التحذير من شبهتين في التوسل الممنوع

عناصر الخطبة

  1. ليس بين العبد وبين ربه واسطة
  2. تلبيسات الشيطان ليوقع الناس في الشرك
  3. معنى قوله تعالى: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ
  4. أنواع التوسل المشروعة
  5. لماذا كان كفار قريش يعبدون الأصنام؟.
اقتباس

فليس بين العبد وبين ربه واسطة, وليس بينه وبين الله شفعاء، وليس بينه وبين الله حُجّاب، فبابه مفتوح ويده مبسوطة, يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, وينزل إلى السماء الدنيا إذا ذهب شطر الليل أو ثلثاه, فينادي: ياعبادي؛ هل من مستغفر؟ هل من سائل؟…

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فإن الله أكرم الموحدين المخلصين له الدين بأنه وفقهم فلم يجعلوا بينه وبينهم وسائط, بل يدعونه وحده, ويقصدونه وحده, ويتوكلون عليه وحده, ويفوضون أمورهم إليه وحده, منه يخافون, وإياه يرجون, وعليه يتوكلون.

فذلك هو ما أمر الله به عباده فقال -سبحانه-: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60] فأمرهم أن يدعوه وحده ووعدهم أن يستجيب لهم والله لا يخلف الميعاد. وقال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55] وقال تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14] وقال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: 23] وقال تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: 40] وقال عن نعيم الجنة: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ [البينة: 8] وقال تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5] وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعن فاستعن بالله". 

فليس بين العبد وبين ربه واسطة, وليس بينه وبين الله شفعاء، وليس بينه وبين الله حُجّاب، فبابه مفتوح ويده مبسوطة, يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل, وينزل إلى السماء الدنيا إذا ذهب شطر الليل أو ثلثاه, فينادي: ياعبادي؛ هل من مستغفر؟ هل من سائل؟ هل من تائب؟ هل من داع؟.

فما أكرم الله! وما أعظم الله! وما أوسع جود الله -تبارك ربنا وتعالى-!.

ولكن الشيطان زين لكثير من الناس أن يصرفوا هذه العبادات أو بعضها للأنبياء والأولياء والصالحين وأصحاب القبور وغيرهم, أتاهم الشيطان وقال لهم: أنتم مذنبون خطاؤون مسرفون, قد حجبتكم المعاصي والذنوب, فكيف تدعون الله مباشرة؟! إنكم إذا دعوتموه وسألتموه فلن يجيبكم, ولكن عليكم بالتوسل إليه بالصالحين, فهم أصحاب القرب من الله, وهم أصحاب المنزلة العلية عند الله, فاجعلوهم بينكم وبين الله وسائط, اجعلوهم بينكم وبين الله شفعاء, اجعلوهم بينكم وبين الله وسائل.

وزادهم غروراً فقال لهم: أليس الله تعالى يقول في كتابه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) [المائدة: 35] فهذه هي الوسيلة أن تعتكف عند قبور الصالحين, أن تنذر لقبور الصالحين, أن تستغيث بهم حين تنزل بك الكربات والأمراض والمشكلات!!.

وضرب لهم الشيطان مثالاً بملوك الدنيا فقال لهم: أليس إذا كان لكم حاجة عند الملوك والأمراء والوزراء تبحثون عن الواسطات والشفاعات حتى تقضى حاجاتكم, فكذلك الحال عند ملك الملوك, توسطوا عليه بالأولياء والصالحين ومشايخ الطريق وأصحاب الأضرحة والمشاهد.

فكانت نتيجة ذلك التلبيس والتدليس الشيطاني أن وقع كثير من الناس في الشرك بالله في العبادة مع كونهم يقولون: "لا إله إلا الله", ويقرؤون في القرآن ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ولكن استولت عليهم هذه الشبهة؛ فأعمت أبصارهم عن رؤية الحق, وصمت آذانهم عن سماع الحق, وحجبت قلوبهم عن فهم الحق -والعياذ بالله-.

عباد الله:  إن معنى قوله تعالى: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35] أي تقربوا إليه بالسبب الذي يوصلكم إلى رضوانه, ويباعدكم عن غضبه ومقته وانتقامه, وما هو السبب الذي يوصلنا إلى ذلك؟ إنه تقوى الله وطاعته واجتناب نواهيه، إنه  الدين الحق الذي جاء به من العلم النافع والعمل الصالح هو الوسيلة التي تقربنا إلى الله تعالى.

أما الكفر بالله والإشراك بالله وعبادة غيره معه فليس بوسيلة إلى الله, ولكنه الوسيلة إلى النار بل وإلى الخلود فيها -والعياذ بالله-؛ لأن الله حرم على الجنة من مات يشرك به الله شيئاً, كما أنه حرم الخلود في النار على من مات لا يشرك بالله شيئاً.

ومن التوسل المقرب إلى الله تعالى أن تتوسل بإيمانك بالرسول, وأن تتوسل إلى الله بمحبتك لأوليائه الصالحين, فأنت في هذه الحالة تتوسل إلى الله بصالح عملك, ومن التوسل المشروع أن تتوسل في دعائك بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى, كأن تقول: "يا رحيم ارحمني, يا غفور اغفر لي, يا كريم اعطني واقض ديني". وهكذا.. كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].

وأما الشبهة الثانية: فإن العبد لو بلغت ذنوبه ما بلغت ثم تاب إلى الله تاب الله عليه وغفر له، وتأمل  قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(70)﴾ [الفرقان: 68 – 70].

فهذه ثلاثة ذنوب عظيمة شنيعة بالغة في القبح منتهاه, الشرك بالله أعظم الذنوب والقتل والزنا, ومع ذلك يحث الله من فعلها كلها أو بعضها أن يتوب منها, ويعد من تاب صادقاً أن يقبل توبته ويمحو زلته ويغفر سيئته, بل ويبدلها له حسنات.

بل إنه -سبحانه- يفرح بتوبتك مهما بلغ ذنبك فرحاً عظيماً, حتى إنه أشد فرحا بالتوبة من فرحة من كتبت له الحياة بعدما أيقن بالموت, فكيف تصغي لمن يريد أن يطردك عن جناب الله وكرمه, ويحولك إلى مخلوق ضعيف عاجز لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلا عن أن ينفعك. وتأمل قول تعالى في الحديث القدسي: "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي".

ففر من الله وإلى الله, اهرب من الله إلى الله, لا تفر لغيره ولا تتلفت بقلبك إلى غيره, ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ(51)﴾ [الذاريات: 50، 51].

والله تعالى ليس كمثله شيء فلا يقاس به الملوك ولا العظماء ولا غيرهم, إن ملوك الدنيا يشفّعون المقربين منهم لحاجة الملوك الى أولئك المقربين في تدبير أمر الدولة, ولكن الله هو الغني عن كل ما سواه لذلك هو مالك الشفاعة لا يستطيع أحد أن يشفع عنده إلا بعد إذنه, ولا يشفعون لأحد إلا لمن رضي الله عنه أن يشفع له, وقد أخبر -سبحانه- أنه لا يرضى أن يكفر به وأن يشرك به, فمن أشرك مع الله تعالى في عبادته أحداً سواه ولو باسم التوسل والمحبة أو بغير ذلك من الأسماء فلا نصيب له في الشفاعة, كما قال تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدثر: 48].

نسأل الله تعالى أن يرزقنا التوحيد الخالص, وأن يجنبنا الشرك كله أكبره وأصغره وظاهره وخفيه, وأن يصلح ويهدي من ضل من أصحاب الطرق والقبور والأضرحة, وأن يردهم إلى إفراد الله بالعبادة, إنه سميع مجيب الدعاء.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله..

أما بعد:

عباد الله: فلقد انتشرت عبادة القبور والأضرحة والصالحين في كثير من بلاد المسلمين تحت اسم التوسل بالصالحين ومحبة الصالحين ونحو ذلك من التسميات. والعبرة دائماً بحقائق الأشياء لا بظواهر أسمائها وشعاراتها.

ولو طرحنا السؤال التالي: لماذا كان كفار قريش يعبدون الأصنام والأوثان والملائكة والصالحين, لوجدنا الجواب في قوله تعالى في سورة يونس: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18] ولوجدنا الجواب في قوله تعالى أيضاً في سورة الزمَر: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3] إذًا سبب عبادتهم لهم مع الله أنهم أرادوا أن يكونوا شفعاء ووسطاء بينهم وبين الله تعالى.

إنه نفس العذر الذي يردده عباد الأولياء والأضرحة اليوم، إنهم يقولون: "نحن لا نعتقد أنه مثل الله, ولكننا نجعلهم بيننا وبين الله وسائل ووسائط".

إن الله لم يقبل هذا العذر من المشركين بل حكم عليهم بالكفر فختم آية يونس بقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس: 18] وختم آية الزمر بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: 3].

فدل ذلك على أن من عبد الأولياء وحدهم فهو مشرك, وأن من عبدهم ليتقرب بهم إلى الله فهو مشرك أيضاً -والعياذ بالله-.

نسأل الله أن يوفق حكام المسلمين لتطهير بلادهم من الأضرحة التي تعبد من دون الله، وأن يحمي بلادنا هذه أن يدخلها هذا الداء بعد أن أنقذها منه بفضله أولاً، ثم بدعوة وجهاد الإمام محمد بن عبد الوهاب وأنصار دعوته من آل سعود -رحم الله أمواتهم وبارك في أحيائهم-.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين.