الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُصْطَلَحُ مُرَكَّبٌ مِنْ لَفْظَيْنِ تَرْكِيبَ إِضَافَةٍ: فِعْلٌ، وَالرَّسُول.
وَالْفِعْل بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَةِ: حَرَكَةُ الإِْنْسَانِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَمَلٍ، يُقَال: فَعَل الشَّيْءَ وَبِهِ يَفْعَلُهُ: عَمِلَهُ.
وَلاَ يَخْرُجُ التَّعْرِيفُ الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ ذَلِكَ.
وَالرَّسُول فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ الْمُرْسِل بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ بِالتَّسْلِيمِ أَوِ الْقَبْضِ، وَالَّذِي يُتَابِعُ أَخْبَارَ الَّذِي بَعَثَهُ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ، (1) قَال تَعَالَى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاَ إِنَّا رَسُول رَبِّ الْعَالَمِينَ} . (2)
وَمِنْ مَعَانِي الرَّسُول فِي الاِصْطِلاَحِ: الْوَاحِدُ مِنْ رُسُل اللَّهِ، وَالرَّسُول مِنَ الْبَشَرِ هُوَ: ذَكَرٌ حُرٌّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأَمَرَهُ بِتَبْلِيغِهِ (ر: رَسُول ف 1) .
وَإِذَا وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مُطْلَقًا بِلاَ قَرِينَةٍ يُقْصَدُ بِهِ: مَا نُقِل إِلَيْنَا مِنْ أَفْعَال الرَّسُول مُحَمَّدٍ ﷺ خَاصَّةً.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - قَوْل الرَّسُول:
2 - هُوَ مَا تَلَفَّظَ بِهِ الرَّسُول، وَإِذَا وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مُطْلَقًا عَنِ الْقَرِينَةِ أَوْ أُضِيفَ إِلَى رَسُول اللَّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَهُوَ مَا نُقِل إِلَيْنَا مِنْ أَقْوَالِهِ ﷺ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كِلَيْهِمَا فِيهِ إِعْرَابٌ عَنِ الْمُرَادِ، وَكِلاَهُمَا مِنْ أَقْسَامِ السُّنَّةِ، إِذَا أَضِيفَا إِلَى الرَّسُول ﷺ.
ب - تَقْرِيرُ الرَّسُول:
3 - تَقْرِيرُ الرَّسُول هُوَ مَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ عِلْمِهِ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ سَكَتَ عَنْهُ، أَوْ ظَهَرَتْ مِنْهُ عَلاَمَةُ الرِّضَا بِهِ، وَهُوَ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ عَنِ الْقَرِينَةِ أَوْ إِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُصْرَفُ إِلَى تَقْرِيرِ الرَّسُول مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ فِعْل الرَّسُول وَقَوْلِهِ وَتَقْرِيرِهِ أَنَّهَا جَمِيعًا مِنَ السُّنَّةِ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى الرَّسُول مُحَمَّدٍ ﷺ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِفِعْل رَسُول اللَّهِ ﷺ:
أَنْوَاعُ أَفْعَال الرَّسُول ﷺ:
4 - عُنِيَ عُلَمَاءُ الأُْصُول بِأَفْعَال الرَّسُول ﵊عِنَايَتَهُمْ بِأَقْوَالِهِ، فَتَكَلَّمُوا فِي دَلاَلَتِهَا عَلَى الأَْحْكَامِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي التَّأَسِّي بِأَفْعَالِهِ، وَتَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ، وَبَيَانِ الْمُجْمَل، وَالنَّسْخِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَفْعَال الرَّسُول ﵊ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
أَوَّلاً: جِبِلِّيٌّ، كَالأَْكْل وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَاللُّبْسِ، وَمَا شَاكَل ذَلِكَ.
ثَانِيًا: قُرَبٌ، كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ.
ثَالِثًا: مُعَامَلاَتٌ، كَالْبَيْعِ وَالزَّوَاجِ.
فَالأَْفْعَال الْجِبِلِّيَّةُ لاَ يَقْتَضِي فِعْلُهُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ إِبَاحَتِهَا اتِّفَاقًا.
أَمَّا غَيْرُهَا، فَإِنْ ثَبَتَتْ خُصُوصِيَّتُهُ بِهَا بِدَلِيلٍ، كَانَتْ خَاصَّةً بِهِ، وَلَيْسَتْ أُمَّتُهُ مِثْلَهُ فِيهَا، كَمُوَاصَلَةِ الصَّوْمِ، وَالزَّوَاجِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَفْعَالُهُ مُخْتَصَّةً بِهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا بَيَانٌ لِمُجْمَلٍ، أَوْ تَقْيِيدٌ لِمُطْلَقٍ، أَوْ تَخْصِيصٌ لِعَامٍّ، كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَهُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنْ عُرِفَتْ صِفَتُهُ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إِبَاحَةٍ، فَإِنَّ أُمَّتَهُ فِي ذَلِكَ مِثْلُهُ، لأَِنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ كَانُوا يَرْجِعُونَ إِلَى فِعْلِهِ احْتِجَاجًا وَاقْتِدَاءً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3) ، وَالتَّأَسِّي: أَنْ تَفْعَل مِثْل مَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ.
أَمَّا الْفِعْل الْمُجَرَّدُ مِنَ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى وُقُوعِهِ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ عَلَيْنَا اخْتِلاَفًا طَوِيلاً، فَمِنْ قَائِلٍ بِالْوُجُوبِ عَلَيْنَا، وَمِنْ قَائِلٍ بِالنَّدْبِ، وَمِنْ قَائِلٍ بِالإِْبَاحَةِ، وَمِنْ قَائِلٍ بِالتَّوَقُّفِ. (4) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِفِعْل الرَّسُول ﷺ:
5 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِفِعْل الرَّسُول ﵊، وَقَال الْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: هَذَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ، أَمَّا إِذَا قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فَلاَ يُتَصَوَّرُ التَّخْصِيصُ، لأَِنَّهَا غَيْرُ دَالَّةٍ عَلَى شَيْءٍ، وَقَال الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْمَنْعِ إِذَا فَعَلَهُ مَرَّةً، لاِحْتِمَال أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ، أَمَّا إِذَا تَكَرَّرَ فَإِنَّهُ يُخَصَّصُ بِهِ الْعَامُّ بِالإِْجْمَاعِ (5) . بَيَانُ الْمُجْمَل بِفِعْل الرَّسُول ﵊:
6 - اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الأُْصُول فِي وُقُوعِ بَيَانِ الْمُجْمَل بِفِعْل الرَّسُول ﷺ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَقَعُ بَيَانًا لَهُ، وَمَنَعَهُ إِسْحَاقُ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَفِي الْمَحْصُول: لاَ يُعْلَمُ كَوْنُ الْفِعْل بَيَانًا لِمُجْمَلٍ إِلاَّ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ:
أَوَّلاً - أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ قَصْدِهِ ﷺ.
ثَانِيًا - أَوْ بِالدَّلِيل اللَّفْظِيِّ، كَقَوْلِهِ مَثَلاً: هَذَا بَيَانٌ لِهَذَا الْمُجْمَل.
ثَالِثًا: أَوْ بِالدَّلِيل الْعَقْلِيِّ: بِأَنْ يَذْكُرَ الْمُجْمَل وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَى الْعَمَل بِهِ، ثُمَّ يَفْعَل فِعْلاً يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لَهُ.
وَقَال صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الأَْحْمَرِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنَّ الْفِعْل يَصْلُحُ بَيَانًا بِشَرْطِ انْضِمَامِ بَيَانٍ قَوْلِيٍّ إِلَيْهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ صَلَّى ثُمَّ قَال: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي (6) فَصَارَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ} ، (7) وَاشْتَغَل بِأَفْعَال الْحَجِّ ثُمَّ قَال: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، (8) أَمَّا الْفِعْل الْمُجَرَّدُ فَلاَ يَصْلُحُ لِلْبَيَانِ، لأَِنَّهُ بِذَاتِهِ سَاكِتٌ عَنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَلاَ تَتَعَيَّنُ وَاحِدَةٌ إِلاَّ بِدَلِيلٍ، قَال: اللَّهُمَّ إِلاَّ إِذَا تَكَرَّرَ الْفِعْل عِنْدَهُ فَيَحْصُل بِهِ الْبَيَانُ (9) .
وُرُودُ قَوْلٍ وَفِعْلٍ بَعْدَ الْمُجْمَل:
7 - إِذَا وَرَدَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ بَعْدَ الْمُجْمَل، وَكِلاَهُمَا صَالِحٌ لِبَيَانِهِ، فَإِنِ اتَّفَقَا فِي الْحُكْمِ وَعُلِمَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْمُبَيِّنُ - قَوْلاً كَانَ أَوْ فِعْلاً - وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَلاَ يُقْضَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ بِعَيْنِهِ، بَل يُقْضَى بِحُصُول الْبَيَانِ بِوَاحِدٍ لَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ، وَهُوَ الأَْوَّل فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الأَْمْرِ، وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُبَيِّنَ هُوَ الْقَوْل، سَوَاءٌ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفِعْل أَمْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، كَأَمْرِهِ ﵊ الْقَارِنَ بَعْدَ تَشْرِيعِ الْحَجِّ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا، (10) وَرُوِيَ أَنَّهُ ﵊ قَرَنَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، (11) وَيُحْمَل الْفِعْل عَلَى النَّدْبِ، لأَِنَّ دَلاَلَةَ الْقَوْل عَلَى الْبَيَانِ بِنَفْسِهِ، بِخِلاَفِ الْفِعْل، فَإِنَّهُ لاَ يَدُل إِلاَّ بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِ الْقَوْل إِلَيْهِ. (1)
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
تَعَارُضُ فِعْلَيْنِ:
8 - إِذَا حَصَل مِنَ الرَّسُول ﷺ فِعْلاَنِ مُخْتَلِفَانِ، كَأَنْ صَامَ يَوْمَ السَّبْتِ مَثَلاً، ثُمَّ أَفْطَرَ فِي سَبْتٍ آخَرَ، فَلاَ يُقَال بِتَعَارُضِ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ، لأَِنَّهُ لاَ عُمُومَ لِلأَْفْعَال، أَمَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِالْفِعْل الأَْوَّل مَا يَدُل عَلَى حُكْمِهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ، وَتَكَرَّرَ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ، فَالثَّانِي مِنَ الْفِعْلَيْنِ نَاسِخٌ لِمَا اسْتُفِيدَ مِنْ حُكْمِ الْفِعْل الأَْوَّل. (2)
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) لسان العرب، ومتن اللغة، وتاج العروس.
(2) سورة الشعراء / 16.
(3) سورة الأحزاب / 21.
(4) الفصول من الأصول 3 / 215 وما بعدها، وحاشية البناني 2 / 96 وما بعدها، والتحصيل من المحصول تحقيق محيي الدين عبد الحميد 1 / 436 وما بعدها والمستصفى للغزالي 2 / 214 وما بعدها.
(5) البحر المحيط 33 / 387 - 389، وحاشية البنان على شرح المحلي على متن جمع الجوامع 2 / 31، والمستصفى للغزالي 2 / 106 - 107.
(6) حديث: " صلوا كما رأيتموني أصلي " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 111) من حديث مالك بن الحويرث.
(7) سورة البقرة / 43.
(8) حديث: " خذوا عني مناسككم ". أخرجه مسلم (2 / 943) ، والبيهقي (5 / 125) من حديث جابر واللفظ للبيهقي.
(9) البحر المحيط 3 / 486 وما بعده، والتحصيل من المحصول 1 / 419.
(10) حديث: " أمره القارن أن يطوف طوافًا واحدًا ". أخرجه الترمذي (3 / 275) من حديث ابن عمر، وقال: حديث حسن صحيح غريب.
(11) حديث: " أنه قرن فطاف لهما طوافين ". أخرجه الدارقطني (2 / 258) من حديث ابن عمر، ثم ذكر أن في إسناده راويًا متروكًا.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 188/ 32