التقييد الكبير في تفسير كتاب الله المجيد»، لأحمد بن محمد البسيلي التونسي (ت830هـ)، وقد طُبِع منه إلى تفسير سورة آل عمران. 2 - «الجواهر الحسان في تفسير القرآن»، للثعالبي الجزائري (ت875هـ)، وهو مطبوع. 3 - «نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» لبرهان الدين البقاعي (ت885هـ)، وهو مطبوع. ثانياً: لا زال التصنيف في علوم القرآن المفردة مستمراً، ومن ذلك: 1 - «العجاب في بيان الأسباب»، لابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، وهو مطبوع. 2 - «مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور» لبرهان الدين البقاعي (ت885هـ)، وهو مطبوع. 3 - «كشف السرائر في معاني الوجوه والأشباه والنظائر» لابن العماد (ت887هـ)، وهو مطبوع. ثالثاً: ظهر بعض التصنيفات التي تتسم بالجمع الجزئي، ومن ذلك «التيسير في قواعد علم التفسير»، لمحمد بن سليمان الكافِيَجِي (ت879هـ)، وهو مطبوع. رابعاً: ظهرت محاولات أخرى ـ غير ما ذهب إليه الزركشي ـ للجمع الشمولي لعلوم القرآن، ومن هذه: 1 - «مواقع العلوم من مواقع النجوم» للبلقيني (ت824هـ). ويعدُّ تصنيفه لأنواع علوم القرآن من أجود أنواع التصانيف لها، وهي ـ كما نقلها السيوطي (ت911هـ) ـ كالآتي: «الأمر الأول: مواطن النُّزول وأوقاته ووقائعه، وفي ذلك اثنا عشر نوعاً: المكي، المدني، السفري، الحضري، الليلي، النهاري، الصيفي، الشتائي، الفراشي، النومي، أسباب النُّزول، أول ما نزل، آخر ما نزل. الأمر الثاني: السند، وهو ستة أنواع: المتواتر، الآحاد، الشاذ، قراءات النبي صلّى الله عليه وسلّم، الرواة الحفاظ. الأمر الثالث: الأداء، وهو ستة أنواع: الوقف، الابتداء، الإمالة، المد، تخفيف الهمزة، الإدغام. الأمر الرابع: الألفاظ، وهو سبعة أنواع: الغريب، المعرب، المجاز، المشترك، المترادف، الاستعارة، التشبيه. الأمر الخامس: المعاني المتعلقة بالأحكام، وهو أربعة عشر نوعاً: العام الباقي على عمومه، العام المخصوص، العام الذي أريد به الخصوص، ما خص فيه الكتاب السُّنة، ما خصصت فيه السُّنة الكتاب، المجمل، المبين، المؤول، المفهوم، المطلق، المقيد، الناسخ، والمنسوخ، نوع من الناسخ والمنسوخ وهو ما عمل به من الأحكام مدة معينة والعامل به واحد من المكلفين. الأمر السادس: المعاني المتعلقة بالألفاظ، وهو خمسة أنواع: الفصل، الوصل، الإيجاز، الإطناب، القصر. وبذلك تكملت الأنواع خمسين، ومن الأنواع ما لا يدخل تحت الحصر: الأسماء، الكنى، الألقاب، المبهمات، فهذا نهاية ما حصر من الأنواع». 2 - «الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة»، لأبي علي الحسين بن علي الرجراجي (ت899هـ)، وهو مطبوع. 3 - «التحبير في علوم التفسير»، للسيوطي (ت911هـ)، وقد بنى كتابه على كتاب البلقيني (ت824هـ)، حيث قال: «... فصنفت في ذلك كتاباً سميته التحبير في علوم التفسير ضمنته ما ذكر البلقيني من الأنواع مع زيادة مثلها وأضفت إليه فوائد سمحت القريحة بنقلها». وبالنظر إلى أنواع علوم القرآن التي كتبها الزركشي (ت794هـ) في «البرهان في علوم القرآن»، والبلقيني (ت824هـ) في «مواقع العلوم من مواقع النجوم»، والسيوطي (ت911هـ) في «التحبير في علم التفسير»، وفي «الإتقان في علوم القرآن» = يظهر أثر بعض العلوم في منهج كتابة أنواعٍ من علوم القرآن، فتجد جملة من مسائل علم الأصول، وعلوم البلاغة العربية، وعلوم الحديث قد دخلت في تصنيف أنواع علوم القرآن، حتى صارت كأنها منه عند قوم، ومُنْتَقَدَةٌ بكونها من هذه العلوم عند آخرين، وقد سبقت الإشارة إلى شيءٍ من سبب دخولها في كتب علوم القرآن. ‌‌المرحلة الرابعة: ما بعد «الإتقان» للسيوطي بعد كتاب «الإتقان» يكاد يكون التأليف في علوم القرآن قد توقف سوى بعض كتبٍ ظهرت إما تشقيقاً لما ذكره السيوطي (ت911هـ)، كما فعل محمد بن أحمد بن عقيلة المكي (ت1150هـ) في كتابه «الزيادة والإحسان في علوم القرآن»، وإما كتابةً لبعض أنواع علوم القرآن، كما فعل طاهر الجزائري (ت1338هـ) في كتابه «التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقان». ولما دخلت مادة (علوم القرآن) في مناهج الجامعات ظهرت مجموعة من كتب علوم القرآن لأعضاء هيئة التدريس الذين درَّسوا هذا المنهج، فكان منها ما هو عالي الجودة في التأليف، وكان منها ما هو نقل بلا زيادة ولا تحقيق، ومن أهم الكتب المعاصرة التي أفرزها تدريس هذه المادة في الجامعات: 1 - «مناهل العرفان في علوم القرآن»، لمحمد عبد العظيم الزرقاني (ت1367هـ)، وقد ألَّفه لطلاب الدعوة والإرشاد في كليات الأزهر. وقد جاء أسفل عنوان الكتاب العبارة الآتية: (طبق ما قرره مجلس الأزهر الأعلى في دراسة تخصص الكليات الأزهرية). 2 - «مباحث في علوم القرآن»، للدكتور صبحي الصالح (ت1407هـ)، وقد كان الكتاب إثر محاضرات كان يلقيها خلال عامين على طلابه في شهادة علوم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة دمشق، وطُبع عام (1387 /1967م) وقد تميَّز هذان الكتابان بحسن العرض، وترتيب المعلومات، والأسلوب الأدبي الرشيق في عرض المادة العلمية، والاعتناء بالرد على شبه المستشرقين. 3 - «مباحث في علوم القرآن»، لمناع خليل القطان (ت1420هـ)، وقد كتبه لطلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في تخصص القرآن وعلومه، وقد استُفيد منه في تدريس هذه المادة في جامعة الإمام وغيرها، كما أضاف إليه المؤلف إضافات قبل وفاته. ويمتاز هذا الكتاب بجودة التنظيم، وحسن ترتيب المعلومات مع سهولة في العبارة، مما جعله ملائماً للمنهج الدراسي في الجامعة. "المحرر في علوم القرآن" للدكتور مساعد الطيار.