الغفار
كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ﷺ كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخِرة، يقول: «اللهمَّ أَنْجِ عَيَّاش بن أبي ربيعة، اللهمَّ أَنْجِ سَلَمَة بنَ هشام، اللهم أَنْجِ الوليد بن الوليد، اللهم أَنْجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَك على مُضَر، اللهمَّ اجعلها سنين كسِنِي يوسف». وأنَّ النبيَّ ﷺ قال: «غِفَارُ غفر الله لها، وأَسْلَمُ سالمها الله» قال ابن أبي الزناد عن أبيه: هذا كلُّه في الصبح.
[صحيح.] - [متفق عليه.]
كان النبيُّ ﷺ إذا رفعَ رأسَه من الركعة الآخيرة من صلاة الصبح، يقول: «اللهمَّ أَنْجِ عَيَّاش بنَ أبي رَبِيعة، اللهمَّ أَنْجِ سَلَمَة بنَ هشام، اللهم أَنْجِ الوليد بن الوليد، اللهم أَنْجِ المستضعفين من المؤمنين» وهؤلاء صحابة دعا لهم النبيُّ ﷺ بالإنجاء والخلاص من العذاب، وقد كانوا أسرى في أيدي الكفار بمكة، وعياش بن أبي ربيعة هو أخو أبي جهل لأمة حبسه أبو جهل بمكة، وسلمة بن هشام هو أخو أبي جهل قديم الإسلام عُذِّب في سبيل الله ومنعوه أن يهاجر، والوليد بن الوليد هو أخو خالد بن الوليد وحُبِس بمكة ثم أفلت منهم. ثم يقول ﷺ: «اللهمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَك على مُضَر، اللهمَّ اجعلها سنين كسِنِي يوسُفَ» أي: اللهم اشدد عذابك وعقوبتك على كفار قريش وهم من قبيلة مضر، واجعل عذابك عليهم بأن تسلِّط عليهم قحطًا عظيمًا سبع سنين أو أكثر، كالقحط الذي حدث أيام يوسف عليه السلام. هذا وقد تكون الوطأة –وهي الدوس بالقدم- صفة من صفات الله بمقتضى هذا الحديث، ولكننا لم نجد أحدًا من السلف الصالح أو علماء المسلمين عدها من صفات الله عز وجل، فيحمل الوطء على الشدة والعذاب، ونسبته إلى الله تعالى لأنه فعله وتقديره، والله أعلم. ثم قال ﷺ: «غِفَارُ غَفَر اللهُ لها» يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة، أو إخبارا بأن الله تعالى قد غفر لها، وكذلك قوله: «وأَسْلَمُ سالمها اللهُ» يحتمل أن يكون دعاء لها أن يسالمها الله تعالى، ولا يأمر بحربها، أو يكون إخبارا بأن الله قد سالمها ومنع من حربها، وإنما خُصَّت هاتان القبيلتان بالدعاء لأن غفارا أسلموا قديما، وأسلم سالموا النبي ﷺ. «قال ابن أبي الزناد عن أبيه: هذا كلُّه في الصبح» يعني: أنه روى عن أبيه هذا الحديث بهذا الإسناد، فبين أن الدعاء المذكور كان في صلاة الصبح.
أنج | خلِّص. |
المستضعفين | الذين يتضعفهم الناس، ويتجبرون عليهم في الدنيا للفقر، ورثاثة الحال. |
اشدد وطأتك | من الوطء، وهو في الأصل: الدوس بالقدم، ومعناه ههنا: خذهم أخذا شديدا. |
مُضَر | إشارة إلى قريش لأنهم من أولاد مضر. |
سنين | جمع سَنة وهو القحط والجدب. |
سِنِي يوسُفَ | السبع الشداد التي أصابهم فيها القحط. |
غِفَار | قبيلة من كنانة. |
أَسْلَم | قبيلة من خزاعة. |
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".