فهو لما سواها أضيع والاستعانة بالصلاة في الأزمات

عناصر الخطبة

  1. أَوَّلَ خُطوَةٍ في طَرِيقِ الإِصلاحِ أهمية الصلاة ومكانتها
  2. فوائد الصلاة وثمراتها
  3. الاستعانة على الشدائد بالصبر والصلاة
  4. بعض أسرار العبادة
اقتباس

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد عَلِمتُم أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَرُكنُهُ الرَّكِينُ، وَأَنَّهَا قُرَّةُ عُيُونِ المُؤمِنِينَ، وَمِعرَاجُ أَفئِدَةِ المُتَّقِينَ، وَأَنَّهَا كَانَت مَفزِعَ المُضطَّرِّينَ، وَمَلاذَ المَكرُوبِينَ، يَتَقَرَّبُونَ بها إِلى رَبِّهِم وَيَنطَرِحُونَ بَينَ يَدَيهِ، وَيَرفَعُونَ فِيهَا حَاجَاتِهِم وَضَرُورَاتِهِم إِلَيهِ، وَيَشكُونَ لَهُ في ثَنَايَاهَا مَا يُصِيبُهُم، فَيَجِدُونَ مِنهُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، وَكَشفَ البَلاءِ، وَرَفعَ اللأْوَاءِ، وَكَانَتِ الخَيرَاتُ عَلَيهِم نَازِلَةً، وَالأَرزَاقُ وَاسِعَةً، وَالبَرَكَاتُ فِيهِم دَارَّةٌ، وَالخَيرَاتُ وَافِرَةٌ، حتى ….

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده…

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عز وجل-، فَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُوهُ، وَأَوفُوا بَالعَهدِ وَلا تَنقُضُوهُ: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾[آل عمران: 76].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد عَلِمَ المُوَفَّقُونَ مِن عِبَادِ اللهِ أَنَّ مَا أَصَابَهُم مِن مُصِيبَةٍ، وَمَا ظَهَرَ في الأَرضِ مِن فَسَادٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَا كَسَبَت أَيدِيهِم.

وَأَنَّ أَوَّلَ خُطوَةٍ في طَرِيقِ الإِصلاحِ إِنّمَا هِيَ تَحدِيدُ مَا لَدَيهِم مِن أَوجُهِ الزَّلَلِ وَالقُصُورِ، وَاعتِرَافُهُم بِخَطَئِهِم وَظُلمِهِم أَنفُسَهُم، وَمِن ثَمَّ العَمَلُ عَلَى تَلافي القُصُورِ وَالسَّعيُ في تَصحِيحِ الخَطَأِ وَتَعدِيلِ المَسَارِ.

وَبَعدُ:

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَنَحنُ نَشكُو قِلَّةَ الأَمطَارِ، وَغَورَ الآبَارِ، وَغَلاءَ الأَسعَارِ، وَنَحنُ نَرَى تَعَقُّدَ الأُمُورِ، وَنَعَيِشُ ضِيقًا في الصُّدُورِ، وَنَحنُ نَتَجَرَّعُ مَرَارَةَ الأَمرَاضِ وَالأَدوَاءِ، وَتَرزَحُ أُمَّتُنَا تَحتَ تَسَلُّطِ الأَعدَاءِ، فَيَجِبُ عَلَينَا أَن لاَّ نَذهَبَ بَعِيدًا في تَلَمُّسِ أَسبَابِ ذَلِكَ البَلاءِ، أَو نُجهِدَ أَنفُسَنَا بِالبَحثِ عَنهَا بِاستِقصَاءٍ، قَبلَ أَن نَقِفَ مَعَ عِمَادِ أَمرِنَا ورُكنِ دِينِنَا، فَإِذَا رَأَينَاهُ مُستَقِيمًا وَالأَمرُ فِيهِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ رَبُّنَا، فَلْنُحَاسِبْ أَنفُسَنَا عَلَى سَائِرِ الأَعمَالِ بَعدَهُ، وَإِنْ نحنُ وَجَدنَا العَمُودَ مَكسُورًا، وَالرُّكنَ مَهصُورًا، فَلِمَاذَا نَشُدُّ الطُّنُبَ مِن حَولِنَا، وَنَستَنكِرَ أَن يَسقُطَ عَلَينَا السَّقفُ مِن فوقِنَا؟!

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لَقَد عَلِمتُم أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ عَمُودُ الدِّينِ، وَرُكنُهُ الرَّكِينُ، وَأَنَّهَا قُرَّةُ عُيُونِ المُؤمِنِينَ، وَمِعرَاجُ أَفئِدَةِ المُتَّقِينَ، وَأَنَّهَا كَانَت مَفزِعَ المُضطَّرِّينَ، وَمَلاذَ المَكرُوبِينَ، يَتَقَرَّبُونَ بها إِلى رَبِّهِم وَيَنطَرِحُونَ بَينَ يَدَيهِ، وَيَرفَعُونَ فِيهَا حَاجَاتِهِم وَضَرُورَاتِهِم إِلَيهِ، وَيَشكُونَ لَهُ في ثَنَايَاهَا مَا يُصِيبُهُم، فَيَجِدُونَ مِنهُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، وَكَشفَ البَلاءِ، وَرَفعَ اللأْوَاءِ، وَكَانَتِ الخَيرَاتُ عَلَيهِم نَازِلَةً، وَالأَرزَاقُ وَاسِعَةً، وَالبَرَكَاتُ فِيهِم دَارَّةٌ، وَالخَيرَاتُ وَافِرَةٌ، حتى خَلَفَ مِنَّا قَومٌ أَلهَتهُمُ المَادَّةُ عَمَّا يُغَذِّي الأَروَاحَ، وَشَغَلَتهُم دُنيَاهُم عَن زَادِ قُلُوبِهِم، فَهَدَمُوا رُكنَ الدِّينِ، وَكَسَرُوا عَمُودَهُ، وَقَطَعُوا الصِّلَةَ، وَضَعُفَ مِنهُمُ الاتِّصَالُ، وَفَرَّطُوا في فَوَاتِحِ الخَيرِ، وَقَصَّرُوا في خَوَاتِمِهِ، وَغَفَلُوا عَن أَنَّهُ لَيسَ بَينَ الرَّجُلِ وَالكُفرِ وَالشِّركِ إِلاَّ تَركُ الصَّلاةِ، وَأَنَّ مَن تَرَكَ الصَلاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَد بَرِئَت مِنهُ ذِمَّةُ اللهِ، وَأَنَّهُ لا حَظَّ في الإِسلامِ لِمَن تَرَكَ الصَّلاةَ، وَأَنَّ صَحَابَةَ رَسُولِ اللهِ –صلى الله عيه وسلم- لم يَكُونُوا يَرَونَ شَيئًا مِنَ الأَعمَالِ تَركُهُ كُفرٌ غَيرَ الصَّلاةِ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: ألم تَرَوا أَنَّ رَبَّكُم لَمَّا أَرَادَ أَن يَفرِضَ عَلَى نَبِيِّكُمُ الصَّلاةَ فَرَضَهَا عَلَيهِ في السَّمَوَاتِ العُلَى حِينَ أَسرَى به مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى، ثم رَفَعَهُ إِلَيهِ وَقَرَّبَهُ، فَأَوحَى إِلَيهِ مَا أَوحَى، وَأَعطَاهُ مِنَ الخَيرِ حَتى رَضِيَ، ثم فَرَضَ عَلَيهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ الصَّلوَاتِ الخَمسَ؟!

ثم أَلم تَرَوا إِلى نَبِيِّكُم بَعدَ ذَلِكَ كَيفَ ظَلَّ مُتَمَسِّكًا بِهَذِهِ الصَّلاةِ، مُحَافِظًا عَلَيهَا، مُهتَمًّا بِأَمرِهَا، مُعَظِّمًا لِشَأنِهَا، حَتى كَانَت هِيَ آخِرَ مَا أَوصَى بِهِ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوتِ، حَيثُ قال مُنَادِيًا: "الصَّلاةَ الصَّلاةَ وَمَا مَلَكَت أَيمَانُكُم"؟!

ألم تَعلَمُوا: أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ أَكثَرُ الفَرَائِضِ في القُرآنِ ذِكرًا، وَأَنَّهَا مَا ذُكِرَت مَعَ فَرِيضَةٍ غَيرِهَا إِلاَّ قُدِّمَت عَلَيهَا؟!

أَلم تَعلَمُوا أَنَّهَا أَصلٌ وَغَيرَهَا فَرعٌ، لا يَقبَلُ اللهُ مِن تَارِكِهَا زَكَاةً، وَلا صَومًا وَلا حَجًّا، وَلا يَأجُرُهُ عَلَى صَدَقَةٍ، وَلا دَعوَةٍ وَلا جِهَادٍ، وَلا يُثِيبُهُ عَلَى أَمرٍ بِمَعرُوفٍ وَلا نَهيٍ عَن مُنكَرٍ، وَلا يَشفَعُ لَهُ عِندَهُ حُسنُ خُلُقٍ أَو طِيبُ تَعَامُلٍ؟!

أَلم تَرَوا كَيفَ افتُتِحَت بها صِفَاتُ المُؤمِنِينَ المُفلِحِينَ وَبها خُتِمَت، قَالَ سبحانه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُم في صَلاَتِهِم خَاشِعُونَ(2)﴾[المؤمنون:1-2] ثم قَالَ في آخِرِ صِفَاتِهِم: (وَالَّذِينَ هُم عَلَى صلاتِهِم يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون: 9-11].

إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ هِيَ صِلَتُكُم بِرَبِّكُم، إِنَّهَا نُورُ وُجُوهِكُم، وَسَعَةُ أَرزَاقِكُم: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾[طـه: 132].

إِنَّهَا صَلاحُ أَبدَانِكُم وَأَوطَانِكُم، وَزَكَاءُ أَروَاحِكُم، وَمَصدَرُ فَلاحِكُم، إِنَّهَا المَنهَاةُ لَكُم عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ، إِنَّهَا عَونُكُم عَلَى الشَّدَائِد،ِ وَقُوَّتُكُم في النَّوَازِلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة: 153].

إِنَّهَا المَفزَعُ لَكُم إِذَا حَزَبَتِ الأُمُورُ، وَالمَلجَأُ إِذَا مَسَّ اللُّغُوبُ، إِنَّهَا طُمَأنِينَةُ قُلُوبِكُم، وَشَرحُ صُدُورِكُم، كَانَ نَبِيُّكُم إِذَا حَزَبَهُ أَمرٌ صَلَّى، وَكَانَ يَقُولُ: "يَا بِلالُ، أَرِحْنا بها".

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: الصَّلاةُ لم يُرَخَّصْ في تَركِهَا لا في مَرَضٍ ولا في خَوفٍ، ولا في شَدِيدٍ مِنَ المَوَاقِفِ أو حَالِكٍ مِنَ الظُّرُوفِ، بَل أُمِرَ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيهَا حَتى في حَالاتِ القِتَالِ وَتَرَاصِّ الصَّفِّ، وَأُكِّدَ عَلَيهَا حتى في أَوقَاتِ المَرَضِ وَلَحَظَاتِ الضَّعفِ، قَالَ سبحانه: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ (238) فَإنْ خِفتُم فَرِجَالاً أَو رُكبَانًا فَإِذَا أَمِنتُم فَاذكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَا لم تَكُونُوا تَعلَمُونَ(239)﴾[البقرة: 238-284].

 وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ – رضي الله عنه – قَالَ: كَانَت بي بَوَاسِيرُ فَسَأَلتُ النَّبيَّ عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لم تَستَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم تَستَطِعْ فَعَلَى جَنبٍ".

اللهُ أَكبَرُ! يُصَلِّي المُسلِمُونَ رِجَالاً أَو رُكبَانًا، مُستَقبِلِي القِبلَةِ أَو غَيرَ مُستَقبِلِيهَا، وَالمَرِيضُ يُصَلِّي قَائِمًا، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَعَلَى جَنبِهِ.

فَمَاذَا بَقِيَ بَعدُ؟ لم يَبقَ إِلاَّ التَّشَاغُلُ عَنِ الصَّلاةِ وَالسَّهوُ عَنهَا، وَأَصحَابُ ذَلِكَ هُم المُتَوَعَّدُونَ بِقَولِ اللهِ -جل وعلا-: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُم عَن صَلاتِهِم سَاهُونَ(5)﴾[الماعون: 4-5].

لم يَبقَ إِلاَّ التَّكَاسُلُ، وَقِلَّةُ الذِّكر،ِ وَنُدرَةُ الفِكرِ، وَتِلكَ مِن صِفَاتِ المُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِم سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[النساء: 142].

لم يَبقَ إِلاَّ تَركُ الصَّلاةِ وَإِضَاعَتُهَا، وَتِلكَ هِيَ مُصِيبَةُ أَهلِ النَّارِ وَقَاصِمَةُ ظُهُورِهِم؛ فَإِنَّهُم حِينَ يُسأَلُونَ: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ(43)﴾[المدثر: 42-43].

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيلٌ يَومَئِذٍ للمُكَذِّبِينَ)[المرسلات: 48-49].

﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾[مريم: 59].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إن لِلصَّلاةِ في الدِّينِ المَنزِلَةُ العَلِيَّةُ، وَالرُّتبَةُ السَّنِيَّةُ، فَمَن أَتَى بها كَمَا أُمِرَ، وَأَدَّى حَقَّهَا وَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا، وَأَكمَلَ خُشُوعَهَا كَانَت قُرَّةَ عَينِهِ، وَحَلاوَةَ قَلبِهِ، وَانشِرَاحَ صَدرِهِ، وَتَيسِيرَ أُمُورِهِ، وَتَفرِيجَ كُرُوبِهِ، وَانفِتَاحَ الرِّزقِ عَلَيهِ، وَمَن تَهَاوَنَ بها أَو تَرَكَهَا وَضَيَّعَهَا فَقَد وَقَفَ عَلَى شَفَا جُرُفٍ مِنَ العَذَابِ، وَمَشَى عَلَى حَافَّةِ جِسرٍ مِنَ الضَّيَاعِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام: "خَمسُ صَلَواتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى العِبَادِ، فَمَن جَاءَ بِهِنَّ ولم يُضِيِّعْ مِنهُنَّ شَيئًا استِخفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِندَ اللهِ عَهدٌ أَن يُدخِلَهُ الجَنَّةَ، وَمَن لم يَأتِ بِهِنَّ فَلَيسَ لَهُ عِندَ اللهِ عَهدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدخَلَهُ الجَنَّةَ".

هذه هي الصلاة وهذا شيء من عظيم قدرها، الصلاة التي فرط فيها كثير من الشباب والفتيات، وتساهل فيها وأخرها عن وقتها بعض الزوجات في البيوت.

أَلا وَإِنَّ مِنَ المُحَافَظَةِ عَلَيهَا أَمرَ الأَهلِ بها وَالأَقرَبِينَ، وَبِخَاصَّةٍ مَن تَحتَ اليَدِ مِنَ البَنَاتِ وَالبَنِينَ: "فكلكم راع وكل مسئول عن رعيته".

قَالَ سبحانه: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾[طـه: 132].

بَلْ إِنَّهُ حَتى الصَّبيُّ الَّذِي لم يَبلُغِ الحُلُمَ لَهُ حَقٌّ أَن يُؤمَرَ بها وَيُعَوَّدَ عَلَيهَا وَيُؤَدَّبَ، قَالَ عليه الصلاة والسلام: "مُرُوا أَبنَاءَكُم بِالصَّلاةِ لِسَبعٍ، وَاضرِبُوهُم عَلَيهَا لِعَشرٍ".

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -رَحِمَكُمُ اللهُ-، و"استَقِيمُوا وَلن تُحصُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ خَيرَ أَعمَالِكُمُ الصَّلاةُ، وَلا يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤمِنٌ".

وَ"أَحَبُّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ الصَّلاةُ عَلَى وَقتِهَا".

وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ، وَمَا عِندَهُ مِنَ الرِّزقِ وَالتَّوفِيقِ لا يُنَالُ إِلاَّ بِالطَّاعَةِ، وَالذُّنُوبُ وَالمَعَاصِي هِيَ أَسبَابُ كُلِّ بَلاءٍ وَمَنشَأُ كُلِّ قِلَّةٍ وَذِلَّةٍ، وَلَن يَهلِكَ النَّاسُ حتى يُعذِرُوا مِن أَنفُسِهِم، وَالمُؤمِنُونَ الشَّاكِرُونَ مَوعُودُونَ بِالزِّيَادَةِ مُؤَمَّنُونَ مِنَ العَذَابِ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾[إبراهيم: 7].

﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾[النساء: 147].

وَمَن تَرَكَ الصَّلاةَ أَو تَهَاوَنَ بها فَمَا عَرَفَ الشُّكرَ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ، وَحَافِظُوا عَلَى الصَّلاةِ، وَاعرِفُوا قَدرَهَا وَلا تُضِيعُوهَا، فَإِنَّ مَن ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضيَعُ.

أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاقُو رَبّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ راجِعُونَ(46)﴾[البقرة: 45-46].

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه…

أما بعد:

فاتقوا الله..

أيها الإخوة في الله: لقد بات زماننا مضرب المثل في انتشار الأزمات والابتلاءات، فلم يعد كبير أو صغير، غني أو فقير، بمعزل عن حادث يعكّر عليه صفو حياته، ويثير أشجانه وأحزانه، بل صار الجميع في بؤرة الأزمة، يعيش مفرداتها بكل كيانه، ولا يكاد يخرج من أزمة حتى تتلقفه أخرى، فتتلاعب به رياح الأزمات حينًا بعد حين، وتتناوشه بمخالبها فتجرحه وتؤذيه.

ألا وإن الصلاة صلة ولقاء بين العبد والرب، صلة يستمد منها القلب قوة، وتحس فيها الروح صلة، وتجد فيها النفس زادًا أنفس من أعراض الحياة الدنيا، ولقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وهو الوثيق الصلة بربه الموصول الروح بالوحي والإلهام.

وما يزال هذا الينبوع الدافق في متناول كل مؤمن يريد زادًا للطريق، وريًّا في الهجير، ومددًا حين ينقطع المدد، ورصيدًا حين ينفد الرصيد: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾[البقرة: 45].

إن الاستعانة بالصلاة والسجود والركوع على كشف الكربات والبلايا، ودفع الأزمات والرزايا، ورفع الشدائد والملمات، تلك الاستعانة يحتاج إليها الضارب في الأرض كائنًا من كان؛ فهو في حاجة ماسة إلى الصلة الدائمة بربه، تعينه على ما هو فيه، وتكمل عدته وسلاحه فيما هو مقدم عليه، وما هو مرصود له في الطريق، والصلاة أقرب الصلات إلى الله، وهي العدة التي يدعى المسلمون للاستعانة بها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة: 153].

فما أحوج الخائف في الطريق إلى أن يطمئن قلبه بذكر الله، وما أحوج صاحب الأزمة إلى أن يلتجئ إلى حمى الله.

إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة، والعبادة فيه ذات أسرار، ومن أسرارها: أنها زاد الطريق، وأنها مدد الروح، وأنها جلاء القلب، وأنها قوة الفؤاد، وأنه حيثما كان تكليفٌ كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر.

إن الله – سبحانه – حينما انتدب محمدًا – صلى الله عليه وسلم – للدور الكبير الشاق الثقيل، قال له: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5)﴾[المزمل:1-5].

فكان الإعداد للقول الثقيل، والتكليف الشاق، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن، إنها العبادة التي تفتح القلب، وتوثق الصلة، وتيسر الأمر، وتشرق بالنور، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان.

ومن ثم يوجه الله المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام، إلى الصبر وإلى الصلاة، ويوجههم حال الأزمات والشدائد بالفزع إلى ربهم، بتمريغ الأنوف له، وإذلال الوجوه له، وسجود الجباه له، لكي تتصل الأرض بالسماء في مشهد مهيب من مشاهد المدد الإلهي الذي لا ينقطع.

فاللهم اشرح صدورنا، واملأ قلوبنا من حبك وخشيتك.